بقلم د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
الكلمة التي قسمت العراق
15/ 10 / 2017
http://nala4u.com
-مقدمة
للكلمة وَقْع كبير في حياة البشر، بحيث لم يَجِدْ يوحنا كاتب الأنجيل الرابع فكرة أكثر فلسفية ليفتتح بها كتابه المقدّس أفضل من عبارة “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.” وعن الكلمة كتب الشرقاوي ببلاغته المعهودة على لسان الحسين قوله: أتعرف ما معنى الكلمة؟ الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور. بالكلمة تنكشف الغمة ودليل تتبعه الأمة.. إن الكلمة مسئولية.. إن الرجل هو كلمة.. شرف الله هو الكلمة.
من يصدّق أن كلمة واحدة قد تقود الى تقسيم دولة مستقلة ذات سيادة، لا سيّما إذا ما وردت في وثيقة رسمية، أو قانون وطني، والأدهى من ذلك، إذا ما وردت في دستور الدولة ذاتها. إن واحداً من أهم المبادئ القانونية المعروفة في هذا المجال، هو أن القانون لا يحمي المغفلين. وهذا ما حدث في العراق.
ففي نشوّة إنتصار ثورة 14 تموز في العراق عام 1958، وبعد أقل من أسبوع على نجاح الثورة، وتحديداً في 20 تموز من ذلك العام، كلّف قائد الثورة عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء آنذاك المحامي حسين جميل بإعداد دستور جديد مؤقت للعراق على وجه السرعة، فقُدم المشروع بعد يومين فقط. وأضاف عبد الكريم الى مسوّدة الدستور مادتين، تضمنت إحداها عبارة (ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن). مما خلق مفهوماً دستورياً غريباً لم تشهده جميع دساتير العالم، ألا وهو مفهوم (الشراكة في الوطن)، وهذا ما ولّد ويوّلد أزمات كبيرة للعراق كدولة موحدة مستقلة ذات سيادة. مما يتطلب البحث فيه بشيء من التفصيل.
-نبذة تاريخية
في الخامس والعشرين من شهر أيلول المنصرم، توجّه أكثر من ثلاثة ملايين مواطن عراقي من أصل كردي الى مراكز التصويت للإستفتاء على إنفصال إقليم كردستان-العراق عن الدولة الأم وتشكيل دولتهم القومية التي رفض المجتمع الدولي إقامتها منذ قرن كامل، ممّا خلق أزمة سياسية كبيرة داخل الدولة قد تستمر لسنوات، وقد تقود الى تقسيم البلاد. فما هي مشكلة أكراد العراق؟
أكراد العراق، جزء من أكراد العالم الموزعين بكثافة على خمس دول متجاورة أو متقاربة وهي بحسب كثافة الكُرد فيها: تركيا، أيران، العراق، سوريا، وأخيراً أرمينيا. ويقدر مجموع الأكراد في العالم ب (25) مليون نسمة. وهم من أصول إيرانية هندو-أوروبية.
أعتنق الأكراد الإسلام عام 18 ه الموافق عام 637 م في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب ضمن فتوحات القائد الإسلامي خالد بن الوليد والصحابي عياض بن غنم في القرن السابع الميلادي، وتمذهبوا بالمذهب السُنّي في غالبيتهم. وللأكراد سجل حافل في الدفاع عن الدين الإسلامي وحثّ الشعوب على الدخول فيه، وللقادة الأكراد حصة الأسد في قيادة ألوية جيوش الإسلام.
ومن ذلك اليوم، لم يُعرَف الأكراد بقوميتهم بل عُرفوا بإسلامهم. ولم يذكر أحد بأنهم أكراد بل حتى ضُلِلت الحقيقة في تسمية أنسابهم. وللتاريخ فقد كتب على ضريح رأس حربة الإسلام القائد الكوردي صلاح الدين الأيوبي بأنه ينحدر من بطون كوردية علماً بأنه لا يختلف اثنان بأنه كوردي الأصل ومن تكريت في كوردستان العراق.
-أساس المشكلة … تقسيم كردستان
مشكلة الأكراد ليست وليدة اليوم، بل يعود تاريخها الى خمسة قرون مضت. فقد “ظهرت المشكلة الكردية بصورة جليّة واضحة في العصر الحديث، عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت معركة دموية واسعة غير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم منطقة كوردستان عملياً بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
في عام (1555م) عقدت الدولتان التركية العثمانية والايرانية الصفوية اتفاقية ثنائية عُرِفت بـ “أماسيا”، وهي اول معاهدة رسمية بين الدولتين، وتم بموجبها تكريس تقسيم كوردستان رسمياً وفق وثيقة رسمية نصت على ترسيم الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور التي كانت تشمل (كركوك والسليمانية وحلبجة وكوي سنجق وعقره واربيل الحالية) و(قارص، وبايزيد وديار بكر) وهي مناطق ذات غالبية كوردية في تركيا.
تبعت تلك المعاهدات، معاهدات واتفاقيات لاحقة منها: معاهدة “زهاو” لتنظيم الحدود عام (1639م) بين شاه ايران عباس الصفوي والسلطان العثماني مراد الرابع، وتم التأكيد على معاهدة “أماسيا” فيما يخص ترسيم الحدود بين الامبراطوريتين العثمانية والايرانية الصفوية، الامر الذي زاد من تعميق المشكلة الكوردية، لتأتي معاهدات أخرى وتزيد من حدة تعقيدها مثل “أرضروم الأولى” (1823م)، و”أرضروم الثانية” (1847م)، واتفاقية طهران (1911م)، واتفاقية ترسيم الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه.
وجاءت اتفاقية سايكس بيكو عام (1916م) لتزيد الطين بلّة، حيث اجتمع وزراء بريطانيا وفرنسا في روسيا، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية بعد ان انتهت جميع العمليات العسكرية على جبهات القتال كافة بين القوات العثمانية – الالمانية من جهة وجيوش الحلفاء في الحرب العالمية الاولى من جهة اخرى ، وبموجب اعلان هدنة (موندوس) في 30/10/1918 بين الطرفين، وبما ان القسم الأكبر من كوردستان كان يرزح تحت سيطرة الدولة العثمانية ، فقد شمله التقسيم، وكرس الوضع الجديد وضعا اكثر تعقيدا وتعمقت بموجبه المشكلة الكوردية، حيث تُعَدُّ معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، تحطمت إثرها الآمال الكوردية في تحقيق حلمهم في تقرير المصير.
وأصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم لمؤتمر باريس قراراً في شهر كانون الثاني (يناير)1919م نص على ما يلي:
(إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكوردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية).
نصت معاهدة لوزان لعام 1923 على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات لهم دون تمييز، وخلت المعادة من أية إشارة الى الكورد، كما لم يأتي ذكر معاهدة سيفر فيها.
عدّ الكورد هذه المعاهدة بالضربةٌ القاضية لمستقبلهم والمحطمة لآمالهم… وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكوردي، لا سيما الحكومة البريطانية التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل وكانت تشمل (السليمانية، اربيل، الموصل، كركوك، شهرزور، شاربازير، خانقين) التي يشكل الكورد فيها الأغلبية المطلقة في العراق.
كل تلك الخطوات اسهمت في زيادة تعقيد المشكلة الكوردية، بعد أن أصبح الشعب الكوردي مقسماً عملياً وقانونياً بين أربع دول بدلاً من دولتين، لتـزداد معاناته، وليبدأ فصلاً جديداً من فصول علاقته بالدول الجديدة، طغى عليها التوتر والعنف اللذان لم يجدا حتى اليوم حلولا عادلة”.
وحتى عهد قريب، خضع الكُرد للدولة العثمانية، وظلّوا أوفياء لبيعة السلطان وموالين له بحكم التقارب الديني والمذهبي، وقد إستخدمهم العثمانيون إستناداً الى ذلك، بالإضافة الى خصائصهم القتالية المتميزة في الكثير من عمليات الإنتقام، فقاموا بالتنكيل بالأرمن منذ أواخر القرن التاسع عشر، حتى أن مؤرخا كردياً مرموقاً خصص فصلاً كاملاً من رسالته بالروسية بعنوان (الكرد والدم الأرمني المراق) . وإستمروا في موالاتهم للدولة العثمانية حتى بعد سقوط بغداد وإحتلالها من قبل البريطانيين عام 1917. وتأخروا في القبول بالأمر الواقع بتحريض من إسطنبول، مما ولّد صراعات عديدة بينهم وبين البريطانيين الذين ظلّوا ينظرون إليهم على إنهم عنصر متمرد يصعب إخضاعه.
