بقلم شذى توما مرقوس
كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 22 )
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل )
27 / 09 / 2016
http://nala4u.com
كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 22 )
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إِعْداد وتَقْديم : شذى توما مرقوس
الخميس 1 / 5 / 2014 ــ والعَمَل مُسْتَمِّر
طَابِع المَوْضُوع :
بِطاقَة
تَعْرِيفِيَّة بِكُتَّاب وكاتِباتِ القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة
جِدَّاً ، والفنُون المَسْرَحِيَّة ، وأَدب الطِفْل مِنْ الوَسَطِ
المَسِيحيّ العِراقيّ .
عزِيزَاتي ، أَعِزَّائي مِنْ القَارِئاتِ والقُرَّاء ، أَتَوقَّفُ اليَوْم مَعكُنَّ / معكُم هُنا لِنَقْرأَ في عطاءاتِ الكاتِب سدير بطرس ساكو ، مَعَ تَمنّياتي لَهُ بِالمزِيدِ مِنْها وأَكْثَر .
كُلّ الشُكْر لِلمُتَابِعاتِ والمُتَابِعين .
د ــ كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً والفنُون المَسْرَحِيَّة وأَدب الطِفْل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( سدير بطرس ساكو )
مِنْ بَلْدَة القُوش ، مَوالِيد 13 / 7 / 1975 م ، يُقِيمُ في الولاياتِ المُتَحِّدَة الأَمْرِيكيَّة ، يَكْتُبُ الشِعْر ، القِصَّة القَصِيرَة ، المَسْرَحِيَّة والرِوايَة .
بَدَأَ في سِنٍّ مُبَكِّرَة بِكتَابَةِ الخَواطِر والتَأَمُّلات والَّتِي قَادَتْهُ في النِهايَة لِمُمارَسَةِ فَنِّ الرِوايَة فكتَبَ رِوايتَهُ الأُولَى ( عاصِفَةُ القَدَر ) في سِنِّ السَادِسَةِ عشَر عام 1991 م ، ثُمَّ أَعادَ كِتابَتَها بَعْدَ هِجْرَتَهُ لِلولايَات المُتَحِّدَة الأَمْرِيكيَّة عام 2004 م ، وقَامَ بِإِصْدارِها عام 2005 م ، صَدَرَتْ الرِوايَة عَنْ دارِ فينوس لِلطِبَاعةِ والنَشْر في سان دياكو بِكاليفورنيا ، عَدَدُ الصَفَحَات : 204 صَفْحَة ، حَجْمُ الوَرَقِ المُسْتَعْمَل : 19.5 × 13.5 سم ، نَوْعِيَّة الوَرَقِ : سَمِيك ، مُصَمِّم الغِلاف : الرَسَّام مؤيد شليمون ، الرِوايَة صَدَرَتْ بِاللُغَةِ العَرَبِيَّة .
مِنْ قِصَصِهِ القَصِيرَة /
1 ــ الطِفْل وصَحْن العَجُوز ( عام 2004 م ) / أًوَّل قِصَّة قَصِيرَة كتَبَها .
2 ــ أَمامَ عرْشِ الحيَاة ( عام 2004 م ) .
3 ــ وِداعاً يا سَواحِل الوَحْدَة ( عام 2005 م ) .
4 ــ أَنْشُودَةُ النَّحْلَة ( عام 2006 م ) .
5 ــ نَشِيدُ المَطَر ( عام 2006 م ) .
6 ــ نَشِيدُ الحُزْن ( عام 2006 م ) .
7 ــ نَشِيدُ الشِتاء ( عام 2006 م ) .
8 ــ نَشِيدُ الخَرِيف ( عام 2006 م ) .
9 ــ وعادَ الطَيْر لِعِشِّهِ ( عام 2007 م ) .
10 ــ أَحْلام في الأَرْضِ البَعِيدَة ( عام 2011 م ) .
لَهُ قِصَص قَصِيرَة بِالانْكلِيزِيَّة ، مِنْها /
1 . People forget the Hero .
2 . King of the River .
3 . Snowy Night .
4 . I am the Wind .
5 . Farwell shores of loneliness .
وتَرْجَمَة
العنَاوين على التَوالي : نَسِيَ النَّاسُ البَطل ، مَلِكُ النَهر ،
لَيْلَة مُثْلِجَة ، أَنا هو الرِيح ، وِداعاً يا سَواحِل الوَحْدَة .
