أسرى التاريخ

بقلم د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
أسرى التاريخ

05/ 08 / 2017
http://nala4u.com

إن التاريخ هو ذاكرة الأمم، ولا تستطيع أمة أن تعيش بلا ذاكرة، ودراسة التاريخ واستخراج الدروس والعبر منه هو دأب الأمم القوية.
فالتاريخ مرآة الشعوب وحقل تجارب الأمم، في صفحاته دروس وعبر للمتأملين، لأنه نتاج عقول أجيال كاملة، والأمة التي تهمل قراءة تاريخها لن تحسن قيادة حاضرها ولا صياغة مستقبلها.

– نسيان التاريخ
ومن قراءتنا لحوادث التاريخ نستطيع القول إن المنتصر أقرب الى نسيان ما فعله بالطرف الخاسر. فالظالم ينسى ظلمه بسرعة، في حين إن المظلوم لا ينسى أبداً. فكل القساة على مّر التاريخ نسَوا ما فعلوه بالآخرين. يقول أرنولد توينبي في محاضرة ألقاها في القاهرة في الستينيات من القرن الميلادي المنصرم:
” إن الذين يقرءون التاريخ ولا يتعلمون منه أناس فقدوا الإحساس بالحياة، وإنهم اختاروا الموت هربًا من محاسبة النفس أو صحوة الضمير والحس”.
وهكذا نَسي العرب والمسلمون ما فعلوه بالصليبين. أما الصليبيون فلم ينسوا أبداً خسارتهم على يد المسلمين، وكانت هي الدافع لهم وما زالت منذ ألف عام. وهذا الشعور المرير الدفين أصبح هو المحرك لسياساتهم حتى يومنا هذا. لذا إعتبر القرآن الكريم أن في قصص التاريخ عبرة لأصحاب العقول بقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ}.
فاليهود ما زالوا يتذكرون السبي البابلي في صلواتهم كلما رتلوا الْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالسَّابِعُ وَالثَّلاَثُونَ من مزامير داود النبي التي مطلعها: ” 1 عَلَى ضِفَافِ أَنْهَارِ بَابِلَ جَلَسْنَا، وَبَكَيْنَا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا أُورُشَلِيمَ. 2 هُنَاكَ عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا عَلَى أَشْجَارِ الصَّفْصَافِ. 3 هُنَاكَ طَلَبَ مِنَّا الَّذِينَ سَبَوْنَا أَنْ نَشْدُوَ بِتَرْنِيمَةٍ، وَالَّذِينَ عَذَّبُونَا أَنْ نُطْرِبَهُمْ قَائِلِينَ: «أَنْشِدُوا لَنَا مِنْ تَرَانِيمِ صِهْيَوْنَ». 4 كَيْفَ نَشْدُو بِتَرْنِيمَةِ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟ 5 إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ، فَلْتَنْسَ يَمِينِي مَهَارَتَهَا. 6 لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ وَلَمْ أُفَضِّلْكِ عَلَى ذِرْوَةِ أَفْرَاحِي.”
وسرعان ما نسيّ النبي محمد ما فعله أصحابه بيهود خيبر. فأكل أكلة قدمتها له زينب بنت الحارث اليهودية وتسمم بها وبعد سنوات عدة أشار الى أثرها وهو محموم جداً. ومات بالحمى بعد 13 يوما.
وعلى نحو مماثل، نسي صدام ما فعله بإيران طيلة الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988، وسرعان ما أودع لديهم طائرات القوة الجوية العراقية بعد أكثر من سنتين، وتحديداً في مطلع عام 1991، والبالغ عددها قرابة 160 طائرة، ولم يعيدوا سوى القليل جداً منها حتى الآن.

– تذكّر التاريخ
وإذا كان المسلمون قد نسوا ما فعلوه بالأندلس، فإن أهلها لم ينسوا ذلك حتى أعادوها بعد 781 سنة في عام 1492م.
وما زال الأرمن يتذكرون المآسي والفضائع التي إرتكبها العثمانيون بحقهم عامي 1915و 1917، ويستذكرنها كل عام، ويتألمون بألامها.
والدول الاوربية لم تنسى الحروب الصليبية حتى الان، ومازالوا يتذكرونها كل صباح في إفطارهم عندما يتناولون (الكرواسون Croissant) في حين نَسيها المسلمون تماماً. وأخر ذكر لتلك الحروب ورد على لسان الرئيس الأميركي جورج بوش الأبن حين قال للصحفيين “هذه الحملة الصليبية…هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت.”