– سر التقارب الشيعي-الكردي
كان موقف الشيعة شبيه بموقف الأكراد على الرغم من الإختلاف المذهبي بينهم وبين العثمانيين السنة، إلا إنهم وقفوا معهم، وأعلنوا الجهاد بحجة الدفاع عن راية الإسلام، ولكن الحقيقة إنها كانت تلبية لمصالحهم الشخصية وبدفع من العثمانيين. فأعلن الشيعة الجهاد ضد البريطانيين الكفار. إذ وقف آية الله الحيدري في صحن الكاظمية المقدسة وخطب بالناس خطبة شهيرة وغير مسبوقة “الجهاد، الجهاد!” وتعالت الهتافات بين الحاضرين. وبجوٍّ مليء بالترقب أعلن آية الله الحيدري فتواه بالجهـاد معلنًا وجوب الدفاع عن أرض الإسلام ضد المعتدين.” ومما ينسب الى شعلان ابو الجون قوله هازجاً (حل فرض الخامس كوموله). فأعلنوا ثورة العشرين بعد أكثر من سنة من تمرد الأكراد. فقد سبق للشيخ محمود الحفيد أن أعلن نفسه متصرفاً للسليمانية عام 1918 بدفع من العثمانيين.
وطيلة قرن كامل إلتقى الشيعة بالأكراد. نظراً لتشابه ظروفهم ولتشابه معاملة البريطانيين وبعض الحكومات لهما بشكل مختلف عن تعاملهم مع السُنّة. ويرى الوردي أن الشيعة لا يميلون للخضوع للقانون ، ويحبذون أن يعيشوا حياتهم الخاصة التي إعتادوا عليها، حتى لو كانت في نظر الآخرين فوضى، “وكل ما يطمحون اليه هو نظام حكم يجاريهم في عاداتهم هذه، وهم لا يبالون إذ ذاك أن يكون الحاكم مسلماً أو كافراً، نجفياً، أو غير نجفي، سنياً كان، أو شيعياً. ولهذا كانوا راضين عن الحكم التركي قبل الحرب، فلم يثوروا عليه؛ لإنه تركهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ولم يتدخل في شؤونهم إلاّ قليلاً. ولم يكد الحكم التركي يتدخل في شؤونهم خلال الحرب حتى ثاروا عليه، وأعلنوا العصيان. وكذلك فعلوا مع الحكم الإنكليزي؛ إذ هم لم يثوروا عليه إلاّ بعد أن تدخل في شؤونهم”. وقد إتبع الاتراك نظام “الحكم السائب”، وكانت صلة الحكومة بمواطنيها تنحصر في أمرين فقط، هما الضرائب، والتجنيد.
ويقترب الأكراد من الشيعة كثيراً في هذا الصدد، فالإستقلالية التي منحتهم إياها الدولة العثمانية، جعلت من الصعب إخضاعهم لسلطة الدولة مرة أخرى. وهي ذات المشكلة التي واجهت الأشوريين أيضاً. فمحمود الحفيد الذي أغتيل والده الشيخ سعيد غدرا في مدينة الموصل مع ولده أحمد عام1909م بتحريض من قادة الإتحاديين الأتراك، سرعان ما تناسى ذلك، وذهب مع ألف مقاتل من رجاله لينظم الى الشيعة في معركة الشعيبة لمقاتلة البريطانيين الكفار عند دخولهم البصرة عام 1915، بعد أن أمدّه الأتراك بالمال والسلاح ووضعوا تحت تصرفه الفوج العثماني من لواء السليمانية عام 1918 وأعلنوه متصرفا في شؤون اللواء بأكمله بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ولكنه عاد بعد سنة بالتحديد ليسّلم لواء السليمانية إلى القوات البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918 ولم يكتف بذلك بل سلم لهم الفوج العثماني نفسه فوقع ضباطه وجنوده أسرى في يد القوات البريطانية، فإنتقل من التحالف مع تركيا إلى الانقلاب عليها. وقد كافأه الإنجليز على ذلك بتعيينه حاكما (حكمدار) على لواء السليمانية لكنهم عينوا معه الرائدين نوئيل ودانليس مستشارين له. وخصصت له راتباً شهرياً مقداره 15000 روبية هندية [الروبية تساوي 75 فلساً عراقياً آنذاك]، وسمحوا له بتعيين عدد من الموظفين الأكراد لإدارة المنطقة. إلا أن الشيخ محمود الحفيد لم يكن راضياً على تلك الأوضاع، واخذ يتحين الفرصة للثورة على المحتلين. ثار ضد البريطانيين عندما تم تعيين الميجور سون حاكما سياسيا للسليمانية في مارس/آذار عام 1919 لتقليص نفوذه، فاختار البرزنجي العمل العسكري المباشر للرد على الخطوة البريطانية تلك. سيرت بريطانيا حملة عسكرية كبيرة في يونيو/تموز عام 1919 فأحاطت بالبرزنجي وفرقته وحاصرته في (دربند بازيان) قرب السليمانية وتمكنت من أسره بعد إصابته بجراح أثناء الحصار، وأسرت معه العديد من أتباعه، وأرسلتهم جميعا إلى بغداد وسيطرت القوة البريطانية تماما على السليمانية وأصدرت حكمها بالإعدام على الشيخ البرزنجي ثم خففه بعد ذلك القائد البريطاني في بغداد إلى عشر سنوات مع النفي إلى الهند. وهكذا “مرت عمليات البرزنجي المسلحة بفترات من الهزيمة والانتصار وشهدت تغيرات في التحالفات مع القوى الإقليمية المجاورة التي كانت لها أهدافها الخاصة في العراق وكانت المصلحة هي الحاكمة في عقد أو فض مثل هذه التحالفات”.
وكانت الرغبة بالإستقلال والحرية المطلقة حد الفوضى، هي العنصر الرئيسي الذي وحّد الشيعة والكرد، إضافة الى حب الغنائم. وكان الكثير من شيوخ العشائر من السبّاقون في طلب الغنيمة وقد تقاضوا رشاوى من الإنكليز. ولو ألقينا نظرة على مختلف العرائض التي قدمت عند قيام دولة العراق سواء من الشيعة أو الاكراد أو حتى الأشوريين، سنجد أن جوهر طلبات مُقدميها يتمثل في أمرين رئيسيين لا ثالث لهما، وهما:
1. احتفاظهم بالسيطرة على أتباعهم.
2. تخصيص “إمتيازات مالية” للزعيم.
ولم يرد في خاطر أي منهم “فكرة الدولة” الوطنية، وحقوق مواطنيهم. ويمكن، في حالة الضرورة، القبول بفكرة “دويلات المدن”. وفي حالة الرفض أو المماطلة، فإن هذا القائد سيتصل بالقوى الأجنبية، ويحثّ أتباعه على التمرد دون النظر الى عواقب ذلك. ولهذا فإن الكوارث ظَلّت متلاحقة، مثل قمع ثورة النجف، وقمع تمرد محمود الحفيد، ومذبحة سميل. ان التاريخ يحدثنا ان شيوخ العشائر كانوا يقفون مع الأقوى.
وقد اعتاد العراقيون على هذه الحياة وألفوها حتى أصبحت في نظرهم هي الحياة الطبيعية لا غيرها، ومع ذلك يستغربون من روعة النظام ومدى دِقّته وعمق إحترامه في أوربا وأميركا وبقية دول العالم الغربي. إي بإختصار إنهم يفضِّلون النظام فكرياً فقط، فيما يحبّذون الفوضى عملياً.
ومع كل تلك الصعوبات والعراقيل، إستمرت دولة العراق، وكانت أول دولة عربية تحصل على إستقلالها ويُعترف بسيادتها في عصبة الأمم في 3 تشرين الاول 1932، وصولا الى عام 1958، وهو عام الثورة التي ما زال العراقيون منقسمين إزاءها.
يحدثنا أحد المسيحيين الشيوعيين عن المشاعر السائدة قبل قيام الثورة قائلاً: –
وبعد ايام (من حفل التخرج) بدأ الطلاب الزملاء يتسلمون صورهم الشخصية التذكارية بالتخرج وبمصافحة الملك من مرسم المصور أرشاك، لتعلق في بيوتهم فرحين فخورين بها إلا البعض منا وأنا أحدهم!! لم نستلم صورنا الشخصية من المصور أرشاك كي لا نُتهم بأننا نفتخر بمصافحة الملك الرجعي والدمية بيد الإستعمار ونوري السعيد العميل! بل كنا نقول لا يزيدنا شرفا أن نصافح ملكا عميلا ليس إلا دمية بيد الإستعمار!!!
وأزيد على ذلك، كثيرا ما كنا نصادف الملك “العميل” أو ” الدمية “! وهو في سيارته في شارع الرشيد تسبقه كوكبة من راكبي الماطورات وكل ما تقع عينه على أحد المارة يرفع يده ويسلم مع ابتسامة من خلف زجاج السيارة وأحيانا نتجاهله لكونه ملكا رجعيا عميلا!! وكم تجاهلنا سلامه وابتسامته!
في التسعينات تعرفت على شخص أرمني قال لي: لا زلت نادما عندما تجاهلت تحية الملك وهو في سيارته، أدرت وجهي كي لا أرد التحية لأنه ملك رجعي عميل!!
