علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (4)

بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (4)

01 /02 / 2017
http://nala4u.com

(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشورعنوان ورمزأرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بها الحجارة والآثاروفن العمران والكتابات المكتشفة على أرضه.والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذاالموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشورفخروكنز وزينة يملىء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة).
العلوم الطبية, والعقاقير,الداية, المستشفيات والمعاقين !
أن تاريخ علم معالجة الأمراض مرّ بطرق متعرجة بدءاً من كتابة و قراءة الطلاسم,التعاويذ وطرد الأرواح الشريرة والسحر.إلى غاية الوصول إلى البحث الواقعي عن الأسباب الحقيقية للمرض وإنهاء العاقبة واستخدام طرق العلاج المهني العلمي.واعتبر حتى زمن قريب بأن هيبوقراطس من جزيرة كوس الأغريقية أب علم الطب (القرن الخامس قبل الميلاد).ولكن في عهده لم يعرف أحداً لا في أثينا ولا في روما أنه بين الدجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين كان علم الطب متطوراً أكثر منذ ألفين عام قبل ذلك التاريخ.
وحتى بعد تلك الحقبة من التاريخ لم يساعد أب التاريخ هيرودوتس (حرب اليونان- الفرس) على الفهم الحقيقي للعلوم الطبية. وذلك بناء على أساس المعلومات الخاطئة لمرافقيه, حيث أعطيت صورة غير صحيحة عن أساليب العناية بالمرضى والمعالجة البابلية، وفي أحسن الأحوال كانت استنتجاته قائمة على أوضاع الريف.وأغلب التقدير كانت هذه الطرق سائدة ربما في المناطق الريفية النائية، كانوا يجلبون المرضى إلى ساحة السوق, وبما أنه لا يوجد طبيب. كانوا يأخذون بنصائح المارة الذين أصابهم المرض قبل ذلك،وحول طريقة العلاج هذه يذكرالكتاب المقدس كيف كان السيد المسيح يعالج المرضى أثناء تنقله من مكان إلى مكان قبل آلفي عام. ولكن في المدن الكبرى في بلاد ما بين النهرين كان يوجد أطباء بمختلف الاختصاصات.وأن كتب هيبوقراطيس تقبل اليوم بتحفظ شديد جدا ، بينما كتابة اللوحات المسمارية نعرف بدقة طرق العلاج التي كان يختارها الطبيب ووصفة الدواء.كما نعرف اسم الطبيب السومري الذي مارس مهنة الطب في أورفي عام 2700 قبل الميلاد وكان يدعى لولو، وطبيب آخر من نيبور آواخر الألف الثالث قبل الميلاد مجهول الاسم واشتهر بوصفاته الطبية، ونلاحظ في كتبه لا يوجد أي دليل على استخدام التعويذة والسحر وإلى ذلك من طرق الشعوذة.
أن الختم الاسطواني الذي عثر عليه لأبن الطبيب غوديا- نينغيرسو أور وعليه الكتابة التالية (للآله أدين – موغ- نائب الآله جير الذي يساعد المرأة التي تضع مولودها ، خادمك الطبيب لوغال أدينار- أور). وهذه الطريقة بالطبع كانت لغاية الدعاية الذاتية كطبيب موجود تحت الحماية الإلهية، وعلى الختم الاسطواني صورة الإله وأوسمته, والتي اعتقد خاطئاً في البداية بأنها أدوات طبية.
ومن بين الكثير من بقايا الأختام نذكر ختم الطبيب ماكور- مردوخ الآشوري.حيث نجد على الختم الدعاء الإلزامي للآلهة, إضافة لذلك نقرأ ختم الطبيب ماكور- مردوخ ابن الطبيب سين- أشاريد ومن هذا يتضح بأن المهنة كانت وراثية.
والطبيب الآشوري نابولياو الذي اشتهر بفضل كتابه. وكانت أبحاثه وأعماله تعتمد على العناصر العلمية, لحد كبير وهي مشابهة لدرجة كبيرة لكتب العلاج بالأعشاب الطبيعية الطبية المعروفة اليوم.كان الكتاب مقسم إلى ثلاثة عواميد في العامود الأول اسم الأعشاب الطبية المقترحة ,والعامود الثاني اسم الداء, والعامود الثالث طريقة تجهيز الدواء واستعماله.
اسم الطبيب باللغة الأكادية” آسو” (السومرية أ- زو) “عارف الماء”(عالم الماء)وكان يسمى أحيانا “عارف الزيت”(عالم الزيت) ” ايا- زو”.وكان يعبر عن كلمة او مفهوم علم الطب ب” اسوتو” وأحياناً استعمل كلمة علم الطب بمعنى” أزو- غالوتو” ومن المأرجح كان استخدام الكلمة في مصطلح التخصص في علم الطب,وكان يسمى في آشور ب”هيئة الأطباء العليا” .
أخصائيي علم الأشوريات وبالأجماع الكامل أقروا بهذه المصطلحات الطبية ولذلك أخذ عنهم معنى كلمة عارف الماء( عالم الماء).وفي إطار نشرهم للمعلومات المتوفرة بناء على المكتشفات الأثرية ومنهم كورت بولاك في كتابه (علم طب الحضارات القديمة),حيث يعد علم الأشوريات من العلوم حديثة العهد وهو في تطور مستمر وما يظن بان البارحة كان صائباً قد يكون غير صالح للغد او قد يعزز بالمزيد من المعلومات، ولذلك صنفوا كلمة” آسو ” بين الكلمات التي تحتاج إلى تثبيت أصلها وكان أحد المصادر الهامة هو قاموس شيكاغو الآشوري.
