بقلم د. رياض السندي
المعارضة العراقية بعد 2003 وإرهاصاتها
16/ 03 / 2017
http://nala4u.com
– مقدمة
إبتداءً، يمكن القول بإختصار شديد، إنه ليس
هناك معارضة حقيقية في العراق. وبالأحرى لم يكن هناك معارضة عراقية حقيقية،
عندما تم إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
فالجماعات المختلفة
والتي أطلق عليها جزافاً تسمية المعارضة العراقية، لم يكونوا معارضين أولا،
كما لم يكونوا عراقيين ثانيا. إن كل ما كان يجمع تلك الجماعات، هو (كره
صدام حسين)، والرغبة الكامنة في الإستحواذ على المناصب والثروات. ومن وراء
كل ذلك، هو تحقيق أجندات دولية متعارضة، إتفقت بشكل مؤقت وفق صيغة (الأخوة
الأعداء). وخير مثال على ذلك، هو أمريكا وإيران. فأمريكا كانت ومازالت تنظر
الى إيران على إنها محور الشر في العالم. وبالمقابل، ما زالت إيران ترى في
أمريكا على إنها الشيطان الأكبر.
فتلك الجماعات المختلفة التي لم
يكن يجمعها جامع، إفتقرت جميعها لأي أيدلوجية سياسية، لا بل إن بعضهم قال
لي شخصياً: إن زمن الأيدلوجيات قد ولّى. وهكذا لم تكن تلك الجماعات تمتلك
أي رؤيا سياسية، لعدم وجود مفكرين سياسيين لديها. وقد إعتمدوا في نظرتهم
السياسية، الى ما تلقّنه لهم الدول التي إحتضنتهم، مثل أميركا وإيران
وبريطانيا وغيرها، وما تزودهم به من تعليمات وتوجيهات لاحقاً. على العكس من
حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي تم إسقاطه في العراق، والذي كان يستند
الى نظرية سياسية، صاغها مفكرو الحزب، أمثال ميشيل عفلق، وشبلي العيسمي،
وإلياس فرح، وغيرهم. ويتذكر القراء العرب لمؤلفات عفلق، في سبيل البعث،
وذكرى الرسول العربي، ونظرتنا الى الدين. كما يمكن تذكر كتب العيسمي، مثل،
العلمانية والدولة الدينية، وعروبة الإسلام وعالميته. ويتذكر الجميع كيف ان
حزب البعث وقبل ان يستلم السلطة في العراق كان قد وضع تصورا للعديد من
المسائل الجوهرية وقضايا الساعة التي تشغل بال المواطن العادي، حيث ناقش
مسألة الدين، وهي من الامور الجوهرية في اي مجتمع، وكتب مفكرو الحزب آنذاك
كراسا تحت عنوان (نظرتنا الى الدين)، وكذلك أصدر اعلام الحزب كراسا اخر ضع
تصورا لحل المسألة الكردية من خلال مفهوم الحكم الذاتي عام 1970. وكذلك
الامر بالنسبة للمسيحيين في العراق، وعلى اختلاف طوائفهم من خلال قانون منح
الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972. ومسائل اخرى جوهرية تخص
دور المرأة والعمال والفلاحين والطلبة في المجتمع.
ويمكن القول
بإختصار، إن البعثيون في العراق كانوا أكثر خدمة للإسلام من الأحزاب
الإسلامية التي حكمت العراق طيلة 14 سنة الماضية، والتي أساءت له كثيراً.
كما كانوا أكثر خدمة للشعب العراقي، في مجال الخدمات العامة.
للإجابة على سؤال ما إذا قد نشأت جماعات معارضة لنظام الحكم بعد 14 سنة من حكم الأحزاب الإسلامية؟
نقول ابتداءً، انه من حيث المبدأ، إن قيام معارضة سياسية وطنية، يتطلب توافر ثلاثة أمور أساسية فيها، وهي: –
– رؤيا سياسية
– قاعدة جماهيرية
– قيادة كاريزمية
فهل توافرت هذه المتطلبات اليوم في المعارضة الشعبية في العراق؟
• بدايات المعارضة بعد 2003
نتيجة
معاناة العراقيين في الداخل من حصار إقتصادي قاسي فرضته الأمم المتحدة
طيلة 13 سنة، إضافة لقسوة النظام في سنواته الأخيرة، فقد وجد العراقيون في
إزاحة النظام متنفساً كبيراً للتخلص من الحصار وظلم النظام معاً. وهذه كانت
غاية الحصار في تخلي الشعب عن القيادة، باعتبارها سبب جوعه وإضطهاده.
وتتشكل
القوى السياسية في العراق من مجموعة من الأحزاب والقوى متباينة الأهمية
والامتداد والعمق، بعض هذه القوى يمتد في تاريخه إلى عدة عقود لكنه اضطر
إلى تجميد عمله أو نقل نشاطه إلى المنفى، وبعضها نشأ ونمى في الخارج،
والثالث ظهر في الفترة التي تلت الغزو مشكلا ظاهرة من التعددية السياسية لم
يعرفها العراق أو المنطقة من قبل وذلك بغض النظر عما فيها من فوائد أو ما
يوجه إليها من نقد.
أما الأحزاب القومية العربية فهي على العموم قديمة
التشكيل وما زالت تحتفظ بقياداتها القديمة، ومعظمها أعلن معارضته للاحتلال
وقاطع العملية السياسية وكذلك الانتخابات الأخيرة، ومن بين أبرز هذه
الأحزاب: –
•الحركة الاشتراكية العربية بزعامة السيد عبد الإله النصراوي
•الحزب القومي الناصري بزعامة السيد صبحي عبد الحميد
•حزب الإصلاح الذي تشكل بعد الحرب بدعم من الجناح السوري لحزب البعث.
