حوار مع الناشطة في مجال حقوق الإنسان د.هيام شاكر

بقلم شذى توما مرقوس
مع الزميلة الناشطة في مجال حقوق الإنسان د. هيام شاكر عبد

20 / 09 / 2017
http://nala4u.com

مع الزميلة الناشطة في مجال حقوق الإنسان د. هيام شاكر عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد وتقديم وحوار  : شذى توما مرقوس
الأربعاء 9 / آب / 2017 م  ـــ الجمعة 8 / أيلول / 2017 م .

بودي اليوم أن أُعرِّفَ القارئات الكريمات / القُرَّاء الكرام على أختي وزميلتي في المهنة والناشطة في مجال حقوق الإنسان الطبيبة البيطرية د. هيام شاكر عبد ، من مواليد بغداد عام 1960 م ، حاصلة على بكالوريوس طب وجراحة بيطرية من كلية الطب البيطري / جامعة بغداد /  دورة 1984 م ــ 1985 م ، كانت مديرة مستوصف العامرية البيطري ( في ناحية العامرية التابع لقضاء الفلوجة في محافظة الأنبار  ) ولمدة تزيد على الخمسة عشر عاماً ، وهي تعمل في هذا المستوصف منذ عام 1990 م .

وهذا الحوار هو بمثابة تقدير لجهودها المبذولة وإبرازها ، وأيضاً دعوة للطيبين والطيبات ممن يريدون المساهمة في هذا العمل الإنساني ودعمه معنوياً ، أخلاقياً ، مادياً … وإلخ من أشكال الدعم ، أو الزيارة للاطلاع على الجهود المبذولة .

ولأجل التعريف بعملها الإنساني الكبير في ظل الظروف الصعبة في وطننا العراق أرتأيت الحوار معها حول ذلك ، حيث أكَّدتْ من خلال أعمالها الخيرية التطوعية هذهِ مقدار إرادتها الصلبة .

شذى  / كيف كانت أول مرة في مسيرتك كناشطة في مجال حقوق الإنسان من خلال  العمل الخيري التطوعي ، وما الذي جعلك تبدأين هذهِ الخطوة وكيف بدأتيها ، وأين كانت أول ممارسة لك في هذا المجال ؟

هيام / في الابتدائية كنتُ أحصل على مصروفي اليومي من والدتي ، وبدوري كنتُ أعطيه لفقير كان دائب الوقوف على باب المدرسة يومياً يستجدي، عندما كبرنا كانت أختي الأصغر مني سناً تعاتبني وبمرارة قائلة : ( أنتِ تتبرعين بيوميتكِ للفقير ، ما ذنبي أنا لتتبرعي بيوميتي أيضاً له )  ، مسكينة أختي ، ربما كانت هذهِ البداية عندي في العمل الخيري التطوعي .
  في عام 2003 م ، وبعد التغييرات السياسية التي طرأت على البلد ، تفاقمت الأوضاع الصعبة ، فكثر عدد الأرامل والأيتام والفقراء ، المؤسسات المعنية بالأمر لم تقم برعايتهم مما أوقع المواطن في تخبط ، وخصوصاً النساء والأطفال ، وضع الطفولة يُرثى له ، نقرأ الهم والحزن في عيون الأطفال ، هذا الوضع العام الصعب دفعني للخطوة الأولى في هذا المجال حيث بدأتُ بمساعدة الفقراء في ريف ناحية العامرية ( ناحية العامرية هي منطقة ريفية يعيش فيها الناس على الزراعة وتربية الحيوانات ) ،  مثلاً كانت الأم تأتي مع أطفالها تطلب مني المساعدة ( مادية ، أو مساعدة للسعي بمعاملة في أي دائرة رسمية …. وإلخ  ) ، كنتُ أرى نظرات أطفالها تترجاني ، فأخجل من نظراتهم .

