بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (2) المدارس
21 /12 / 2016
http://nala4u.com
(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمزأرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بها الحجارة والآثار وفن العمران والكتابات المكتشفة على أرضه.والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذا الموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشور فخروكنز وزينة مملوء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة)
في هذا البحث أقدم جزء آخر من كتاب ” ميسوبوتاميا” للمستشرق (جوزيف كليما) المختص في حضارات الشرق,وله العديد من المؤلفات عن حضارة بلاد ما بين النهرين. وكما ذكرت في الجزء الأول بأن هذا البحث هو نتاج ترجمة بتصرف وكذلك مع إضافات أخرى يعتمد على مصادر علمية وأجتهادات شخصية.
وفي هذا الجزء سأتنال وضع المدارس في بلاد ما بين النهرين, وأنظمة التدريس وأهمية التعليم في المجتمع منذ أكتشاف الكتابة.
لقد لعبت المدارس دوراً تنويرياً هاماً في المجتمع, وساهمت في تنظيم الحياة الاجتماعية,برفدها كافة قطاعات الحياة بأفراد مؤهلين. بدأً من البلاط الملكي والمعابد ومؤسسات الدولة والحياة الاقتصادية والزراعية ,ومسك الحسابات والسجلات. وكذلك بالكوادر اللازمة ليشرفوا على إدارة شؤون الدولة وإلى جانب ذلك نشر المعرفة والثقافة العامة.
وكافة الملوك المتنورين قد تعلموا على يد الكتاب في المدارس .ولذا كان دور المتعلمين في المدارس يؤهلهم لتبوء مراكز هامة في الحياة العامة.والمعابد كان لها دور أساسي في هذا الحقل من أجل تأمين ممارسة الطقوس الدينية. وكان لا بد من يخدم في الهيكل عليه أن يكون قد حصل على تعليم من مستوى رفيع.
والتعليم كان له وظيفة مزدوجة في المجتمع,وظيفة دينية ووظيفة دنيوية يخدم تطور المجتمع وإدارته في مختلف مجالات الحياة ونشر المعرفة وكافة أنواع العلوم.
منذ القدم أدرك القادة المتنورين للحضارات القديمة الناشئة على ضفاف الأنهر بأن ( المدرسة هي أساس الحياة)
وفي بلاد ما بين النهرين قدر السومريون أهمية المدرسة والتعلم ونشر الثقافة في سومر حسب الأفكار السائدة في تلك العصور)
ولذا نرى بعض الكتابات التي تم أكتشافها ويعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة ألاف عام قبل الميلاد تأكد على معرفة الكتابة, حيث نجد أمثال شائعة في المجتمع مثل:
(معرفة الكتابة، أم الخطباء وأب القادة المثقفين)
(ما هذا الكاتب الذي لا يتقن اللغة السومرية)
نشأت المدارس الأولى في ما بلاد ما بين النهرين بعد تكون كتابة اللغة.وكانت تسمى المدارس عادة (إ – دوب – با) أي بيت اللوح والمدير (أوميا) وكان يدير شؤون المدرسة، وجميع المدرسين ومسئولي الصفوف ومساعدي المدرسين وممثلي المدرسة والطلاب يمتثلون لأوامره.وفي المعاهد العليا كان الأساتذة(البروفسور حسب المصطلح الحديث) يدرسون الطلبة حسب أختصاصهم ولذا نجد استخدام أسماء بعض مواد التدريس قديماً منها مثلاً:
الرياضيات كان يسمى(دوبسار نيسيد)، والهندسة والرسم (دوبسار أساغا) ومدرس اللغة (دوبسار جنجيرا). وكان يعمل في المدرسة شخص بمنصب سكرتيرالمدرسة وكانت مهمته المحافظة على النظام ويحق له معاقبة الطلاب.
