بقلم شذى توما مرقوس
كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 31 ) ــ القِسم ( 3 )
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
25 / 09 / 2017
http://nala4u.com
إِعْداد وتَقْديم : شذى توما مرقوس
الخميس 1 / 5 / 2014 ــ والعَمَل مُسْتَمِّر
طَابِع المَوْضُوع :
بِطاقَة
تَعْرِيفِيَّة بِكُتَّاب وكاتِباتِ القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة
جِدَّاً ، والفنُون المَسْرَحِيَّة ، وأَدب الطِفْل مِنْ الوَسَطِ
المَسِيحيّ العِراقيّ .
عزِيزَاتي ،
أَعِزَّائي مِنْ القَارِئاتِ والقُرَّاء ، سنُتَابِع هنا القِراءَة في
مَسْرَحِيَّة ( غُفْران الأَمير ) ( الجِزْء الأَخير) لِلخُوري حنا رحماني
، وأَتَقَدَّمُ بِخالِص شُكْرِي وتَقْديري للأَخ باسم روفائيل ، والَّذِي
لَوْلا تَعاونَهُ المُخْلِص ، الدَؤوب والمُسْتَمِّر ، لَما رَأَى هذَا
المَوْضُوع النُور على هيْئَتِهِ هذهِ ، تَمنِّياتي لَهُ بِكُلِّ الخَيْر
والتَوْفيق .
كُلّ الشُكْر لِلمُتَابِعاتِ والمُتَابِعين .
د ــ كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً والفنُون المَسْرَحِيَّة وأَدب الطِفْل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حنا رحماني ( 1891 م ــ 1969 م )
الرَابِط الثَالِث
مَسْرَحِيَّة ( غُفْرَانُ الأَمير ) ــ حنا رحماني ( التَتِمَة الثَانِيَة لِلمَسْرَحِيَّة )
مَنْشُورَة في مَجَلَّة المَشْرِق اللُبْنَانِيَّة
مِنْ صَفْحَة 350 إِلى صَفْحَة 367
العدَد رَقم 5
في 1 / مايو / 1923 م
الرَابِط :
http://archive.sakhrit.co/newPreview.aspx?PID=2244607&ISSUEID=8687&AID=177946
//////////////////////////////////
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غفران الأمير
مأساة نثرية ذات أربعة فصول يتخللها شعر قديم
بقلم :
مدير مدرسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في الموصل القس حنا رحماني ( تتمة )
الفصل الثالث
سبق السيف العذَل
( المشهد الأول )
الاسود وثعلبة
الاسود : ( بتأسف ) ، إذاً قد ثبُتَ فقدان نُمير
ثعلبة : نعم أيها الملك
الاسود : وهل رجع السُعاة الذين أرسلناهم للكشف عنه ؟
ثعلبة : رجع الكل ولم يقفوا لهُ على أثر … إنّما أحدهم رأى وراء هذهِ الاكمة سواداً عظيماً ، كأنَّ قوماً نزلوا هناك
الاسود : وما قبيلتهم ؟
