بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (10)
03 / 11 / 2017
http://nala4u.com
(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمزأرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية,التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بها الحجارة والآثاروفن العمران والكتابات المكتشفة على أرضه والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذاالموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشورفخروكنز وزينة يملىء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة).
في هذا الجزء نواصل البحث في الأناشيد- الملاحم- الأساطير تكملة للجزء التاسع وكما ذُكر سابقاً (فأن ملحمة كلكامش تحفة أدبية خالدة لا تضاهيه في الأدب العالمي أي عمل أدبي آخرهذا ما يؤكده الباحثون في علم الآشوريات ويشاطرهم هذا الرأي بدون تحفظ الأدباء والكتاب العالميين.وبهذا يعترفون بأولية الأدب الجميل في بلاد ما بين وتعتبرملحمة كلكامش أكثر شهرة,ممثلة لهذه الآداب الرائعة.ليس الأخصائيين بعلم الأشوريات يرغبون ويبحثون لمعرفة منابع نشوء هذه الآداب الجميلة،وإنما المهتمين بعلم الأدب العالمي أيضاً).الملاحم والأساطير كانت أقل عدداً مقارنة مع نصوص العلائم والأدب الكلامي التي عثر عليها في أطلال مكتبة(آشور بانيبال)وفي مواقع أخرى,إلا أنها كانت تمثل قمة إبداع أدبي رائع.وكان التمايز الشكلي بين الملاحم والأساطير يكمن في أن الملاحم تعني بأعمال الأبطال,التي تجري في عالم الإنسان,رغم انطوائها على قدر كبير من الغيبيات بينما الأساطير تعالج أموراً ذات طابع إلهي.وكانت السمات الجوهرية للأساطير تكمن في مبدأين أساسيين ألا وهما تفسير منشأ النظام الكوني والسمة الأخرى معالجة التوترات التي تنشأ على الصعيد الإجتماعي او السياسي او الشخصي,وبشكل خاص كانت مواضيع الأسطورة تبحث في المجالات التالية: أصل الكون, خلافات الآلهة,خلق الإنسان,النظام الإجتماعي.أكثرالأساطيرأهمية في بلاد ما بين النهرين في الألف الأول قبل الميلاد كانت “اسطورة الخلق” التي يدور حولها “مهرجان رأس السنة” في مدينة بابل وهي بحد ذاتها كانت تتكون من عدد من اساطير قبلها تم دمجها بشكل يتناسب مع هدف تمجيد الإله “مردوك”إله بابل ومن ثم الإله آشور حاكم الكون.
أسطورة الخلق (أينوما إيليش)
تدورأحداث ملحمة “الأينوما إيليش”حول قصة خلق الكون والإنسان بعد صراع طويل بين الآلهة.وتتألف هذه الملحمة من 1100 سطر تم تجميعها من حوالي ستون نسخة تم اكتشافها في أماكن عديدة، هناك عدة نسخ للملحمة في بابل وآشورولاسيما في مكتبة الملك أشور بانيبال (673 – 668 ق.م).وقد كتبت على سبعة ألواح فخارية وكل لوح يحتوي من 115 إلى 170 ىسطراً.وقد اكتشفها هنري لايارد في عام 1849 أثناء حفريات التنقيب في أطلال مكتبة آشوربانيبال في نينوى وطبعها جورج سميث.وتعد ملحمة الأينوما إيليش إلى جانب ملحمة كلكامش من من أقدم وأروع الأبداعات الأدبية التي سجلت في بداية الألف الثاني قبل الميلاد,أي قبل ألف وخمسمائة سنة تقريبا من كتابة الإلياذة وتدوين اسفار التورات العبرانية.وإسم الملحمة مأخوذ من الكلمات الإفتتاحية في النص فأينوما إيليش تعني (فعندما في الأعالي لم يكن هناك سماء.. وفي الأسفل لم يكن هناك أرض…و لم يكن في الوجود سوى المياه الأولى ممثلة في ثلاثة آلهة (أبسو) المياه العذبة و( تعامة) و (ممو).” فأبسو”هو الماء العذب “وتعامة”زوجته كانت الماء المالح أما “ممو” فيعتقد البعض من الباحثين بأنها الأمواج المتلاطمة الناشئة عن المياه او الضباب المنتشر فوق تلك المياه.