شذى  / هل لكِ أن تحدثينا عن النشاطات التي قمت بها ؟
هيام / عملتُ دعوة للأطفال على الغداء في المطعم الذي شيدته ( هذا قبل أحداث التهجير وقبل وجود المخيمات ، المخيمات أقيمت في بداية عام 2014 م )  ، وأحببتُ أن يكون افتتاح المطعم بدعوة لأطفال منطقة العامرية  ، بحدود مئة طفل تقريباً ، طبخنا لهم الرز ، مع اللحم والمرق ، أحسستُ بفرحة الأطفال الغامرة المنبثقة عن شعورهم باحترامنا لهم ، كل من عملوا معي كانوا مؤمنين بعملي ومتطوعين دون مقابل .
كنتُ أتمنى لو رأيتِ مدى سعادة الأطفال وهم يجلسون حول الطاولات .

شذى / أستطيع أن أرى ذلك بقلبي وأنت تتحدثين وتصفين ذلك .
هيام / شكراً لمشاعرك ، وفي واحدة من مناسبات يوم اليتيم العربي والذي يصادف أول جمعة من نيسان حاولت إدخال الفرحة على قلوب الأطفال فأحتفلت مع الأيتام بتوزيع الملابس والكيك والشربت عليهم .

شذى / أنا أيضاً أؤمن عميقاً بقيمة العمل الذي تبذلينه تطوعاً .
هيام /  أيضاً جمعتُ مبلغاً مالياً  كتبرعات من فاعلي الخير والمحسنين ( حوالي ستة ملايين دينار عراقي وأكملتُ عليه من مالي الخاص ) وذهبتُ إلى الشورجة ، واشتريت ملابس للأطفال بسعر الجملة ووزعتها على الأطفال  ( بحدود 800 طفل ) في مخيمات العامرية  ، استمر توزيع الملابس ما يقارب الأسبوع على أهالي المخيمات ، وكلما كنتُ مع الفريق المتطوع نخرج من مخيم بعد الانتهاء من التوزيع نرى الأطفال الذين لم يستلموا ينتظروننا عند باب إدارة المخيم وفي أياديهم الصغيرة هوياتهم الشخصية ، كنتُ أشعر بالخجل الشديد والتقصير وأنا أنظر إليهم لأني لا أستطيع تغطية كل متطلبات المخيمات فاضطررنا لشمول الأيتام وأطفال المفقودين والمعوقين فقط ، وكنتُ في قلبي أقول لهم : أعتذر لكم أحبائي الأطفال ولكن ما باليد حيلة .

في زيارة للدكتورة هيام إلى أطفال المخيم في 30 / 5 / 2017 م ، ويظهر في الصورة مجموعة من أطفال المخيم بملابسهم الرثة ، تقول د. هيام :
ــ أقسمت الأمهات في المخيم بأنه ليس لديهم غيرها فيغسلونها ثم ينتظرون جفافها ليعاودون لبسها مرة أخرى ، وهذا أكيد لأنهم هربوا من مناطقهم بما عليهم من ملابس ولا يملكون ثمن الطعام فكيف يشترون ملابس .

////////////////////////////////////

حملة توزيع الملابس على أطفال المخيم
وفي إحدى الصور تظهر د. هيام مع مجموعة من أطفال المخيم في حملة توزيع الملابس عليهم .

//////////////////

 أيضاً وبمساعدة المتطوعين معي وجهنا دعوة للأطفال لساعة لقاء ، قمنا فيها بتوزيع دفاتر الرسم والأقلام الأصباغ عليهم ، ليقضوا وقتاً طيباً في الانطلاق مع طفولتهم بفرح وسعادة بعيداً عن هموم واقعهم اليومي الحزين .

/////////////////////////

بمساعدة إحدى المنظمات عملنا وجبة إفطار لأهالي المخيم من النساء والأطفال .