والقِصَّة الأَخِيرَة بِتَسَلْسُلِ خَمْسَة كتَبَها بِالعَرَبِيَّة أَوَّلاً ثُمَّ تَرْجَمَها لِلانْكلِيزِيَّة .
لاقَتْ قِصَّةٌ ( الطِفْل وصَحْن العَجُوز ) إِقْبَالاً عالِياً عِنْدَ القُرَّاء دَفَعَ الكاتِب إِلى إِعادَةِ إِنْتَاجها ــ نَصَّ وسِيناريو ــ على شَكْلِ مَسْرَحِيَّة عام 2010 م ، بِاللُغَةِ ( الكِلْدانِيَّة / السرْيانِيَّة ) بِعُنْوان ( صَحْنَة دسَاوا ــ صَحْن العَجُوز ) وأَخْرَجَها عادل يلدكو ، وتَمَّ عَرْضَها على خَشَبَةِ مَسْرَح ( كوياماكا كولج ) في وِلايَةِ كاليفورنيا في عام 2010 م لِمَرَّتينِ مُتَتالِيتينِ .
مَسْرَحِيَّة ( الطِفْل وصَحْن العَجُوز ) ، مَسْرَحِيَّة فُكاهِيَّة هادِفَة ، فيها يَقْرأُ الجَمْهُور دَرْسَاً مِنْ درُوسِ الحيَاة ، حَيْثُ إِهْمَال الوالِدين في شَيْخُوخَتِهِما ، والَّتِي تُعدُّ عَمَلاً لا إِنْسَانِيَّاً ، لا يُعاقَبُ مَنْ يَرْتَكِبهُ قَانُونِيَّاً ، لكِنَّ لِلحيَاة أَوْزانها فتُكِيلُ لِمَنْ أًهْمَلَ والدِيهِ بِذاتِ الكيْل ( بِالكيْلِ الَّذِي تُكِيلُ بِهِ لِلآخَرِين ، يُكالُ لكَ بِهِ ) كعُرْفٍ لَها .
أَيْضاً
لَهُ عَمَل أُوبْراليّ ( كنِيسَة فَوْقَ الجلجثَة ) مِنْ تَأْلِيفِهِ
بِاللُغَةِ الكِلْدانِيَّة / السرْيانِيَّة ، وهو العَمَل الأُوبْراليّ
الأَوَّل المُشْتَرَك بَيْنَ الثَقَافَتينِ الأَمْرِيكِيَّة والكلْدانِيَّة
، تَمَّ عَرْضَه في سَان دياكو ، وشَارَكَ في هذا العَمَل الكبِير أَكْثَر
مِنْ ثَمانِين شَخْصاً ، مِنْ بَيْنَهُم فُرْقَة كروسمانت الاوركسترا
السِمْفونِيَّة الأَمْرِيكيَّة مَعَ مَجْمُوعَة مِنْ العازِفين على الآلات
الشَرْقِيَّة ، ونُخْبَة مِنْ المُرَنِّمين ، بِقِيادَةِ المايسترو الدكتور
راندل تويد ، إِضافَةً إِلى مَجْمُوعَةِ المُمَثِّلين ، وعُرِضَ أَيْضاً
على خَشَبَةِ مَسْرَحِ كوياماكا كولوج في وِلايَةِ كاليفورنيا عام 2012 م .
قَامَ بالتَأْلِيفِ المُوسِيقِيّ : لؤي يوسف ، وأَخْرَجَ هذَا العَمَل : عادل يلدكو .
ويَسْتَذْكِرُ هذَا العَمَل الأُوبْراليّ حادِثَة سَيَدةِ النَجَاة ، حَيْثُ ذَهَبَ ضَحِيَّة تِلكَ المَجْزَرَةِ الوَحْشِيَّة الإِرْهابِيَّة ، والَّتِي قَامَ بِها تَنْظِيم الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّة ( داعش ) ، الكثِير مِنْ النِسَاءِ والرِجالِ والأَطْفَالِ والشِيُوخ ، وأَيْضاً الآبَاء الكهَنَة ( الأَب وسيم والأَب ثائر ) ، في قداسِ الأَحَد بِتَأْرِيخ 31 / 10 / 2010 م ، السَاعة الخَامِسَة والنِصْف عَصْرَاً ، في كاتِدْرائيَّة سَيَدةِ النَجَاةِ لِلسرْيَان الكاثوليك بِالكرادَة في بَغْداد .
حازَ على شَهادَة تَقْدِيرِيَّة عَنْ عَرْض ( كنِيسَة فَوْقَ الجلجثَة ) مِنْ جَمْعِيَّة مار ميخا الخَيْرِيَّة ، في 20 كانُون الثَاني عام 2012 م .