في البدء كانت الإلهة “نمو” ولا أحد معها، وهي المياه الأولى التي انبثق عنها كل شي
أنجبت الإلهة “نمو”ولداوبنتا.الأول”آن” إله السماء المذكر والثانية “كي”إله الأرض المؤنث وكانا ملتصقين مع بعضهما وغير منفصلين عن أمهما “نمو”
ثم قام “آن” بالزواج من “كي” فأنجبا بكرهما “أنليل” إله الهواء الذي كان بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة.
“إنليل” الإله الشاب النشط لم يتحمل ذلك السجن فقام بقوته الخارقة بفصل أبيه “آن”عن أمه “كي”، فرفع الأول فصار “سماء”، وبسط الثانية فصارت أرضا.ومضى يرتع بينهما
ولكن “إنليل” كان يعيش في ظلام دامس،فأنجب “إنليل” ابنه “نانا” إله القمر، ليبدد الظلام وينير الأرض.” نانا” إله القمر أو”سين” أنجب بعد ذلك “أوتو” أو “شمش” إله الشمس.وبعد أن ابعدت السماء عن الأرض،وأنبعث نور القمرالخافت وضوء الشمس الدافئ، قام “إنليل” مع بقية الألهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى.
حين السموات في الاعالي لم تكن قد دعيت بعد
ولا كان للارض في الاسافل اسم يطلق عليها
(ابسو) الواحد الاول،ومنجبتهم وصانعتهم( تيامة)
التي ولدتهم جميعا ومزجت مياههم معا
لكنها لم تشكل المروج، ولا اكتشفت غياض القصب
ولا اسماء اعلنت، ولا اقدار رسمت
عندها ولد” آلهة” في داخلهم
انبثق ” لحمو لحامو” واعلنت اسماؤهم
وما ان نضجوا واكتمل تكوينهم ،
حتى ولد “انشار كيشار” وتفوقا عليهم
امضيا الايام حتى تمامها واضافا على السنين سنينا
“انو” اول مواليدهما نافس اسلافه
فقد صنع “انشار” وليده “انو” شبيها له
كما انجب “انو” (نوديميد ) على شاكلته
و”نوديميد” تفوق على اسلافه
عميق المدارك حكيما قوي الساعدين
انشار” الذي أنجبه. تفوق قدرته بكثير قدرة سلفه “
آلهة ولم يكن له منافس بين اترابه
من أهم القضايا الأساسية التي يمكننا أستنتاجها من هذه الملحمة الرائعة هي الأفكار والعبقرية الفائقة على التحليل وعلى النظام الكوني وعلاقة كافة المكونات مع بعضها البعض والتأثيرالذي تحدثه مختلف الشخصيات أو الآلهة في بناء حياة منتظمة من أجل سيادة الإنضباط وتأمين استمرارية البقاء والتطورفي الكون بالرغم من كل التناقضات والصراعات المختلفة بين القوى العديدة.وهذه الملحمة ما زالت قيد التحليل من قبل المهتمين بها وقد قدمت تفاسير كثيرة وتطرق إليها العديد من المؤرخين ولها ترجمات عديدة.