الكلمة لا تعني أو ترمز لشخص الذي يعرف الماء أو عارف الماء
(Not to be interpreted as one, who knows the water)
ويتضح أن رمز كلمة يعرف كتبت بشكل آخر وليس كما كان متعارف عليه حسب العادة.ولذلك نجد اللغويين يميلون في الوقت الحاضر لتفسير كلمة “آسو”( بالكاتب المختص بالعلاج ) أي تصنيف الطبيب بين الحرفيين.
وهذا المعنى يتناسب بشكل أفضل مع مصادر الكلمة المكونة من المصدر الأصلي حيث يوجد في كتاب شريعة حمورابي تذكير لكلمة ” آسو- البيم , وآسو أماريم” أي (طبيب البقر , و طبيب الحمار- الطبيب البيطري). وكان الأطباء يشكلون جمعية, فئة مميزة مثل الحرفيين وكانوا يسمون” آسوتو”ويترأس هذه الجمعية المسؤول الكبير وكان يدعى ” رابي آسو ” أي معلم الأطباء.( رابي= معلم ,آسو= طبيب).
وكان الأطباء أسوتا ببقية الأشخاص الذين كانوا يشغلون مناصب عليا يقومون بقسم الخدمة, وكان القسم يحدث أمام رجال الدين.وكان يحضر حفل التخرج ممثل البلاط الملكي كما يؤكد على ذلك رسالة رئيس كهنة معبد العاصمة المرسلة لـ أشور بانيبال يبلغه (إلى الملك,إلى سيدي – خادمك عشتار- سوم-إيريس. أحييك سيدي الملك! ليبارك نابو ومردوخ المللك, سيدي .القاطنين في المدينة من كتاب – ومنجمين- أطباء- موظفي القصر- منجمي الطيور مجبرين بوضع القسم في السادس عشر من شهر نيسانو (نيسان) إذاً يجب إنهاء القسم غدا.ً
كما يذكر كورت بولاك في كتابه لا نعرف كلمات القسم لأطباء بلاد ما بين النهرين. ولا نعلم ما إن اقسموا بأنهم سيمارسون مهنتهم بأفضل معارفهم وقدراتهم كما هو الحال في قسم هيبوقراطس. ولكن نعلم بأنه كان لهم آلهة تحميهم ومن بينهم الإله ” غولا” أو باسم آخر (السيدة التي تمنح الحياة للموتى), كان رمزها الكلب كما لدى اليونان اسكليبوس. زوجها الآله نينورتا لم يكن آله الحرب فقط ولكن منقذ البشرية من الكوارث والأمراض. واعتبر نيناسو ابن ارشكيغال آلهة العالم السفلي والترجمة الحرفية (السيد الدكتور) وحفيدها نينغيزيد (سيد الشجرالحقيقي) وحتى يومنا هذا هو رمزعلم الطب والصيدلة الأفعى الملتوية على العصا.واعتقدوا بان الأفعى كما ورد التأكيد في ملحمة جلجامش كلما غيرت الأفعى جلدها تجدد شبابها باستمرار.كانت الأفعى في مدينة دير تسمى نيراح (كممثلة للإله ساتاران) وكانت خنثا (ذكر- أنثى) وقدروها كسيدة الحياة او سيد الحياة.
قوانين حمورابي سوية أوضاع الأطباء والبيطريين فقط. ويورد ذكر غلابو بوصمة العبيد ويخصونه بالأعمال طبابة الأسنان أيضا.ً
ولم يذكر المنجمين- وطاردي الأرواح الشريرة وقراء التعاويذ الذين كانوا تابعين لرجال المعابد وانخرطوا بمعالجة المرض بطريقة السحر.
وسبب استثناء حمورابي لهؤلاء باعتباره من المتنورين في شؤون الإدارة والعدالة لم يتحدث حول رجال الدين وهذا هو سبب استثنائهم من قوانينه.
حمورابي حدد رواتب الأطباء في حالات إنقاذ حياة المريض بعملية جراحية صعبة أو بصره وجبر الكسور ومعالجة العضلات الممزقة. وبنفس الوقت يوضح مسؤولياتهم إذا أرتكبوا أخطاء طبية في معالجة المريض وسببوا حالة الوفاة أو فقدان البصر.وفي هذه الحالة كان يعوض المريض بمبلغ من المال, وكان مقدار التعويض وتحمل المسؤولية هو بحسب المكانة الأجتماعية للفرد.