ثعلبة : لم يتثبت جنسهم لبعدهِ ، فإن أحبَّ الملك أرسلنا من يتحقَّقهم
الاسود : أرسلْ ربيّة على جناح السرعة
ثعلبة : ( يصرخ ) كليب ، كليب
( المشهد الثاني )
الاسود وثعلبة وكليب
كليب : سيدي
ثعلبة : حلَّ قومٌ وراء الاكمة ولابدَّ للملكِ أن يعرف أصلهم
كليب : سمعاً وطاعةً ( يمشي للخروج )
ثعلبة : ( يلحقه ) عجِّلْ ما أمكنك ، ( ثم بصوتٍ منخفض لكليب ) ، لاتغادر القصر قبل أن نلتقي
كليب : ( بالصوت ذاته ) فهمتُ ( يخرج )
ثعلبة : ( يلتفت ليرجع إلى الاسود فيراهُ مُتهيئاً للخروج فيمشي وراءهُ ، ثم عندما يتوارى الاسود يحرك ثعلبة يده كأنَّهُ يدفعهُ ثم يرجعُ إلى الجهة الأخرى ويُنادي بصوتٍ منخفض ) : كليب ، ( ثم ينظر من الجهة التي خرج منها الاسود ويرجع فينادي ) : كليب
( المشهد الثالث )
ثعلبة وكليب
ثعلبة : إيّاك أن تذهب إلى الاكمة ، خذْ هذا الكتاب وتوار قليلاً في جوار القصر على غير مرأى من أحد ، ثم عُدْ بعد مدة وقدِّمهُ للاسود قائلاً : إنَّهُ من تُبّع ملك حمير لِلنُعمان ، وإنَّ التُبّع لم يُسلِّمك إيّاهُ إلا بعد أن تأكد منك إنّك صديق النُعمان وأخذَ عليك المواعيد المكرَّرة والإيمان المُغلطة إنّك لا تُطلع عليه أحداً
كليب : أمرك سيدي ( يخرجان )
( المشهد الرابع )
جليل والمُنذر
المُنذر : لم يعُد لي طاقة يا جليل على احتمال غياب أخي ، إنَّهُ اسْتَبى قلبي معهُ
جليل : تقوَّ يا مُنذر ، إنّي أعهدك شهماً رابط الجنان
المُنذر : نعم يا جليل ولكن أراني بعد فقدان أخي كالشجيرة الضعيفة تتلاعب بها الرياح وقد نزعوا عنها سندها الذي تعتمد عليه ، واحسرتي عليك يا نُمير
نُمير أخي قد زاد قلبي تلهُّبا …… وقد حرقت مني الشؤون المدامع
وقد اضرمت قلبي المصيبةُ لوعة …… وقد حميّت مني الحشا والاضالع
فأسأل عنك الرُكب هل يخبرونني …… بحالك كيما تستكنُ المضاجع
فلم يكُ فيهم مُخبر عنك صادقُ …… ولا فيهم من قال إنك راجع
نُمير أخي مذْ غبت كدّرت عيشتي …… فقلبي مصدوعٌ وطرفي دامعٌ
وفكري مسقومٌ وعقلي ذاهبٌ …… ودمعي مسفوحٌ وصدري بلاقع ( 1 )
( يبكي )
جليل : ( يأخذ بيد المُنذر وينعطف نحوه بحنو ) ، يا مُنذر كفكف الدموع …. وماذا أقول أنا وقد هجرتُ أمي ووطني وجميع الأقارب والأحباب ( يبكي ) إن مصابي لأعظم من مصابك بكثير ، فلنتعزَّ كلانا
المُنذر : أنتَ لم تفقدهم يا جليل ، سيُعيدك الله إليهم عن قريب