والملحمة الأكثر أهمية في بلاد ما بين النهرين هي ملحمة كلكامش وتأكد الوقائع بأنه فعلاً كان هناك شخصاً بهذا الأسم وكان حاكم مدينة “أوروك” في آوائل الألف الثالثة قبل الميلاد,حيث كُتب العديد من الملاحم المختلفة حول شخصية كلكامش وفي بداية الألف الثانية قام شاعر بابلي ودون تلك الملاحم باللغة الأكادية ودمج هذه الملاحم بعضها مع البعض حيث ابدع في خلق ملحمة متكاملة وربط ذلك بذكاء ب “قصة الطوفان” التي لم يكن يجمعها قبلاً أي جامع مع كلكامش.هنالك أموروأحداث متعددة في الملحمة,لكن المحور الرئيسي تجري فيه الأحداث حول الخلود أي مسألة موت الإنسان وسعي الإنسان لجعل نفسه مساوياً للآلهة الخالدين والفشل المؤكد لهذا الهدف عبروصول الإنسان إلى لحظة الموت الحتمي.وقد تشكلت حول شخصه العديد من الحكايات الأسطورية والبطولية،ألتي تسرد أخبارأعماله الخارقة،وسعيه المستميت إلى معرفة سر الحياة الخالدة,والفكرة الأخرى وهي في غاية الأهمية أيضاً ألا وهي العلاقات الإنسانية أي الصداقة التي بدونها لا يمكن الخوض في مغامرات الحياة والكفاح من أجل تحقيق النجاحات والطموحات والأهداف من أجل العيش بشكل أفضل.
وقد عثر على أجزاء من الملحمة خارج بلاد ما بين النهرين مما يؤكد على إنتشارها على نطاق واسع.ويؤكد مؤرخو الحضارات القديمة على أن الحضارة الأغريقية (الهيلينية) إنما استمدت اصولها من حضارتي مصر الفرعونية وحضارة بلاد مابين النهرين,وقدم العديد منهم شواهد كثيرة على انتقال الآداب الآشورية البابلية إلى اليونانة ” الأغريقية” ليبنى على اساسها آدب الملاحم الشعرية الخالدة- في فترة تسبق الألف الأولى قبل الميلاد.وقد بدا لهم بوضوح كاف أن شعراء الأغريق وأدبائهم الآوائل كانوا يلمون الماما كافيا بالقصص والملاحم والأساطير الآشورية البابلية وأنهم تداولوها وتأثروا بها.وفي مقدمتها ملحمتا “كلكامش ” و “إينوما إيليش” كما تتضمن نصوص مكتبة “آشور بانيبال” الكثير من الملاحم الأخرى التي كانت تخلد انتصارات ملوك من العصر الآشوري الوسيط.
ملحمة كلكامش إبداع أدبي شعري راقي من الطراز الممتاز اكتشفت في عام 1853 في موقع مكتبة آشوربانيبال الملكية في نينوى وهي مدونة بالخط المسماري على أحدى عشر لوحا طينيا.ويحتفظ بالالواح الطينية التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني.
وفي عام 1870 عكف جورج سميث على ترجمة ملحمة كلكامش إلى اللغة الإنكليزية وهو عالم الأثار المتخصص في علم الآشوريات وقد توفى في عام 1876.
وتعد ملحمة كلكامش من أهم وأكمل عمل إبداعي أسطوري شعري،كتبت سطوره منذ العهد السومري في المرحلة الواقعة بين (2750و2350) قبل الميلاد عن الملك كلكامش الذي عاش في مدينة أوروك الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وقد تشكلت حول شخصه باقة من الحكايات الأسطورية والبطولية،التي تسرد أخبارأعماله الخارقة،وسعيه المستميت إلى معرفة سرالحياة الخالدة وبلوغ أعلى الدرجات ليبقى الإنسان حياً خالداً.