– أثر التاريخ في السياسات العامة
والواقع، إن العالم منقسم بين صنفين من البشر ظَلَمة ومظلومين. الفئة الأولى تنسى ظلمها لان عقلها الباطن يوحي لها بأن ما فعلته كان عين الصواب. أما الفئة الثانية فتحتضن مظلوميتها على أمل اليوم الذي تنتقم فيه هي أو قوى أخرى لها. ويمكن أن ندعو الفئة الأولى بمتجاهلي التاريخ، أما الفئة الثانية فهم أسرى التاريخ. وما زالت مشاكل عالمنا متأرجحة بين هذه الفئة وتلك، وصراعاتهما مثل البراكين الخامدة تخمد أياما وتتأجج لتثور كالبركان أياماً أخرى.
ويمكن أن نفهم وندرس ونحلل حركة التاريخ وفقا لتلك الصراعات. فالفرس لن يغفروا للإسلام ما فعلوه بهم عندما أسقطوا إمبراطورتيهم وقضوا على حضارتهم قبل ما يقارب عام 636م.
وما زال الشيعة ينتظرون منذ عام 632م اليوم الذي ينتقمون فيه من أبو بكر وعمر، ولاحقاً معاوية ويزيد.
وإيران لم تنسى للعراق والعراقيين حرب الثماني سنوات (1980-1988)، وعندما سنحت الفرصة لهم عام 2004 إنتقموا من العراقيين أبشع إنتقام، فقتلوا كل من شارك بتلك الحرب وفي مقدمتهم الطيارين وقادة الجيش، وهذا ما أثلج صدور دول أخرى مثل أسرائيل وأميركا وحتى أكراد العراق وشيعته. كما ساهمت إيران بشكل فعّال في القضاء على الصناعة العراقية، لتسويق منتجاتها للعراق. بإختصار شديد إنها أفرغت حقدها التاريخي على العراقيين وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، يساعد في ذلك الوضع الدولي وعملاءها في داخل العراق، وتعاطف الشيعة وإنقيادهم لها.
والفتوحات الكثيرة التي يتباهى بها المسلمون والعرب دوماً دون أن يشعروا إنهم قد خلفوا ورائهم عائلات منكوبة وأمهات ثكالى، وأرامل وعذراوات سبايا، ورجال قتلى ومدن خربة. ومن أوائل من نبّه المسلمين العرب الى الشعور بشعور الطرف المقابل والإحساس بأحاسيسهم هو الدكتور علي الوردي، فكتب يقول:
” يقول المؤرخون: إن أحد القواد الفاتحين في عهد بني أمية حصل من بلد واحد على ثلاث مئة ألف أسير وأربعين ألف فتاة عذراء. وهؤلاء الأسرى والسبايا سيذهبون طبعاً الى قصور الأمراء. ومعنى ذلك أن الترف سيستقطب في ناحية واحدة من المجتمع. ولابد إذن أن تستقطب الشكوى في الناحية الأخرى.