كان الطبيب ملتزم بتعليمات محددة بالدرجة الأولى تتعلق بطقوس ممارسة المهنة,تسمى هذه الاجراءات في وقتنا الحاضربالقوانين الرسمية في مزاولة علاج المرضى.وكانت هذه الطقوس مرتبطة بالاعتقادات السائدة,والتي تؤثر ليس على طبيعة عمل الطبيب. وإنما الغاية كانت في المقام الأول تجنب العلاج في الأيام غير المناسبة, يوم غير محظوظ ( يوم مشؤوم أو يوم النحس أو يوم سوء) باللغة الأكادية” ليم نو” . وفي أشور كان اليوم السابع وخلال الشهر يعد اليوم السابع والرابع عشر والحادي والعشرون والثامن والعشرون وما يسمى بدل اليوم الضائع (يوم التاسع عشر من الشهر الذي كان يحسب على أساس 7*7=49 محسوباً على الشهر السابق ثلاثين يوماً وكان يحدد على هذا الأساس). في هذه الأيام المذكورة “راعي الشعب” أي الملك لم يأكل الخبز واللحم المجهز المشوي على فحم الخشب, لم يغير ملابسه، ولم يلبس ملابس جديدة، لم يقدم الذبائح, لم يجلس في العربة, لم يصدر الأوامر, المنجمين لا ينجمون في أماكن مغلقة, والأطباء لا يعالجون المرضى.
والقرارات الأخرى تتعلق بوظائف ومهام الوقاية من الأمراض والإجراءات اللازمة اتخاذها. لم تكن الأمراض الوبائية ظاهرة استثنائية كما يتضح من تقرير طبيب الصحة العامة كيبري- داغان وحاكم مدينة تيرقا إلى ملك ماري زيمريليم.
((لسيدي اقول – بهذا يخبرك خادمك كيبري- داغان) داغان وأكروب إيل الآلهة بخير, مدينة تيرقا وضواحيها بخير, في مناطق كول حيتيم مدّ الإله يده على الأبقار والناس, يومياً يموت 2-3 أشخاص)
وكان الملك يطلب تقارير مستمرة عن الوضع الصحي للسكان بعد الحملات العسكرية.
“ما يخص الأمراض المعدية التي طلب سيدي تقريراً بشأنها ظهرت أمراض معدية في توتول ولكن الوفيات قليل، أما في دونوم توفي أكثر من عشرون شخصاً خلال يومين. الناس غادروا المدينة, وذهبوا إلى القرى,العدوى لم تصل إلى المناطق المحيطة بـ مويان ومانوحاتان ودونوم, المرض المعدي في دونوم فقط، مدينة ماري ومحيطها لم يصبها العدوى).
إن الإجراءات الوقائية القديمة المتخذة ضد الأمراض المعدية تعتبر من الطرق الحديثة. وكانت درجة الجاهزية عالية إذا وجب الحذروالخوف من انتقال المرض المعدي إلى القصر الملكي.هكذا ينبه الملك عقيلته سيبتوم إلى الخطر المحدق (لقد سمعت أن نانامي وصيفة القصر قد أصيبت بمرض معدي وبالرغم من ذلك التقت مع العاملين في القصر واستقبلت زوار كثيرين في غرفها. اتخذي الإجراءات بأن لا يشرب أحداً من كوبها, وأن لا يجلس أحداً في كرسيها,وأن لا يضجع أحداً في سريرها, وأن لا تستقبل في القصر الضيوف، مرضها معدي).
كثيرة مثل هذه الإجراءات والمعطيات التي تؤكد ضرورة الالتزام بالقوانين الصحية وتنفيذها لضمان منع انتشار الأوبئة.
في الإمبراطورية الآشورية كان الأطباء العاملين في بلاط أشور بانيبال يشكلون الهيئة العليا للأطباء أو الغرفة العليا للأطباء توجيهاتهم وتعليماتهم كانت المقياس الذي يحدد على أساسها أطباء الإمبراطورية عملهم. نقرأ من بينها التالي (إذا كان الشخص يعاني من الاصفرار وجهه ورأسه وجسمه وعرق لسانه أسود الطبيب لا يستطيع فعل أي شيء المريض سوف يموت لن يشفى من مرضه).
إن طرق العلاج للمختص بالشعوذة التي كان يمارسها أشيبو او الكاهن المشهور والتي عثرعلى مسلسل من اربعين لوحة مكتوبة ,والتي بقي معلومات كثيرة حول طريقة عملهم.كان سكان بلاد ما بين النهرين يعتقدون أن منشأ الأمراض مصدره هو اسباب غيبية ما وراء الطبيعة.ويتضح من الألواح التي عثر عليها أن يد الألهة كانت تتدخل في أمور صحة الأنسان .ومن هذه الألواح نجد بعض الأمثلة ومنها:”إذا بقي المريض يصرخ رأسي ! رأسي ! فإنها يد الإله فلان .إذا بقي رأسه يؤلمه وبقيت الحمى تداهمه فإنها يد الإله عشتار.إذا كان صدغه يؤلمه ويبقى يصرخ و بطني بطني ! فإنها يد الروح.إذا تغير كلامه وبقيت الحمى تداهمه فإنها يد الإله نينورتا.وهناك الكثير مثل هذه الكتابات التي تدل على الطبيعة الإلهية في مسببات المرض ولذلك أحتاج مساعدة آشيبو ,الكاهن لتلاوة التعويذة. بينما لم يتوفر بهذا القدر معلومات كثيرة عن عمل وأساليب المعالجة للأطباء التي أختلفت كليا عن أساليب الشعوذة او السحر ,ولا نعرف الكثير على طرق إجراء الفحوصات الطبية للطبيب.