لم يكن الذهاب إلى المدرسة والتعلم متاح أمام كل فرد وذلك بسبب الإنتماء الطبقي الذي كان قائماً في المجتمع. وتميزت معاملة أبناء الفئات الدنيا (الفقيرة) في المدارس أو قبولهم فيها ببعض الأذى والتمييز الطبقي. وكان التحصيل العلمي والثقافي بالدرجة الأولى في متناول أبناء العائلات الميسورة فقط. وكانت نسبة الفتيات اللواتي يحصلن على التعليم قليلاً. وكان عدد العبيد الحاصلين على التعليم في المدارس قليلاً جداً.وهذا يلاحظ من الاستهجان التالي الذي تدواله البعض آنذاك:
(أحقاً هذا العبد تعلم اللغة السومرية)
وعلى الأغلب كان السيد يرسل عبيده إلى المدرسة ليتعلموا إحدى المهن وخاصة إدارة الأعمال الزراعية والمحاسبة.
ومن ناحية أخرى نجد نصيحة أب آشوري لأبنه (تعلم ما تقوله ألواح المدرسة, باحترام الآلهة يمنحون نياتهم الحسنة, وبتقديم الذبائح يطول العمر). ومن هذا نستنتج بأن الثقة كانت عالية بالمدارس وبما تقدمه من معارف متنوعة.
ومن أكتشاف قوائم الكتاب ودراستها يتضح من أسماء أبائهم ونشاطاتهم، بأن غالبية الآباء كانوا موظفون يشغلون مناصب رفيعة في البلاط الملكي أو المعابد ودوائر الوزارات أو ممثلي المدينة
ومن خلال الاكتشافات الأثرية نتعرف على التجهيزات المدرسية وأثاثها.
حيث كان الطلاب يجلسون على مقاعد مبنية من الطين.وكانت الكتب المدرسية والدفاتر ألواح طينية ثقيلة.عندما كان الطالب يخطأ بالكتابة يبلل أصبعه بالريق ويمسح الخطأ.الطالب كان يكتب على إحدى وجوه اللوح ويكرر كتابتها مرات عدة.و كانت الألواح المليئة بالأخطاء تلقى في سلة المهملات المصنوعة أيضاً من الطين. وبقي الكثير منها حتى يومنا هذا، والكثير من هذه الألواح التالفة أثارت حفيظة الباحثين طويلاً، إلى أن استنتجوا بأنها عينات ألواح إملاء مملوءة بالأخطاء.
ونتعرف كذلك على نماذج بعض الأسئلة الموجهة للطلاب في الامتحانات النهائية. وكان على الطالب إعطاء الجواب الصحيح مثال على ذلك:
هل تستطيع أن تترجم الكلمات السومرية إذا كانت فوق والأكادية إذا كانت تحت ؟أو بالعكس الكلمات الأكادية فوق ومن أسفل السومرية؟
ومثال آخر: يختبر معرفة الطالب ما إذا كان يعرف أن يفرق بين كلام الصايغ والبناء والراعي والقبطان وما هي مميزات حديثهم؟
نشأت في معابد بلاد ما بين النهرين مستويات راقية من التعليم في المعاهد العالية وذلك بتقديم صنوف المعرفة وإعداد الأخصائيين.
كما الحال في أديرة القرون الوسطى وكان أسلافهم يدرسون الجبر والهندسة والشريعة والعلوم الطبيعية علم الطب والصيدلة وعلم الفلك ودراسة اللغة وعلم اللاهوت.
كان يجب على طلاب المعاهد العليا للمعابد أن يحصلواعلى تجارب غنية, وأن يملكوا المعارف الدينية الكافية لممارسة الطقوس الدينية وخاصة تعليمات طقس تقديم الذبيحة ومهنة التنبؤ والشعوذة وأسرار السحر وقراءة التعاويذ وطرد الأرواح الشرير.