ولم
تظهر في الأيام الأولى لغزو الولايات المتحدة إي مقاومة تذكر، وحتى
البعثيون كانوا مازالوا تحت تأثير الصدمة. إلا إنه بمرور الوقت، تكشفت
الأمور بعد إن نظم البعثيون أنفسهم وشكلوا جماعات مقاومة مسلحة للوجود
الأمريكي. كما إن السُنة، عزفوا عن المشاركة في انتخابات 2004. وعموما،
يمكن تقسيم المعارضة السياسية في العراق الى نوعين رئيسيين هما: مسلحة أو
سلمية.
أولا- جماعات المعارضة السياسية المسلحة
لذا فقد كانت هناك أربع جماعات معارضة مسلحة، 3 جماعات منها، معارضة عراقية مسلحة، وجماعة معارضة إرهابية مسلحة من الخارج، وهي: –
1. البعثيون وأنصار النظام السابق.
2. جماعة السُنة.
3. جماعة شيعية واحدة، هي تيار مقتدى الصدر.
4. تنظيم القاعدة الإرهابي.
أما
البعثيون فقد شكّلوا في عام 2005، الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية
والتي تعرف إختصاراً (الجهاد والتحرير)، وتضم عدة جماعات من بينها جيش رجال
الطريقة النقشبندية، وأمينها العام هو عزة إبراهيم الدوري، نائب رئيس
الجمهورية الأسبق. وقد إمتنعت الإدارة الأمريكية عن أي تعامل رسمي معها.
في
حين إستطاعت الإدارة الأمريكية من إحتواء جماعتي السنة والتيار الصدري، من
خلال إشراك التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في
العملية السياسية، ومنحهم بعض المناصب الوزارية والبرلمانية. وإتفقت مع
فصيل سني في الانبار غرب العراق، من تشكيل جماعات مسلحة خاصة بمناطقهم سميت
قوات الصحوة، أو ما يعرف ايضاً بمجالس الإسناد أو الإنقاذ، وهي تجمعات
عشائرية عراقيّة سُنّيّة أنشئت بعد الاحتلال الأميركي للعراق لمواجهة تنظيم
القاعدة، في أيلول/سبتمبر 2006، وقد بلغ قوامها 80 ألف مقاتل، وأبرز
مؤسسيها عبد الستار أبو ريشة، وقد خلفه شقيقه أحمد، والتي ألغيت بعد
إلانسحاب الأمريكي من العراق فيما بعد. وعلى الرغم من مشاركة السُنة في
السلطة، إلا إن العلاقة بينهما وبين الأحزاب الشيعية ما زالت غير مستقرة.
واليوم
عاد السُنة للمطالبة بالإقليم السنّي الذي من المقرر أن يشمل المحافظات
السنية الأربع، وهي: الانبار، والموصل، وصلاح الدين وديالى، بإستثناء
العاصمة بغداد، ومحافظة كركوك الغنية بالنفط، والمتنازع عليها.
ولم يبقي
إلا فصيل سني صغير يمثله حارث الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين الذي
ترك العراق وإستقر في عمان بالاردن، فأهمله الأمريكان، وهي ليست حزبا
تقليديا بل مؤسسة دينية تعاطت مع الشأن السياسي وقد تأسست بعد الحرب مباشرة
وعرفت بأنها من القوى المناوئة للوجود الأجنبي، وقاطعت العملية السياسية
والانتخابات عموماً. وقد خلفه في هذا المنصب إبنه مثنى، منذ كانون
الأول/ديسمبر 2015.
أما بقية السُنة فقد أعلنوا موالاة الحكومة بشكل أو بأخر، أو شاركوها في تقاسم الغنائم، مقابل بقاء السلطة بيد أحزاب الشيعة.
أما
الأكراد فهم شريك أساسي في ممارسة السلطة، ومنحت لهم بعض المناصب
السيادية، مثل منصب رئيس الجمهورية، ووزارة الخارجية أو المالية، وعدد من
النواب، وغير ذلك. وعلى العموم، فالكرد ليسوا معارضين للحكومة على الإطلاق
وإن إختلفوا معها أحيانا، فهو إختلاف على تقاسم الغنائم، وليس إختلاف
أيديولوجي أبدا، وسياستهم تتمثل في إرساء مزايدة العلاقة معهم على المزايد
الأعلى.
وبقيت القوات الأمريكية تحارب فقط تنظيم القاعدة الإرهابي الذي
لا يمكن إغراءه بالمال أو المناصب، طيلة عقد كامل، حتى ظهور تنظيم الدولة
الإسلامية (داعش) ليحل محل القاعدة، بنسخة أكثر إرهابا من سابقه.
ثانياً- جماعات المعارضة السياسية السلمية
سعت الإدارة الأميركية الى إشراك السنّة في الحكم، وقد أنشئت أحزاب عديدة منها: –
– الحزب الإسلامي العراقي
– مجلس الحوار الوطني
– كتلة المستقبل
– حزب الامة العراقي
– مؤتمر صحوة العراق
– المؤتمر الوطني العراقي
– الجبهة العراقية للحوار الوطني
– جبهة التوافق
– الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية (الحل)
وقد
مارست الأحزاب السنيّة دوراً مزدوجاً في الانضمام للحكومة ومعارضتها في
نفس الوقت. ودخلوا انتخابات عام 2006، وفازوا ببعض المناصب السيادية
والوزارات، مثل نائب رئيس الجمهورية الذي كان من حصة الحزب الإسلامي وقد
تقلده طارق الهاشمي، كما منح لهم منصب رئيس البرلمان، فتقلده على التوالي:
محمود المشهداني، وأسامة النجيفي، وسليم الجبوري. إلا إن هذه الجماعات قد
جرى ضربها في عهد نوري المالكي، حيث قدم المشهداني إستقالته مرغما في
ديسمبر/كانون الاول 2008، وغادر الهاشمي الى تركيا في ديسمبر/كانون الاول
2011، واستقال وزير المالية رافع العيساوي في مارس 2013 وغادر الى الأردن،
وهذه كلها ضمن حملة ضرب الجماعات السنيّة في العراق. وبعد إلإنسحاب
الأمريكي عام 2010، إستطاعت إيران من إحتواء الجماعات السنيّة المتبقية.