 في الصورة الأولى ( على اليمين ) تظهر د. هيام وهي تساعد نساء وأطفال المخيم في تنظيم حركتهم أثناء مأدبة الأفطار ( الكمامة البيضاء على الفم هي لتفادي الغبار والريح والأتربة ) .
في الصورة الثانية إلى الأعلى ( يساراً ) تظهر د. هيام مع طفلة من أطفال المخيم أثناء مأدبة الإفطار .
////////////////////////

وحضَّرنا ( مع فريقي من المتطوعين ) أيضاً وجبة غداء للسجناء  في أول أيام العيد .

////////////////////////////

قمتُ باستقبال العوائل الخارجة من الفلوجة وقدمت لهم الخبز والماء والعصير .

هذه بعض من النشاطات وهناك غيرها الكثير .

/////////////////////////////

شذى  / كيف كانت ردود أفعال الزملاء والزميلات ممن معك في العمل داخل المستوصف البيطري  ؟
هيام / كانوا يساندونني ويدعمونني معنوياً ، وأحياناً مادياً ، وأخرى بالعمل التطوعي إلى جانبي ، ومن هذا المنبر أقدم لهم  جميعاً جزيل شكري وتقديري.

شذى / ماذا عن الذين يساعدونك في عملك الخيري هذا ؟
هيام / الذين يتعاونون معي كُثر ويتغيرون بين فترة وأخرى ، كل حسب وقته وظروفه وأحواله ، أحدهم هو أحمد وأنا أعتبره ساعدي الأيمن ، هو من الأيتام ، بدأ العمل معي مذ كان طفلاً في الابتدائية ، هو الآن قد أنهى دراسته الإعدادية وليس له إمكانية الاستمرار في الدراسة والالتحاق بالكلية بسبب ظروفه المادية الصعبة .
هناك أيضاً أحد الأشخاص المجتهدين وهو خريج كلية الإدارة والاقتصاد مؤمن بعملي ويبذل كل ما في وسعه في مجال العمل الخيري التطوعي إلى جانبي .
أيضاً رسول يعمل معي منذ طفولته ولا يزال وهو الآن طالب في الكلية .
د. نجمة ، طبيبة بيطرية مؤمنة بعملي جداً ولا أستطيعُ الاستغناء عنها فهي تتمتع برجاحة العقل وسعة الصدر والحكمة رغم صغر سنها ، حتى إنني استشيرها في معظم أعمالي .
وهناك كثيرون آخرون ، فالشعب العراقي هو شعب يحب تقديم المساعدة وخدمة الآخرين وفعل الخير .

صور لبعض المتطوعين / المتطوعات في الأعمال الخيرية مع د. هيام .

شذى / تحدثت عن السجناء ، هل لكِ أن تعطينا صورة أوسع عن هذا ؟
هيام /  بدأ التهجير في بداية دخول داعش إلى الفلوجة ، وذلك في كانون الأول من عام 2013 م ، فرت العوائل وتركت مساكنها وكل شيء خلفها خوفاً من داعش ، لكن ليس الكل استطاعوا الخروج والفرار ، فهناك عوائل لم تفلح في ذلك  ولم تسنح لها الفرصة بذلك وبقيت داخل الفلوجة ، وداعش لم تسمح لها فيما بعد بالخروج ، وكل من حاول كان مصيره القتل ، أما العوائل التي تمكنت من الخروج والفرار فسكنت المخيمات ، استمرت سيطرة داعش على الفلوجة بحدود السنتين ، وحين  دارت المعارك لتطهير الفلوجة من داعش بدأت العوائل المتبقية بالخروج والفرار منها خوفاً على حياتها ، داعش كانت تحتمي بالعوائل وكل من حاول الفرار كان مصيره القتل ، أما العوائل التي تمكنت من الخروج كانت القوات الأمنية تستقبلهم فتأخذ النساء بالسيارات للمخيمات في العامرية ( والتي تبعد بحوالي عشرين كيلو متر عن الفلوجة  ) ، وتحتجِزُ الرجال ( للتأكد من بياناتهم وتدقيقها حفاظاً للأمن والسلامة ) في جملونات ، الشمس كانت نافذة ، والغذاء غير كافٍ  لحين نقلهم للمنشآت العسكرية ( مكان للاحتجاز ) ، وصل عدد الرجال في هذهِ المنشآت إلى 16000 محتجز تقريباً تم غربلتهم بمرور الوقت وبقي منهم القليل ، هؤلاء القليل لا زالوا هناك ويُضاف إليهم حالات أخرى باستمرار .
 هذا حدث قبل أكثر من سنة ونصف تقريباً   .