كم كنا أطفال في السياسة
الشيوعيون كنا نريده ملكا ماركسيا!
والبعث كانوا يريدونه ملكا عفلقيا!
والقوميون كانوا يريدونه ملكا ناصريا يقدم العراق هدية لعبد الناصر ليصنع وحدة عربية بعد أن يلقي اليهود في البحر!!
والأكراد أرادوه ملكا يعطيهم حكما ذاتيا أكثر استقلالا من الدولة نفسها
أما الإسلاميون فكانوا يريدونه ملكا دينيا على منوال وسيرة جده رسول الله!!
ولكن للحقيقة والتاريخ لم يكن بإمكانه أن يعمل أكثر مما عمل،
ولكن هو ووزراءه أصروا أن يكونوا ساسة عراقيون بامتياز.
اسسوا وبنوا بلدا بالرغم من الصعوبات التي ذكرها الملك فيصل الأول
التي كانت تقترب من المستحيل،
كان حكام العهد الملكي يسيرون وفق سياسة الممكن وامتنعوا عن السير بسياسة طفر الموانع وتخطي المواقع أو القفز في المجهول!
فكان العراق سباقا لكل دول ودويلات المنطقة.”
وهذه الخصائص قد قاربت العديد من الفصائل بإستثناء الوطنيين ورجال الدولة من الشعب العراقي، فقد ظلَوا معزولين عن غالبية الشعب، يصرخون لحالهم، في كل عهد وزمان. وهذا كان السبب في تقارب الأحزاب الممثلة لمكونين رئيسيين في العراق هما: الأكراد والعرب الشيعة . فما الذي جمعهما بعد ثورة 14 تموز 1958 مباشرة؟ وما الذي جمعهما ثانية لتغيير النظام السياسي عام 2003؟
– ظروف إعداد دستور 1958
لقد عهدت حكومة الثورة إلى لجنة برئاسة المحامي [حسين جميل ] العضو القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي، وعضوية السيدين، [حسين محي الدين ] و[عبد الأمير العكيلي] وهم جميعاً من رجالات القانون المعروفين، مهمة وضع مسودة دستور مؤقت للبلاد في 20 تموز 1958 بعد أن أعطيت لهم الخطوط العريضة في توجه حكومة الثورة، ليسيروا على هديها، وقد أتمت اللجنة عملها ورفعته إلى مجلس الوزراء، الذي صادق عليه، بعد أن أجرى عليه بعض التعديلات وأحاله إلى مجلس السيادة الذي صادق عليه بدوره، وصدر في بغداد في 27 تموز 1958، وتضمن مقدمة، وأربعة أبواب .
وعن ظروف إعداد الدستور يحدثنا حسين جميل قائلا: ”إنه في يوم 20تموز طلب منه محمد صديق شنشل، ومحمد حديد المشاركة بوضع مسودة دستور مؤقت للبلاد وطلبا منه ان تراعى في وضعه مادتين هما: العراق جزء من الأمة العربية، ويقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافه باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم، ويعد العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية، وقد كان كامل الجادرجي، ومحمد صديق شنشل قد كلفا مسعود محمد وإبراهيم احمد سكرتير الحزب الديمقراطي الموحد لكردستان – العراق، في عام 1956، بكتابة نص حول حقوق الكورد القومية؛ ليكون ضمن منهاج حزب المؤتمر الوطني الذي لم تجزه السلطة في حزيران عام 1956، ثم صيغ ما قدمه الاثنان حينذاك صياغة جديدة لتكون المادة (3) للدستور المؤقت، كانت المادة (3) تعني الشراكة بكل ما تعنيه هذه الكلمة قانونيا، ولم يفهمها الآخرون لاسيما العسكريين وحتى بعض السياسيين هكذا، وكانت في رأيهم تعزيزاً للوحدة الوطنية أو ترضية الكرد، ولو بشكل مؤقت، ان هذا الفهم والتوجه، كانا السبب في أن تلك المادة لم تترجم الى الواقع إلا في حدود شكلية وضيقة وظلت فقراتها مرنه طوال مدة حكم عبد الكريم قاسم، وهي تمثل القاعدة في حق الحكومة بمطالبة الكرد بالولاء لها، وفي حق الكرد بالمقابل بمطالبة الحكومة بحقوقهم”.
وبشأن الدستور ذكر حسين جميل:” أن وضع الدستور استغرق يومين فقط، لأنه مؤقت أريد به نقل الثورة إلى وضع دستور دائم، وأن المسودة قُبلت في مجلس الوزراء بدون مداولة، أو لم تناقش مواده مناقشة مستفيضة، وعميقة ثم أنه لم يعرض على الرأي العام او على غيرنا من القانونيين لإغنائه بملاحظاتهم، وقد اقر حرفياً، … وتساءل حسين جميل هل كان بإمكاننا أن نضع دستوراً نحدد فيه أهدافا ومبادئ متجانسة ترضي الاختلاف الفكري والعقائدي لمختلف القوى السياسية التي أسهمت في الإعداد للثورة؟”.
عد الدستور المؤقت أسرع دستور عراقي -وربما أسرع دستور في العالم- من حيث مدة كتابته، إذ حدثت الثورة في 14تموز عام 1958، وأعلن عن الدستور والعمل بموجبه في 27 تموز عام 1958، أي استغرق تشريعه مدة أسبوعين وكتب في يومين فقط، بعد أن كُلف محمد حديد، ومحمد صديق شنشل المحامي حسين جميل، وبعد ذلك عرضت المسودة على مجلس الوزراء وبعد إجراء تعديلات يسيره تم إقراره، و أول دستور مؤقت في التاريخ الدستوري العراقي، و يعد أول دستور اعترف بحقوق الأكراد، إذ لم تتضمن الدساتير السابقة وهما دستور عام 1876العثماني الذي طبق على العراق لكونه جزءاً من الدولة العثمانية، والدستور الملكي ولم تُورد كلمة الكرد بين نصوصها.
– ظهور مفهوم الشراكة في الدستور العراقي
والأكثر من كل ذلك، فإن قاسم قد أرسى مفهوماً جديداً للعلاقة بين العرب (الشيعة) والأكراد في العراق، لم تستطع بعده الدولة العراقية الفكاك منه حتى يومنا هذا، أو حتى في الأقل، وضع بديلٍ أفضل منه يحافظ على وحدة الدولة ويحميها، ألا وهو مفهوم “الشراكة”، الذي ضمنّه دستور 27 تموز 1958 (المؤقت)، حيث نصّت المادة 3 على جعل العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن ، ونصّت المادة 2 على أن العراق جزء من الأمة العربية.
وقد جرى الإستناد الى “المنهاج الذي قامت جبهة الاتحاد الوطني على أساسه نشر على الجمهور في كراس صغير في 9 اذار (مارس) سنة 1957 والكراس في اثنتي عشرة صفحة يعلن قيام الجبهة، وهو بتوقيع «اللجنة الوطنية العليا» وفيه اهداف الجبهة.
وتضمن الكراس مقدمة عن الوضع الدولي العام والأوضاع الداخلية التي استوجبت قيام «جبهة الاتحاد الوطني» وتحليل لكل مطلب من المطالب الخمسة للجبهة وكون هذه الاهداف تعتبر في هذه المرحلة نقطة ابتداء لتحقيق الحرية والاستقلال للشعب العراقي، والسير به في موكب الامة العربية التحرري.”
كانت أكبر جبهة سياسية معارضة للحكم الملكي والإنتداب البريطاني هي جبهة الإتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957 وضمت كل من:
1. الحزب الوطني الديمقراطي (جماعة كامل الجادرجي، محمد حديد، حسين جميل).
2. الحزب الشيوعي العراقي (جماعة حسين الرضي). وإنضوى معه الحزب الديمقراطي الكردستاني.
3. حزب الإستقلال (جماعة محمد مهدي كبة ومحمد صديق شنشل).
4. حزب البعث العربي الاشتراكي (جماعة فؤاد الركابي وحازم جواد).
وقد أسفرت تلك الجهود عن تشكيل {جبهة الاتحاد الوطني} في شباط من عام 1957، وتم تشكيل لجنة عليا تضم ممثلين عن تلك الأحزاب باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني.
حاول الحزب الشيوعي إشراك [الحزب الديمقراطي الكردستاني] في الجبهة، إلا أن تلك المحاولة لقيت المعارضة من قبل الحزبين القوميين، البعث والاستقلال، ولذلك فقد أكتفي الحزب الشيوعي بالتحالف الثنائي مع الحزب المذكور.
وتجدر الإشارة الى أن معظم قادة تلك الأحزاب الرئيسيين كانوا في السجون أو في المنافي. فكامل الجادرجي كان قد خرج قبل فترة من السجن، وتمت مفاتحته وهو هناك، وسلام عادل كان في السجن. أما مصطفى البارزاني فكان في المنفى، وكان بدلائهم أو نوابهم يديرون تلك الأحزاب نيابة عنهم مؤقتاً، لحين تحررهم وعودتهم. لذا كان إتصال تنظيم الضباط بهم، وأطلاق سراح قادتهم أو إعادتهم من المنفى، من أولويات الثورة.