ويرى
البعض إن العملية السياسية في العراق بأنها ميتة ومبنية على المحاصصة، حيث
إن لكل من السنة والشيعة والأكراد حصة حددها المحتل الأميركي.
واعتبر
أن المكون السني هو الحلقة الأضعف في العملية السياسية بسبب قبوله اللعبة
السياسية الجائرة المبنية على أسس طائفية، مشيرا إلى أن المشاركين في
العملية السياسية من السنة لا يمثلون جميعا فكرة الهوية للمكون السني وإنما
ينتسبون لهذا المكون بالهوية وانتماؤهم الحقيقي هو للمصلحة الشخصية، حسب
تعبيره.
• واقع المعارضة اليوم
وإستمر حال المعارضة السياسية،
على هذا المنوال، حتى ظهور داعش وإستيلائه على مدينة الموصل، المدينة
الأثرية المعروفة، وثاني أكبر محافظة عراقية، بتاريخ 9 حزيران 2014. ومنذ
ذلك التاريخ، ظهرت جماعات معارضة مختلفة، وهي جميعها معارضة سياسية سلمية،
إلا إن المؤشر الخطير فيها، انضمام الشيعة الى المعارضة، بعد أن تم إغراءهم
طيلة عقد كامل بأن الحكم بأيديهم، وعليهم التغاضي عن كل مساوئ النظام،
حماية للمذهب، ومقابل إطلاق الحرية لهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
إلا أن ما خلفه إستيلاء داعش على الموصل من تداعيات خطيرة، أهمها: –
أولا.
سوء الأوضاع الاقتصادية، نتيجة التدهور الكبير في أسعار النفط، حيث إنخفض
سعر البرميل من أكثر من مئة دولار الى أقل من خمسين دولاراً.
ثانيا.
إنشاء فصائل شيعية مسلحة لمحاربة داعش، اعتبرت ميليشيات أول الامر، إستمدت
شرعيتها من فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن المرجع الشيعي الأعلى علي
السيستاني، ثم جرى توحيدها تحت مسمّى (الحشد الشعبي)، الذي أعترف له
بشرعيته وفقا لقانون هيئة الحشد الشعبي في 2016. وتم إشراكها في معارك
كثيرة داخل العراق وخارجه، مما أدى الى تزايد أعداد القتلى من الشيعة
تحديداً.
ثالثا. تدني مستوى الخدمات العامة، كالكهرباء والماء والصحة
والتعليم والقضاء، وغيرها، مما أدى الى تفاقم نقمة الشيعة الى جانب السنة
قبلهم.
رابعا. تدهور العلاقة بين الحكومة المركزية والاكراد، وإصرار كل
طرف على مواقفه، حول العديد من القضايا، مثل تصدير نفط الإقليم، وحصته من
ميزانية الدولة، وإستجواب وإقالة عدد من المسؤولين الكرد في الحكومة
المركزية، وقضية كركوك المتنازع عليها.
• جماعات المعارضة اليوم
ويمكن تقسيم هذه الجماعات الى ثلاثة أنواع، وهي: –
أولا. الإحتجاجات السلمية
(1) حركة الاحتجاجات المدنية
لقد
اثبتت حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق والتي قادتها مجموعة من الناشطين
المدنيين ومنذ ما يقرب من خمس سنوات من انطلاقتها وتحديدا في شباط 2011
انها غير قادرة على دفع الحكومة تجاه الاصلاح ناهيك عن التغيير الذي لم
يتبلور في ذهنهم بشكل واضح. فحكام اليوم لا يقومون بأي خطوة نحو الاصلاح
الاّ مرغمين وعلى قدر ذلك الارغام وبالشكل الذي لا يكون فاعلا ولا يصب في
مصلحة الشعب، مثل تغيير امين بغداد، او تغيير وزير الصحة او حتى تغيير رئيس
الوزراء. وهذا ما يدل على ان المشكلة تكمن في جوهر النظام بشكل عام.
وقد
قمعت تلك الاحتجاجات بشتى الطرق معتمدين في ذلك على الخبرة الايرانية في
هذا المجال. لذا فقد بدت الاحتجاجات غير فاعلة وضعفت شيئا فشيئا، لكنها ظلت
مثل الجمر تحت الرماد انتظار من يشعل الشرارة الاولى للثورة. وقد عانت تلك
الحركة من نقاط ضعف يمكن ايجاز اهمها بما يلي:
1. عدم وجود قيادة موحدة للحركة.
2. عدم وجود فلسفة ومنهاج لها.
3. ضعف الامكانيات المادية لها.
4. طغيان المصلحة الخاصة على معظم قادة الحركة.
5. ضعف البعد الدولي للحركة.
6. عدم تحصين قادة الحركة أمنيا.
7. بطء الحركة وتعثر مسيرتها قياسا الى اجراءات الحكومة.
كل
هذه العوامل أدت الى سهولة احتواءها وتحجيمها واضعاف تأثيرها. وتعاني
احتجاجات ساحة التحرير في العراق من هذه الصعوبات، وهذا ما قاد الى انقسام
حركة الاحتجاجات الى مجموعات صغيرة عديدة لا يربطها رابط ثوري. اما الايام
الاولى للاحتجاجات والتي شهدت تجمع عشرات الالوف من المواطنين فيعود الى
توافر الرابط العقائدي الثوري لدى عموم الشعب، وبمجرد غياب الرابط تفرق
الجميع وأصبح قادة التنظيم دون غطاء في مواجهة السلطة.