عملية نقل النساء والأطفال إلى مخيم العامرية .

 بدأت بزيارة هؤلاء السجناء قبل أكثر من سنة ، وزياراتي لهم مستمرة للحين ، أعدادهم آلاف ، وأنا أتعامل بالذات مع السجناء غير المحكومين ، حيث إن قضاياهم قيد التحقيق ، ولم تصدر بحقهم أية أحكام لحد الآن ، فيهم الكثير من الأبرياء وبشهادة المختصين والموجودين في عامرية الفلوجة ، لكنني أساعد جميع السجناء دون استثناء الأبرياء وغيرهم ، أي إنني لا أنظر لأسباب وجودهم كسجناء فهدفي هو المساعدة والرعاية كعمل إنساني بعيداً عن السياسة  .
 ذهبتُ لزيارتهم في أول محطة لهم بعد خروجهم من الفلوجة كانوا جياع وعطشى ، أخذتُ لهم الخبز والماء والعصير ، هذا قبل أن يتم احتجازهم في المُنشآت ، طيلة فترة وجودهم في الفلوجة ولمدة سنتين تقريباً لم يحظوا بأكل البيض ، اشتريتُ أعداد من كارتونات البيض وقمتُ بسلقها وأخذتُ معها الخبز ، كانوا بحدود ( 6000 ) ستة آلاف رجل وأكثر ، وكنتُ يومياً أزود بعض الخبَّازات بحدود (  300 ) كيلو طحين لتحضير الخبز ، وكنتُ أدفع لهن الأجور ، ومن الأمور اللطيفة التي حدثت هو إن فرحة السجناء كانت كبيرة بالخبز والبيض بحيث إنهم إصروا على سحب صور لهم وأكفهم تحتضن الخبز والبيض .

في الصورة الأولى أعلاه ( من اليمين ) تظهر د. هيام وهي في زيارة المحتجزين قبل احتجازهم .
في الصور الثلاثة الوسطية المرتبة بشكل عمودي تُظهِرُ المحتجزين في شاحنات تهيئة لنقلهم للمنشآت العسكرية ، ويظهر أيضاً الأشخاص المتبرعين وهم يوزعون الخبز والماء على المحتجزين .
بقية الصور هي للمحتجزين .

المحتجزون سعداء بحصولهم على البيض والخبز

صورة توزيع الماء والغذاء والعصير على السجناء .
في الصورتين الأولى ( يميناً ) والثانية ( يساراً ) ، تظهر د. هيام وهي تشارك في حملة التوزيع .

/////////////////////////

http://www.tellskuf.com/images/stories/food1/zo26.jpg
صورة للدكتورة هيام مع المتطوعين في حملة إعداد المساعدات لأهل المخيم بغية توزيعها عليهم .

//////////////////////////
بعض الأطباء الأخصائيين يتعاونون معي كمتطوعين ودون مقابل حيث يقومون بفحص المرضى من السجناء ويقدمون لهم الخدمات ، ومن يحتاج إلى أشعة أو سونار أو تحاليل يتم إحالته إلى المستشفى تحت حراسة مشددة ، ويُجرى له اللازم ، ثقة الناس فيّ تلعب دوراً بارزاً في استمرار عملي حيث يتعاون الجميع معي من أطباء و إداريين وغيرهم ، أما عن توفير الأدوية لعلاج الحالات من السجناء المرضى  فأنا أبحث عن  متبرع وغالباً ما أجد محسناً ما يُلبي النداء ، أما إن لم أعثر على متبرع فأقوم بدفع ذلك من حسابي الخاص ، كل الذين يعملون معي هم متطوعين وبمساعدة أهل الخير والمؤمنين بعملي . 

