قراءة في كتاب “القوش عبر التاريخ” الجزء الثالث

بقلم سامي بلو
قراءة في كتاب “القوش عبر التاريخ” – الجزء الثالث

15/ 07 / 2017
http://nala4u.com

  1. ذهب المؤلف في الصفحة 103 وتحت عنوان “ديانة القوش” الى الاعتقاد بأن “اختار اللـه ابراهيم الخليل من ذرية الكلدانيين”، وكون المؤلف رجل دين وحبر من احبار الكنيسة، لذا لا غرابة ان يعتبر ما ورد في كتاب التورات حقائق مطلقة، ليقتفي نفس الخطأ الذي وقع فيه كاتب سفر التكوين من كتاب التوراة في تنسب مدينة اور الى الكلدانيين. ولما كان كتاب القوش عبر التاريخ كتابا تاريخيا وليس ايمانيا، لذا نرى بان تنسيب اور الى الكلديين هو خطأ فاضح، ولا يستقيم مع معطيات التاريخ واكتشافات الآثاريين، حيث ثبت بما لايقبل الجدل بان اور مدينة سومرية لا بل هي اشهر عواصمهم ومن بعدهم الاكديين في العام 2100 ق.م، وهذا التاريخ قريب جدا لخروج ابراهيم من اور (السومريين)، حيث يرى الباحث الاستاذ سامي البدري رئيس قسم علم الأديان المقارن- المعهد الإسلامي في بريطانيا، بأن حمورابي جاء بعد إبراهيم بـ 300 عام، وان حمورابي حكم بابل بين 1792 – 1750 ق.م. اضافة الى هذا نرى بان اول ذكر للكلديين جاء في نصوص من عهد اشور ناصر ايلي نحو سنة 883 ق.م.
    7.عائلة شكوانا: إن قيام المؤلف بتنسيب عائلة شكوانا الاشورية العريقة الى اصول يهودية هو اجحاف بحق هذه العائلة، وبحق القوش وتاريخها الاشوري الناصع. وحجته ضعيفة كون هذه العائلة متميزة في خدمتها للكنيسة، لان هذا لا يعني ابدا ان تكون من اصول كهنوتية يهودية، حيث يعلم الجميع بان مقابل التزام هذه العائلة دينيا، يلاحظ ايضا التزامها الواضح بالانتماء القومي الى الامة الاشورية، ونرى الكثير من ابناء هذه العائلة يعملون في الحقل القومي الاشوري بجد وتفاني. اما القصة التي اوردها المؤلف عن لسان الدكتور بولس شكوانا- لم يذكر المؤلف من اين استقى قصته- لا يعني قناعة الدكتور بولس بتلك التخريجات التي ذكرها له امين تلك المكتبة في لندن، حيث ان الدكتور بولس عندما وصل مهاجرا الى امريكا سجل في حقل القومية او الانتماء الاثني (Assyrian) اشوري، وقد اطلعت بنفسي على وثيقة المنفيست لدخول الدكتور بولس شكوانا عن طريق جزيرة (ايليس) في نيويورك التي كانت تستقبل المهاجرين الوافدين الى امريكا، ولو كان الدكتور بولس قد اقتنع بتخريجات امين المكتبة لما سجل في سجل المنفيست بانه اشوري الانتماء.
  2. يعتمد المؤلف قصة مار ميخا النوهدري في استنتاجه حول تاريخ دخول المسيحية الى القوش قبل القرن الخامس الميلادي، فيقول “عند قدومه الى القوش في بداية القرن الخامس الميلادي خرج اهالي البلدة عن بكرة ابيهم رجالا ونساءا شيبا وشبابا يتقدمهم موكب من الكهنة والشمامسة يرتلون التراتيل الكنسية والمزامير الترحيبية”. المطلع على التاريخ الكنسي يعلم علم اليقين بان قصة مار ميخا هي قصة رمزية، اي ان احداثها ليس بالضرورة ان تكون حقائق تاريخية، حيث ان هذه القصة قد تم كتابتها بعد حوالي عشرة قرون من مجئ مار ميخا الى القوش ، اي ان تفاصيل الاحداث الواردة في القصة هي من نسج مخلية كاتب القصة، اذا الاستشهاد بجميع احداثها كحقائق تاريخية مسلم بها يضعف من قيمة تلك الاستنتاجات، ويضعنا في موضع الشك فيما اذا كانت تلك الاحداث قد وقعت فعلا.
  3. ورد في الصفحة 109 وما يليها تحت عنوان” دخول الكثلكة الى القوش” بعض الخلط وعدم الدقة في سرد الاحداث مما يؤدي الى إرباك القارئ المطلع، وساحاول التطرق الى كل نقطة منفردة:
    أـ يذكر المؤلف بان اول كاهن القوشي دخل الكثلكة كان في سنة 1763 وهو الشماس خوشابا ابن الشماس يوسف من بيت رومانوس، الذي رسم كاهنا على يد البطريرك يوسف الرابع في ديار بكر، وفي الفقرة الاخيرة من الصفحة اياها يذكر المؤلف ” اشتهر مع القس خوشابا الالقوشي القس هومو ابن القس حنا…. ابن القس ايليا نصرو الالقوشي الشهير بفن الخط، وعانى كلاهما عذابا شديدا وتحملا اذى كبيرا من النساطرة، ومع ذلك اهتدى عدد من الالقوشيين الى الكثلكة، استطاعوا ان يتخذوا لانفسهم كنيسة مار ميخا ليمارسوا شعائر الدين بعيدين عن النساطرة “.