وتضم كل مجموعة
عدد قليل من الافراد الذين تجمعهم صلات معينة، لذا فان تأثيرها كان ضعيفا
واستطاعت السلطة تحجيم دورها والقضاء على بعض قادتها. وهنا ظهرت مجموعة
الحزب الشيوعي العراقي الاكثر تنظيما بحكم خبرتها الطويلة واستطاعت ان
تتسيّد الموقف لفترة معينة رغم انها شريك في السلطة منذ البداية، الا ان كل
هذه الخبرة لم تمنعها من الوقوع في شباك الاسلام السياسي الذي يستند الى
الدين والمقدس والله. وبالفعل فقد استطاع أحد تيارات الاسلام السياسي
والمشارك فيما يسمى تضليلا بالعملية السياسية من ان يتقدم الى الامام ويقف
في واجهة حركة الاحتجاجات ويتسيّد الموقف بفضل شعبيته والتزام انصاره.
(2)
حركة الاحتجاجات العراقية 2013، وهي حركة شعبية نشطت في المناطق ذات
الاغلبية السنية من العراق مثل الرمادي و صلاح الدين و الموصل وكركوك و
تبعتها مناطق متفرقة من بغداد مثل الأعظمية و الدورة وكذلك في ديالى و طالب
المتظاهرون خلالها باطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية
وايقاف نهج الحكومة الذي وصفوه بال”طائفي” والغاء المادة 4 ارهاب وقانون
المساءلة والعدالة من الدستور العراقي وانشاء اقليم “سني” لاحقاً تحولت
المطالب إلى اسقاط النظام الحاكم ذي الاغلبية الشيعية وايقاف ماوصفوه
بالتدخل الإيراني في العراق اعقبت هذه الاحتجاجات اشتباكات مسلحة في
المناطق التي حدثت فيها التظاهرات بين قوات الجيش العراقي والشرطة من جهة
ومسلحين سنة ينتمون إلى هذه المناطق من جهة أخرى.
وقد ظهرت هذه
الحركة بعد إنسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2010، وإنفراد إيران في
العراق، في الولاية الثانية للمالكي، وبفضل سياسته الرعناء، عاد السُنة
لمعارضة الحكومة من خلال ما عٌرف بساحات الإعتصام، مثل ساحة إعتصام الفلوجة
في الرمادي وساحة إعتصام الموصل في الموصل، وساحة إعتصام الحويجة في
وكركوك، وديالى، والتي تم فضّها جميعها بالقوة.
ولقد طرح الاعتصام
المفتوح والمستمر كأحد الحلول لتطوير حركة الاحتجاجات، لحين تحقيق مطالبها
او اجراء التغيير. وكان لهذا الخيار -فيما لو إستمر- ان يؤدي الى ظهور طبقة
سياسية جديدة تتولى مهمة التغيير الشامل في العراق، وآنذاك سنكون امام
ثورة. الا ان تسارع الاحداث جعل من الاعتصام امر غير ذي جدوى بعد الان.
فالأمور قد وصلت الى نقطة النهاية.
(3) الحراك المدني المستقل
ويضم
مجموعة من الشباب الناشطين المدنيين من مختلف محافظات العراق. وقد إنبثقت
هذه الحركة في شباط 2011، ثم تم تأسيس جماعة بإسم الحراك المدني عام 2013
للقيام بحملة إلغاء تقاعد الرلمانيين. وقد عقد الحراك المدني المستقل تسعة
مؤتمرات في محافظات مختلفة، وكانت إنطلاقة المؤتمر الأول في مدينة النجف،
إلا إن دخول جماعات تنتمي للأحزاب السياسية القائمة، وفي مقدمتهم التيار
الصدري قد إستلبت هذا الحراك إستقلاليته، وإستغلت حاجته للأنصار، ولكنهم
كانوا أنصار وقتيين، سرعان ما ينفضون من حولهم. إلا إن الحراك لم يستطع حتى
هذه اللحظة أن يتخلص من أسارهم. كما إن الحزب الشيوعي والتيار الصدري هم
شريكين متشاركين في الحكومة.
وقد ضمت هذه الحركة عدة جماعات هي:
• الحزب الشيوعي العراقي
• أنصار التيار الصدري
• تنسيقيات التظاهرات في مختلف المحافظات، بإستثناء محافظات إقليم كردستان العراق.
• الحراك المدني المستقل
وكانت
إنطلاقة الإحتجاجات العراقية في 31 يوليو/تموز 2015 في ساحة التحرير في
بغداد للمطالبة بتحسين واقع الخدمات وخصوصا الكهرباء، حيث طالبوا بمحاسبة
وزير الكهرباء قاسم الفهداوي أو إقالته، بالإضافة للمطالبة بتخفيض رواتب
المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة. ثم إنتقلت الى مشاكل أخرى
كثيرة، مثل مشكلة رواتب موظفي السكك الحديد، مشكلة الضرائب، وإقالة رئيس
مجلس القضاء الأعلى، وغيرها.
ثانيا. الاعتصام المدني
• الإعتصام المدني الشعبي (التيار الصدري والتيار المدني)
انطلقت
صباح الجمعة (18 مارس/آذار 2016) فعاليات اعتصام أتباع التيار الصدري في
المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد. وفي
يوم السبت 30 نيسان 2016، إقتحم المتظاهرون من أنصار التيار الصدري بوابات
المنطقة الخضراء المحصنة حيث المقار الحكومية وصولا الى البرلمان، ثم سحب
التيار الصدري مؤيديه من المنطقة الخضراء في بغداد الأحد 1 مايس 2016 بعد
يوم من اقتحامهم مقر البرلمان. وطلبت عناصر من ميليشيا الزعيم الشيعي مقتدى
الصدر من المتظاهرين المغادرة بعد 6 ساعات على اقتحامهم المبنى داخل
المنطقة الخضراء الشديدة التحصين.