وملحمة كلكامش تعكس لنا طبيعة الحياة الأجتماعية والسياسية وإدارة شؤون الدولة وكيفية إتخاذ قرار الحرب والسلم وطبيعة الأختلاف في التفكير بين جيل الشباب والشيوخ والمعتقدات السائدة في ذلك العصر,والكفاح المستميت
لوح الطوفان من ملحمة كلكامش:
لقد كُتب عن هذه الملحمة دراسات كثيرة من قبل المهتمين في مختلف بقاع العالم وقدمت تحاليل رائعة وشرح الأفكار الخالدة الواردة في الملحمة.ومع ذلك مازال تظهربين الفينة والأخرى بعض الأبحاث عن مضمون هذه الملحمة التي يجد فيها الباحثون أفكارأسطورية تستمد قوتها بفعل تطابقها على واقع حياة البشروأفكارهم على وجه الكرة الأرضية في الزمن الحاضر.والمسألة الأخرى التي تشغل أفكار الناس الحالة الميتافيزقية او ما وراء الخيال اوعالم الغيب,وبهذا الصدد ما زال الإنسان الحالي يطرح الأسئلة الكثيرة عن معنى الحياة وما الذي يحصل بعد الموت وهذه الأفكار التي تشغل بال الناس يدفع ببعض الباحثين لإيجاد الجواب غير العلمي( ربما في المستقبل غير المنظورقد يصل الإنسان إلى براهين علمية مقنعة)على هذه التسائلات التي قد تُطمئن أو تقلق الإنسان أكثر.ومما ذكر فهذه الملحمة الخالدة هي نتاج واقع حياتي عاشه الإنسان في بلاد ما بين النهرين منذ الأزل وبين أفكار الخيال الأسطوري المشوق منها والمحزن.وكما هي الحالة النفسية التي مرّ بها كلكامش عندما فقد صديقه الوفي “أنكيدو”.وهذه الحالة النفسية يعيشها إنسان اليوم أيضاً بفقدان أحدى الأحبة على قلبه.والأفكار الغنية والتشعب في طرح كافة القضايا التي كانت تهم الإنسان القديم.وما زالت هذه الأمورهي في محور أفكار الناس في عصرنا,الكفاح من أجل إزالة الفوارق الإجتماعية بين البشر وكذلك مسألة المعتقدات والمقدسات,وحرية التعبيرعن الرأي,والتأكيدعلى الأختلاف على قاعدة المساواة بين الجميع بين الحاكم والمحكوم.وأن تكون المهام المناطة باالإنسان حسب مقدراته أي الإنسان المناسب في المكان المناسب وأن لا يكون عبر أستخدام التسلط بوسائل القمع والقتل والدمار.والملحمة تطرح مسألة هامة أخرى أيضا الشجاعة وعدم الإستسلام للخوف والجرأة على مواجهة الآلهة وفي عصرنا هذا مواجهة طغاة السلاطين.
ملحمة كلكامش تقدم لنا صورة واضحة عن كيفية إدارة شؤون الدولة وأتخاذ القرارات بشأن القضايا المصيرية مثل مسألة الحرب والسلام, حيث نجد صورة واضحة لطريقة الحكم عندما أرسل(آجا) حاكم مدينة كيش مبعوثين إلى اوروك، يحملون معهم إنذاراً نهائياً لتسليم اوروك للملك الغازي،وكان قرارالشيوخ بتسليم المدينة،ولكن مجلس الشباب أجتمع وبحث هذه القضية المصيرية ولم يوافق على تسليم المدينة للغازاة،وقد أثبتت وقائع الحياة صحة قرارهم التاريخي.
إن رسل “أجا” بن “أنميبارا جيسي”
ساروا من كيش إلى كلكامش في اوراك
وقال لهم:
علينا إلا نذعن لبيت كيش ولنحارب بالسلاح
لكن مجلس شيوخ المدينة المنعقد أجاب كلكامش
لنذعن إلى بيت كيش ولا نحارب بالسلاح
إن كلكامش سيد كللاب مرة أخرى
عرض الأمر على محاربي المدينه وطلب القرار
فأجاب مجلس المحاربين المنعقد كلكامش
لن نذعن لبيت كيش ولنضربه بالسلاح
هذا الأسلوب في إدارة شؤون الدولة يوضح لنا المستوى الراقي في إتخاذ القرارات,وبأنه لا يمكن لأي حاكم العبث بحياة البشر من أجل الحفاظ على سلطته ومصلحة أعوانه.وهوأيضاً تأكيدعلى حرية الرأي والممارسةالديمقراطيةعلى أعلى المستويات.حيث نجد من خلال أجزاء من الملحمة معارضة أراء ومواقف مسؤولي الدولة أي مجلس الأعيان بدون التعرض إلى عقوبات بحق من ينتقد او يهاجم شخص ما يحمل مسؤولية في جهاز الدولة.