جليل : وأنتَ أيضاً سترى نُميراً أخاك راجعاً سالماً … ( يمسكه بيدهِ من جديد بانعطاف ) ، يا منذر بحق حبّك لي سألتك ألا تغتم هكذا لفقدِ نُمير ، أنا أقومُ مقامه لديك ريثما يعود قريباً إن شاء الله … أترضى بصحبتي يا مُنذر ؟
المُنذر : ( يمسح دموعه ) كيف لا أرضاك يا خير الإخوة ، يا ملاكاً حلَّ قصرنا فزرع فيه الفرح ونشرَ العزاء ، وبذل التعزية
( المشهد الخامس )
الاسود وجليل والمنذر
المُنذر : ألم يأتنا أحدٌ بخبر من نُمير يا أبي
الاسود : لا يا بُنيّ
المُنذر : كنتُ الآن أبكي فقْدَ نُمير فعزاني جليل وعرض عليّ أن يكونَ لي أخاً حتى عودة شقيقي فرضيتهُ
الاسود : حسناً فعلت يا بُنيّ ، توَّخَ ابن النُعمان لحسن سجاياه وورعهِ ، ثمَّ أن من كُسرَ بالحرب لجدير بعد الحرب بكل إعزازٍ ومجاملة ، ولا يحق للغالب أن يحتقر المغلوب أو يهينه ، فاذهبا يا ولديَّ إلى هذهِ الاكمة ( يشير إلى الاكمة بيده ) ، وانظرا لعلكما تقفان على أثرٍ لنُمير ( يخرجان ويدخل ثعلبة )
( المشهد السادس )
الاسود وثعلبة
الاسود : لقد أبطأ الرسول يا ثعلبة وبتُ قلق البال لا أطيقُ الصبر
ثعلبة
: المكانُ بعيدٌ ياسيدي ، على كل حال لا أظنَّهُ يُبْطئ بعد ( يتطلع ) ،
ها هو آتٍ
( المشهد السابع )
الاسود وثعلبة وكليب
كليب
: ( يدخل وبيدهِ ورقة ملفوفة ) سيدي الملك دونك هذهِ الأَلُوكة ، اقتربتُ
من القوم فقبضوا عليّ وأخذوني إلى رئيسهم فإذا هو تُبّع الملك صديق آل
غسّان فكتمتُ عليهِ أمر إرسالكم إيّاي وأظهرتُ لهُ ميلاً للغساسنة ، لم
اتركُ لهُ معهُ سبيلاً للشك فيهِ ، فسلَّم إليّ هذهِ الرسالة للنُعمان
وأوصاني ألا يطلع عليها أحدٌ سواه
الاسود : ( يأخذُ الورقة ويقدِّمها لثعلبة ) ، فُكَّها وأقرأ
ثعلبة : ( يقرأ ) من تُبّع العاهل الكبير ملك حمير إلى حليفنا النُعمان بن المُنذر سلام ؛ قد أحطتُ علماً بكل ما ذكرت ووقفتُ على ما نويت ، غداً نتسوّرُ حصن الاسود ونفتحهُ قسراً ونخلصك من عدوّك ، كُنْ إذاً على استعداد
الاسود : ( يقاطعهُ بغضب ) ، هذا من أكرمنا مثواه وحقنا دمهُ ، نِعم المكأفاة يا نُعمان … إنّي أدركُ الآن صحة قولك يا أبا أُذينة :
العفو إلاَّ عن الأَكفاء مكرمَةٌ …… من قال غير الذي قد قلتْهُ كذبا
لا تقطعنَّ ذنب الأفعى وتُرسلها …… إن كنتَ شهماً فأتبع رأسها الذنبا ( 2 )
ولكن لا ذكر في هذهِ الكتابة لنُمير ؟
ثعلبة : ( يقرأ ) أَمَّا نُمير فقد حاولتُ قتلهُ بموجبِ أمرك .