• إعتصام نواب البرلمان (حركة الإصلاح البرلمانية)
ولاحقا،
في 12 أبريل/نيسان 2016 اعتصم عدد من اعضاء مجلس النواب، داخل قاعة
البرلمان احتجاجاً على الكابينة الوزارية الثانية التي قدمها رئيس مجلس
الوزراء حيدر العبادي. وقيام أكثر من 50 نائبا بالاعتصام وقضاء الليلة في
مبنى البرلمان للمطالبة بعقد جلسة لإقالة الهيئات الرئاسية الثلاث في
العراق.
وطالب أكثر من 100 نائب عراقي من مختلف الكتل في وثيقة تم
تقديمها أمس إلى رئيس البرلمان العراقي بعقد جلسة لبحث موضوع إقالة
الرئاسات الثلاث في البلاد “التنفيذية والتشريعية ورئاسة الجمهورية”.
وفي
14 نيسان صوّت النواب المعتصمون داخل مجلس النواب برئاسة النائب عدنان
الجنابي، بالإجماع على إقالة هيئة رئاسة البرلمان واختيار الجنابي رئيساً
له بدلاً من سليم الجبوري بشكل مؤقت.
وفي 26 نيسان أنهى البرلمان أزمة
استمرت لأكثر من أُسبوعين، بعقد جلسة أعادت الثقة برئيسه سليم الجبوري
ونائبيه الذين تمت إقالتهم في جلسة سابقة عقدها 170 نائباً. وتّم تصوّيت
مجلس النواب العراقي على تسمية مرشح الكابينة الوزارية الجديدة عبد الرزاق
العيسى لمنصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وعلاء دشر لمنصب وزير
الكهرباء، ووزير الموارد المائية حسن الجنابي، وعلاء غني وزيراً للصحة
ووفاء المهداوي وزيرة للعمل والشؤون الاجتماعية.
وهكذا، فقد أستخدمت بعض
الكتل السياسية وسيلة الإعتصام للضغط على الحكومة لانتزاع بعض المناصب
الحكومية الكبيرة. فهل كان الإعتصام سلاح للتغيير أم وسيلة ضغط فقط؟
ثالثا. الأحزاب السياسية الجديدة
وقد
ظهرت اليوم ضمن تشكيلات جديدة. وقد سبق الذكر، أن مفوضية الانتخابات قد
أعلنت عن تسجيل أكثر من 200 حزب وتنظيم سياسي، منها 133 حزبا قديما، و79
حزبا جديدا. إلا إن معظمها سيدخل ضمن تحالفات أحزاب السلطة، لذا سنقتصر هنا
على أهمها والمعلن منها، وهي: –
• المشروع العربي في العراق
تأسس في
منتصف عام 2015، والمشروع العربي في العراق تنظيم وطني اجتماعي ثقافي
سياسي عام، يؤكد على وحدة العراق أرضا وشعبا، وبأن العراق جزء من الامة
العربية. وهو يسعى إلى بناء عراق ديمقراطي يؤمن بأن العراق مجتمع تعددي،
ومن ثم لا بد من له من نظام سياسي يؤمن المشاركة الحقيقية لمكوناته. الأمين
العام لـلمشروع العربي في العراق الشيخ خميس الخنجر.
• المبادرة الوطنية – موطني
أعلن
عنها في بغداد بشهر كانون الأول (ديسمبر) 2015، منطلقا وإطارا لتحالف قوى
الاعتدال والتغيير المدني ضمن صيغة شركاء في الرؤية وليس التنظيم. وراعي
هذه المبادرة هو الدكتور غسان العطية، الذي يرى إن على القوى المدنية
العراقية أن تستثمر وعي الشباب المتنامي بضرورة مغادرة “منهج المحاصصة
العرقية – الطائفية التي بنيت عليها العملية السياسية”، ووجود مطالب شعبية
“تزداد إتساعا بوجوب إصلاح النظام، وبروز معارضة نيابية”، بالإضافة إلى
“خسارة أحزاب الإسلام السياسي لمصداقيتها وفقدان جمهورها الذي بنته عبر
الخطاب والتحشيد الطائفي ضد الآخر، في ظل حماية بعضها لفاسدين كبار”، ودعا
قوى الإعتدال المدنية إلى استثمار ذلك من أجل إحداث التغيير المنشود. وأن
التغيير في البلاد يقوم بالدعوة إلى تشكيل حكومة، محددة ومفوضة بمهام، تكون
إما برئاسة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي أو أي شخصية أخرى”. وذكر
العطية، راعي مبادرة “موطني” التي تقوم على دعوة أطراف الاعتدال العراقي
للعب دور محوري بانتخابات مجلس النواب العراقي المقبل، تكون مهمة هذه
الحكومة العمل على ضمان نزاهة وعدالة وحرية الانتخابات النيابية المقبلة من
خلال إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات المستقلة، وإشراك القضاء في عملية
الإشراف والتنفيذ للانتخابات.
• حزب الحق الوطني
تأسس في 17 كانون
الأول 2016، يهدف الحزب الى لم الشمل والابتعاد عن الضغينة والتفرقة وتسييس
الدين، والتي أضعفت الوحدة الوطنية ومزقت النسيج الاجتماعي العراقي”، وإلى
تحقيق المصالحة الوطنية من خلال برنامج شامل يقضي على جميع ما خلَّفته
المرحلة السابقة من دمار للمجتمع العراقي”. الأمين العام للحزب النائب أحمد
المساري.
– تقييم جماعات المعارضة السلمية اليوم
وكما سبق
القول، في إنه لم يكن هناك معارضة سياسية عراقية بالمعنى الحقيقي لإسقاط
نظام صدام حسين، فإن الأمر ذاته اليوم، فليس هناك معارضة حقيقية، وإنما
مطالبة بالإمتيازات الشخصية، أكثر من المطالبة الجماعية بحقوق شعب، وسيادة
دولة، وتطور أمة. وهذا ما يفَسّر تخلي الكثير من المعارضين السياسيين
العراقيين بمجرد منحهم بعض المناصب والإمتيازات.