قد يفرح أهل الشام بهؤلاء الأسرى. فأسعار الجواري ستنخفض من جراء ذلك. ويستطيع الشامي أن يذهب الى السوق فيشتري الجارية الدعجاء بسعر الرطل من اللحم. ولكن الشعوب المسلوبة لا بد أن تشكو وتتذمر. وليس من الممكن أن تخطف ابنة إنسان من بيته وهو يهتف: “اللهم إنصر الدين والدولة”.
وهذا ما دفع البعض الى أن يعزوا كل أسباب التوتر في عالم اليوم الى الكراهيات التي تولدت عبر حوادث التاريخ ونكباته، فقالوا: –
“إن جميع الكراهيات والحروب بين القوميات والمذاهب ما هي إلا نتاج ذاكرة معبأة تعيد إحياء معارك التاريخ وضغائنه، دعونا نحاول أن ننسى: ماذا لو نسي كل أهل مذهب أو قومية تاريخهم الخاص ولم يتذكروا سوى المشترك الإنساني؟ ماذا لو نسي الشيعة أنهم شيعة ونسي السنة أنهم سنة؟ ماذا لو نسي الفرس امبراطوريتهم ونسي العرب عصبيتهم ونسي الترك سلطنتهم؟ إن هذا النسيان كفيل بأن يشطب كل بؤر التوتر ويزيل كل أسباب الكراهية، ذلك أن الناس حين يحطمون الجدر التاريخية التي أنشئوها من تلقاء أنفسهم فسيكتشفون أنهم أمة واحدة، وأن كل هذه العصبيات القومية والمذهبية ما هي إلا أوهام أنشئوها في عقولهم ثم تقاتلوا من أجلها”.
ومن يدري فلعل أصحابنا الذين يريدون إعادة مجد الأجداد سوف يكونون أسرى إذا عاد ذلك المجد فعلاً.
إنهم يتخيلون المجد سوف يكون لهم. وربما كان عليهم وصاروا فيه مستعبدين.
إن الذي يريد أن يعلو على الغير قد يأتيه يوم يعلو عليه الغير. والزمان قُلّب. فيوم لك ويوم عليك.
يتبجح بعض هؤلاء لمغفلين بذكرى الفتوح التي قام بها أجدادهم. وهم لو أنصفوا لنكسوا رؤوسهم خزياً.
لقد آن للعرب اليوم أن يفتحوا عيونهم ويقرؤوا تاريخهم في ضوء جديد. لقد ذهب زمان السلاطين وآن أوان اليقظة الفكرية التي تستلهم من التاريخ عبرة الإنسانية الخالدة”.
والخلاصة، إن الطغاة عادة ما ينسون التاريخ أما الضعفاء فيقعون في أسْره. أولئك هم الغافلون، وهؤلاء هم الأسرى.