لَهُ نَشَاطات أُخْرَى كثِيرَة في مَجَالاتٍ أُخْرَى مِنْها /
ــ العَزْف على آلةِ السَازِ التُرْكِيَّة .
ــ
كما إِنَّهُ كتَبَ الكثِير مِن الأَغاني بِاللُغَةِ الكِلْدانِيَّة /
السرْيانِيَّة لِلفَنانِين والفَنانات وصُوِّرَتْ العدِيد مِنْها .
بَعْضٌ مِنْ المَجَلاتِ الَّتِي نَشَرَتْ قِصَصِهِ /
مَجَلَّة
أُور في كاليفورنيا ، مَجَلَّة فينوس في كاليفورنيا ، مَجَلَّة
السُنْبُلَة في وِلايَةِ مشيغان ، مَجَلَّة بيثا كلدايا في سان دياكو ،
مَجَلَّةِ سَوْرا في سان دياكو .
المَصَادِر /
( 1 )
الكاتِب سدير ساكو
مَعَ جزِيل الشُكْر لِتَعاونِهِ .
( 2 )
مَوْقِع القُوش نت
www.alqosh.net
( 3 )
غوغل
( 4 )
مَوْضُوع : كنِيسَة فَوْقَ الجلجثَة …. اسْتِذْكار لِسَيدَةِ النَجَاة .
الكاتِب : ريان نكارا ــ سَان دييكو .
مَوْقِع نادِي بابِل الكِلدانِيّ في النَرْويج .
في 4 يناير 2012 م .
////////////////
أحلام في الأرض البعيدة
ــ قصة قصيرة ــ
بقلم : سدير ساكو
اقترب
المساء يجمع بقايا الشفق المتعلقة بأذيال السحب الصغيرة ، وسكنت الأجواء
من أغاني العصافير بعد أن راودت أَعشاشها ، ولبست السماء ثوب الليل المنقوش
بتطريزة النجوم ، واشعلت مصباح القمر الخافت واستراحت تراقب من فوق أحلام
المساكين ، وتصغي لأحاديث العشاق والأحبة ، ومن بينهم ( ألبير وريما )
الجالسان في بيتهما الصغير ينظران من النافذة لأشكال النجوم ويشاطران
أحاديث اليوم وأماني الغد البسيطة ، وفي حضن ريما كانت الطفلة التي أهدتها
السماء قبل أربعة أشهر ترضع مستأمنة بصوت والديها .
هكذا
مرّت الأيام مفعمة بالحب والسرور ، في النهار كان ألبير يفلحُ أرضاً صغيرة
تدُّر قوت العائلة ، تعينهُ فيها زوجتهُ ، وفي المساء كانا يجلسان قرب
الدار مُمتعين أنظارهم بسحر السهول المنبسطة وصوت خرير الجدول القريب في
ليالي الصيف الدافئة ، وفي الشتاء حول المدخنة يتسامران حتى يغلبهم النعاس
ولا يقلق نومهم الهادئ إلا أنامل الفجر الجميلة لاستقبال يوم جديد .
بدأت الأحلام تكبر وتتعالى ، ولم يعد البيت الصغير والأرض
البسيطة تسعهما ، وفي أحد الأيام جاءت ريما كالعادة تجلب طعام الغداء وعلى
ظهرها طفلتها ، وبعد أن فرشت الأرض وأراحت الطفلة تحت ظلِّ شجرة ، جلسا
بجانبها ليتناولا وجبة الغداء ، فقالت ريما حين رأت الشرود في وجه ألبير :
ـــ ما بالك يا حبيبي أراكَ مهموماً اليوم .
فالتفت إلى الطفلة وقال :
ــ
كلما نظرتُ إلى اينجي ، أحسستُ بأن عليّ أن أفكر في طريقة ما أو عمل آخر
يدرُّ مالاً كافياً أستطيعُ فيه أن أضمن لها مستقبلاً جيداً ، بغض النظر
عما نحن بحاجة إليه الآن .
ــ أنتَ على حق يا ألبير ، فأنا أيضاً
أتمنى أن أشتري لها كل شيء وكل ما تطلبهُ حين تكبر ، وأن نستطيع أن نعيش
في بيت جديد وأكبر من هذا البيت ، وربَّما أقرب إلى المدينة .
ــ
وأنتِ أيضاً يا عزيزتي ، أود أن أحقق لك كل ما تحلمين به ، حتى سيارة جديدة
مثلما فعل الكثير من رجال القرية .