وإجمالا، تعاني معظم الجماعات العراقية المعارضة السلمية اليوم من قصور كبير، تمثّل فيما يلي: –
آ- غياب الرؤيا السياسية الشاملة
وبالتأكيد
ان وجود فلسفة للتغيير أمر ضروري واساسي لا غنى عنه لكل ثورة أو حركة
تغيير شعبية لكي يلتف حولها ابناء البلد الواحد ويسعون لتحقيقها. وعلى
الرغم من المناداة مؤخرا بالحكم المدني، إلا إن الرؤيا ما زالت غير واضحة
لدى قادة المعارضة وأنصارها.
ب- ضعف التنظيم الرصين
ان واحدة
من اعقد المسائل في الثورة هي مسألة تنظيم الثوار، نظرا للصعوبات التي
تكتنف مسألة ضبط مجموعة من الافراد الثائرين وتوجيههم نحو الهدف.
وعادة
ما تقوم التنظيمات الثورية بهذه المهمة، وهو أمر وان كان صعب جدا، الا انه
ليس بالمستحيل في الحالة العراقية. فتشكيل هيئة سياسية او حزبية تتولى
مسؤولية تنظيم وقيادة الثورة في بلد معين أمر ممكن التحقيق شرط توافر عنصري
التمويل المالي وقاعدة الانطلاق الجماهيرية، اي الطبقة الاجتماعية التي
ستقوم الثورة على اكتافها مثل طبقة العمال او طبقة الطلاب أو الفلاحين وغير
ذلك. وهذا بالطبع لا يمنع من اندلاع الثورة بشكل عفوي نتيجة احتقان الشارع
جراء الظلم الاجتماعي والضغط الاقتصادي.
ج- غياب القيادة الكاريزمية
وفي
ظل اوضاع اجتماعية ونفسية كهذه، يصعب القيام بثورة دون ظهور قيادات ذات
كاريزما شعبية تشحذ الهمم وتعيد ترميم الشخصية المنكسرة ثانية. وبصراحة
مطلقة، فان كل الطبقة السياسية التي جلبت لحكم العراق بعد عام 2003 كانت
تفتقد لهذا العنصر المهم، مما جعلها تفقد احترامها وتقديرها لدى العراقيين.
ومن هنا ظهرت التبريرات الجوفاء التي تزيد العراقيين انكسارا وهو ان مشاكل
العراق عصية على الحل حتى لو جاء الانبياء لحكمه. والواقع ان الانبياء هم
صفوة روحية من البشر لا تصلح للحكم، وانما يصلح له رجال دولة قادرون على
ادارته وفقا لأساليب عصرية. ويجب ان يظهر فهم علمي ومنطقي يحل مسألة نقل
الجبل من مكان لأخر باستخدام العقل والتكنولوجيا بدلا من البحث عن حلول
سحرية مختصرة.
– وسائل التغيير المنشود
ويثور التساؤل عن وسائل التغيير المتبعة من جماعات المعارضة العراقية اليوم، ومدى فاعليتها في تحقيق التغيير المنشود؟
•
التظاهرات، وهي مستمرة كل يوم جمعة في ساحة التحرير ببغداد، أو مجسرات
ثورة العشرين في النجف، وأماكن أخرى. إلا انها غير ذي جدوى، وتأثيرها يكاد
يكون معدوما، سوى في مناسبات محددة، عند انضمام التيار الصدري لها لغرض
معين، ويتم اقتحام المنطقة الخضراء، كما أسلفنا.
• وسائل التواصل
الاجتماعي، وذلك من خلال إنشاء صفحات ومجموعات على الفيسبوك وتويتر
وأنستغرام، وغيرها، وهي اليوم كثيرة جداً واعدادها بالمئات، ودورها ينحصر
في التوعية فقط. وهذه الوسائل وإن كان لها دور كبير في إعتصامات ما سميّ
بالربيع العربي. إلا إن الحالة العراقية تختلف تماما، لسبب واحد بسيط، إن
العراق محكوم بدول أجنبية، والقائمون على السلطة في العراق اليوم، ليسوا
حكاما بالمعنى الحقيقي، بل هم مجرد دمى على مسرح السياسة في العراق، وإن
تغيير هؤلاء لن يغير الوضع ما لم يتغير النظام برمته. ورأينا إن تغيير
الجعفري بالمالكي، والمالكي بالعبادي لم يؤدي الى حل لأزمات العراق
الكثيرة.
• توجيه وسائل الإعلام الى إخفاقات الحكومة وسوء إدارتها،
وتسليط الضوء على ملفات الفساد الكثيرة والكبيرة، من خلال إنشاء بعض
المواقع الألكترونية، والمدونات الشخصية، ونشر المقالات والبحوث والدراسات
عن ذلك.
• إنشاء تنظيمات سياسية معينة، وهذه لا يمكن إعتبارها
معارضة بالمفهوم الحقيقي، لإن تسجيلها في العراق سيجعلها خاضعة لقانون
الأحزاب والتنظيمات السياسية لعام 2015، ومن شروطه التعجيزية هو دفع رسوم
تسجيل الحزب البالغة قرابة خمسون ألف دولار. وهذا ما يعيق أي جماعة معارضة
من تسجيل تنظيمها. ومع كل ذلك، فقد سجّلت شخصيات حكومية مثل الوزراء ونواب
برلمان وتجار ما يزيد على 300 حزب سياسي حتى الآن.
• المجموعات
المغلقة، وهي جماعات تنشئ لها حلقة مغلقة لعدد من الأصدقاء الذين يتفقون في
توجهاتهم. وهي أشبه بالندوات التي يتم فيها بث الشكوى وطرح الهموم وتبادل
الأمنيات.