استخدم الأطباء طرق العلاج الطبيعي بشكل اساسي بما يتناسب مع المعارف الاختصاصية لذلك العصر, والمعرفة والأطلاع الواسع عن تركيب وطبيعة المواد الطبيعية التي كانت تستخدم في العلاج .أن العلاج بطرق إجراء العمليات الجراحية لم يستطع القيام بها قارئ التعاويذ وطارد الأرواح الشريرة.وبالطبع كان هناك فرق جوهري بين طريقة الأطباء وبين المشعوذين في معالجة الأمراض, وبالرغم من هذه الفروق نجد هدف مشترك بينهما ألا وهو معالجة المريض. وبالرغم من ذلك نعثر على حالات المزج بين الطريقتين لمعالجة المرض في آن واحدومنها مثلا: أن” آسو” يقدم طريقة علاج واقعية ويداوي بالعقاقير والضمادات لوقف نزيف الدم وهذا شيء علمي ولكن نجد في نفس الوقت ينصح بتلاوة تعويذة. بينما ال ” آشيبو” كان يلجأ إلى التعويذة مع استخدامه طرق علاج بالأدوية. ولذا نجد حتى الوصفات الطبية تستمد هيبتها من الهيبة الدينية. ويتبين ذلك من التذييلات الذي ألحقة” آشور بانيبال” ببعض النصوص الطبية التي ضمها إلى مكتبته المشهورة هذه (وصفات شافية , لكل شىء, من الرأس حتى أخمص القدمين,ومجموعة خارجة عن جملة الأشياء المعروفة,با عتبارها تتصل بوظيفة الإلهين , الطيبين العظيمين ” نينورتا ” و “غولا”.
ذكرنا بأن قوانين حمورابي تتطرق بشكل عام للعلاج وإجراء العملية بالسكين البرونزي (العمليات الصعبة إنقاذ العين جبر العظام المكسورة والعضلات الممزقة). ولا يمكن أن نتوقع من الناحية الطبية شرح واف وتفصيلي في بنود شريعة حمورابي ولكن نلاحظ على الألواح الطينية بعض التعليمات التي تستحق الانتباه.
“إذا كان في جمجمة المريض ورم مملوء بالماء…افتح, ونظف الجمجمة, وأبعد السائل, لكي تنهي العلة, افصل برأس السكين البرونزي.. إذا كان الورم قد اخترق النخاع العظمي، تخلص منه، ونظف العظم وأبعد الجزء المتهالك منه”.
ولوحة آشورية أخرى معطوبة بعض كلماتها غير واضحة تشرح طريقة إبعاد ورم الكبد، ينصح “بأستئصال القيح من الورم, وذلك بإجراء ثقب بين الضلع الثامن والتاسع, وإبعاد القيح”.وفي هذه الحالة كان لا بد من أدوات فعالة تستخدم لإزالة الخبث كما هو أيضا في حالة الورم في الجمجمة.
أننا تطرقنا إلى المعلومات التي تشير إلى إجراء عمليات تثقيب الجمجمة ومعالجة الداء. ويعتقد الكثيرون أن استخدام هذه الطريقة كان وارداً في العهود القديمة أيضاً. ويستنتج ذلك من شكل فتحة الجروح المنتظمة على الجماجم المكتشفة.ولكن بعض الأخصائيين يعتقدون أن هذه الجروح ناتجة من إصابات قتالية وليس نتيجة إجراء عمليات جراحية ويعتمدون على أقوالهم هذه على جماجم ثلاثة جنود آشوريين من حرس الجيش الآشوري, الذين قتلوا في القرن الثامن قبل الميلاد المكتشفة في لاحيش الفلسطينية.
حتى يومنا هذا يكتنف الغموض حول بعض العمليات الجراحية لعظم الجمجمةو عظم الصدغ (آكادي ,ناق قبتو). قانون حمورابي الفقرة 215 يتحدث عن عملية جراحية لإنقاذ العين ولكنه لا يتحدث عن أعراض المرض.
إن الطبيب ( ريني لابا) المختص بترجمة الكلمات الطبية الآشورية لا يعتقد بان تكون الجراح المبينة نتيجة إجراء عملية جراحية لإبعاد غشاء البياض من على العين. وإنما هذه الجروح نتيجة إبعاد الأورام الناتجة على عظم الحاجب ومثل هذا المرض ما زال يحدث في العراق ويسمى (التورم البغدادي). إذا أهمل المرض وترك القيح في الورم فإنه يعدي العين ويسبب العمى. كما أنه ينفي الاعتقاد السائد الأخر بأن العمليات كانت تجرى لتصحيح أوتار العين المنحرفة. يقرأ بولاك من كسرة لوح أشوري نصف جملة: “إذا غطى غشاء أبيض عين المريض، بالسكين البرونزي..” وكسرة لوحة أخرى تخبرنا أكثربقليل” إذا ظهرغشاء أبيض شديد,على عين شخص ما, والذي بعد زواله يعود كما كان…”
مراراً ما يكون لنا مماسك على النصوص القانونية الواقعية الجافة ولكن كم من المعطيات (المعلومات) المثيرة تقدمها لنا عن الحياة الاجتماعية في بيت بلاد ما بين النهرين. نعلم من احد العقود المبرمة التي تجري حول تبني طفل عمره سنتين.كان قد فتح عينه على نور العالم عن طريق عملية قيصرية، وكان هذا بتاريخ السنة الثالثة والعشرون من حكم حمورابي.