ـــ ولكن كيف تستطيع فعل ذلك يا ألبير .
ــ
لقد فكرتُ كثيراً يا ريما ، ولم أجد غير الحل الذي سلكهُ الكثيرون ونجحوا
وتحسنت أحوالهم ، وها هم اليوم يعيشون برفاهية ، بل يُعدُّون من الأغنياء
.
ــ وما هو يا ألبير؟
وبعد لحظة صمت نظر ألبير إلى السهول المترامية أمامه ، وقال :
ــ أن أسافر .
كان
هول الكلمة صاعقاً في مسمع ريما حتى أوقع من يدها قطعة الخبز ، وكأنَّ
المستقبل قد تجلى أمامها ورأت طريق الآلام حيث لم تفكر ولو للحظة إنها
تستطيع أن تعيش بعيدة عن ألبير ، فقالت بحنق :
ــ إلى أين تسافر يا ألبير ، وماذا نفعل نحن هنا .
فقال وهو يُهدِّئ من روعها :
ــ
إلى حيث يسافرالآلاف من الناس للعمل ، وتبقين أنتِ قريبة من أهلكِ ،
وتفعلين مثلما تفعل الكثير من النساء اللواتي يسافر أزواجهن ، أعمل أنا
هناك وأجمع المال وأبعث لك ، وأنتِ هنا تبدأين بتحقيق أحلامنا ، أجل يا
حبيبتي نبني بيتاً كبيراً نملؤهُ بالأثاث الجديدة الجميلة ، وتبتاعين أنتِ
كل ما تحلمين بهِ من ملابس وحلى ، حتى سيارة خاصة تنقلنا أينما رغبنا ،
ولإبنتنا نخصص غرفة جميلة مليئة بالدمى والألعاب ، وتوفرين مالاً كافياً
لأعود وأبدأ عملاً جيداً يدرُّ لنا أرباحاً وافرة ، دون أن أعرق وأتسخ
بالتراب كل يوم ، كمحل الانترنيت مثلاً ، يقولون إنهُ مربح جداً ، ونستطيع
من خلاله أن نضمن مستقبلنا ومستقبل أولادنا .
ثم أكمل حين رأى
الحيرة والقلق يغطيان ملامحها كما تغطي السحب الكالحة صفو السماء :
ـــ ألم تخبريني بنفسك أكثر من مرَّة إن هذا ما فعلتهُ الكثيرات من
صديقاتكِ مع أزواجهن ، وهم الآن ميسورون يمرحون بالمال ، أليس هذا صحيحاً ؟
ثم ألسنا نفعل هذا ونفكر في التضحية من أجل اينجي وأولادنا في المستقبل ؟
سادَ الصمت ، وبدا كل منهما على حِدة في صراع بين
الأحلام الجميلة وآلام الفراق التي تنتظرهما لتحقيق هذهِ الطموحات والرغبات
التي لا حدود تحدها ، كالصراع القائم بين شهوات الجسد وتأنيب الضمير ،
وانتصرت الرغبات والمغريات لأنها احكم بخفايا ضعف الإنسان وميوله ، وجاءت
تلك الساعة التي مزَّقت قلبيهما بسيف الفراق ، ففرَّت الراحة والسعادة
والطمأنينة حين وجدوا الحب جريحاً ، وجاءَ القلق والحزن والألم وأصبحوا
لكليهما رفاقاً …. وضع حقيبتهُ على الأرض واقترب يمسحُ دموعها المريرة
وعيناهُ مغرورقتان ، ثم احتضنها بقوة وهي تحمل ابنتهما ليُهدِّئ من حزنها ،
وهمسَ في أذنها بصوتٍ مرتجف :
ــ ريما ، ريما حبيبتي ،
تشجعي إنها مجرد سنتين وسأعود ، مجرد سنتين ونحقق كل شيء ، أرجوكِ كفى
إنكِ تمزقين أحشائي .