    نلاحظ من هذه الفقرة بانه بالرغم من الانشقاق الذي حصل في كنيسة المشرق قبل اكثر من قرنين من هذا التاريخ، وعلى يد احد ابناء القوش، بقي ابناء القوش مخلصين لكنيستهم المشرقية، ويبدوا واضحا بان قرنين من الزمان لم تفلح فيهم محاولات المرسلين الغربيين في شق صفوف ابنائها، ولكن في النهاية تمكنت مخالبهم من تخديش ومن ثم تمزيق جسد هذه الكنيسة التي بشرت برسالة المسيح الى اقاصي الدنيا. ونجحت هذه الارساليات الغربية من تأليب ابناءها على رئاساتهم الكنسية من خلال ترويج الاكاذيب، وتشويه الحقائق عن هذه الرئاسات، حتى اصبحت هذه الاشاعات وكأنها حقائق دامغة، وانعكس هذا فيما ذهب اليه مار يوسف بابانا هنا في كون الكاثوليك الجدد قد تحملوا عذابا شديدا من (النساطرة)، ومن حيث لا يدري يعترف المؤلف بان هؤلاء (النساطرة) ورغم كونهم الاغلبية في القوش ورئاستهم الكنسية تبسط سلطتها الروحية الى اقاصي المعمورة، الا انهم كانوا متسامحين جدا مع اخوتهم الذين دخلوا الكثلكة حديثا بدليل انهم سمحوا لهم بممارسة طقوسهم في احدى كنائسهم التي هي كنيسة مار ميخا العائدة الى اوقاف كنيسة المشرق وفي مركز بطريركيتها. ونرى هنا بان رأي المؤلف هو امتداد لتراكمات الاساءات التي زرعها المرسلون الغربيين بين ابناء كنيسة المشرق لتشويه تاريخ كنيستهم ورئاستها.
    ب. في الصفحة 110 يذكر المؤلف بان مرض الطاعون “ضرب اطنابه في القوش سنة 1778 فمات عدد كبير من الاهالي من بينهم النساطرة، ولم يبقى منهم سوى عائلة بيت الاب، وكان (ت) وفاة ايليا الثاني عشر البطريرك بهذا المرض ايضا”. ليس واضحا، لا بل يبدو مربكا للقارئ كون النساطرة الالقوشيين قد ابادهم الطاعون ولم يبقى منهم سوى عائلة بيت الاب، ورغم ان هذا الادعاء بعيد عن المنطق، لم يذكر لنا المؤلف من اين استقى معلوماته هذه.
    ج. وفي نفس الصفحة ينقل المؤلف عن كتاب عناية الرحمن في هداية السريان للمطران افرام نقاشة ما يلي: ” في سنة 1742 توفي الاب يوسف ماريا الكرملي النائب الرسولي، فخلفهُ الاب عمانوئيل نائبا رسوليا وانطلق الى روما حيث رقي الى درجة المطرانية وعاد الى بغداد، ولدى مروره بالموصل وجد فيها عشر عائلات كلدان وعشرون سريان، ووجد في بلدة القوش مائة عائلة يدير شؤونها كاهن اسمه كوركيس، ولما كان ايليا الثاني عشر البطريرك النسطوري محبا لحاكم الموصل الذي امر باضطهاد يوسف الثالث اودو بطريرك الكلدان وارسله الى المنفى. وعذب القس كوركيس إذ كواه بجبينه بكعب من نحاس محمىّ بالنار وعشرين من اتباعه.”
    في الحقيقة وقفت حائرا في السبب الذي دعا المؤلف للاستشهاد بهذا النص في كتابه، حيث لا يخفى على المطلع على تاريخ كنيستنا المشرقية، افتقار هذا النص الى الدقة، وبعده كل البعد عن الحقائق التاريخية. إذ يستدرك المؤلف في الهامش رقم 70 لتصحيح احد الاخطاء الواردة في النص حول اضطهاد مار يوسف الثالث اودو، حيث ان البطريرك يوسف اودو ولد سنة 1793 وتسنم البطريركية للفترة من 1838 الى 1878 خلفا للبطريرك يوحنا هرمز الثامن اخر بطاركة بيت ابونا في القوش. اما الخطأ الاخر في النص والذي اغفل عنه المؤلف هو حول القس كوركيس، وهو القس كوركيس يوحانا احد اقطاب المذهب الكاثوليكي الحديث الولادة زمنئذ، والذي تزامن مع المطران (البطريرك) يوسف اودو، حيث كانت ولادته في 1752، ولكنه توفي سنة 1829 قبل رسامة البطريرك اودو. اذا هذا النص لا يمكن اعتماده كوثيقة تاريخية والركون اليه في بقية المعلومات الواردة فيه، وكان الاجدر ان لا يقحم المؤلف هذا النص في صفحات كتابه، لانه يخلو من اية قيمة تاريخية.

يتبع الجزء الرابع

سامي بلّو

للمزيد; انقر على الروابط ادناه

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.