الاسود : واحرقة قلباه عليك يا ولدي يا نُمير ( يسندهُ ثعلبة لأنَّهُ يضعف ليسقط ) ، لقد … تأَججت نار الحزن والألم … في فؤا …… دي ..يا … ثعلبة ، واأسفي عليك …. يا نُمير …. ما هذهِ الميتة ، ذهبتَ فريسة الغدر والخيانة ، لِمَ لم تمت بين السُمر والبيض في معمعة الحروب ….. ( ترجع إليه قوته ، يترك كتف ثعلبة ويقوم بعزم ) ، ولكنْ لا يُهْدرُ دمك وايم الله ، ثعلبة ادعْ لي النعمان وليحضر معهُ أعواني والسيّاف ( يخرج ثعلبة )
( المشهد الثامن )
الاسود وحده
الاسود : لقد هُدَّ ركن قوَّتي … تضعضع عزمي
خُسِف البدْرُ حين كان تماما …… وخُفي نورهُ فعاد ظلاما
ودراري النجوم مادت وغابتْ …… وضياء الآفاق صار قتاما
حين قالوا نُمير أضحى قتيلاً …… خيَّم الحزنُ عِنْدنا وأقاما
كانَ عوْني وعُدَّتي في الرزايا …… كانَ درْعي وذابلي والحُساما
يا جفوني إنْ لم تجودي بدمعٍ …… لجعلْتُ الكرى عليكِ حراما
قسماً بالذي أماتَ وأَحْيا …… وتولَى الأرْواحَ والأَجْساما
ما غمدتُ الحسام في الحربِ حتَّى …… أتركُ القومَ في الفيافي عِظاما ( 3 )
( المشهد التاسع )
الاسود ، ثعلبة ، النُعمان ، الأعوان ، السيّاف
الاسود : يا نُعمان حقنتُ دمك وانزلتُك منزل الضيفِ الكريم في داري ، أكرمتُ مثواك وأعززتُك ، على أنّي ما دريتُ إنّك افعوان ينفثُ سمَّهُ في الخفية
النُعمان : يا ابن الحارث بوسعك أن تقتلني ولكنْ ؛ لا حقَّ لك على شتمي
الاسود : أَغدْرٌ وإصرار وتكبُّر ، إقرأ يا ثعلبة
ثعلبة : ( يقرأ من جديد الرسالة )
النُعمان : ( بِهدوٍ وشرف ) هذهِ مكيدة ، لا عِلم لي بما في هذهِ الرسالة
الاسود : أليس تُبَّع ملك حمير محالفك ؟
النُعمان : نعم
الاسود : ألم تبعث إليه برسالةٍ هذهِ جوابها ؟
النُعمان : كلا
الاسود : اما سمِعتَ بنزول تُبَّع وراء هذهِ الاكمة مع جندهِ ؟
النُعمان : سمعتُه ولم أتحقَّقهُ
الاسود : ألم يصنع ذلك باتفاقٍ معك ؟
النعمان : لا والله
الأسود : اما سمعتَ بفقدِ ابني نُمير ؟
النُعمان : نعم
الاسود : اما تعلمُ مصيرهُ
النُعمان : لا وشرف النُعمان
ثعلبة : ( للاسود ) ، ومتى سُمع أنَّ المذنب يُقِرُّ بذنبٍ
الاسود : ( للنُعمان ) وبالتالي ؟
النُعمان : أنا براءٌ من كلِّ ذنْبٍ
الاسود : لقد عيل صبري ، أيُّها القُوَّاد كونوا على حذرٍ من هجوم تُبّع ملك حمير علينا هذهِ الليلة ، وأنتَ أيُّها السيَّاف خُذْ النُعمان إلى منقع الدم واقطع رأسهُ
النُعمان : إلى ديّانٍ يوم الدِّيْنِ نمضي …… وعند الله تجتمعُ الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا …… غداً عند الإله منْ الظلومِ ( 4 )
( يخرجُ النُعمان والسيَّاف يستلُ سيفهُ )
الاسود : ذُقْ يا نُعمان كأساً مزجتَ لنا مرارتها
فأنصفُ النَّاس في كُلِّ المواطنِ مَنْ …… سقَى المُعادين بالكأَسِ التي شربا ( 5 )
( المشهد العاشر )
بعينهم وجليل
جليل : ( يدخل وهو يصيح ) ، أبي ، أبي ، بالله عليك مُرْ بأًنْ يوقفوا السيَّاف أو اقتلوني عوضاً عنهُ ، اقتلوني معهُ ( يركع أمام الاسود الَّذِي يُحوِّلُ عنهُ نظرَهُ ، يُجرُّ الستار ) .