وانطلق وهو يشعر
وكأنهُ محكوم ينتظرهُ سجانهُ ، هكذا أصبحت ريما بالرغم من قربها من أهلها
وصديقاتها تشعر بوحدة قاتلة تجلس الليالي وحيدة تغالب دموعها كالأرملة التي
سلبت الحرب بعلها ، وهي ترضع ابنتها قبل أن يحملها النعاس إلى عالم السكون
وفي ذهنها وتفكيرها لا يتردد غير شيء واحد وهو ، يا ترى أين أنتَ الآن يا
ألبير ، وماذا أنتَ فاعل ، ولِمَ لسنا معك ؟
كانت
الطريق شاقة وخطرة للوصول إلى تلك البلاد ، وبعد قرابة شهرين وصل ألبير
منهكاً من الخوف والتعب والحزن والقلق ، ورأى المدينة المتطورة ، وشاهد
أبنيتها الجذابة وأضوائها الخلابة ، وبهرجتها وشوارعها المزينة ، وحدائقها
المنسقة وكأنها عالم غير عالمهُ ، وانبهر بها وأحسَّ للحظة وكأنها مليئة
بالحياة لحركتها الدائمة وشوارعها المكتظة بالناس ، وتمنى لو استطاع أن
يجلب ريما واينجي ليعيشوا هنا جميعاً .
كانت البداية شاقة ومضنية حتى تعرف هناك على رجل مغترب
مثلهُ فعرض عليه أن يقيم معهُ في الغرفة التي يسكن ، ثم حالفهُ الحظ بعملٍ
كان مسروراً جداً به رغم مشقتهِ وقذارتهِ وساعاتهِ الطويلة والتي تبدأ مع
الفجر ولا تنتهي إلا بحلول الليل ، فقد كان يذهب كل يوم ويؤجر دراجة ذات
ثلاث عجلات تجرُّ خلفها عربة يملؤها بما تخلفهُ الشوارع من علب فارغة
وصناديق ورقية ومعدنية والعلب الزجاجية وغيرها ، ثم يأخذها إلى الشركات
التي تقوم بإعادة تصنيعها .
كانت الغرفة صغيرة جداً بالكاد
تتسع لسريرين ، وفي إحدى زواياها طاولة خشبية تحمل مشعل غازٍ صغير ذو عين
واحدة بجانبه سلة تحتوي بعض الصمون والملاعق وابريق الشاي تركت السنين عليه
حروقاً ، ومن السقف تدلى مصباح كهربائي مائل إلى الاصفرار ، أما فوق سرير
العم بشير فكانت صورة معلقة للقديس مار كوركيس وهو يحارب التنين وتحتها
صورتان إحداهما للسيد بشير مع أفراد عائلته ،والأخرى لإبنته الصغيرة في
سنتها الثالثة .
كان ألبير مسروراً للغاية حين قارن ما يحصَّله من نقود
مع أجرة العامل في بلدهِ ، وهكذا بدأ يجمع ويحلم بريما وهي تبدأ بمشاريع
المستقبل في قريتهِ متحمساً دائماً بما يحدثهُ العم بشير من نجاحات وتطورات
مادية في حياتهِ خلال السنوات العشرين من غربتهِ ، صحيح إن زيارته الأولى
كانت بعد ثمان سنين من غربتهِ ولكنه الآن قد حصل على الإقامة الدائمية ،
ومن خلالها يذهب لزيارةِ عائلتهِ كل سنتين تقريباً ، أما ألبير فقال لهُ
حين سمعهُ يتحدث عن سنين الفراق الطويلة :
ــ بالنسبة لي فقد جئتُ لأقضي هنا سنتين لا أكثر وأعود .
فضحك السيد بشير وقال :
ــ
سنتان ؟ أجل هكذا بدأنا جميعاً ، وسنة تجر سنة ، وها أنا الآن سأكمل
العشرين عاماً في هذهِ البلاد زرتُ فيها عائلتي حوالي خمس مرات ، وهذهِ
الزيارة ستكون السادسة على ما أظن .
ــ ولكن هذا عمرٌ بأكملهِ يا عم بشير !
ـــ
يا ابني سنتين لن تنفعك بشيء ، ولن تغير من حياتك ، بالكاد تستطيع أن تجمع
ما انفقتهُ للوصول إلى هنا ، وسوف ترى بأنك كلما بعثت بالمال وبنيت أو
اشتريت شيئاً هناك ، كلما زادت رغبتك في البقاء والحصول على المزيد ، أليست
هذهِ طبيعة الإنسان ؟
وكما يسطو الضباب على الوديان في ليالي الشتاء
هكذا داهمت الكآبة نفس ألبير حين سمع هذا واسترسل يفكر بريما وابنته ، حتى
قطع سلسلة أفكارهِ العم بشير وهو يكمل قائلاً :
ــ إني أنتظر
الأسبوع القادم بفارغ الصبر فشوقي لا يوصف لرؤية عائلتي ، وبالأخص إبنتي
الصغيرة التي تبلغ الآن الخامسة من العمر ، مع إني آسف لأني سأتركك وحيداً
لشهر كامل .