تميزت علاقات قاسم بالأحزاب والتيارات السياسية في بغداد قبل 14 تموز بالحذر والكتمان، وكانت له علاقات مستقرة مع الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وبعض الشخصيات الوطنية المستقلة، في حين كانت مهمة الاتصال بحزب الاستقلال والسفارة المصرية وحزب البعث العربي الاشتراكي من جانب العقيد عبد السلام عارف، ويُعدّ رشيد مطلك مندوب قاسم الدائم لدى الوطني الديمقراطي والشيوعي العراقي.
لم يكن رشيد مطلك وحده مندوباً لقاسم فقد كلف محمد حديد وحسين جميل من قبل قاسم بمفاتحة كامل الجادرجي وجمال عبد الناصر بمسألة تأييد الثورة ودعمها.”
يمكن القول بأن ثورة 14 تموز 1958 في العراق جاءت على قطار سوفييتي، في حين جاء بعده عبد السلام وحزب البعث للسلطة على قطار أمريكي. وكان ما دفع المعسكر الإشتراكي برئاسة الإتحاد السوفييتي الى التفكير بتغيير النظام في العراق الملكي هو حلف بغداد لعام 1955. وكانت “السرية والمفاجأة والمباغتة أهم ما استخدمه عبد الكريم قاسم وزميليه العقيد الركن عبد السلام محمد عارف والعقيد الركن عبد اللطيف الدراجي.. في تنفيذ الثورة.. فلم يبلغوا سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد عن موعد تنفيذ الثورة.. واقتصر هذا التبليغ على العناصر التي تشارك في تنفيذ الثورة!! حتى إن أعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار التي يرأسها عبد الكريم قاسم سمعوا بالثورة من الإذاعة.. وهو الأسلوب نفسه الذي استخدم في التعيين للمناصب الرفيعة سواء في مجلس السيادة أم مجلس الوزراء أو غيرهما.. وهذا ما أفقد الغرب -وخاصة بريطانيا- صوابه، فخططوا للقضاء عليها وعلى قاسم بعد فترة قصيرة لم تتجاوز الأربع سنوات، فحشدوا له كل أعداءه، وفي مقدمتهم أولئك الذين عفا عنهم.
– الغلو في مطالب الأكراد
“أما الأكراد فقد أيدوا الثورة بكل قوتهم لأجل تحقيق حلمهم في الحكم الذاتي لا أكثر ولا أقل وكان تأييدهم معلقا على هذا المطلب، ولم يعطوا لقيادة الثورة الفرصة والفسحة اللازمة لذلك، ولهذا سرعان ما إنضموا الى الجبهة المعادية الى الثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم، وكان رأس رمح المعارضين البعثيون والقوميون والرجعية ورقصوا وغنوا وصفقوا بإستشهاد الزعيم الذي إستقدم الملاّ مصطفى البارزاني من منفاه الذي طال ثلاثة عشرة عاما واُستقبل رسميا وشعبيا إستقبال الأبطال!”.
“وأمام الأوضاع المستجدة في العراق وظهور جماهيرية الحزب الشيوعي العراقي، سيّما بعد تنظيم مؤتمر السلام الذي تتوج بمسيرة شارك بها نحو مليون مواطن في 19 نيسان 1959، أعرب ألن دلس مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن مخاوفه أمام جلسة سرية للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في 28 نيسان 1959. وهو اليوم الذي طالبت فيه جريدة الحزب الشيوعي العراقي (إتحاد الشعب) إشتراك الحزب في الحكومة العراقية. فقال دلس، كما نقلت النيويورك تايمس (29/4/1959): “إن الوضع في العراق هو أخطر ما في العالم اليوم.”. كما ويذكر هارولد ماكميلان، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، في مذكراته (ركوب العاصفة، ص 535) “إن كلاً من إيران والسعودية أصبحتا في حالة من التهيج العصبي الشديد حول التطورات الجارية في جارهما، العراق.” وكان الملك سعود كما يذكر ماكميلان في مذكراته، بعث إليه برسول يلتمس منه التدخل العسكري الأنكلو-أمريكي لإيقاف الزحف الشيوعي في العراق..”.
وقد أثبت الأكراد عمق شراكتهم مع قاسم في البداية، ف “بخصوص الإعدامات التي جرت يوم 10 أذار(مارس) [1959 والمعروفة بأحداث الشواف في الموصل] هناك أصبع إتهام أخر يوجه أيضاً الى الأكراد، فقد أكد شاهد عيان شيوعي في العام 1963، أن المُلا أنور، رئيس تحرير صحيفة “خبات” (الكردية) وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وعدداً من البرزانيين يقودهم أحد أبناء المُلا مصطفى، وربما كان لقمان، شكّلوا جزءاً من فريق الإعدام الذي شُكّل لهذا الغرض”.
ومع كل تلك الشراكة، فقد ذهب الأكراد الى أبعد من ذلك بكثير مطالبين النص في دستور الجمهورية العراقية على ما يشير الى وحدة الأكراد في أربع دول متجاورة. عن ذلك الطموح كتب أحد قياديي الاتحاد الوطني الكردستاني يقول: “بدأت الخلافات الأولية منذ اعلان الدستور المؤقت للعراق، الذي كان ينص في مادته الثانية ان العراق جزء من الامة العربية، الامر الذي اعترض عليه الحزب الديمقرطي الكوردستاني والزعيم الملا مصطفى بارزاني، ونشرت صحيفة (خبات) الناطقة باسم الحزب افتتاحية، بقلم الاستاذ المرحوم ابراهيم احمد، انتقدت فيها المادة الدستورية وطالب الحزب الديمقراطي الكوردستاني بتعديل تلك المادة على الشكل التالي (ان الشعب العربي في العراق جزء من الامة العربية والشعب الكوردي في العراق جزء من الامة الكوردية)”.
اثارت تلك الافتتاحية التي نشرت منتصف عام 1961 حفيظة الحكومة العراقية والشوفينين وعددا من دول الجوار المناوئين للقضية الكردية، فضلا عن انها اثارت حفيظة الزعيم عبد الكريم قاسم.
ما حدى بصحيفة الثورة التي كانت تصدر في بغداد وتعرف بنزعتها القومية الى المطالبة بتفتيت القومية الكردية.
اسهمت تلك النزعات القومية الاقصائية في اشعال فتيل الازمة الدموية بين الكرد والحكومة العراقية، حيث أرسل المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في 30/7/1961 مذكرة طويلة الى الزعيم عبد الكريم قاسم ليوضح فيها موقفه من الازمة ويحدد المطالب التي طرحها الكرد، لكن الزعيم قاسم، لم يرد على تلك المذكرة، ما ادى الى اندلاع الثورة الكردية في 11/9/1961.
– انتشار مفهوم الشراكة
وقد شعرت تلك الأحزاب وجماهيرها بعظيم دورها في تفجير الثورة حتى رأت نفسها شريكاً لتنظيم الضباط الأحرار في الحكم وممارسة السلطة، وخاصة الحزب الشيوعي العراقي. فقد ظلّ الشيوعيون ينظرون الى الثورة على إنها صنيعتهم، كيف لا، والاتحاد السوفييتي هو راعي خطة التغيير. ورأى البعثيون أن صاحبهم عبد الناصر هو من ساهم بشكل فاعل في ذلك. ومن هنا ظهر مفهوم الشراكة في الحكم الذي سرى في العراق سريان النار في الهشيم حتى يومنا هذا.
و “في الخامس من تشرين الثاني 1958، رفع الحزب الشيوعي إلى عبد الكريم قاسم مذكرة هامة دعاه فيها إلى الاعتماد على الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، مذكراً إياه بإشراك كافة أحزاب جبهة الاتحاد الوطني في السلطة باستثناء الحزب الشيوعي. وفي حين كانت الأحزاب القومية لا تنسجم مع اتجاه ومسيرة الثورة، ومحاولاتهم المتكررة لإلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة، وكان الحزب الشيوعي يقف جنبا إلى جنب مع السلطة الوطنية، مسخراً كل قواه من أجل دعم مسيرة الثورة، وتحقيق أهدافها. لكن عبد الكريم قاسم لم يستجب لمذكرة الحزب، مما دفع الحزب إلى اللجوء إلى الشارع في مطالبته إشراكه في السلطة.