– إستغلال التاريخ في عالم اليوم
وقد يجري إستغلال المشاعر السلبية المتولدة من حوادث التاريخ لدى الطرف الضعيف والخاسر ليدخله قفص التاريخ فيغدو أسيراً لمشاعر الكراهية والإنتقام، وذلك من خلال تأجيج الصراع الطائفي أو الديني، بما يحقق مصالح القائم بالإستفزاز ويقود الى التناحر ويضمن سيطرته على الطرفين وفقاً لقاعدة فَرّق تَسُد، أي قسم عدوك وكن سيّداً عليهم.
ومن أكثر حوادث التاريخ الإسلامي إستغلالاً حتى يومنا هذا هي حادثة السقيفة التي أستخلف فيها أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين في يوم 8 حزيران 632م. ومن الغريب أن نجد أن هذه الحادثة قد كانت حافزاً لتعاون الشيعة وإيران مع الولايات المتحدة الامريكية لإسقاط النظام السياسي في العراق في 9 نيسان 2003، وتأجيجاً للصراع الطائفي-الديني. وتثبت مذكرات الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر مدى إستثمار مسألة مظلومية الشيعة التاريخية في الخلافة يوم السقيفة المشار اليه في أعلاه، فكتب بأسلوب تحريضي مخادع، دغدغ فيه مشاعر الشيعة مما قاد الى زرع الطائفية الدينية في العراق لعقود عديدة، حيث يقول: –
“قلت، “دكتور جعفري، إنسجاماً مع قرار الأمم المتحدة، يعتزم الائتلاف إنشاء إدارة مؤقتة بأسرع ما يمكن. ونحن نأمل أن يتعاون القادة المسؤولون في الطائفة الشيعية مع هذا المسعى. ولا شك في أن إرتكاب الشيعة اليوم الخطأ نفسه الذي ارتكبوه في سنة 1920 يعدّ مأساة.
هزّ راسه مقرّاً بما أشرت اليه. ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، عندما تقدّمت القوات البريطانية داخل مقاطعات الإمبراطورية العثمانية المنهارة، في بلاد ما بين النهرين، أطاع الشيعة العراقيون فتوى مرجعهم الديني بعدم التعاون مع “الصليبين”. فهمّش هذا القرار الشيعة من حكم بلدهم. والآن ها هو التحرير يقدّم لهم فرصة جديدة بعد ثمانين عاماً.
بالمقابل، تعاون العراقيون العرب السنّة، الذين تمتّعوا بقرون من المعاملة التفضيليّة، في ظل الحكّام العثمانيين السنّة، مع الاحتلال البريطاني، وبقوا الطائفة المميزة تحت حكم الملكية التي أنشأها البريطانيون أولاً، ولاحقاً في أثناء النظام البعثي.
بدا الجعفري غارقاً في التفكير، فقد تحديته للنزال، وأشرت بوضوح الى أنّ القطار سيغادر المحطة ويرجع الى السياسيين أمر الصعود اليه”.
إن حديث بول بريمر هذا يذكرنا ب شخص جاء أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب يوم وفاة الرسول محمد ليحرضهم على الخلافة، حيث تذكر الروايات أنه “لما قبض محمد رسول الله…. فأتى آت إلى أبي بكر وعمر ابن الخطاب فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله. قال عمر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، حتى ننظر ما هم عليه”. وكان المغيرة بن شعبة هو الذي اعلم أبابكر وعمرا بذلك فقال لهما ( ان كان لكم بالناس حاجة فأدركوهم، فتركوا رسول الله كما هو وأغلقوا الباب دونه وأسرع أبوبكر وعمر وأبو عبيدة الى سقيفة بني ساعدة). بل تسابقا للوصول الى السقيفة حيث مكان الاجتماع.
إن تصرف الحاكم المدني الأمريكي في العراق هو ما قاد الى “فقدان الشعور بالمواطنة وشيوع الانتماء الطائفي: فمن المعروف ان القسم الاكبر من المعارضة العراقية لنظام صدام حسين كانت من الطائفة الشيعية التي استخدمتها إيران وامريكا وبريطانيا لإسقاط ذلك النظام. وقد شجعت الدوائر السياسية الامريكية على ابراز مظلوميتهم، فأصدر أحد المختصين الامريكيين وهو غراهام فوللر بالاشتراك مع شيعية امريكية من أصل عراقي هي رند رحيم فرانكي كتابا باللغة الانكليزية بعنوان (The Arab Shi’a: the forgotten Muslims). وهكذا فقد استطاع الامريكان ان يعيدوا العراق الى صراعات (سقيفة بني ساعدة) لعام 632 م. وشعر الشيعة بان فترة انصافهم قد حلت وبان الوقت قد حان للأخذ بثأر (الحسين)، فانطلقوا يبحثون عن (يزيد)، وبدءوا يتصرفون على هذا الاساس، مما قاد الى شيوع الانتماء الطائفي وانعدام المواطنة. وباحتلال العراق عينت رند رحيم سفيرة للعراق لدى واشنطن في تشرين الثاني 2003. الا ان السلطات الامريكية قد خيرتها بين الاحتفاظ بمنصبها كسفيرة للعراق او الاحتفاظ بجنسيتها الامريكية، ففضلت الخيار الاخير وتركت المنصب في اب 2004 بعد تسعة أشهر فقط. وقد قاد التمسك الطائفي الى ان يحل مفهوم (المكونات) بدل مفهوم الشعب الموحد”.