ويضيف أن المولود المأخوذ من رحم أمه أن والدته تحتضر أو أنها قد توفيت. لم يجروا العمليات الجراحية للأجهزة الداخلية ولم يقوموا بتشريح الجثث لمعتقدات دينية التي كانت تمنع تشريح الجسم وهذا كان عائقاً لمعرفة تركيب الجسم بشكل جيد.على سبيل المثال لم يكن يعرفوا الطحال،المثانة،الأعصاب، الأوعية الدموية، الغضاريف. كان اهتمامهم موجهاً (للكبد- المرارة) التي يحصلون عليها من الحيوانات المقدمة كذبيحة ويفحصونها وعملوا مجسمات للكبد وبقي بعضاً منها وكان المنجمون يستعملونها لمعرفة الغيب.
عثر على كثير من الكتابات حول أمراض الكبد وأعراضه ” أذا أكل شخص ما خبز, وشرب البيرة, وشبع ولم تهضم معدته الأكل, ويحس بالحرقة ,في أحشائه وبطنه يقرقر,يكون مصاب بمرض مو- شي- قي- نيم . وهذا التشخيص للمرض لم يكن الطبيب قد حدده, وإنما قارئ التعويذة الذي كتب عن أعراض مرض الكبد ووصف له الدواء اللازم المحضر في المقام الأول من النباتات الطبية وخاصة فصيلة الصنوبريات دائمة الخضرة.
وخلط أنواع مختلفة من التوابل مع النبيذ وكان على المريض ان يشربها في الفجر الباكر(والمعدة خاوية) وبعد ذلك يتنبأ بأن كان المريض سيشفى.
الهدف المشترك للطبيب والساحر معالجة المريض ولكن طرق العلاج اختلفت ولم تتشابه، الطبيب يشخص حالة المريض على أساس الأعراض الظاهرة ويطبق أساليب العلاج التي أعطت نتائج جيدة، ولكن الساحر كان يعتقد بان أسباب المرض هو القوى الغيبية ما فوق الطبيعة والأرواح الشريرة.وكان يستعمل الطلاسم وقراءة التعويذة لطرد الأرواح الشريرة ويستخدم أحياناً طرق العلاج بالنباتات الطبية.
والفرق بين طريقتي العلاج والتشابه يوضحها الكتاب الأكادي للأطباء الذي يصف الأمراض والتشخيص والتوقعات كما يصفها الطبيب-“يني لابا”. تتكون من خمسة سلاسل مرقمة مرفقة بفهرس معلوماتي تتألف من مجموعة أربعين لوحة. تحوي إرشادات صحية والتي بجوهرها لم تختلف من القرن الثامن حتى القرن الخامس قبل الميلاد. وليس مستحيلاً أن تكون أصل الفترة هذه تمتد حتى عهد كاشو أو أكثر إلى عهد حمورابي.
اللوحان الوحان الأول والثاني ذو طبيعة سحرية نورد بعض كلماتها مختصراً “عندما يتقدم طارد الأرواح الشريرة إلى بيت المريض…وباب البيت يبدأ يقرقع حيث المريض المضجع …المريض سيموت…وإذا التقى طارد الأرواح الشريرة بكلب أسود, أو خنزير رضيع، المريض سيموت.. إذا سقطت أفعى على سرير المريض سيشفى. إذا شوهد عقرب على الحائط المقابل لوجه المريض سيتركه المرض”….
من اللوحة الثالثة حتى الخامسة والثلاثين لا يذكر طرق العلاج السحرية. ولكنها تشخيص واقعي للمرض ولحالة المريض “إذا كان المريض يعاني من آلام في الرأس والرقبة والظهر والعضلات يكون قد أرهق نفسه”.
ولكننا نعلم في كثير من الحالات أن المرض هو نتيجة ملامسة الآلهة أو مصيبة من الآلهة. ولكنه بالرغم من ذلك انه مدهش يستحق الانتباه وصف أعراض بعض الأمراض (كتاب الصحة)حيث أنه يمس جوهر المسائل الطبية والطبيب, كـ أعراض المرض أو تشخيص المرض، علم المرض، وصف حالة المريض ,والحالة المرتقبة وحقاً أعد هذا تطوراً مذهلاً في علم الطب. أن الاستنتاج التالي يكشف عن الخبرة العالية التي كانت بحوزتهم “إذا ظهر على جسم المريض بقع حمراء، وكان جسمه أسود، إذاً المريض حصل على هذا المرض بعد الجماع مع امرأة غريبة حينما تلامسه يد الإله سين سيشفى من المريض”.
إن قراءة التعاويذ على رأس المريض كان لها تأثير نفسي، الشخص المريض كان يعتبر قارئ التعاويذ رجل دين ويملك سلطة ويخلصه من الأرواح الشريرة التي هي سبب مرضه.
“أنا القارئ, رئيس كهنة آيا..، عندما أدخل عتبة بيت المريض, شماش أمامي، وسين خلفي، ونرجال على يميني، ونينورتا على يساري .عندما اقترب من المريض حينما أضع يدي على رأسه لتكن النيات الحسنة الشافية و المحافظة,و لتكن الأرواح الخيرة الحامية حاضرة معي ,لتكن ! الطالح أوتوكو والشرير ألو…، المرض والموت…، المصير الطالح , من تكن, أرحل عني!- أخرج من هذا البيت!. أنا القارئ آيا انشر كلماتي المقروءة فوق المرض… أرحل عني! أطاردك في السماء أطاردك في الأرض! لا تقترب من هذا الشخص… لا ترجع إليه”!