شذى / أتوقع إن هناك الكثير من العراقيل والصعوبات التي تواجهك في مجال عملك الخيري التطوعي كناشطة  .

هيام / نعم ، أنا أتعرض لمضايقات كثيرة من الجميع ، فأنتِ تعرفين مدى صعوبة عمل المرأة في مجتمعاتنا ، حتى أهلي غير راضين عن ذلك لأنهم يخافون عليّ ويعتبرون هذا مجازفة كبيرة ، لكنني أنسى كل تلك المضايقات والمخاوف حين أرى الابتسامة على وجه طفل وهو يتلقى ملابس جديدة أو يفرح بوجبة غذائه أو بالحلويات التي يحصل عليها في العيد ، أو حين أرى سجين أفرج عنه لبراءته ، فيبحث عني ليشكرني والابتسامة تملأ وجهه وينقل لي شكر الجميع ، أو حين أرى الأم التي لجأت إليّ لمساعدتها وهي سعيدة بولادة طفلها …… وإلخ ، كلها مواقف تجعلني أنسى كل المضايقات والهموم وتدفعني للسير قدماً في هذا الطريق رغم كل شيء .

شذى /  هل لكِ أن تحدثينا عن بعض الحالات الفردية التي مرت بكِ كأمثلة تعكس معاناة الناس الذين تقدمين لهم المساعدة ؟
هيام / واحدة من الحالات : أرملة قتل داعش زوجها ، ثم أبيها وشقيق زوجها لأنهما كانا يعملان في سلك الشرطة ، لهذهِ الأرملة ستة أطفال كبيرهم بعمر 15 عاماً ، تعيش معها في الخيمة حماتها وابن حماتها ( عشر سنوات ) ، وكذلك ابن أختها ( تسع سنوات ) ، يعني في خيمة واحدة يعيش ثمانية أطفال وإمرأتان ، الأرملة خرجت من القائم بصعوبة بالغة بعد أن زوجت بناتها الأثنتين بعمر 16  و 18 سنة من رجلين متزوجين لأكثر من مرة وتركتهما هناك حتى تخفف العبأ عنها ، وبعد مشقة وصلت إلى مخيمات العامرية ، مرضت إبنتها ذات الأربع سنوات وماتت بسبب الفقر إذ لم تتمكن من علاجها .
حالة ثانية : إمرأة نازحة سكنت المخيمات أثناء التهجير ، طلبت مني المساعدة لأنها حامل وتحتاج لعملية ولا تحتاز على أي مبلغ من المال ولا حتى لقوت يومها ، وعندما قربت ولادتها رافقتها للمستشفى حيث أُجرِيتْ لها العملية وأنجبت ثلاثة أطفال ، تكفلتُ بتوفير الحليب والحفاظات وكل احتياجات المواليد الثلاث ، وأيضاً حصلت على متبرعين وفاعلي الخير لإعانة الأم ، القصص كثيرة لا تنتهي .