وجاءت مسيرة الأول من أيار-عيد العمال العالمي- في بغداد، والتي نظمها الحزب الشيوعي، طارحاً من خلالها شعار[ إشراك الحزب الشيوعي في السلطة] بيد الجماهير، وضخامة تلك المسيرة، التي ضمت أكثر من مليون من أعضاء، ومؤيدي، وجماهير الحزب، من عمال وفلاحين، ومدرسين وطلاب وأطباء ومحامين ومثقفين ، كصاعقة نزلت على الرؤوس جميعاً، وأدخلت الرعب فعلاً في قلب عبد الكريم قاسم والقيادة اليمينية في الحزب الوطني الديمقراطي، المتمثلة بكتلة [ محمد حديد وحسين جميل] ورفاقهم، فقد شعروا أن الأرض قد زلزلت تحت أقدامهم وهم يسمعون هتاف الجماهير الصاخبة مطالبين إشراك الحزب الشيوعي في الحكم، وبدا أن الشعب كله يقف وراء الحزب، ونزل الجنود، والضباط المؤيدين والمناصرين للحزب إلى الميدان أيضاً، وشعر المراقبون في ذلك اليوم أن الحزب قد بات قاب قوسين أو أدنى من الوثوب إلى الحكم .
وفي 13 تموز، وتحت ضغط الحزب الشيوعي، أجرى عبد الكريم قاسم تعديلاً وزارياً، أدخل بموجبه الدكتورة [نزيهة الدليمي]، عضوة اللجنة المركزية للحزب في الوزارة، وعينها وزيرة للبلديات، كما عين كل من المحامي [عوني يوسف] -ماركسي- وزيراً للأشغال والإسكان، والدكتور [فيصل السامر] -يساري- وزيراً للإرشاد، والدكتور [عبد اللطيف الشواف]، وزيراً للتجارة.
لقد أخطأ الحزب في أسلوب معالجة مسألة إشراكه في السلطة، ثم عاد وأخطأ مرة أخرى عندما تراجع، واستمر في تراجعه أمام ضغط عبد الكريم قاسم، وضرباته المتلاحقة، مستغلاً أحداث الموصل وكركوك، وكان بإمكانه وهو في أوج قوته أن لا يسمح لقاسم أن يوغل في مواقفه العدائية تجاه الحزب. لقد أخطأ الحزب في أسلوب معالجة مسألة إشراكه في السلطة، ثم عاد وأخطأ مرة أخرى عندما تراجع، واستمر في تراجعه أمام ضغط عبد الكريم قاسم، وضرباته المتلاحقة، مستغلاً أحداث الموصل وكركوك، وكان بإمكانه وهو في أوج قوته أن لا يسمح لقاسم أن يوغل في مواقفه العدائية تجاه الحزب.”
“لقد بلغت شعبية الحزب الشيوعي أعلى درجة في احتفالات الذكرى الأولى للثورة عام 1959. وأطلق خصوم الثورة على هذه الشعبية “بالمد الأحمر”. وكان الحزب قد أعلن مطلب المشاركة بالحكم على شكل هتافات في المسيرات الجماهيرية في عيد العمال في الأول من أيار عام 1959 مثل: “عاش زعيمي، عبدالكريمي، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي”.
وفي نفس الوقت كان هناك صراع داخل قيادة الحزب الشيوعي حول شعار استلام السلطة، أو المشاركة فيها. وانشقت القيادة حول هذا الموضوع إلى متحمسين لاستلام السلطة وعلى رأسهم سلام عادل (حسين الرضي) زعيم الحزب وآخرون. أما الجناح المضاد فكان يضم أربعة أعضاء من المكتب السياسي وهم زكي خيري، وعامر عبد الله، ومحمد حسين أبو العيس، وبهاء الدين نوري. وقد أطلقوا عليهم (كتلة اليمين المتخاذل)، وقُدِّموا لمحاكمة حزبية، وقدموا نقداَ لاذعاَ لأنفسهم.
وبرزت فكرة المشاركة في السلطة أو حتى استلامها عند زيارة وفد من الحزب إلى الصين الشعبية عام 1959، ويقول في هذا الصدد الراحل صالح دكلة الذي كان عضواً في وفد الحزب إلى الصين الشعبية، وفي لقاء مع القيادة الصينية برئاسة شوآن لاي، رئيس الوزراء الصيني آنذاك، أن الحزب الشيوعي الصيني كان يشجع الحزب الشيوعي العراقي لاستلام السلطة، وذلك بسبب ما يتمتع به الحزب من شعبية واسعة، ولكنهم في نفس الوقت تركوا الأمر إلى الرفاق العراقيين لتقدير الموقف.
أما موقف الحزب الشيوعي السوفيتي بقيادة نيكيتا خروتشيف، فكان ضد استلام الحزب الشيوعي العراقي للسلطة ، وحذر من مغبة هذا العمل، وذلك لعدم إمكان سكوت القوى الغربية والإقليمية عن ذلك، وأنهم أي (السوفييت) غير مستعدين لخوض حرب نووية مع حلف الناتو في سبيل عراق شيوعي. وطالب السوفييت الشيوعيين بدعم حكومة عبد الكريم قاسم الوطنية.”
-المفهوم القانوني للشراكة
وعلى الرغم من أن الدستور المذكور قد أشار الى حقوق الأكراد القومية في هذا الدستور ضمن الوحدة العراقية في المادة 3 نفسها بقولها: “ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية”. وهذا ما تكرر في دستور عام 2005 أيضا، عند تعريف دولة العراق حيث جاء نص المادة الأولى منه كما يلي: –
المادة (1):
جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.
إلاّ أن التلاعب بالمصطلحات واضح للباحث المدقق فيها. فالدولة الواحدة (A State-One State) لا تعني دولة موحدة (United State). فالدولة تبقى واحدة في مختلف أشكالها سواء أكانت دولة بسيطة أو مركبة، وسواء أكان نظام الحكم فيها مركزيا أم غير مركزي، كالنظام الفيدرالي والكونفدرالي. كما إن هذه النصوص لم تقضي على الطموحات الكردية بالإنفصال تماماً. وهذا ما جعل دولة العراق يخيم عليها شبح التقسيم دوماً.
ومن الناحية القانونية والدستورية، فإن مفهوم الشراكة ليس مفهوماً دستورياً صرفاً، وإن ورَد في الدستور العراقي الجمهوري الأول، بل هو مفهوم حصري بالقانون الخاص الذي ينظم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، ويحل نزاعاتهم. فالقانون التجاري الذي ينظم العلاقات بين طبقة التجار، وقانون الشركات الذي ينظم تأسيس الشركات وأحكامها ويحدد حقوق وواجبات كل شريك فيها، وكذلك نجد مفهوم الشريك في القانون الجنائي ضمن حالات المساهمة في الجريمة أو الإشتراك الجنائي وفقاً لقانون العقوبات. وقد تردد مفهوم الشريك الجنائي في البيان رقم (13) الصادر عن مجلس قيادة الثورة عند الساعة 8:20 من مساء 8 شباط(فبراير) 1963 والذي جاء فيه: “نظراً للمحاولات اليائسة للعملاء الشيوعيين -شركاء عدوّ الكريم في الجريمة- لزرع الفوضى في صفوف الشعب…”.
فالدولة ليست شركة تجارية ليكون فيها أصحابها “شركاء” يستطيعون أن يفسخوا شراكتهم أو أن ينسحبوا منها متى شاءوا أو إذا إختلفوا على تقاسم الأرباح، بل أن كل من فيها هم أبناءها الذين يمنحهم الدستور صفة “مواطنين” من خلال جنسيتهم. لذا رأينا الكُرد يتحدثون دوماً عن حصتهم في (شركة العراق) وليس عن حقوقهم في المواطنة في (دولة العراق). وقد قُدِّرت حصتهم من ميزانية العراق بنسبة 13% وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء. وقد زُيِّدت هذه الحصة نتيجة مفاوضات تمديد السلطة للشيعة عام 2010 الى 17%. وظلّ الحديث يدور عن شراكة وليس عن مواطنة، حيث جرى تغييب مفهوم المواطنة تماماً، ولم يَرِد على لسان أي من السياسيين يوماً ما.
ويبدو أن عبد الكريم قاسم قد سقط بجهله القانوني وإندفاعه نحو الأكراد بقوة في الأيام الأولى للثورة كعادته كما إندفع نحو الشيوعية في السنة الأولى للثورة، مما ولّد له أزمات عديدة قادت الى مقتله أمام شاشات التلفاز يوم 9 شباط 1963، وسيظل يوّلد هذا المفهوم أزمات دستورية كبيرة أخرى لاحقاً. وهذا ما حدث بعد قرابة 60 عاماً، عندما أعلن الأكراد إنسحابهم من هذه الشراكة، وأجروا إستفتاءهم للإنفصال في 25/9/2017، أثناء حكم الشيعة الثاني في تاريخ العراق. فمن أين جاء عبد الكريم قاسم بهذه الفكرة، وهذا المبدأ الذي ما أنفك الكرد يحتجون به حتى هذه اللحظة. وقد ترسّخت هذه العلاقة بينهما بعد أن أفتى المرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم بـ «تحريم قتال الكرد»!