“أنا طارد الأرواح الشريرة، المنتصر على الأرض ! أنا القارئ, الذي يتجول في جميع أنحاء المدينة… عندما أكون عند المريض, الذي غزاه نامتار, وأستولا عليه أساكو- عندما اقتربت من المريض, لأشاهده لأفحص عروقه، وعضلاته وجسمه…، عندما آواسي المريض, عندما ألمس وجه المريض…، عندما ابدأ بقراءة كلمات إريدو, لتأتي الأرواح الصالحة، لتأتي الأرواح النية الحسنة المحافظة, ليكن الاثنين هنا، آوسمة أيا هنا موجودة في يدي, شوم سلاح آنو العظيم هنا في يدي.هنا في يدي غصن النخيل ذو القوة العظيمة”
امسك بيدي اليمنى الغراب، مبعوث الآلهة…، وامسك بيدي اليسرى الصقر هذا الطائر النادر، ضد نياتك الشريرة، ولبست القفطان الأحمر المرعب. وعلقت على الباب فأر, وعلى العود وضعت غصن القبار وضربتك بالسوط, مثلما يضرب صوف الغنم……
وإذا تصورنا إلى جانب الكلمات المستخدمة,مظهر المشعوذ طارد الأرواح الشريرة في شكله غير المألوف, حليق الرأس والوجه, والقفطان الإحمر المهيب, حينها لا نستغرب بأن ممارسة هذه الطقوس يمكن أن تكون مؤثرة على حالة المريض إيجاباً. أما أسلوب الطبيب آسو اختلف كثيرا, والغير مريح في بعض الأحيان مثل وضع الشخص المريض مرتفع الحرارة في بخار الماء الساخن جداً, وبهذه الطريقة كان يخفض درجة الحرارة المريض.
العقاقير الطبية
للعلاج علاقة وثيقة بالعقاقير، التي لها تقاليد قديمة جداً تمتد من آواخر الألف لثالث قبل الميلاد كما تشهد على ذلك قائمة العقاقير السومرية.
الأثاريين الاميركان اكتشفوها في نيبور ومحفوظة في مستودع متحف جامعة فيلادلفيا. إن حجم اللوحة 16*9.5سم للوهلة الأولى لا تجذب النظر (لا تلفت الانتباه) وعلاوة على ذلك الجزء الأمامي معطب.
المحاولات الأولى لترجمة اللوحة باءت بالفشل ليس فقط بسبب تشوهها وإنما بسبب المصطلحات الغير مفهومة. ولكن الجهد الحثيث المستمر الذي أبداه السيد س.ن- كرامر استطاع أخيراً فك أسرار رموز اللوحة. وبهذا الصدد يقول السيد كرامر التالي:
(عندما أصبحت مجموعة الألواح لمتحف الجامعة في عهدتي,لأحافظ عليها،تكراراً كنت أذهب إلى ذلك المخزن الذي وضع فيه الوحة الطبية. وكنت أخذها بيدي والقي عليها نظرة، وكانت تدفعني الرغبة للبدء بترجمتها.ولكن في كل مرة كنت أعيد اللوحة إلى مكانها، وانتظرت اللحظة المناسبة. في صباح أحد أيام السبت ربيع عام 1953 دخل إلى غرفة عملي رجل شاب، عرف على نفسه بأنه مارتن ليفي- كيميائي من فيلادلفيا، كان قد حصل على درجة دكتوراه في العلوم الطبيعية.
وشرع يسألني ألا أعرف شيء عن الألواح السومرية لكي استخدمها في أبحاثي العلمية تاريخ العلوم الطبيعية. كانت هذه فرصتي السانحة!
وذهبت إلى المستودع ورفعت اللوحة من مكانها، ولكن في هذه المرة لم أعدها إلى مكانها حتى أن انتهيت من الترجمة الأولية لها.وعملنا أسابيع كثيرة مع ليفي لمعرفة الكلمات، واقتصر جهدنا في المقام الأول على قراءة الرموز السومرية ومفاهيم التركيب القواعدي.بعد ذلك بفضل ليفيوفي ضوء معرفته بالطرق التكنولوجيا والكيمائية القديمة استطاع إحياء أول كتاب للبشرية للوصفات الطبية لأجزائه المفهومة.
كتاب الوصفات الطبية الجزء الأكبر منه يحتوي على أكثر من خمسة وعشرون وصفة طبية- لها علاقة بعلم النبات. ومن بين النباتات المذكورة- القصب,الشعير,الزعتر,ترمس,آس,كاسيا,ومن بين الأشجار يورد اسماء بعض الأنواع مثل النخيل,العرموط,التين,الشوح ,الصفصاف. وقد استخدمت لمعالجة أمراض مختلفة بأخذ بعض الأجزاء منها مثل ,اللحاء أو الجذور ويقومون بطحنها وتجفيفها, وكانت تحفظ كما يحدث اليوم أما بشكل مسحوق بودرة أو بشكل سائل,عصارة النباتات للشرب.لقد قدم الباحث (ر.تومبسون )في “قاموس النبات الآشوري ” )R.C.Thompson,Dictionary of Assyrian)
خدمة رائعة لتحديد نوع النباتات المذكورة لدى الآشوريين وأي الأنوع المؤثرة على المرض وقارن أسماءها بالأسماء المستعملة في لغات الشرق الأدنى, وحتى بعض الأسماء المستعملة نجدها في اللغة الأنكليزية .مثال على ذلك نبات أطلق عليه “لسان الكلب” وكان يستخدم لعلاج السعال واليرقان وذات الأسم لنبات في أنكلترى “لسان الكلب”وكانت وقد استخدموا المنتجات الحيوانية مثل الحليب وغيره كما استعملوا ايضا أجزاء من أعضاء الحيوانات في المعالجة مثل – جلد الأفعى, درع السلحفاة, السرطان,الحلزون,العظاية (سحلية),الدم…الخ
ومن بين الأملاح المعدنية التي أدخلت في العلاج ،كلوريدالصوديوم, ونترات البوتاسيوم وكان يستخدم الأول كمطهر والثاني مهدئ للألم كما هو مذكور في كتاب الوصفات الطبية.