ونجد في مكان آخر في اجتماع مجلس الشيوخ مناقشة أمر سفر كلكامش وصديقه أنكيدو إلى غابة الأرز:
في الساحة العامة أجتمع الشيوخ
أنت شاب، والشباب كثير الحماسة
أنت طموح وطموحك ذهب بك بعيدا
سمعنا بان خمبابا لا كسائر الخلائق
أسلحته ثقيلة لا تقهر
لخمبابا زئير كهدير الطوفان
النار تنبعث من فمه، يتنفس موتا
لا احد يجرؤ على الوقوف في وجهه
وهنا نقداً لمجلس الشيوخ الذين لم يرق للناس تصرفاتهم وربما أفكارهم او تقاعسهم في أداء مهامهم بالشكل المطلوب.
أشراف اوروك كئيبون في منازلهم
طغيانهم لا يكبح لا بالنهار أو الليل
نواحهم أناتهم بلغت مسامع الآلهة في السماء
دعوة الإلهة عشتار للقران بكلكامش يظهر قدرة وعظمة الرجل الشجاع والحكيم والقادر على تحطيم كافة الصعوبات التي تواجهه.
تعال يا جلجامش وكن عريس
هبني ثمارك هدية
كن زوجا لي وأنا زوجا لك
سأمر لك بعربة من ألازورد، وذهب
عجلاتها من ذهب وقرونها من كهرمان
تشد إليها عفاريت العاصفة بغلا عظيمة
وملفوفا بشذى الأرز بيتا
قبلت المنصة قدميك والعتبة
وانحنى لك الملوك والحكام والأمراء
يضعون غلة السهل والجبل أمامك، تقدمة
ستحمل عنزاتك توائم ثلاثة، ونعاجك مثنى
سيبز حمارك أثقال البغال
وخيولك تطبق الآفاق شهرة جريها
أما ثيرانك فلن يكون لها تحت النير نظير
ومن هذه الجزئية الواردة في الملحمة نجد إلهة معبودة تلجأ إلى إنسان في غير مرتبة الآلهة للحصول على رغباتها الجسدية.فطلبها الأقتران بكلكامش هو دليل واضح على إنها وجدت في الإنسان شيئا غير موجود عند الآلهة.وهذا الطرح يعكس الأختلاف بينهما حول ما هو الثمين وما هي القيم الأكثر أهمية.ونجد موقف صريح لكلكامش من العرض الذي تقدمت به عشتار:
وأنا ما الذي أجنيه أن تزوجتك
أقدم لكِ زيتا، ثياباً فاخرة
خبزاً طعاماً
أنتِ كباب البيت الخارجي لا يصد ريحا
لا يمنع عاصفة
كقصر عظيم أنتِ، كقصر يتحطم فيه الأبطال
كفيل عظيم يرمي عنه حليه
كالقطران أنتِ يلوث يد حامله
كقربة ماء أنتِ تبلل من يحملها
كحذاء تزل به قدم منتعله
أي من عشاقك الكثر أخلصت له الحب
أي راع قدر أن يرضيك
أصغي إلي أقص عليك خبر عشاقك
لن تستطيعي أن تنكري الخبر
هذا تموز، الشاب الوسيم زوجك الأمين
أمرت النادبات والنائحات
أن يندبنه، وينحن عليه سنة بعد سنة
وقعت في حب الطائر الشقران، الطائر
المرقش ذي الريش الجميل فماذا حدث له
كسرت جناحه، هام في البساتين
يئن صارخا يا لجناحي يا لجناحي
ثم ماذا؟ أحببت الأسد حفرت له سبع حفر
أحببت الحصان لكنك أخضعته للسوط والمهماز
حكمت عليه بالجري ساعات وساعات
قضيت أن ينضح بالعرق
عشقت راعي القطيع الراعي الذي جمع أكياس الفحم
ليشوي لك الجداء فماذا صنعت به
مسخته ذئبا تطارده كلاب القطيع
أحببت فلاح النخيل عند أبيك، ايشولانو
فماذا صنعت به؟ تنظرين إليه بشهوة، تقولين
تعال مد يدك إلى خصري، ضمني، متعني
بقوتك العجيبة يا ايشولانو
يجيب المسكين: أمي خبزت وأكل من خبزها
لماذا أكل خبز الشر والعهر
ويتابع كلكامش في جزئية أخرى ما فعلته عشتار ب دوموزي بأمر منها أرساله إلى العالم السفلي, ونتيجة هذا الفعل الظالم بحق دوموزي تصاب الأرض بالجفاف والقحط ويلحق بسبب ذلك أذى كبير بالإنسان.