ــ الفصل الرابع ــ
حَصْحَصَ الحقّ
( يوضعُ قبر للنعمان في مؤخر المرسح وعلى جهة )
( المشهد الأوَّل )
جليل وحدهُ
جليل : ( مستند إلى قبر ابيهِ )
أَهاجَ قَذاءَ عيني الإِذكارُ …… هُدُوَّاً فالدموعُ لها انْحِدارُ
وصارَ الليْلُ مُشْتَمِلاً علينا …… كأنَّ الليْلَ ليسَ لهُ نهارُ
وبتُ أُراقِبُ الجوْزاءَ حتَّى …… تقاربَ منْ أَوائلها انحدارُ
أُسرِّحُ مُقْلتي في إِثرِ قوْمٍ …… تباينتِ البِلادُ بِهم فغاروا
وأبكي والنجومُ مظلماتٌ …… كأن لم تُخْفها عني البحارُ
أيا أبتا دعوتُك لم تُجبْنِي …… فقلبي لا يُقِرُّ لهُ قرارُ
أَلا بِحقِّكَ يا فدى نفسي أجبْني …… وكيفَ يُجيبني البلدُ القفارُ
أبتْ عينايّ بَعدك أن تَكُفَّأ …… كأنَّ قذى القَتَادِ لها شِفَارُ ( 6 )
يا أبتاه أَمِثْلُك يواريهِ التراب فينطفئ سراج عينيه ويصمتُ نطق شفتيه …..واأسفي عليك يا أبي كنتَ لي نوراً فأظلمَتْ الدنيا في عينيّ من بعدك ، كنتَ لي فخراً وعزاء فلبستُ من بعدك ثوب الحداد وارتديتُ رداء الحزن … ألا كيف هجرتني يا أبي ، كيف تركتني وحدي وأنا في الأسر بعيداً عن أُمي
أيُتْماً وسجناً واشتياقاً وغربة …. ونأي حبيب إن ذا لعظيمُ ( 7 )
ألا هل من عودةٍ يا أبتاه …اواه ذهب ذهاباً لا يعقبهُ إياب ( يبكي ) .
قتلوه
ظلماً … ليس أبي ممَّن يعمد إلى وسائل قبيحة كالتي عزوها إليه ليخلص من
الأسر ، أبي أرفعُ من ذلك ، يا ربي برئ ساحته … إرحمهُ يا أرحم الراحمين
…. ( يبكي ) ، ألا يا دموعي أسقي بريّك قبرهُ ، رطبي بغيومكِ ثراه
سقاكَ الغيثُ إنك كنتَ غيثاً ….. ويُسْراً حينَ يُلْتَمَسُ اليَسَار ( 8 )
يا رُفات أبي إليكِ مني سلام وألف سلام ( يسند رأسه إلى القبر )
( المشهد الثاني )
جليل ، الاسود ، ثعلبة
ثعلبة : ( على حِدة عند دخولهِ ) قتلتُ الأسد فبقي عليّ الجرو الصغير
الاسود : يا ابن العم إن منظر هذا الفتى الباكي على قبر أبيهِ لمِمَّا يُفتت الاكباد
ثعلبة : أَساءَ منْ يرحمُ فريسة غدرهِ وخيانتهِ وكفرهِ بالنعمة ؟
الاسود : لا ريب فيما تقول على أني منذ قتلتُ النعمان لم يقرّ لي قرار …. فقد طالما حاولتُ أن أتذكر ما تقول عن غدرهِ وخيانتهِ فلم يهدأ روعي … ألعلِّي قتلتُ بريئاً ؟
ثعلبة : او تشكُّ أيَّها الملك في أمرِ خيانةِ النُعمان
الاسود : لا …. ولكن لستُ أرى لبلبالي مخمداً … إن في الأمر لسِرّ ! فاعلم يا ابن العم إنه من بعد قتلهِ لم يكتحل جفني برقادٍ وكلَّما دخل الطعام فمي غصّ في حلقي وقد فارقني السرور واستولت عليّ الهموم