– ما العمل؟
ويثور هنا التساؤل فيما إذا كان علينا أن نتذكر حوادث التاريخ أو ننساها؟ وهل سنبقى أسرى لها، وتجعلنا ندور في فلكها، أم إن تجاهلها ونسيانها هو أفضل ما نستطيع فعله إزاء فضائع التاريخ تلك؟
والحقيقة المختصرة بهذا الصدد، إن تذكر حوادث التاريخ مفيد للبشرية كعِبرة للإستفادة منها حاضراً ومستقبلاً، وإن نسيانها إنما هو بمثابة علاج مخفف ومسكّن لألام التاريخ ونكباته. وهو أول العلاج. وكثيراً ما تكون الذاكرة عبئاً على صاحبها فتكبله بأغلال وثيقة من الذكريات السلبية التي تنال من فاعليته المعاصرة وتسجنه في زنزانة الماضي مما يحجبه عن التماس العفوي المباشر مع الحياة. وتجعله أسيراً للماضي.

– ثقافة الإعتذار
وإن الحل الأكثر مثالية هو الإقرار بأخطاء التاريخ والإعتذار عنها، والإستعداد لتحمل ولو جزء من المسؤولية عليها، وهذا ما يعرف قانوناً ب (جبر الضرر) ودفع التعويضات بشكل كامل أو على أقساط، أو التفاوض على إلغاءها أو إسقاط المتبقي منها.
أن ثقافة الاعتذار يجب أن تسود في هذا المجال لتسوية ديون التاريخ الكثيرة، وطلب الصفح عن المظالم البشرية الكثيرة التي قادتنا اليها طبيعتنا في التنافس على موارد الأرض وخيراتها، وإعتمدنا شريعة الغاب. كما إن إنغلاقنا الفكري قد كان سبباً رئيسياً للكثير من الاختلافات في وجهات النظر فيما بيننا، وأدى التصلب في الرأي الى تطور تلك الخلافات الى صراعات دامية بعد إعتماد القوة بمختلف أشكالها لحل تلك المنازعات سواء على الصعيد الفردي أو المجتمعي والدولي.
وواحد من أفضل الأمثلة على ثقافة الإعتذار هو ما قامت به الكنيسة الكاثوليكية بالاعتذار وردّ الإعتبار لكرامة العالِم الفلكي والفيلسوف والفيزيائي الإيطالي المعروف، العَالِم غاليليو غاليلي. فقد أدت محاكمة جاليليو جاليلي أمام محكمة الفاتيكان إلى مناقشات طويلة عبر التاريخ وكتب عنها مختلف الكتاب، ومنها مناقشة للأديب الألماني الحديث “برتولد بريشت” في كتابه “حياة جاليليو”.
في عام 1741 صدر تصريح من البابا بنديكت الرابع عشر بطباعة كل كتب جاليليو. وفي عهد البابا بيوس السابع عام 1822 أصدر تصريح بطباعة كتاب عن النظام الشمسي لكوبرنيكوس وأنه يمثل الواقع الطبيعي.
وفي عام 1979 فوّض البابا “يوهانز باول الثاني ” الأكاديمية العلمية الباباوية القيام بمراجعة وتحليل لعوارض أحداث وشبهات في قضية جاليليو جاليلي. وفي 31 أكتوبر عام 1992 قدمت الهيئة العلمية بتقريرها إلى البابا يوهانز باول الثاني، الذي قام على أساسه بإلقاء خطبة، يتكرر نشرها مختصرة على أنها اعتذار من الفاتيكان على ما جري لجاليليو جاليلي أثناء محاكمته أمام الفاتيكان عام 1623. ولكن ما كان يهم البابا في ذلك إنما هو إزالة سوء التفاهم “المتبادل ” بين العلم والكنيسة. وأعاد الفاتيكان في 2 نوفمبر 1992 لجاليليو كرامته براءته رسميا، وتقرر عمل تمثال له فيها.
وفي نوفمبر 2008 تراجع الفاتيكان من جديد عن الحكم الذي كان قد صدر ضده من محكمة البابا عام 1632. ولم يوقع البابا أوربان الثامن على الحكم الصادر من الفاتيكان آنذاك ضد جاليليو، فلم يكن البابا والكاردينالات مؤيدين جميعا للحكم. ظل جاليليو منفيا في منزله حتى وافته المنية في 8 يناير 1642، وتم دفن جثمانه في فلورانسا. وقدمت الكنيسة اعتذارا لجاليليو عام 1983.

وختاماً، فإذا كان من الثابت أن من لا تاريخ له، لا حاضر له ولا مستقبل. فلنفهم تاريخنا بشكل صحيح لنستفيد منه لحاضرنا ولمستقبل أجيالنا، وأن نتعلم ثقافة الإعتذار بدلا من أن يقيدنا التاريخ بقيوده ويأسرنا بإساره.

د. رياض السندي
riadhsindy@yahoo.com
5 آب 2017


هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.