– مصادر مفهوم الشراكة
سبق القول، بأن كامل الجادرجي، ومحمد صديق شنشل قد كلّفا مسعود محمد وإبراهيم احمد سكرتير الحزب الديمقراطي الموحد لكردستان – العراق، في عام 1956، بكتابة نص حول حقوق الكورد القومية؛ ليكون ضمن منهاج حزب المؤتمر الوطني الذي لم تجزه السلطة في حزيران عام 1956، ويبدو أن هذه الفقرة قد صيغت صياغة جديدة لتكون الفقرة 3 من دستور الثورة المؤقت، كانت المادة (3) تعني الشراكة بكل ما تعنيه هذه الكلمة قانونيا، ولم يفهمها الآخرون لاسيما العسكريين وحتى بعض السياسيين هكذا، وكانت في رأيهم تعزيزاً للوحدة الوطنية أو ترضية الكرد، ولو بشكل مؤقت، ان هذا الفهم والتوجه، كانا السبب في أن تلك المادة لم تترجم الى الواقع إلا في حدود شكلية وضيقة وظلت فقراتها مرنه طوال مدة حكم عبد الكريم قاسم، وهي تمثل القاعدة في حق الحكومة بمطالبة الكرد بالولاء لها، وفي حق الكرد بالمقابل بمطالبة الحكومة بحقوقهم.
وكان البيان رقم (1) قد جاء خالياً من أية إشارة للمسألة الكردية. وقد جرى إستغلال ضعف الثورة في بدايتها، وإندفاع عبد الكريم قاسم، وجهل قادة الثورة بالمسائل القانونية والدستورية، وتعاطف لجنة إعداد الدستور، لا سيّما وأن رئيس اللجنة والمكلف الرئيس بإعداده هو أحد قياديي الحزب الوطني الديمقراطي. كما جاء البيان التأسيسي لجبهة الاتحاد الوطني الصادر في 9 آذار 1957، خلواً أيضا من ذلك المفهوم.
– شخصية عبد الكريم قاسم
وقد حاولنا إستقصاء شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم ودوره في إقحام مفهوم الشراكة الوارد في المادة 3 من الدستور. وعلى الرغم من أن جميع الكتاب قد ذهبوا الى إن عبد الكريم قاسم كان من أب سني وأم كردية فيلية شيعية ، إلاّ أن أحد المواقع قد نشر في عام 2005 حديثاً غير موثق عن شخص إدعى إنه خاله وأسمه محمد محمود داود التميمي تولد 1907، يقيم في إيران منذ 1963، أفاد بأن عبد الكريم شيعي من عشيرة خفاجة.
وشخصياً، أميل الى ما يؤيد بأن عبد الكريم قاسم كان شيعياً وإن بالتربية ، ولو لم يكن شيعياً لما أحبه الشيعة حتى يومنا هذا. كما يستفاد ذلك من سلوك قاسم نفسه. وتميزت شخصية قاسم بالكتمان، فقد إتبع مبدأ التقية الشيعي تماماً في التحضير للثورة ، لا بل إنه تريث ولم يدخل بغداد إلاّ في الساعة 11:30 من صبيحة يوم الثورة لتلافي فشلها. عن ذلك يقول بطاطو: “ولكن إحدى صفات قاسم ال 1958 التي لم يذكرها هاشم جواد والتي ميزّته بحدة عن عارف وكان لها وزنها في لعبة السلطة هي تكتمه. وبإستثناء المسائل التي لا خلاف عليها، بقي موقفه الحقيقي غامضاً على مدى الأسابيع العديدة الحرجة التي تلت الثورة. ولم يُلزم قاسم نفسه بأي رأي كان حول بعض الموضوعات -بساطة- لانه لم يكن لديه رأي مدروس خاص به. وفي موضوعات أخرى كان يحفظ رأيه لنفسه لإنه كان يشعر إن ذلك هو الطريق الأسلم.”
كما يمكن الإستدلال على شيعية قاسم من سذاجته في الحكم، فقد ظلّ رؤوفاً رحيماً بألد أعدائه، حتى أولئك الذين حملوا السلاح ضده، معتمداً مبدأ “عفا الله عما سلف”.
ومن جانب آخر، كان قاسم مراوغاً مقبولاً، “ونظراً لأنه كان بحاجة ماسة في تلك الأسابيع لكسب كل القوى الاجتماعية فإنه كان يروي قصصاً مختلفة عن قراباته، وكان يقول للسُنّي بأنه سُنّي، وللشيعة بأنه شيعي، وللأكراد أنه “لوري” أي كردي فَيْلي من جنوب العراق. ولم يسمح بظهور نياته إلا ببطء، وحجب الكثير منها كلياً في نواح عديدة. وإستمر شيء من الغموض يحيط بنظامه حتى النهاية الأخيرة له”. ويصف السياسي الليبرالي العراقي كامل الجادرجي عبد الكريم قاسم وموقفه من الجماعات السياسية بقوله: “كان قاسم يتأرجح بين العقائد المختلفة بالاحتفاظ بالسلطة مع انه لا ينزع نحو أية عقيدة منها، مثله في ذلك مثل البهلوان الذي يمشي على الحبل لا ينفك يتأرجح على حبله حتى لا يهوي”. ويذكرني هنا قول الشهيد [جلال الأوقاتي] قائد القوة الجوية آنذاك، حيث قال: {إن الزعيم عبد الكريم قاسم، سوف يدمر نفسه، ويدمر الشعب معه بسياسته الخاطئة}.
وواحدة من أكبر أخطاء قاسم هو إصدار قانون المقاومة الشعبية، وبدء التطوع في 9 آب 958، وقد عُين العقيد شاكر علي قائداً عاماً لها، وقد أنظم إليه أكثر من (10) آلاف مواطن في اليوم الأول، ووصل العدد إلى (30) ألفاً خلال أسبوع. وقد إضطر قاسم لاحقاً لحلها وسحب سلاحها، بعد أن أصبحت كيان رديف يهدد السلم الأهلي.
ولا تختلف أخطاء الحكومة الشيعية الثانية بعد 2003 عن أخطاء عبد الكريم قاسم نفسه، وكإنما التاريخ يعيد نفسه، عندما شرعت قانون الحشد الشعبي عام 2016، متجاهلين في الحالتين فكرة أن للدول جيوش وطنية وليس فصائل مسلحة (ميليشيات).
وعيبه الوحيد إنه جمع الأضداد من شيوعيين وقوميين، عرباً وأكراداً، وقدّم وعوداً للجميع، بحيث صعب عليه الوفاء بها بعد نجاح الثورة. وإستند على المعسكر الإشتراكي، لكنه تقرّب في نفس الوقت من المعسكر الرأسمالي الذي ظلّ كارهاً له لإنه باغتهم وقضى على خططهم. كما إن حادثة قتل الملك والعائلة المالكة بأسرها صبيحة يوم الثورة، لا يمكن إستبعاده منها ، فكل المؤشرات تشير الى إنه قد ناقشها بنفسه أو من خلال موفديه الى عبد الناصر، والسوفييت على حد سواء، على الرغم من كل ما قيل بعدم معرفته بذلك، بل أغلب الظّن إن العائلة المالكة قد نُظر اليها على إنها تمثل حكم السُنّة في العراق ومن عائلة غير عراقية. ومع هذا كله لا ينبغي أن يُتّهم بأنه كان طائفياً قط، بل كان عراقياً وطنياً طموحاً شاملاً. خذله الجميع وفقاً لإسلوب الإشغال الذهني المعيق للعمل، كما سبق وأن جرى مع علي بن أبي طالب سابقاً. ويظلّ موقف المرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم المعارض له، موقفاً لا يمكن تفسيره إلاّ بضغط غربي على المرجع الديني الذي أفتى بمحاربة الشيوعيين وتحريم قتال الأكراد.
وكان قاسم أول من تخلى عن الشراكة مع الأكراد وغيرهم. “وفي 20 تموز 961، قدم المكتب السياسي للحزب مذكرة إلى عبد الكريم قاسم، طالبه فيها بتطبيق المادة الثالثة من الدستور المؤقت، والتي نصت على حقوق الشعب الكردي، كما طالبت بسحب القوات العسكرية المرسلة إلى كردستان، وسحب المسؤولين عن شؤون الأمن والشرطة والإدارة، الذين كان لهم دور بارز في الحوادث التي وقعت في كردستان …”.
ومن جانبه، اتهم الزعيم عبد الكريم قاسم في مؤتمره الصحفي الذي عقده في مبنى وزارة الدفاع بتاريخ 23 أيلول 1961، الشركات النفطية الإحتكارية بتحريض الإقطاعيين الأكراد على التمرد ليمارسوا ضغطاً على العراق في مجالين:
1- مفاوضات النفط (التي كانت جارية آنذاك)،
2- مطالبة العراق بالكويت والإنزال البريطاني فيها،
وقال أيضاً: “لقد صرفت السفارة البريطانية ما يقارب نصف مليون دينار على هذه الأعمال العدوانية الخبيثة التي لفت الرجعية وقطاع الطرق والسراق والإنتهازيين وعملاء الإستعمار”.