ثعلبة : لا تسترسل للقلق أيها الملك بلْ افتحْ قلبك للفرح وأهنأ بقتلك أكبر عدوّ لك فبقتلهِ أصبحتَ في مأمنٍ من كل خصوم
الاسود : وأنَّى
لي أن أهنأ … أتريدُ أن اكشف لك سرِّي ، إن خيال النُعمان يرافقني حيثما
أسير ، كلامه الأخير لا يزال يطرق أذُنيّ
ستعلم في الحسابٍ إذا التقينا …… غداً عند الإلهِ من الظلوم ( 9 )
أنا
الذي كنتُ أَتيهُ عجباً على كل الملوك قد كسفَ الخجلُ جبيني فلا يمكنني أن
أرفع نظري إلى أحدٍ من الخلق إلا وأراهُ يبكتني على فعلي ( يمسح دمعة )
ثعلبة : أتبكي أيُّها الملك
الاسود : إنَّ الدموعَ سفير البؤس والكدر …… فانظرْ تجد دمعي الهتَّان منهملا
والجفن في أرقٍ والعين في غرقٍ …. والقلبُ في حُرّقٍ والجسم منتحلا
استوطنَ الخطبُ قلبي فاستقرّ به …… وحاقَ بي فكساني الروع والمللا
اراشَ لي اسهُماً في مهجتي فتكت …… أصابَ قلبي بجرحٍ ليتهُ قتلا ( 10 )
ثعلبة : أيا مليكي تجلّد واصبرن وكنْ …… عند الخطوب إذا ما خيَّمتْ بطلا
إن ضاق قلبك من هذي النوائب يا ……. مولاي قلبي فسيح فأملأَنه إلى ….
قلبي إذا اشتدت الأهوال كافحها …… ولا يبالي ولو نجمُ المنون علا
ليثٌ كمثلك تخشى الأرضُ سطوتهُ …… عارٌ إذا قيل عنهُ ذُلَّ وانخذلا ( 11 )
الاسود
: أين الصبر ، وأين السبيل إليه ( يأخذ ثعلبة إلى قدَّام المرسح على جهة )
، يا ثعلبة قرحٌ بليغٌ ظهر هنا في صدري يوم قتلتُ النُعمان وقد عالجته فلم
يزدد إلاَّ اتساعاً وهو ينهشُ صدري وينخر عظامي … اواه
ولي كبدٌ مقروحة من يبيعني …… بها كبداً ليست بذات قروح
أباها عليّ الناس لا يشترونها …… ومن يشتري ذا علّة بصحيح ( 12 )
( ينظر ابن النُعمان فيقتربُ منه ) …. هذا جليل ….
دعني يا ثعلبة وابن النُعمان لعلِّي ألقى منهُ ما يُسكِّنُ روعي ( يخرج ثعلبة )
( المشهد الثالث )
جليل والاسود
الاسود : ( يقتربُ من جليل بلطفٍ وينحني عليهِ بانعطاف ) ، كفكِفْ الدّمع يا جليل فبكاؤك لا يُجدي نفعاً … ما صار قد صار … فقد سبق السيفُ العذل
جليل : ماذا يريدُ الاسود من ابن النُعمان ، ليتركنَّهُ وشأنهُ ، وإن شاء فليُلحِقهُ بأبيهِ
الاسود : ما جئتك لتُعنِّفني ، جئتك معزّياً يا جليل
جليل : لا كنتَ قتلتَ أبي ولا تنازلتَ إلى تعزيتي
الاسود : قتلتُ أنيساً وأُعزّي كسيراً
جليل : وهل ثبُتَ إثم أبي … أتقتلُ رجلاً دونَ أن تتثبتَ جرمهُ … وما أدراك إنَّ الرسالة التي أتوكَ بها ما كانتَ مُزوَّرة كتبتها يدٌ أثيمة وأعداؤنا في قصرك عديدون