– التأثير الدولي على الثورة
العراق، ومنذ عام
2003، قد أصبح ساحة للصراعات الدولية. وإزاء حجم التدخل الدولي الكبير هذا،
فان قيام ثورة وطنية شعبية في العراق يعد امرا صعبا للغاية دون الاخذ بنظر
الاعتبار تأثير تلك التدخلات الدولية ومصالحها الاستراتيجية في العراق.
وفي مقدمة هذه الدول امريكا وإيران. ويمكن تشبيه مدى تأثير هاتين الدولتين
على العراق كجهاز تلفاز تحتفظ امريكا بجهاز السيطرة عن بعد (الريموت
كونترول)، في حين ان إيران كالمشاهد القريب من التلفاز الذي يغير قنوات
الاستقبال حسب هواه دون حاجة الى الريموت. واليوم، بعد مجيء رئيس أمريكي
جديد هو ترامب، فان إدارته تسعى لانتزاع الريموت العراقي من يد إيران. لذا
فقد كان سبب إحجام العراقيين عن أي مطالبة فعلية بالتغيير، هو رضا الولايات
المتحدة الامريكية ضمنيا عن الوضع القائم والفوضى في العراق، في عهد
الإدارة السابقة برئاسة أوباما. وإنطلقت شهيّة العراقيون في التغيير بعد
وصول ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة، وإرساله هو وباقي طاقم إدارته
إشارات عدم رضا الولايات المتحدة عن التدخل الإيراني في العراق. وتبدو
خطوات الإدارة الأمريكية الجديدة مشجّعة للعراقيين ليعبّروا عن إمتعاضهم
وعدم رضاهم عن ألاوضاع في العراق.
وقد شكّل هذا العامل الدولي سابقا
عنصر اعاقة لأي ثورة تسعى الى تغيير للسلطة من خلال اقتحام مقر الحكومة في
المنطقة الخضراء، لوجود السفارات الاجنبية فيها وعلى رأسها السفارة
الامريكية. لذا فان ارسال رسائل تطمين لها من جماعات المعارضة، هو امر
ضروري لأي حركة تغيير قادمة.
لذا فان اي تنظيم سياسي او شعبي يفكر في
القيام بتغيير الأوضاع السياسية في العراق، لابد من ان يضع نصب عينيه
ابتداءً اسلوبا للتعامل مع هاتين الدولتين المار ذكرهما سابقا، على الرغم
من صعوبة ذلك، لان الدعم الدولي امر ضروري في اي حركة تغيير سياسي.
وبدا
هذا الأثر واضحا على تحركات السياسيين، فقد رأينا تحرك العديد من
العراقيين -بضمنهم المشاركين في الحكومة- يتسابقون الى عواصم الدول
المختلفة طلباً للمساعدة. ويدخل ضمه هذا المسعى، تحرك الجميع وتسابقهم
للوصول لتلك العواصم، فالشيعة ما زالوا يهرولون الى إيران، والسُنة ما
زالوا يتسابقون على الوصول الى الرياض وأنقرة وعَمان والدوحة، وغيرها.
وتأتي مؤتمراتهم ضمن هذا السياق، فقد عقدوا مؤتمرا في ميونيخ وانقرة في
شباط وآذار 2017.
– معوقات التغيير في العراق
هناك جملة معوقات،
تعيق أي حركة تغيير سياسي جوهري في العراق للتخلص من حالة الفوضى
والتفجيرات والدمار ونهب المال العام، التي ضربت البلاد منذ 14 سنة وحتى
الأن، وأهمها: –
• إنعزال الحكومة في مقر شديد التحصين، يعرف بالمنطقة الخضراء.
• وجود فصائل مسلحة كثيرة، بلغ عددها أكثر من 150 فصيلا، بحسب تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي.
• تدهور مستوى المعيشة في العراق، بحيث أصبح الفقر والعوز المادي من معوقات العمل السياسي المنظم.
•
وقوف المرجعيات الدينية المختلفة سواء الشيعية أو السنية، لا بل حتى
المسيحية الى جانب السلطة القائمة وإضفاء الشرعية عليها حتى الان، مبررين
ذلك، بقبول الظلم تجنبا للفوضى.
• الانتخابات الصورية، فما زال الكثير
من العراقيين وجماعات المعارضة السلمية، ترى إن التغيير يجب أن يتم من خلال
صناديق الإقتراع. ويغيب عن هؤلاء بعض الحقائق الخافية عليهم في مسألة
الانتخابات عموما، وفي العراق خصوصا. ويمكن إختصارها فيما يلي: –
– إن
النائب الجيد يقف وراءه ناخب جيد. والناخب العراقي هو ناخب عقائدي يصّوت
لمرشح طائفته وعشيرته، رغم إقراره بفساده وعدم صلاحيته. وهو بهذا الوصف ليس
ناخباً حراً كما يفترض هذا النظام. كما إن النظام الانتخابي الحالي لا
يقوم عل أساس المواطنة، الذي يحق بموجبه لأي عراقي ترشيح نفسه للمنصب على
قدم المساواة المفترضة دستورياً، لذا فما زال من المستحيل أن يحظى أي مرشح
من الأقليات المسيحية أو الايزيدية أو الصابئة أو غيرها بأي منصب سيادي، بل
تم تحجيمهم وفقا لنظام الكوتا الانتخابي. والاستثناء الوحيد الذي تحقق منذ
عام 2003، هو منح منصب رئيس الجمهورية لمرشح كردي.
– إن الانتخابات في
العراق، كانت معيبة في المرات الثلاث التي جرت فيها للأعوام 2006
و2010و2014. ويكفي أن نذكر إنه لم يؤخذ بنتائج الانتخابات في المرتين
الأخيرتين على الاقل، فقد فاز أياد علاوي ولم تمنح له السلطة، بل جددت
لنوري المالكي، وفاز المالكي ثانية عام 2014، وانتزعت منه وأعطيت الى حيدر
العبادي.
– إن الانتخابات العراقية ومنذ 2003 تخضع لتأثيرات وضغوط دولية كبيرة. لذا فإن نتائجها غير وطنية تماما.