وكانت تجهز العقاقير بطحنها على شكل مسحوق وتذاب في المحلول الملائم وتضاف إليها مواد مختلفة أخرى وبعد تصفيتها كانت تمزج المقادير مع بعضها البعض. “اطحن الطمي جيداً، واعجنه بالماء والعسل وصفي عبر هذه العجينة او الخلطة زيت البحر وزيت الأرزالساخن”.
وصفة أخرى تكتب” يجفف التفاح ثم يكسر إلى قطع صغيرة جداً ويخلط مع جذر الخمان ويضاف إلى العجة, البيرة ويسقى للمريض”.وكانت العقاقير الطبية توضع على الجسم وتثبت بالضماد أو شرب المحاليل أو عن طريق الحقن في مختلف فتحات الجسم , حقن شرجية, او نفخ الدواء في أنف المريض, أو أذنه بواسطة نوع خاص من القصب أو إلى قضيب الرجل عبر انبوبة دقيقة من البرونز او القصدير..
وفي كتاب الوصفات الطبية في الجزء التالي منه لا يوجد ذكر في أي حالة مرضية تستخدم الوصفة، وربما كان الذكر على القسم المشوه من اللوحة أو على سلسلة ألواح أخرى.أو يعتقد بان تكون هذه لوحة تمارين لأحد طلاب مدرسة نيبور
الداية أو القابلة
من بين الناس المعنيين بصحة الإنسان لن نترك أن يمر الحديث بدون ذكر القابلة التي كان لها دورهام في هذا المجال، والتي كانت تدعى باللغة السومرية “شا زو” أو (عارفة رحم الأم) وسميت باللغة الأكادية” شاب سوتوم”..
كما نعرف من ملحمة أتراحاسيس الحامية القديمة لهذه المهنة الآلهة الحكيمة مامي ( داية الآلهة) التي ساعدة عند خلق الإنسان.
في كتاب الأحرف الأبجدية السومرية- الأكادية توجد مصطلحات سومرية” شا زو” ويذكرما يناسبه بالأكادية ليس فقط” شاب سوتوم”بل أيضاً “جلابوم” أي الحلاق إذ كان من وظائف القابلة تجهيزالمرأة الحاملة للولادة بحلاقة الشعرفي المناطق السفلى.
كان كثير من أعمال القابلة ذو طبيعة سحرية، كان يوضع على جسم المرأة التي تضع مولودها (عشب الولادة) أو (حجر الولادة) وكان يوضع في تجويف الحجرالمحفور حصوة صغيرة رمز للرحم.
وكانت تقرأ التعاويذ لأبعاد “لاماستوم” جالب النحس والخطر.وكانت الداية تدهن جسم المرأة بزيت مخلط مع تراب مطحون, بودرة لتسريع الولادة.
والكتاب المذكور أعلاه يناقش ظروف الولادة. (إذا كانت جبين المرأة الحاملة مصفر,المولود,الذي تحمله, ولد.. .إما إذا كان جبينها ابيض مبهر ستضع بنت – ستكون غنية إذا كانت الطفلة المولودة مسودة- ستعيش بالسلام, إذا كان الطفل المولود محمر- سوف يموت…
كان الأطباء يعملون في مجال توليد النساء كما يشهد على ذلك الختم الاسطواني لـ أور- لوجال- ادينا من أور.ولكن العناية بالنساء اللاواتي وضعن حملهن,كانت من وظائف القابلات, التي كانت موضع تقدير المجتمع. واعتبرت مهنتهم لحد ما ذو طابع رسمي هناك محضر جلسة المحكمة من سامسو- ألونا-كوري جدل حول تأكيد شخصية الأب.
إن محضر الجلسة يصف تفاصيل الحدث حيث استدعت أم الرجل المتوفى القابلة كشاهدة إلى المحكمة التي ساعدت كنتها أثناء ولادة حفيدها، وأن شهادة القابلة الذي أبدته منع عم الطفل من أن يحرمه من ورثة أبيه.
إن قرارات البلاط للملوك الأشوريين يذكر القابلات مع كاهنات المعابد ” قاديشتوم”اللاواتي كن يسكن معهن في مبنى خاص بهن. وعلى الأغلب كانت ال ” قاديشتوم” بمثابة المربية, وقوانين حمورابي رتب وضعها الاجتماعي.
المستشفيات ودور المعاقين
لم يكن في بلاد ما بين النهرين مستشفيات بالمعنى الحقيقي للكلمة, التي نعلمها الآن، ولكن البناء الذي كان المرضى يرقدون فيه كان مميزاً من الخارج عن غيره من الأبنية.