ولم يكن الأكراد أكثر تمسكاً من قاسم بالشراكة المزعومة، بل كانت شعاراً مرحلياً متقدماً سرعان ما تخلوا عنه، لينتقلوا الى شعار آخر هو “الحكم الذاتي”. وكان هذا مطلبهم من قادة انقلاب 8 شباط 1963 القوميين والبعثيين، وبهذا الصدد يقول القيادي الكردي جلال الطالباني: ” وذهبنا إلى بغداد أنا وصالح اليوسفي، وخصصت لنا الحكومة السكن في فندق بغداد الذي كان من أشهر الفنادق العراقية وقتذاك، وفي الليل زارنا رئيس أركان الجيش الفريق طاهر يحيى، فسألني عن مطالبنا فقلت: نحن على نفس الاتفاق السابق، حيث كان هناك اتفاق قبل إسقاط قاسم عبر الرسائل بين قادة النظام الجديد وبين إبراهيم أحمد، ومفاده أن يعترفوا بالحكم الذاتي للأكراد بعد إسقاط النظام الديكتاتوري، فقال: هذا جيد.”
أستهل الحزب الديمقراطي الكردستاني صراعه مع السلطة بإعلان الإضراب العام في منطقة كردستان في 6 أيلول 961، حيث توقفت كافة الأعمال و أصاب المنطقة شلل تام، وقام المسلحون الأكراد باحتلال مناطق واسعة من كردستان، فكان رد السلطة دفع قطعات الجيش في 9 أيلول، لضرب التجمعات الكردية مستخدمة كافة الأسلحة والطائرات، وهكذا امتدت المعارك وتوسعت لتشمل كافة أرجاء كردستان، واستمرت المعارك حتى وقوع انقلاب 8 شباط 963، وتبين فيما بعد أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد تعاون مع انقلابيي شباط حيث كانت الاتصالات بينهم مستمرة قبل الانقلاب، كما شارك الطلبة الأكراد في الإضراب الذي أعلنه البعثيون قُبيل وقوع الانقلاب.
لقد وقع قادة الحركة الكردية في خطأ جسيم آخر، عندما وضعوا أيديهم بأيدي أولئك الفاشيين ضد السلطة الوطنية بقيادة عبد الكريم قاسم، ظنناً منهم أن بالإمكان حصول الشعب الكردي على حقوقه القومية على أيدي أولئك الانقلابيين الفاشيين المتعصبين.
ومن جانبه أصدر الحزب الشيوعي بياناً في 22 آب 1961 حول الوضع الراهن في كردستان مؤكداً على ضرورة النضال من أجل تسوية الوضع المتأزم في كردستان، وذلك بضرب نشاط عملاء الاستعمار وحلف السنتو في المناطق المتاخمة للحدود الإيرانية، والوقوف ضد الصدام بين القوات الحكومية المسلحة والبارزانيين، والحل السلمي للقضية الكردية.
كما طالب تقرير اللجنة المركزية للحزب في تشرين الثاني 1961 حكومة عبد الكريم قاسم بتحقيق المطالب التالية:
1ـ إلغاء الحملة العسكرية النظامية.
2 ـ حل المسالة الكردية بالطرق السلمية بإصدار بيان رسمي بالاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن الوحدة العراقية.
3 ـ إصدار عفو عام عن المشتركين في الحركة.
4ـ إطلاق سراح جميع المعتقلين وإرجاع المفصولين لأعمالهم.
5 ـ دفع التعويضات للمتضررين.
و “لا بد من الإشارة إلى أن أول أخطاء قاسم، هي أنه سعى لتكريس زعامته في قيادة الثورة على حساب طمس دور رفاقه الآخرين، من العسكريين، والاعتماد على دور اثنين منهم هما: قاسم ونائبه عارف في البداية، ثم تكريس فردانيته. وبدلاً من تشاركية الزعامة، وقع العراق ضحية الصراع بين زعامتي قاسم وعارف. ووقفت الأمة العربية ضحية الصراع بين زعامتي عبد الناصر وقاسم.” لقد تصرف قاسم كعسكري في عالم السياسة، وأراد ان يخضع الجميع للإنضباط العسكري الصارم، وهو إذا كان عسكرياً ممتازاً، فقد كان سياسياً فاشلاً، حيث أفتقد الدهاء السياسي المطلوب. ومع كل ذلك، يبقى في نظر الجميع، عراقياً وطنياً نزيهاً.
ويبقى هذا النص الذي أضافه قاسم الى الدستور سراً من أسرار الثورة، وكما قال العقيد عبد السلام عارف في اثناء محاكمته في عهد عبد الكريم قاسم عن ثورة 14 تموز 1958م، إذ قال: ” أن للثورة أسرارها التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم وأمتنع عن الإجابة عن عدد من الأسئلة التي وجهتها إليه المحكمة لأنه أعتبر الاجابة عنها فضحاً لبعض أسرار الثورة.
-تغَيٌر مفهوم الشراكة في وثائق دستورية لاحقة
تغيّر مفهوم الشراكة لاحقاً بمجرد سقوط حكم عبد الكريم قاسم الذي يُعّد أول حاكم شيعي لدولة العراق. وصدر في عهد حزب البعث عام 1963 بيان معروف باسم بيان اللامركزية جاء فيه “لقد عاش العرب والأكراد كإخوة، يربطهم الوطن، وإن مجلس قيادة الثورة ليعترف بحقوق الأكراد على أساس مبدأ اللامركزية، وهذا المبدأ سيدخل الدستور المؤقت والدائم وستشكل لجنة من أجل وضع برنامج واسع للامركزية”.
أما دستور عام 1964 قد نصت أحكام مادته التاسعة عشر المعدلة بعد إتفاق 30 حزيران / عام 1966 ما يلي: – (العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو أي سبب آخر. ويقر هذا الدستور الحقوق القومية للأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية)، أما دستور عام 1968 إذ نصت مادته الحادية والعشرون ما يلي: – (العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بما فيهم العرب والأكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية ) ، وفي دستور عام 1970 حيث نصت المادة الخامسة / الفقرة “ب” ما يلي: – (يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين ، هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية ) ، والمادة السابعة / الفقرة “ب” تنص ما يلي: – (تكون اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية الأكراد بالحكم الذاتي وفقاً لما يحدده القانون).
وفي اتفاقية 11 مارس 1970 بين الكرد والحكومة العراقية التي أشارت في البند الثاني إلى ما يلي: «إن مشاركة إخواننا الأكراد في الحكم وعدم التمييز بين كرد وغيرهم في تقلد الوظائف العامة بما فيها المناصب الحساسة والمهمة في الدولة كالوزارات وقيادات الجيش وغيرها، كانت وما زالت من الأمور المهمة التي تهدف حكومة الثورة إلى تحقيقها».
ويبدو إن الفهم السُنّي يفترق تماماً عن الفهم الشيعي لمفهوم الشراكة هذا. ولو إستذكرنا مذكرات الملك فيصل الأول مؤسس الدولة العراقية وأول ملك للمملكة العراقية (كما كانت تسمّى آنذاك) لعام 1933، التي ضمّنها خبرته الشخصية الواسعة عن الشعب العراقي، وهي تجربة تبدو محبطة تماماً، كما تفيض بها عبارات الرسالة وسطورها، عندما نفى وجود شعب عراقي منسجم بقوله: “وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملآن آسى: أنه في إعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائما للانتقاض على أي حكومة كانت”. وما يهمنا فيها ما ذكره عن المشاركة في الحكم بقوله: “العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سُنّية، مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسما كرديا أكثريته جاهلة، بينهم أشخاص ذوو مطامع شخصية يسوقونه للتخلي منها بدعوى إنها ليست من عنصرهم، وأكثرية شيعية جاهلة، منتسبة عنصريا الى نفس الحكومة، إلا أن الاضطهادات التي كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الإشتراك في الحكم”.
ومن الواضح أن “الإشتراك” يختلف عن “الشراكة”. فالأول هو المساهمة في ممارسة السلطة والمشاركة في الحياة العامة كحق من حقوق المواطنة، مثل الترشح للإنتخابات العامة سواء أكانت رئاسية أو برلمانية، أو التصويت فيها. اما الثاني فهو الدخول في علاقة خاصة سواء أكانت تجارية محكومة بالربح والخسارة، أو الإشتراك في إرتكاب جريمة أو جزء منها سواء عن قصد ونيّة أو بدونهما.
وبعد عام 2005، عندما سأل الرئيس طالباني في حوار «للأهرام» عن الدولة قال إنها حلم لا يوجد إلا في الأغاني، والكرد الآن لديهم العراق كله، وهم عنصر فاعل فيه».