–
تلعب الجماعات والفصائل المسلحة دوراً مؤثرا فيها، وسيتعاظم دورها في
الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في أيلول/سبتمبر القادم مستندة الى
تضحياتها الكبيرة في تحرير الموصل.
• معوقات إجتماعية، والى جانب كل
المعوقات أعلاه، فهناك معوقات مترسخة في الشخصية العراقية، وهي بلا شك،
مستّمدة من طبيعة الشخصية العربية والإسلامية على مّر العصور، وهي: –
1. الشخصية الإستحواذية-الإقصائية، أي إن كل جماعة تريد الإستحواذ لذاتها، وإقصاء غيرها. وهذا هو سرّ عدم الاتفاق فيما بينهم.
2. الشخصية التسلطية، والتي يريد كل شخص فيها أن يطبق فلسفته الخاصة، وأن يتحكّم هو وحده، على طريقة (أعطني الإمارة ولو على حجارة).
3.
الطبيعة القبلية للشخصية العراقية، والتي ترى إن قبيلتها أو عشيرتها على
حق دوما، لأنها الحاضنة التي تحميها وتدافع عن حقوقها. وهذا ما يعرف عند
العرب (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).
لذا فقد رأينا عدد من الوزراء
ونواب البرلمان يعرضون خصوماتهم على عشائرهم، في الوقت الذي يجلسون تحت قبة
البرلمان لتشريع القوانين. ولم يسأل أحد منهم نفسه، هذا السؤال: ما الجدوى
إذا من تشريع القوانين، إذا كان أعضاء البرلمان والوزراء يحلّون خلافاتهم
في مجالس عشائرهم؟
4. تعدد الولاءات وتغييرها: فالشخصية الإسلامية قد
مارست منذ البداية هذا الأمر بعد ظهور مسألة البيعة، وإعتادت على تغيير
ولاءاتها الشخصية وفقا لمصالحها الشخصية، ورضوخا للقوة. وتعتبر حادثة مقتل
الحسين المعروفة، خير مثال على ذلك. وهذا ما جعل جماعات المعارضة تفتقد
لرجال مبادئ يصرّون على إنتزاع حقوقهم على طريقة ميرابو، خطيب الثورة
الفرنسية الذي قال عند محاصرة تجمعهم في ملعب التنس بالقرب من القصر، وقال
لمبعوث الملك: ” قل لسيدك لن نبرح هذا المكان الا على اسنة الرماح”.
وقد
أشار القران الكريم الى أصحاب المبادئ، بقوله: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ
نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. سورة
الأحزاب، الآية 23.
5. إنكار الحقوق: إن أكبر إعاقة لأي تغيير في العراق
والمجتمعات العربية يكمن في مسألة انتهاك الحقوق. وق أشار القرآن الكريم
الى ذلك بقوله: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ
لِلْحَقِّ كَارِهُونَ. وهذا موضوع كبير بحد ذاته، ويصعب حلّه، فقد إعتادت
المجتمعات العربية أن تؤجل إيفاء الحقوق الى يوم القيامة. وهذا يعود
للطبيعة العربية النهّابة والوهّابة. لذا فإنها لم تكلّف نفسها عناء
الحساب، بل تركته ليوم الحساب. وهذا ما يدفع الناس للتردد في أي تغيير،
لإنه لن يعطيهم حقوقهم. ويلتحق بالتغيير فقط الطامحون المندفعون نحو القفز
وإنتزاع الغنائم، أو ما أصبح يعرف عراقياً ب (الفرهود).
6. الطيبة
العراقية: فالعراقيون في عمومه شعب مؤمن وطيب وخلوق ويخشى الله، وهو ما
يعرقل أي حركة تغيير أو ثورة. وقد إعتاد العراقيون على المسامحة والغفران
حتى لأولئك الذين أذاقوهم سوء العذاب، وإمهاله ليوم الحساب كما أسلفنا. لذا
فقد كانت فلسفة التغيير تظهر من الجماعات الضعيفة كالأقليات.
وقد
أجاد الصحفي والكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل عندما وصف الوضع
الحالي بقوله: ان العراق اليوم اضحى عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من
اللصوص ليست لهم علاقة لا بالسياسة ولا بحكم ولا بإدارة الدولة! واضاف هيكل
في حوار موسع ان العراق كان تركيبة جديدة وان القوى التي انشأته لم تعد
تهتم به وتركته لأهله الذين يرغبون بالتماسك الداخلي فيه. ونحن نقول ان
الشرفاء هم وحدهم من ينقذ العراق مما هو فيه من حالة ضياع وتشظٍ وهم كثر ان
شاء الله وسوف يتصدرون المشهد السياسي عاجلاً أم آجلاً.
واخيرا، ان
الثورة لا تتضمن تحريضا بل هي تصحيح لمسارات خاطئة لإعادة الامور لنصابها،
وإرجاع القطار على السكّة، بعد خروجه عنها، ومهما سار فلن يزيد ذلك الأمور
إلا سوءا. واليوم تبرز الحاجة لإصلاح الأذهان قبل إصلاح الأوطان. فالتخلف
آفة المجتمعات، ويجب توعية الناس على ما هو صحيح، فمهما ساد الخطأ زمنا
طويلا، فلن يصحّ الا الصحيح.
د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
15 مارس 2017
المصادر
1. الصحوة (مليشيا)، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
2. الاحتجاجات العراقية 2013، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
3. الأحزاب السياسية في العراق، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
4. خارطة القوى السياسية في العراق، موقع قناة الجزيرة، في 7/4/2005.
5. العراق.. دور السنة بالعملية السياسية وخلافات الشيعة، موقع قناة الجزيرة، في17/4/2016.
6. د. رياض السندي، الاعتصام في العراق-وجهة نظر قانونية-، موقع الحوار المتمدن في 18/3/2016.