( المشهد الرابع )
الاسود وجليل والمُنذر
الاسود : هلم يا بُنيّ لعلك تعزِّي أنتَ جليلاً ، ( على حِدة ) فتُخفِّفُ وطأة همومي
المُنذر : ( يقترب من جليل ) ، جليل ، أخي ، حبيبي
جليل : قد كان المُنذر حبيباً لي لكني لا أعرفُ ابن قاتل أبي
المُنذر : سألتك بالله يا جليل ألاَّ تزجرني
جليل : إليك عنّي
المُنذر : ( ينحني على جليل ) ، يا جليل ليس هذا الوداد الذي كنتُ أعهدهُ فيك .. أين عهودنا وعقودنا …. أتزيدني حزناً فوق حزني على فقد أخي والكلُّ يقولون إن النُعمان قاتِلهُ
جليل : فإن كان الأمر كما تقول دعني إذاً وابكِ أخاك كما أنا أبكي أبي
المُنذر : أنا لم أصدّق ما شاع عنهُ … ألا يا جليل سألتك بكلِّ ما هو عزيز لديك أن تصافحني ثانيةً
جليل : أعزُّ شيء عليّ كان أبي فقتلتموه … لن يُصافح كفي أبدّ الدهر كفَّ ابن الاسود ، اتركاني وشأني ( يخرج الاسود مكسور الخاطر ويتخلّف ابنه )
( المشهد الخامس )
جليل ( مستند إلى القبر ) والمُنذر
المُنذر
: اواه ! …. لقد خانَ الحبيبُ العهود وحنثَ بالإيمان ونقض الذمام وجرح
فؤادي جرحاً لا يندمل …. رجوتُ فزُجِرتُ ، طلبتُ فرُفِضْتُ ، تذللتُ
فطَمِع … هل أقابل غدرهُ بغدرٍ وظلمهُ بظلمٍ ، نارٌ تتأججُ في أحشائي وقد
ألهبت مني الضلوع ، تحاول هذهِ النار أن تتدفق من شفاهي بلعنةِ يومٍ بهِ
عقدنا عهد الود والحب … تريدُ هذهِ النار أن أقطع الوثاق وأعطي مجالاً
لعواطفي وأبرِّد غليل فؤادي … ولكن لا يا جليل ، لا ، أنا لا أفعلُ هذا
:
طُبِعتُ على الاخلاص بالوّدِ والوفا …… وقلبي يأبى أن أكون خؤونا
وعارٌ على الخلق الكريم تلوُّنٌ …… لقد عدهُ أهل العقول جنونا
ثباتُ الفتى في عهدهِ سؤْددٌ لهُ …… وعزٌّ ، وإنّي ما برحتُ أمينا
على صفحاتِ القلبِ ودُّك مثبتٌ …… سيبقى إلى يومِ النُشُورِ مكينا ( 13 )
هذا جوابي على جفوكَ يا جليل ، والآن أتركك كما رغبت وشأَنُك
( المشهد السادس )
جليل وحدهُ
جليل : ماذا صنعتُ … كيف قويتَ يا قلبي على الإساءة إلى من هو بعد أبي أعزُّ الخلق عليك ، واحسرتاه ! أتاني مُسلياً مُعزياً ، فتحَ لي قلبهُ كي أجد فيهِ ما يُنسيني آلامي ، وأنا أغلظتُ لهُ المقال ، ذكّرني بالعهود وأنا نكثتها ورفضتُ مصافحتهِ ، أتاني وقد قادهُ حبّهُ فجفوتهُ وطردته فذهبَ كسيراً … لعمري إن كسرته هذهِ وذلّهِ لهما أشدُّ من كسرتنا وذلّنا ، فاسكتي إذاً يا عواطف الثأر المتلهّبة في قلبي اسكتي ، ويا هواجس الانتقام الثائرة