بقلم د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
الكويتي الذي أصبح وزيرا في العراق
05/ 03 / 2018
http://nala4u.com
تعرفت
على صفاء الدين الصافي لأول مرة في عام 2008، عندما كنت عضوا في لجنة
إعداد قانون المعاهدات في العراق، ممثلا عن وزارة الخارجية. وكانت هذه
اللجنة تجتمع بشكل أسبوعي، وفي بعض الأحيان مرة واحدة في الشهر. وكانت
اللجنة برئاسة الصافي بإعتباره وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، ووزير العدل
وكالة، على الرغم من أنه لم يزر وزارة العدل يوم واحد، طيلة توليه هذا
المنصب قرابة السنتين. كما إنه كان يتولى منصب وزير التجارة وكالة أيضا.
وهذه إحدى مصائب حكومة المالكي الذي كان يكلف أتياعه الفطاحل بإدارة ثلاث
وزارات دفعة واحدة.
وكانت اللجنة تضم بالإضافة له د. فاضل الجشعمي
المستشار القانوني لرئيس الوزراء نوري المالكي آنذاك. وكذلك د. عباس
الساعدي رئيس الدائرة القانونية في مجلس الوزراء والذي لم يكن يحضر إلا
نادراً. ومن وزارة العدل كانت تحضر إحدى مستشارات مجلس شورى الدولة وتدعى
ذكرى (على ما أذكر) وكنت أنا أمثل وزارة الخارجية لكوني رئيس قسم المعاهدات
فيها.
وفي المرة الأولى التي حضرت فيها معهم، سألت الصافي عن شهادته
للدكتوراه فأثار دهشتي عندما قال إنها في القانون الدولي. فقلت أنا على صلة
بكليات القانون في العراق منذ عام 1977 لم أراك أو اسمع بك. فإدعى أولا
أنه قد حصل عليها في لندن، ثم قال لاحقا إنها من القاهرة، وحتى يومنا هذا
لم أتأكد من شهادته. ولكن مداخلاته في اللجنة لا تشير إلى أي إطلاع قانوني
أو معرفة قانونية. على العكس من الجشعمي الذي مارس النشاط القانوني رئيسا
للدائرة القانونية في التصنيع العسكري في عهد صدام حسين، كما قيل لي في
اللجنة انذاك. وكان الجشعمي حاد الطبع داخل اللجنة، وعندما خاطبت الصافي،
كما هي العادة في بروتوكول الخارجية بعبارة: يا معالي الوزير. صرخ الجشعمي
منذ البداية قائلا: أي معالي؟ لا تقولها مرة ثانية. فدمدم الصافي قائلا:
إنهم يحرمون علينا حتى عبارة الوزير. ولكنه كان في كل الأحوال يخشى الجشمعي
وهذا ما لم أعرف كنهه. أما الساعدي الذي حضر ذات مرة، فكان على عكس د.
فاضل يقَبِّل أكتاف الصافي مع عبارة: دخيلك يا السيد ودخيل جدك. وربما من
باب التندر أو الولاء الشيعي.
وفي عام 2012 رشح الدكتور فاضل الجشعمي
لمنصب أمين عام المساعد للجامعة العربية، وقد أرسلت له تهنئة شفوية مع أحد
الأصدقاء وقد برر ذلك بأنهم قد ألجأوه ودفعوه إلى ذلك للتخلص منه ومن
إنتقاداته في مجلس الوزراء.
تركت هذه اللجنة في شهر تشرين الأول عام
2009 عند نقلي إلى بعثة العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف بسويسرا. ولم يمض
شهر حتى جاء الصافي إلى جنيف موفدا لحضور المؤتمر الوزاري السابع لمنظمة
التجارة العالمية ومقرها جنيف. ولما كنت قد توليت مهمة القائم بالأعمال
المؤقت، فقد أعددنا لاستقباله في صالة الشرف بالمطار. نزل الوفد العراقي
برئاسة الصافي بصفته وزير التجارة وكالة. وقد ضم الوفد عدد من المدراء
العامين في تلك الوزارة، وعندما جلس الوفد العراقي لبعض الاستراحة وتناول
القهوة، أشار الصافي إلى امرأة محجبة تماما بالجلوس بعيدا عن الوفد، وقد
إستغربت من ذلك، وسألته إذا كانت ضمن الوفد فلتجلس معه. إلا إنه قال إنها
زوجته (أم محمد). تفهمت الأمر، وما هي إلا ثوان حتى جاء مسؤول البروتوكول
في البعثة طالبا التحدث مع على إنفراد. فقال إنه يواجه مشكلة بسيطة وهي أن
زوجة الصافي تحمل جوازا كويتيا، وأن الجانب السويسري يستفسر عن إمكانية
وجود شخص كويتي مع وفد عراقي. فتدخلت شخصيا وجرى تمشية الأمور.
جرى حجز
إقامة الوفد في فندق كمبنسكي الشهير والواقع على بحيرة جنيف. وهناك أيضا
أثار الصافي مشكلة أخرى فطلب حجز أغلى غرفة له وكان سعرها يزيد على (2000)
ألفي دولار يوميا. وطلب أحد أعضاء الوفد أن تكون غرفته مزدوجة لأن زوجته
ستلتحق به من لندن، حيث أنه بريطاني الجنسية وما زالت عائلته تقيم هناك.