//////////////////////

حالة ثالثة : أرملة قتل تنظيم القاعدة زوجها في 2008 م على ما أذكر ، وهي أم لخمس بنات ، كنتُ أعيلها وبناتها وأساعدها قدر الإمكان في كل شيء بما فيه إتمام معاملاتها الرسمية وغيرها ، هي إنسانة خجولة جداً ولا تلح في الطلب ومتعففة وعزيزة النفس ، شاء حظها التعيس أن تسقط بالقرب من الخيمة التي تقطنها ( بعد التهجير ) قذيفة هاون وأصابت شظاياها إبنتها الكبرى وسببت لها إصابات في يدها أثقلت حركتها ، هذا حدث قبل ثلاث سنوات تقريباً ولا زالت البنت تعاني من آثار ذلك ، بعد رجوعهم إلى منطقتهم ( بعد تحريرها وطرد داعش منها ) شاءت الأقدار أن تدوس البنت الأخرى ( وهي في الخامسة عشر ) على لغم أدى إلى بتر ساقها اليمنى وذراعها اليمنى ، مسكينة هذهِ الأم وبناتها ، كل ذنبهم إنهم عراقيين ، البلد الذي فُقِدت فيه الرحمة ، وكان على الجهات المعنية الاهتمام بحالة هذهِ الطفلة وتزويدها بأطراف اصطناعية ، لكن لم تكن هناك أية استجابة منهم ، بلغ الإهمال لدرجة إن الأم المسكينة أرادت أن تنجز لإبنتها هذهِ معاملة استلام تعويض كونها فقدت أطرافها ، لكنهم وضعوا آلاف العراقيل في طريقها ، فلجأت إليّ لأساعدها في ذلك ، وبعد جهود حثيثة وكبيرة بذلتها تحققت المعاملة ، كذلك تمكنتُ ومن خلال تبرع أحد المحسنين بتوفير أطراف اصطناعية للطفلة وقد كلفت خمسة ملايين ونصف دينارعراقي تقريباً .

صورة الطفلة ذات الخمسة عشر ربيعاً وقد بترت ساقها وذراعها .

///////////////////////

حالة رابعة : في عام 2010 م وصلتني رسالة رجاء من أحد السجناء يطلب إليّ مساعدته ، في حينها تجاهلتُ الموضوع لأنني كنتُ خائفة إذ لم يسبق لي فيما قبلها التعامل مع السجناء قط ، لكن الأيام لعبت دورها حين خرج أحد الأبرياء من السجن وجاء إليّ شارحاً مشكلة هذا السجين البريء ، إذ كان الأمر كله دعوى كيدية من طرف ما ، ولم يكن لهذا السجين قريب يراجع قضيته فكل أهله كانوا خارج العراق ، زرتُ السجين وسعيتُ لتوفير اتصاله بوالدته ( هي صديقتي على الفيس بوك حالياً ) كما ساعدته بعرضه على طبيب للعلاج ، وسعيتُ في قضيته ومراجعة أوراقه لما يزيد على الثلاثة أشهر ، حتى أُخلي سبيله لثبوت براءته بعد ثلاثة سنوات في السجن ظلماً وكان ذلك في ليلة العيد ، ذهبتُ إليه أنا وفريق من المتطوعين لاستقباله ، ووفرنا له المبيت لدى أحد العاملين ، وخرج معنا في صباح العيد ليوزع الحلويات على الأطفال ، وكان سعيداً جداً لكنني كنتُ أكثر منه سعادة لانتصار الحق ، الشاب في مقتبل العمر حاول أن يبني حياته بعد خروجه من السجن فتزوج وبحث عن عمل يناسبه ، وهو سعيد بحياته الجديدة ، انتهت مأساته لكن مآسي العراق لا تنتهي .

حالة خامسة : إمرأة مسنة وتعاني من الشلل ، كانت بحاجة ماسة إلى كرسي متحرك ، قمتُ وبمساعدة الخيرين بتوفيره لها .

/////////////////////////

حالة سادسة : في إحدى زياراتي للسجن ، كان هناك طفل بعمر ( 15 ) عاماً أفرج عنه القاضي وقضى بتسريحه من السجن ، لكن لم يوجد أحد ليستلم الطفل  ، فلا أحد يعرف أهله وليس لديه عنوان أهله أو تلفونهم ، نشرتُ صورته على الفيس بوك بحثاُ عن أهله ، وبمشاركة الخيرين ممن عملوا مشاركة للمنشور تم التعرف على أهله ، فاتصلت بي أخته وهي تبكي من الفرحة فلقد كانت متصورة بأنه متوفي لأنه مختفي منذ مدة طويلة ، عملتُ له إجراءات الخروج من السجن وأخذته معي للبيت وجهزتُ له وللمتطوعين في العمل الخيري وجبة الغداء ، ثم جاء شخص من طرف أخته ليستلمه .