وكان للكهنة في بابل أبنية بجانب المعابد يسكنون فيها مع الطلبة حيث كانت تسمى (بيث مومي) “بيت العلوم والفن”
كان الطلاب يتدربون على علم النحت وترميم تماثيل الآلهة ولكنهم كانوا ايضا يقضون أوقاتاً طويلة بالكتابة والقراءة.
الغالبية من هؤلاء(مجهولي الأسماء) تركوا أعمال رائعة خلفهم في الآداب الجميلة.
ويعود الفضل لهم بتسجيل أحداث العصر وتقديم الكثير من المواد الحسية التي تساعد في بحث تلك الحقبة من التاريخ.ومثال على ذلك فهرس الكتب وبيانات وقوائم الملوك والحكام وكبار الموظفين وكتابة التاريخ والملاحم وعلم الفلك وقوائم الملوك وطقوس العبادة وأعمال كتابية أخرى كثيرة. وهؤلاء لم يتركوا خلفهم فقط آداب جميلة بل وضعوا الخطوات والمحاولات الآولى بترسيخ علوم الآداب التي كانت تعكس روح ذلك العصر.
والتعليم في آشور يعكس من خلال ما أكتشف في مكتبة آشوربانيبال حيث نجد الملك العظيم يمتدح دور المدرسة وكيف تعلم القراءة والكتابة حيث يقول ” قرأت النصوص المعقدة باللغة السومرية المبهمة وباللغة الأكادية الصعبة الوضوح, بحثت في الكتابات المسمارية على أحجارما قبل زمن الطوفان ” وكيف تعلم أتقان مهنة النسخ والحكمة حيث يقول أنه ” تعلم حكمة نابو وأتقن فن النسخ تماماً ومعارف كل الخبراء, وتعلم الرماية بالقوس وركوب الخيل والعربات وكذلك الامساك بزمام الخيل” ومن هذا يتضح لنا بأن التعليم كان ركنا أساسيا في بناء الدولة وتنظيم شؤونها.
التعليم في مدارس بلاد ما بين النهرين ترك لنا أرثا حضاريا عالميا .حيث ورث للإنسانية كمية هائلة من النصوص المعرفية في مختلف مجالات الحياة العملية والفلسفية ,الأساطير والملاحم ,أدب الحكمة,الطقوس الدينية,علم الفلك والتنجيم,سجلات الملوك,سجلات الغلال ,الشرائع والقوانين, المراسلات,الطب,الزراعة,والبيئة ألخ
وقد سار أبناء حضارة بلاد ما بين النهرين على ذات النهج والتمسك بالمدارس والتعلم وجعلها منبرا للتنوير, ونشر المدنية حتى بعد سقوط نينوى وبابل. وقد استطاع أبناء حضارة الأمبراطورية الآشورية في العصور الوسطى من بناء أعرق الجامعات في نصيبين وأورهوي (الرها) وكانت قلاع لمختلف العلوم ونشر المعرفة والفلسفة الروحية وعلم اللاهوت والطب والهندسة وترجمة الكتب من وإلى اللغة اليونانية القديمة.وبعد الغزوات الإسلامية لبلاد ما بين النهرين وبلاد الشام بدأ دور المدارس ومن ثم الدور الثقافي لأبناء الأمبراطورية الآشورية يتناقص مع اشتداد ساعد العرب المسلمين وفرض الشرائع الأسلامية على أبناء المنطقة أصحاب الأرض الحقيقيين.ولذلك نجد في العهود اللاحقة التعلم يجري في نطاق ضيق ضمن أسوار الأديرة والكنائس ويقتصر على دراسة اللاهوت والطقوس الكنسية.وقد تعرض هذا الشعب إلى أبشع مجازر الإبادة العرقية الدينية والقومية على يد كل القوى الغازية وخاصة الغزوات الاسلامية والمغولية والتترية والعثمانية والفارسية والكردية, ومنذ منتصف ستينات القرن الماضي على يد القوى العروبية الأسلامية المتعصبة.وللبحث صلة
2016- 12-21
د.جميل حنا