وهناك كان دموزي يجلس بجلال في مجلسه،
مرتديا ثيابا جليلة
قأمسك به الشياطين من,
وهجم عليه السابع من,
فلم يعد الراعي يعزف الناي ولا المزمار
وصوبت (انانا) نظراتها إليه (دموزي): نظرات موت
ونطقت بكلمة ضده: كلمة سخط
ونطقت صرخة ضده: صرخة إثم, وقالت خذوه
وهكذا أعطت أنانا المقدسة دموزي الراعي بيديهم
هذه الكلمات تحمل في طياتها حكمة الأفكار والعبقرية التي كان يملكها كلكامش.فهو يظهر للإلهة عشتار ومن خلالها ربما لأغلب الآلهة,وهو يذكرهم بمكانتهم ما هو الدور المناط بهم والمكانة التي يشغلونها والأفعال التي يقومون بها لكي يكونوا متميزين عن البشر.إن كان الآلهة يفعلون ما يفعله الإنسان العادي الفاني,فإذاً لماذا الخلود للآلهة وليس لشخص حكيم وجبار مثل كلكامش,وهذا ما كان كلكامش يسعى لبلوغه.ولكن يتضح لنا من الملحمة أن الآلهة كانت مختلفة عن بعضها البعض الإله شمش كان يوأزر كلكامش أثناء مغامرته مع صديقه أنكيدو لمواجهة خمبابا حارس غابة الأرز القوي.
وتكلم جلجامش مخاطبا شمش
تبعت شمش سلكت طريقا قدره لي شمش
أشفق شمش استجاب لصلاة كلكامش
فهاجت الرياح الإعصار هبت على خمبابا
الريح الشمالية العاتية والجنوبية العاصفة
هبت الرياح والزوابع الرياح الحارة
فأعمت عيني خمبابا
استسلم خمبابا، توسل
دعني يا كلكامش أذهب، أنت سيدي الآن
أنا خادم لك
الأشجار التي تعهدتها في جبالي هي لك
ابني منها بيوتا من خشب الأرز
وبعد معركة ضارية بين حارس الغابة الوحش المخيف الثور المقدس والقضاء عليه تقرر بعض الآلهة بالموت على أنكيدو لأنه شارك في قتل موكلهم حارس الغابة.وبعدها يصاب كلكامش بحزن عميق على فقدان صديقه الحميم.
وأثر ذلك يقرر كلكامش رحلة البحث عن سر الخلود وبلوغ الإنسان الوحيد الذي حصل على الخلود وكان أسمه أوتنابشتم وفي طريقه يصادف سيدوري صاحبة الحانة المقدسة وتحاول ثنية بالرجوع إلى آوروك وتعرض عليه الملذات الجسدية:
ان الحياة التي تبغي لن تجد…
كن فرحاً مبتهجاً نهار مساء…
اتخذ زوجة ونم بسلام على كتفها
أنها تجد المسرة في أحضانك
وانظر إلى الصغير على يدك…
… لكن كلكامش كان مصراً أن يواصل البحث,وترسله إلى أورشنبي ليساعده عبور بحر الأموات ليصل إلى أوتنابشتم الإنسان الوحيد الذي حصل على حياة الخلود الأبدية.