ــ لا بأس ، لا بأس يا عم بشير ، المهم أن تجتمع مع عائلتك .
بقي
ألبير وحيداً طوال المدة ، لا تفارق أفكاره رفيقة حياته وابنته والحزن
والكآبة يتسللان إلى قلبه كما يتسلل اللص إلى مكان الكنز في ساعات الظلام ،
لكنه كان يشجع نفسه دائماً بحديث العم بشير ونجاحاته فقد كان فقيراً جداً
حين قدم قبل عشرين عاماً ، وهو الآن يملك ما يُعدٌّ قصراً في قريتهِ ، وبيت
آخر مؤجر ، وأربعة محلات مؤجرة أيضاً ، وسيارة لكل من زوجته وابنه وابنتهِ
الكبيرة ، وهما الآن يدرسان في جامعاتٍ ممتازة ، وما زال يعمل ويكد ليحقق
طموحات أكثر .
عاد العم بشير وسعد ألبير لعودتهِ فالرفيق يخفف
وحدة الغربة القاتلة ، ولكن هذهِ المرة لم يكن العم بشير على عادتهِ ، فقد
غابت عن وجههِ الابتسامة وبدا بائساً حزيناً غاية الحزن منطوياً على نفسهِ
كالشجرة التي جفت الساقية المارة بجانبها ، وكلما حاول ألبير أن يعرف السبب
، لزم الصمت وأنكفأ جانباً .
في القرية الصغيرة كانت الأشهر
تمضي قدماً ، وفي إحدى الليالي التي نشر فيها القمر أشعتهُ الشفافة على
تلك التلال والسهول ، نظرت ريما من خلال النافذة ورأت أشباح الأشجار
المهملة في مزرعتهم المهجورة ، وتذكرت كم كانت تعشقُ الليالي القمرية وهي
مع ألبير يتسامران بهدوء وهما يحتسيان فنجان القهوة ، فداهمها الشوق بشدة
وأحست بوحدة قاسية كبدت أنفاسها فهرعت وأحضرت قلماً وورقة وجلست على
الطاولة ، وبعد أن أغمضت عينيها الدامعتين لبرهة والقلم يرتجف بين أصابعها
كتبت :
بأسم الآب والحب والحياة
حبيبي
ألبير ، أنا الآن جالسة في الغرفة الصغيرة عند النافذة أكتبُ لك على لهب
شمعة ، واينجي نائمة بهدوء في سريرها …. ألبير ، لا أُخبِئ عنك شيئاً ،
بل أخبرك بما في قلبي ، وليس بما في عيوني من دموع مريرة ، أني أرى نفسي
تذبل كتلك النباتات التي تركتها حتى يبست وخنقتها الأشواك ، كل شيء حولي
حزين يا ألبير ، البيت ، الحقل ، الناس ، الأشجار والطيور التي تُعشِّشُ
فيها ، حتى الجدول الجميل الذي كنا نزورهُ دائماً لم يعد جريانهُ ينعش نفسي
ولا خريرهُ يؤنسني بل يزيدني هماً ووحدة .
اينجي الآن تستطيع الوقوف والسير وهي تجوب
البيت والابتسامة تملأ وجهها الرائع والبراءة تنير ملامحها ، ولكن في
عينيها أرى حرمان لا يعوضه غير وجودك ….. ألبير أنا لم أعد أريد شيئاً ،
لا بيتاً ، ولا سيارة ، ولا مالاً وذهباً ، ولا شيء غير وجودك معنا فهذا هو
حلمي الجميل الآن الذي لن أقايضهُ بأي شيء .
لقد
تعلمنا منذ الصغر بأن الرجل يترك أباه وأمه ليتحد بإمرأته ، فكيف ينفصل
عنها من أجل مغريات الحياة .
أني أكتب إليك يا حبيبي وأناشدك بأن تعود إلينا
مُسرعاً ، إلى زوجتك وطفلتك وبيتك وحقلك ، ولا تدع الأيام تمر دون أن نشبع
أنظارنا منك ، فلا معنى للحياة ونحن في فراق اختارته لنا ميولنا ، تعال
لتطرد ظلمة نفسي ، وتملأ قلب اينجي فرحاً ، وتمسح الحزن من أيامنا وأيامك
فتعود لنا السعادة التي رحلت برحيلك ، تعال إلى حقلك وأرضك ولنعمل من جديد
معاً فتعود الحياة إليها وإلينا ، تعال يا ألبير فإني أسمع المحبة تنادينا
لتضمنا في أحضانِها .