وقد
حرص الصافي طيلة أيام الزيارة على إستغلال أي مناسبة للحديث ضد الدكتور
الجشعمي، وأذكر أنه في يوم المغادرة وقفنا أمام البعثة في إنتظار السيارة
التي ستقله للمطار، سألني فيما إذا كانت بناية البعثة عائدة للحكومة
العراقية؟ ولما أجبته بالإيجاب قال: أن هناك أملاك وممتلكات كثيرة في
العالم باسم صدام حسين. ولما أكدت له أنها ليست باسم صدام حسين، ولو كانت
كذلك لكان بإمكان أي من أولاده وأحفاده إنتزاع ملكيتها من العراق؟ فقال:
ربما هي بأسماء أشخاص أخرين، فبعض الأملاك العقارية كان قد سجَّلها صدام
حسين بإسم الدكتور فاضل الجشعمي الذي تعرفه. وهكذا كان نظام الحكم الجديد
في العراق يحرض على الإساءة إلى صدام حسين للتغطية على فضائحهم وإنتهاكاتهم
وسرقاتهم وفسادهم الذي ملأت أخبارها وسائل الإعلام على الصعيدين المحلي
والعالمي.
حضر الصافي إلى جنيف عدة مرات موفدا على حساب الحكومة
العراقية، وأخر مرة رأيته فيها كان في مؤتمر تدويل جرائم الإبادة الجماعية
في ظل النظام السابق برفقة وزير حقوق الإنسان سابقا محمد شياع السوداني،
الذي عقدته وزارة حقوق الإنسان في جنيف للفترة من 19-20 أيلول 2012. وقد
أخبرت السفير محمد علي الحكيم الذي قد إعتاد التهرب من هذه المؤتمرات على
الرغم من أنه ممثل العراق الدائم في جنيف، حول تلك المشكلة البسيطة في
المراسم، فقال: أن الصافي مولود في الكويت. فقلت ولكنه يقول بأنه من مواليد
البصرة؟ فنفى ذلك وأكد ولادته الكويتية.
وفي صيف 2013 دعاني الصديق
محمد حسن العضاض المقيم في جنيف للقاء النائب عباس الموسوي وهو من المقربين
للمالكي وقد دار الحديث عن جنسية صفاء الدين الصافي فأفاد الموسوي أن
الصافي جنسيته كويتية، وأنه يقيم في الكويت منذ وقت طويل وإنه كان يعمل
محاسباً في إحدى الشركات الكويتية، وما زال يتقضى راتبه منها حتى يومنا
هذا.
وبعد أكثر من عشر سنوات إتضح أن هذا الشخص هو إبن عمة عمار الحكيم
رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية سابقا، ورئيس تيار الحكمة الأن. وهذا
يعطينا صورة عن أمرين رئيسيين هما:
1. دور الدول العربية المجاورة
للعراق في إحتضان هذه الجماعات التي تختلف معها فكريا ومذهبيا وعقائديا
بقصد الإنتقام من العراق كدولة وكشعب، معتقدين أنهم بذلك يثأرون من صدام
حسين.
2. أن العراق الآن واقع تحت حكم العوائل التي مدَّت أذرعها
كالأخطبوط، وإن القضاء عليهم يقتضي القضاء على حكم هذه العوائل. لا سيما
وأن سفير العراق في القاهرة حالياً هو السيد محمد حبيب الصدر (خال عمار
الحكيم).
واليوم تتناقل الأخبار ترشيح صفاء الصافي لمنصب أمين عام
المساعد للجامعة العربية بديلا عن فاضل الجشعمي. وهذا يعطي الإنطباع الأولي
أن الجامعة العربية إنما تقف ضد تطلعات الشعب العراقي وتدعم الحكومات
الظالمة والعميلة كما دعمت صدام حسين حتى النهاية. كما يشير إلى حقيقة قرب
نهاية هذا النظام الذي إستمر لأكثر من عقد ونصف دون أن يحقق شيئاً للعراق
والعراقيين بل أمعنوا في تدميره وسرقة ثرواته. وكما يقول المثل -قياسا مع
الفارق- أن الفئران أول من يفر من السفينة التي وشك على الغرق. وقد سبقه من
ذات العائلة (عائلة الحكيم) محمد علي الحكيم سفير العراق السابق في
نيويورك، الأمريكي من أصل عراقي الذي رشحه إبراهيم الجعفري لمنصب المدير
التنفيذي لمنظمة الأسكوا في نيسان 2017.
وهنا وبعد كل هذه الحقائق، لا
يحق لنا كعراقيين أن نستغرب من كل الدمار الذي جرى على بلدنا ما دام
الأجانب يحكمون العراق منذ 2003، وإذا كان محاسب كويتي قد أصبح وزيرا في
العراق، ويبقى العراقيون على أمل مجيء حكومة من الوطنيين الحريصين عل
بلدهم.
ومن حقنا أن نتساءل: كم أجنبي مثل الصافي ما زال يتولى مناصب
سيادية في العراق؟ وكم من أمثاله ما زالوا يتنعمون بخيرات العراق وينقلون
ثرواته إلى الخارج؟ وهذا ما يجعلنا ندرك لماذا سعى هؤلاء الأجانب لطرد
أبناء العراق بالتهديد والوعيد والتفجيرات بفعل ميليشياتهم الإجرامية التي
لا تقل إرهابا عن القاعدة وداعش.
د. رياض السندي
كاليفورنيا في 5/3/2018