في أحشائي اصمتي …. وأنتَ يا دمُ والدي المُراق ، يا أصلُ دمي وسبب حياتي أطلبُ إليك بكل احترامٍ وإجلال أن تجاوبني : أَما رضيتَ تكفيراً بدموع هذا الفتى الدامية وقد قطرها قلبه الجريح … أجبْني يا دم أبي اجيبيني يا نفسُ أبي … ليس من مُجيب … ( يقف ) لا يا مُنذر ما نكثتُ عهدك ولكن خشيتُ أمام قبر أبي أن أصافحك ، خفتُ من أن تكون مصافحتك نقضُ عهد أبي … اواه ! ….. عهدان يتنازعاني ويودانِ انقسام روحي : عهدٌ عقدتهُ مع أبي كي أحافظ على حقوق أجدادي والأخذ بثأرهم ، وعهدٌ عقدتهُ مع المُنذر عهد ودٍ وحبٍّ ، فإن أقمتُ على هذا نكثتُ ذاك ، وإن ثبتُ على ذاك نقضتُ هذا…. لقد ضاع رُشدي …. خذْ يا ربي بيدي وأرشدني أنتَ واهدنِي الصراط المستقيم ( يخرجُ بطيئاً )
( المشهد السابع )
ثعلبة وكليب
ثعلبة : أرايت يا كليب كم من عذابٍ قاسينا حتى بلغنا مأربنا من قتلِ النُعمان
كليب : أذكرُ ذلك حسناً ولا أنساه
ثعلبة : كلّ تعبنا يذهبُ سدى إن وقفنا عند هذا الحد
كليب : لا أفهمُ مرادك
ثعلبة : تذكّر قولي السابق :
لا تقطعن ذَنْب الأفعى وترسلها …. إنْ كنتَ شهماً فأتبع رأسَها الذنبا ( 14 )
إن النُعمان يا كليب حيٌّ بابنهِ فإن لم تلحق الابن بالأب فكأننا لم نفعل شيئاً إذ لم نقطع سوى نصف الطريق
كليب : أنا لا أُطابقك على ذلك
ثعلبة : ويحك ما تقول ؟
كليب : كفاني ما ارتكبتُ من الشرور فلا أريدُ أن ألطخَ يدي بدمٍ نقي طاهر مثل دم هذا الفتى
ثعلبة : إنَّ من باشر السلوك في مزلقة الإثم المنحدرة لا يمكنهُ أن يقف ما لم ينزل إلى أسفل الهاوية ، عليك أن تتبعني كالسابق يا كليب
كليب : لا أفعل
ثعلبة : ( بغضبٍ وتهديد ) أتدري يا كليب إن أمر موتك وحياتك في يدي ؟
كليب : اصنعْ ما بدا لك فلستُ بِجازع
ثعلبة : ( يُفكر ملياً ثم يقتربُ ملاطفاً كليب ) ، ألك رغبةٌ في المال يا كليب ؟
كليب
: وماذا يفيدني المال إن كنتُ أجرُّ حياةً تعيسة ثقَّلتها الذنوب … صوتٌ
خفِيٌ ينخزني كمهماز ويوبِّخُني سِرّاً ، إنّهُ كدودةٍ تنهشُ قلبي وقد
سلبتني راحتي … إني نادمٌ على سيري في إثرك ، ولولا خوفي من العقاب إذ
شاركتُكَ في الشرِّ لأعلنتُ مساعيك للاسود
ثعلبة : ويلك ، ما هذهِ القحة ؟ ( يضع يده على سيفهِ )
كليب : ( بهدوء وتبسُّم ) لا تخفْ إني كاتمٌ ما جرى بيننا … أمَّا أنا فإني ذاهبٌ أهيمُ على وجهي في البراري والقفار مسترحماً عفو الباري تعالى لعلّهُ يصفحُ عن مآثمي ( يخرج )
( المشهد الثامن )
ثعلبة وحدهُ