ريما واينجي ينتظرانك بشوق عظيم
رفيقة حياتك ريما .
وذات
مساء بعد أن رجع ألبير والعم بشير من العمل ، أحضر ألبير الشاي ووضعه أمام
العم بشير وقال :
ــ لقد شعرتُ بوحدة كئيبة حقاً حين غادرت ، ولكني كنتُ سعيداً
من أجلك وأجل عائلتك ، فهذا ما أنا متعطش إليه لا غير .
فقال العم بشير بصوتٍ ضعيف :
ــ ليتني ما ذهبتُ ، إن ما كنتُ أشعرُ به قد تحقق .
ــ ما الذي حصل يا عم بشير ، أرجوك أخبرني .
ــ
أشعرُ إنني خسرتُ كل شيء ، خسِرتُ عائلتي ، خسرتُ حياتي وذهب تعبي وشقائي
سُدىً .
ــ ما الذي جرى يا عم بشير ، هل أصاب عائلتك مكروه لا سمح الله .
التفت
العم بشير إلى الصور المعلقة في الغرفة ، وقال وعيناه مغرورقتان بدموع
حارقة :
ــ لقد أحسستُ في السنوات الأخيرة إن الأشياء
بدأت تتغير ، أجل شعرتُ بأن زيارتي لم تعد تحمل إليهم لوعة اللقاء وحرقة
الفراق ، لم أعدْ أشعرُ في عائلتي بمثل الحنين الذي يغلي في قلبي ، لقد
ضحيتُ بشبابي ، وقاسيتُ الوحدة والفراق وعذاب الغربة ومذلتها من أجلهم ،
وجاء اليوم الذي يقولون لي فيه بأني لم أكنْ متواجداً معهم حين احتاجوا
إليّ .
ساد الصمت لحظة ، ورفع العم بشير يده يمسحُ دموعهُ ، وأكمل قائلاً بسخرية :
ــ
لقد قضيتُ مع ابنتي الكبيرة ثلاثة أيام فقط ، ثم قالت بأن عليها أن تلتحق
بالمدرسة الداخلية لتعوض بعض دروسها المتأخرة ، أما ابني البكر ، فقد اتصل
مرة وقال بأنه سوف يتأخر بضعة أيام لأنه ذاهب في رحلة جامعية مع رفاقهُ ،
وقبل أن تنتهي مدة زيارتي بيومين اتصل ثانية وأعتذر لأنه لن يستطيع الوصول
قبل رحيلي فقد مدَّد الرحلة لزيارة مناطق أخرى ، ولم يستطع مقاومة إلحاح
رفاقهِ في البقاء ، أما زوجتي فلم تشاركني الحديث إلا وكان جدالاً ونقاشاً
حاداً ، فهي تقول لي بعد كل هذهِ السنين وهذهِ التضحيات ، بأنها كانت تواجه
كل شيء لوحدها ، وإني لم أكنْ متواجداً لأشاركهم مسؤولياتهم .
وانقطع العم بشير، والتفت إلى ألبير وفي عينيه الغضب وأكمل بصوتٍ هائج قائلاً :
ــ
دون أن يلتفتوا لحظة ليروا أين كانوا ، وكيف أصبحوا الآن ، دون أن يفكروا
لدقيقة كيف يعيشون هذهِ الحياة الكريمة ، وكيف يتمتعون بما يملكون ، دون أن
يشعروا للحظة ما عانيتُ وقاسيتُ من أجل أن يصلوا لما هم عليه الآن .
هدأت ثورة العم بشير، والتقط صورة ابنتهِ الصغيرة المعلقة ، وقال
بصوتٍ هادئ وهو يرنو إليها :
ــ لقد كانت الوحيدة التي أحسستُ
بحبها ، صحيح إنها في الأيام الأولى أبت أن تأتي عندي ، فقد كانت نظراتها
إليّ كشخص غريب أسمه أبي قد جاء إلى البيت ، لكن بعدها كنتُ أقضي معظم
الوقت معها ، فقد بكت قبل أن أرحل ، وطلبت مني البقاء ، وقالت بأنها لا
تريد أية هدايا ، ولن تطلب سيارة حين تكبر بل تريدني أن أبقى معها إلى
الأبد ، لكني أخبرتها بأنها صغيرة ولا تدرك بأني الآن أغادر وأتغرب من
أجلها كي أضمن لها مستقبلاً آمناً وحياةً كريمة ، وأتمنى لو تتذكر ذلك حين
تكبر ، وليس مثل الباقين .