عندما واجه كلكامش أوتنابشتم
قال كلكامش له اوتنابشتم
ها أنذا جئت له اوتنابشتم
الذي يلقبونه بالبعيد
طفت جميع البراري والقفار
اجتزت الجبال الشاهقة
عبرت جميع البحار
لم ينعم وجهي بالنوم الهنيء
قتلت الدب والضبع والأسد والنمر
والأيل والوعل وجميع حيوان البر
أكلت لحومها، اكتسيت بجلدها، وها أنا
انظر إليك يا اوتنابشتم
شكلك عادي، واراك مثلي
نعم شكلك عادي، وأراك مثلي
قد صورك لي جناني بطلاً على أهبة القتال
لكن ها أنت مضجع على جنبك أو قفاك
قل لي كيف دخلت زمرة الآلهة وفزت بالخلود؟
وبدأ أوتنابشتم يسرد له قصة الطوفان العظيم الذي حدث بأمر الآلهة,ولم ينجى منها سوى هو وزوجته ولذا قررت الآلهة منحهم الخلود.ويرد عليه كلكامش بسرد قصة حياته مع رفيقه أنكيدو ” البطل أنكيدو,رحل صديق قلبي,سوف لن يعود أبداً….ربما سأرقد بجواره,ولن أستيظ ابداً…. وكان كلكامش مصراً على معرفة السرإلا أن أوتنابشتم يضع عليه شرطاً بأن يبقى يقظاً أكثرمن أسبوع ليلاً نهاراً,لكن كلكامش فشل في اجتيازهذا الأختبارالصعب,ولكنه يبقى مصراً على معرفة السر فتشفق عليه زوجة أوتنابشتم فتدله على عشب سحري في أعماق البحربإمكانه منع الشيخوخة.انطلق كلكامش وقصد المكان بحامس عله يتجنب ذات المصير الذي لحق بصديقه أنكيدو,وبعدها غاص في أعماق البحروأقتلع العشب السحري.وفي طريق العودة استلقى من شدة الإرهاق,وعندما استيقظ وجدى أفعي تزحف نحو الماء وقد أنسلخ جلدها وقد كانت ألتهمت النبة.يعود كلكامش حزينا إلى أوروك مستسلما للقدر المحتوم ويتقبل فكرة الموت التي لا بد أنها قادمه.لكنه يقرر بأن يقوم بإرساء قواعد العدل وبناء المدارس لنشر العلم والمعرفة وتشييد المباني والآسوار ليبقى أسمه خالداً.وبعد مرور آلاف السنين على كتابة هذه الملحمة الرائعة ما زالت مصدر إلهام للأدباء والكتاب والشعراء والموسيقيين والباحثين في علم الآدب العالمي,وعلماء التاريخ وكافة المهتمين بالمكتشفات الأثرية والحضارة الإنسانية.
2017-11-03
1- M.Lambert, RH,457,1961,21
2- J.D.Wiesman ,BabyloniannWisdom literature, 1961
3- S.N.Kramer, Sumerian Mythology
4- S.N. Kramer , Historie
5- W.G. Lambert –A.R. Millard , Atra-hisis.The Babylonian story of the Flood with the Sumerien flood story by M.Civl, 1969
6- M.David , Le recit du )In :Gilgames et sa legend ,1958
7- V.Schneider m Gilgamesch , 1967
8- H.Schmökel , Das Gilgamesch _ Epos, eingefuhrt ,rhytmisch ubertragen und mit Ammerkungen verschen , 1966
9- J.Klima NO 11 /9 ,1966, 135 sk.
10- B. Meissner , Literatur…,40
11- I.M. Gyakonov ,Studies Landsberger, 1965 , 343 sk.
12- V. Afanaszijeva , uber einige probleme in der sumerischen literatur 1974
13- A. Parrot , Assur 297,302,306,181
14- A. Draffkorn – Klimmer ,The Discovery of an Acient Mesopotamian Theory of Music, proceedings of the Amer. Phil . society 115/2 , 1971
15- J.Klima , Meezopotamia
16- هنري ساغس, جبروت آشور الذي كان ,ترجمة د. آحو يوسف
17- أساطير من بلاد ما بين النهرين(الخليقة, الطوفان, كلكامش وغيرها))ترجمتها ووضعت المقدمة, ستيفاني م. دالي,ترجمة د.نجوى نصر إلى العربية.
18- سومر وآكاد, د. وديع بشور,1981
19- جرجس فتح الله,مباحث آشورية تاريخ ما أهمله التاريخ, 1996
د.جميل حنا
للمزيد; انقر على الرابط ادناه