حالة سابعة : قبل عدة سنوات قررتُ أن أتحمل مسؤولية رعاية إحدى الصغيرات من أطفال المخيم ، كان عمرها في حينها لا يتجاوز الثلاث سنوات ومصابة بالديزنتري وتحتاج لرعاية طبية مستمرة ، فأخذتها إِليّ وهي تعيش وستبقى بشكل دائم تحت رعايتي الشخصية وبرفقتي ، صحتها تحسنت كثيراً . 

 مجموعة من الحالات الأخرى لأطفال المهجرين ، والكل فقراء ومحتاجين ولا يجدون قوت يومهم إلا بشق الأنفس  :

صورة رقم 1 ــ طفلان شقيقان من المخيم يعانيان من مشاكل في العيون ، قمتُ بأخذهما إلى بغداد لأجل عرضهما على الطبيب وتوفير العلاج لهما .
صورة رقم 2 ــ هذا الطفل يعاني من مشكلة بالمثانة ، تم التدخل جراحياً للعلاج ، حيث أجريت له أكثر من عملية ولم تنجح مع الأسف ( تم إخراج مجرى للادرار من هذهِ الفتحة الظاهرة في الصورة ) ، وستجرى له عملية أخرى .
صورة رقم 3 ــ طفلة تعاني من ورم في الأنف ، تم التدخل جراحياً لإزالة الورم .
صورة رقم 4 ــ طفل يعاني من ورم في الرأس ، أُجريت له عملية جراحية لإزالة الورم .

الصورتان رقم 5 / 6 ــ هذهِ الطفلة كانت بحاجة إلى كرسي متحرك وبمساعدة الطيبين صار بالإمكان توفيره لها .

الصورة رقم 7 ــ طفلة مصابة بالسرطان فقدت شعرها كنتيجة لأخذ جرعات العلاج الكيمياوي ، يتم متابعة علاجها ومساعدتها في الاستمرار به وأخذهِ . 

الصورة رقم 8 ــ طفلة من المخيم مصابة بالسرطان ، تقوم د. هيام بمتابعة علاجها .

شذى   / ماذا عن أمنياتك في مجال عملك الخيري التطوعي ؟
هيام / أتمنى أن يُتاح لي تأسيس دار كبيرة للأيتام لرعايتهم وتهيئتهم للحياة وتعليمهم المهارات وتنمية مواهبهم .
كما أتمنى أن أعمل المزيد للرفع من شأن المرأة بتوفير الدعم النفسي والمادي والمعنوي قدر إمكانيتي مثلاً من خلال إنشاء مصنع ليكون فيه كل العاملين من النساء أو أفكار أخرى متنوعة .
الأمنيات كثيرة لكنني أكتفي بهذهِ ، فالأهم من الأماني هو تحقيقها .

شذى / أنتِ كناشطة في مجال حقوق الإنسان بعملك الخيري التطوعي تصنعين الفرح حيث حللتِ ، ولهذا سنختار إحدى الأخبار السعيدة من كثير أعمالك الخيرية التطوعية كخاتمة مفرحة لهذا الحوار  .

هيام / قبل فترة وبتاريخ 17 / 8 / 2017 م حضرتُ عرس أحد الأشخاص ممن ساهمتُ في دعمه ومساندته في تحقيق كل تكاليف زواجه من التجهيزات اللازمة ( غرفة النوم …………. إلخ  ) ، وهو أحد الأيتام ويعيش مع أخواتهِ  الأربعة ، إحداهما متزوجة حالياً .

ختاماً جزيل الشكر للدكتورة هيام على هذا الحوار الغني والقيّم والمفيد ، ونتمنى لها المزيد من التوفيق في مسعاها الخيري .

//////////////////////////////////

ملاحظة /  جزيل الشكر للأخ باسم روفائيل والذي بذل أقصى جهوده في ترتيب الصور في الموضوع وبالشكل الذي تظهر عليه فيه .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.