كان المدخل معبد بالإسفلت مطلي بالجبس، وتضع أمام البناء تماثيل ودمى الآلهة وتعلق الطلاسم وتحت عتبة البناء طمروا الذبائح. وبجانب سرير المريض بخور مطيب وشعلة ويعلق رأس الذبيحة، قانون حمورابي (148) ينص أن الرجل الذي يطلق زوجته بسبب مرضها المزمن عليه أن يوفر لها المأوى حتى نهاية حياتها.
لم يشيدوا أبنية خاصة للمعاقين إذ كانوا يفرقون بين الأمراض العقلية المؤقتة وبين الدائمة وبين الساقطين او الفاسقين اجتماعياً.
واستخدموا المعاقين عقلياً أحيانا في بعض الطقوس السائدة في البلاد ليقوموا بدور الملك في حال حدوث كسوف القمر.” في آغادا في حال حدوث كسوف القمر ,كان يجلسون معاق عقليا على العرش الملكي، لكي لا تشكل الأيام الغير المناسبة خطراً على الملك”.
الأشخاص المصابين بانفصام الشخصية كانوا تمارس عليهم بعض الطقوس كقراءة التعاويذ والتنجيم، ويذكر الكتاب مثال:”إذا بقي شخص لفترة طويلة مريضاً ويتحدث بدون وعي ويتخيل خروف- سيبقى مريضاً وسيموت…إذا بقي شخص فترة طويلة مريضاً، ويتحدث بدون وعي ويتخيل غزاله، المريض سيشفى”.
إن التفكير الواقعي في العهود القديمة تناقض, أصطدم مع طروحات الفكر الخيالي الميتافيزقي في كثير من مجالات الحياة وأن هذه التناقضات لم تؤدي إلى أزمة حادة كما الحال في مجال العلوم الطبية ، حيث كان المحافظة على صحة الإنسان وحياته الهدف، كانوا يقدمون الضحى المفروضة للقوى الغيبية ما فوق الطبيعة وممارسة بعض الطقوسالسحرية للآلهة, وبنفس الوقت كانوا يجاهدون ضد أسباب العلة الواقعية للمرض.وشارك في هذا الصراع العنيد الطبيب السومري “آسو” والكيمائي والصيدلاني معا.ً
وفي نفس الوقت نجد كأنما من يمارسون قراءة التعاويذ السحرة كهنة الدين, هم أيضاً كانوا يشكّون بأن سبب المرض هو الأرواح الشريرة. وأن الآلهة لهم أصبع في المرض، إن ضرورات الحياة استوجبت او فرضت عليهم اللجوء إلى وسائل عملية تلبي الحاجة والتي أثبتتها الحياة بنفسها.
أن أهتمام أبناء الأمبراطورية الآشورية بشتى أنواع العلوم لم تتوقف وحتى بعد سقوط بابل ونينوى. حيث نجد بعد ذلك بعصور طويلة كان أبناء هذه الحضارة العريقة يقفون في هرم نشر المعارف والعلوم في كافة مجالات الحياة. وقد حافظت مركز علمية وفلسفية وتعليمية على مكانتها لعهود طويلة في جنديسابور,أورهوي (الرها) , ونصيبين,وحران, وبصرى, والحيرة, ونينوى, وآميد وغيرها من المراكز الهامة.وكان في هذه المراكز العلمية علماء جبابرة رفعوا راية العلوم الطبية والفلسفية من أجل خدمة الإنسانية عاليا ومنهم على سبيل المثال: جورجيوس بن جبرائيل,بختيشوع بن جورجيوس,جبرائيل بن بختيشوع, سرجيس الرأسعيني (ريش عينا) , بختيشوع بن جبرائيل ,يوحنا بن ماسوية, عيسى الرقي,ثابت بن قره الحراني, وسنان بن ثابت قره ,حنين بن إسحق,و إسحق بن حنين ,وغيرهم.
31-01-2017

المصادر:

1-J. Klima , Mezopotamia,1976
2 – J.M. Aynard , DADT II, 806
3- S.N. Kramer , Historie… , 127
4 – C.J. Gadd , Teacher and students in oldst schools ,1956
5 – Campbell – Thompson , A Dictionary of Assyrian Chemistry and Geology m 1936
6 – M. Levey Chemistry and Chemical Technology in Ancient Mesopotamia,1959
7 –G.Contenau ,La medeciene en Assyrie et en Babylonie 1938
8 – R.Cambell-Thompson,Assyrian Medical Text, 44N: 1-2R.Labat
9 – M. Weitemeyer , Archive and Library Techniqe in Ancient Mesopotamia .1956
10 – F.Köcher, Die babylonisch-assyrische Medizin in Texten und untersuchungen,22
11 – W. von Soden , Herrscher im Alten Orient , 1954
12 – J. Bottero , DADT I
13 – W . Eckschmitt , pamet nardu ( Nepek emlekezete) 1974
14 – E. Weidner , AFO , 16 , 1951
15 – A. Falkenstein , Die Sumerian King List , 1957
16- B.Meissner , Babylonisch –Assyrsche literatur , 1928
17 – H.W.F.Saggs ,Evryday life in Babylonia and Assyria, 1965
18 – A. Parrot , Assur
19- هنري ساغس ,جبروت آشور الذي كان , ترجمة الدكتور آحو يوسف
20- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=543669

د.جميل حنا

للمزيد; انقر على الروابط ادناه

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.