-الإحتجاج بالشراكة
وقد صرّح مسعود البارزاني في 14/3/2017 قائلا: أن «العراق بني على أساس الشراكة بين العرب والأكراد ومراعاة حقوق المكونات الأخرى». وأضاف: أن «كل هذا كان يعني فشل التوافق الوطني والفدرالية وأسس الشراكة». وانه كان «على إيمان تام بعد سقوط النظام السابق بوجوب تأسيس دولة فدرالية ديمقراطية وبذل كل مساعيه من أجلها، لكن الأحداث اللاحقة أظهرت أن بغداد مستمرة في ثقافة التهديد وتهميش الكرد وخرق الشراكة».
وصرح البارزاني ثانية خلال مؤتمر صحفي في 24/9/2017 بأن “الشراكة مع بغداد انتهت”، متهما العراق بأنه أصبح “دولة طائفية”.
ومن جانب آخر صرح رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي قائلا: تكون شريك في الحكومة وتأخذ من المواطن اموال لدخول كردستان امر مرفوض. انتم شركاء وتتجولون في كل مكان بينما تفرضون على العرب إقامات مقابل مبالغ مادية..انتم شركاء في العراق ونحن يجب أن نكون شركاء في الإقليم.
وأكد طارق جوهر، مستشار رئيس برلمان إقليم كردستان العراق، أن ممارسات الحكومة المركزية العراقية في «بغداد» هي التي دفعت الكرد للجوء إلى خيار الاستفتاء. وقال “اتفاقية «سايكس – بيكو» أهدرت حقنا وقسمت كردستان على هذه الأجزاء، ونحن من الجزء الذي ألحق بالعراق ونطالب بحقنا، الشراكة لم تنجح مع العراق، ولم تأت لنا إلا بالدمار والإبادة الجماعية والتغيير الديمغرافي بحقنا.”
وبعد 11 سنة من الشراكة الشيعية-الكردية منذ 2003-2014 أوقفت حكومة بغداد تزويد حكومة إقليم كردستان بحصتها من الموازنة المركزية المقدرة بنسبة 17%. وتبادل الطرفان الإتهامات بالفساد وسرقة الأموال وتصدير النفط دون سيطرة المركز، حتى جاء تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي عشيّة يوم الإستفتاء الكردي مخاطباً الأكراد بقوله: “أين تذهب أموال النفط وعائداته، وهم (المسؤولون الأكراد) استولوا على ما يقارب 900 ألف برميل يوميا أي ما يعادل ربع النفط العراقي؟”. وتابع: “لماذا لا يرفعون رواتب الموظفين في الإقليم؟ نحن هنا في المركز لم نخفض الرواتب ولم نوقفها”. وأردف العبادي: “اسألوا مسؤولي الإقليم لماذا لم تدخل واردات النفط في حساب واضح معلن يطلع عليه المواطنون، ولماذا لا يسمحون بالرقابة على الأموال العامة”. وأضاف أنهم يفعلون ذلك “بحجة استقلالية الإقليم”، لكن “الهدف الحقيقي كان التغطية على الفساد وسوء الإدارة”.
-خلاصة وإستنتاجات
1. أن مفهوم الشراكة هو مفهوم حصري بين الأكراد والشيعة الذين إتفقوا فيما بينهم من أجل تقاسم السلطة، ولا يسري هذا المفهوم الى المكونات الأخرى للشعب العراقي، كالسُنّة أو المسيحيين أو التركمان وغيرهم. وهذا يبرر سبب غياب هذا المفهوم واختفائه عند تولي السلطة من طرف آخر غير الشيعة. وحتى شيعة إيران يختلف موقفهم عن شيعة العراق، فرغم مساعدة الأكراد للخميني لإزاحة نظام الشاه الذي غدر بهم، فإن الخميني قد قَلِب لهم ظَهْر المِجن بمجرد وصوله للسلطة، حيث صرّح في مؤتمر صحفي رداً على سؤال أحد الصحفيين الفرنسيين حول وعوده للأكراد قائلاً:
(قرأت القرآن والسنة النبوية وتلك هي مراجعي في التشريع لم يقل الله عز وجل والرسول أن أعطي للأكراد حكماً ذاتياً).
2. إستمرت الشراكة في عهدها الأول (عهد عبد الكريم قاسم) حكم العراق 4 سنوات و6 أشهر و15 يوماً. فيما إستمرت في عهدها الثاني للفترة من 2005-2014، وسقطت بسقوط الموصل بيد داعش.
3. لم يظهر هذا المبدأ في كل الفترات التي كان الحُكم فيها بيد السُنّة. وبإستثناء حكم عبد الكريم قاسم (1958-1963) فإن هذا المفهوم لم يظهر مجدداً إلاّ بعد عام 2003، عندما ضغطت الإدارة الأميركية على توحيد الكرد والشيعة في إسقاط نظام صدام حسين، وتمكينهم من إستلام السلطة، في ظِل نظام ديني-مذهبي قائم على الطائفية. “لكن النتيجة تمثّلت في إخضاع الأكراد لسيطرة الحكومات المركزية الأكثر فعالية وتشدّداً في دول قومية متعصبة. فعلى الرغم من أنها محرومة من أيّ منفذ بحريّ، وتعاني من تخلف إقتصادي مع إنها غنية بالموارد النفطية والمائية، وعلى الرغم من أنها منقسمة بين مذهبين إسلاميين وموزّعة على خمس دول، وعلى الرغم من وجود ثلاث لغات كردية وثلاث أبجديات مختلفة، إلاّ أن كردستان موجودة بفضل الأكراد، وعلى الرغم منهم. فالأكراد إحترفوا فن البقاء بعناد، وإحترفوا الخسارة أيضاً”.
4. كان محور الشراكة ينصّب على تقاسم السلطة والثروة فقط. وهذا ما حدا بالزعيم عبد الكريم قاسم الى التراجع عنه سريعاً. في حين أن شيعة السلطة والأحزاب الكردية ظلّت متمسكة به في الفترة الثانية طيلة 14 عاماً، ولم يجري تجاهله حكومياً إلا بعد سقوط مدينة الموصل بيد داعش عام 2014. بعد أن عمّ الخراب وضاعت الثروات، حتى ذهب الكثير من العراقيين الى أن هذه الشراكة إنما هي “شراكة لصوص” ليس إلا. في إشارة ضمنية مبسطة الى الإشتراك الجنائي.
5. إن جهل سياسيي العراق وحكامه القانوني والدستوري قد جعلهم غير قادرين على إقناع الأكراد ببعض المسائل التي يتعذر تلبيتها لتعارضها مع مبادئ القانون الدولي والقواعد القانونية الدستورية. فليس من حق أي دولة أن تشير في دستورها ولو بإشارة بسيطة ما يمس سيادة دولة أخرى وإستقلالها، وليس من المنطق أن تتضمن أي وثيقة دستورية نصاً يوحي بحق الأكراد في إنفصال جزء من تركيا أو إيران أو سوريا، أو غيرها. كما كان على سياسيي الشيعة بعد عام 2003 أن يوضحوا للأكراد بأن النظام الفدرالي لا يعني الانفصال أو التصرف بمعزل عن المركز، أو عدم سريان سلطة الحكومة الفيدرالية ومراقبتها وإشرافها على الأقليم الفيدرالي ضمن إختصاصات حكومة المركز. ولكن ضعف الحكومة الاتحادية وجهلها القانوني قد أوحى للأقليم بأن الفيدرالية تعني الإنفصال والتصرف كدولة ذات سيادة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا دور لحكومة المركز سوى التدخل للدفاع عن الأقليم في حالة قيام أي تهديد خارجي.
وفي ظل هذه شراكة من هذا النوع، لم يجري تطوير البنى التحتّية وتحسين الخدمات العامة، بل بالعكس من ذلك، فقد تعمّدوا تدمير ما هو قائم من بنى تحتّية وأسس مجتمعية، وجرى تحطيم الصناعة العراقية الواعدة، وعطّلت المصانع وجرى سرقتها وبيعها، لذا فإن إقامة دولة بلا صناعة أمر متعذر، فالصناعة بمثابة العمود الفقري لأي دولة. وحتى في أقليم كردستان العراق، وعلى الرغم من البناء العمراني الواضح، والحركة التجارية الواسعة، إلا أنها ما زالت تفتقر الى قاعدة صناعية تستند اليها مستقبلا، إذا ما قررت الإنفصال أو الإستقلال. وكما قال الملك فيصل الأول في رسالته النادرة لوصف أحوال العراق في 15 آذار 1933: “إنه لمن المحزن والمضحك والمبكي معاً أن نقوم بتشييد أبنية ضخمة، بمصاريف باهظة، وطرق معبّدة بملايين الروبيات، ولا ننسى الإختلاسات وتصرف أموال هذه الأمة المسكينة التي لم تشاهد مصنعاً يصنع لها شيئاً من حاجاتها. وإني أحب أن أرى معملاً لنسج القطن، بدلاً من دار حكومة، وأود أن أرى معملاً للزجاج، بدلاً من قصر ملكي.”
د. رياض السندي
لوس أنجلس
15 تشرين الأول/أكتوبر2017
***************************************************************************
تنويه; موقع http://nala4u.com غير ملزم ما يسمى بكردستان