أخذ العم بشير نفساً عميقاً ، ثم استطرد وأنظارهُ شاردة :
ــ
كنتُ دوماً أقول إن يوم العودة قد أصبح قريباً لأرجع لبلدي وعائلتي ،
وأقضي ما تبقى من العمر معهم دون أن نقلق بشأن أمور الحياة ، ولكن الآن
أشعرُ بأن لا مكان لي هُناك ، أجل هنا سأعمل وأعيش وحيداً وأموتُ وأدفن في
بلاد الغربة .
ثم انكفأ برأسهِ مغطياً إياه بالصورة والغصات تخنقُ أنفاسهُ .
كان
ألبير يعاني الحزن نفسه ، فقد كان الفراق يمزقه ، وعذاب الحنين يطحنهُ ليس
لأنهُ فكَّرَ بأحاسيسهِ وغلبهُ الضعف ، بل بفكرهِ وقلبهِ علم بأن لا معنى
للحياة إن لم يشاركه فيها محبيهِ ، وها قد مضى عليهِ الآن ثمانية أشهر يعمل
فيها ويجمع ويرسل ما استطاع ، ولكن شبح الحزن كان يثقل كاهله ، وظلت كلمات
الطفلة التي سمعها من العم بشير تدوي في أعماقهِ ، فقال وفي صوتهِ دفء
المحبة :
ــ لِمَ لا تعود ياعم بشير ، لِمَ لا تعود من أجل طفلتك ؟
ــ ومنْ سيضمنُ لها مستقبلها ؟
ــ
كفاكَ من المستقبل ، أليس هذا هو المستقبل الذي تتحدثُ عنه الآن بدموعٍ
وأسى ، أي مستقبل هذا الذي فيه خسرت أجملَ ما في الحياة ، وما هو المستقبل
الذي ضمنته لهم ؟ … البيوت ، السيارت ، الملابس الفاخرة والحلي الثمينة
والجيوب الممتلئة بالمال ، وفي أي جزء من القلب تقبع هذهِ الأشياء ، وأية
محبة هي هذهِ التي تضحي بلحظات وأيام الحياة الخالدة من أجل هذهِ الزائلات
.
وحين نظر إليه بشير باستغراب ، استطرق ألبير بنبرة خفيفة قائلاً :
ــ
سامحني ياعم بشير إن كنتُ قد تطفلتُ على أمور حياتك ؛ لكني أشعرُ بحاجة
طفلتك لمحبتك ووجودك قربها .
ــ أعرف هذا لكننا لا نستطيع نكران الواقع ، الحياة
الآن مختلفة ، سيأتي يوم ستطلب فيه أشياء كثيرة وإن كنتُ جالساً بجانبها لن
استطيع تحقيقها لها ، هذا واقع الحياة ولا مفرَّ منهُ .
ــ ها هي الآن طفلتك
تطلبُ منك شيئاً رائعاً ، تطلب وجودك ، محبتك ، حنانك ، قربك ، فلِما لا
تُحققهُ لها ؟
ــ إنها الآن طفلة ولا تفهمُ الحياة ومتطلباتها .
ــ
بل نحنُ هم الذين لا يفهمون الحياة ومتطلباتها ، وطفلتك تعرف معنى الحياة ،
لذا الأطفال سعداء دائماً ، ونحنُ لسنا ولن نكون يوماً إن لم نرَ الحياة
كهؤلاء الأطفال .
ــ هذا هراء فحين تكبر لن تقول ما تقولهُ الآن .
ــ
بلْ حين تكبر ستشعر دائماً بالفراغ العظيم الذي خلفهُ غيابك ، ولن تملؤهُ
تضحياتك من أجلِ مستقبلها ، فهل تثمرُ شجيرة الكرمة إن لم يقلمها الكرَّام ،
ويفلحُ أرضها حتى إن لاقاها مطر الخريف ؟
ــ الواقع غير ما تقولهُ أنت .
ــ ولكن يا عم …..
ــ
ولكن ماذا ، ألا ترى الآلاف من الناس يهاجرون من أجل أن يبنوا مستقبلهم
ويعيشوا حياة أفضل ، ألست واحداً منهم ؟
ــ لا خطأ في أن نبغي الرقي في الحياة ، بل الخطأ في الرقي
على حساب أجمل ما في الحياة ، وأنا هنا قد جرفني التيار معكم ، التيار الذي
لا تنتشلك من هيجانهِ غير المحبة وحكمة الحياة …….
ثم توقف ألبير لبرهة وانشرحت نفسهُ وأكمل :
ــ
أجل يا عم بشير ، لقد كان كل هذا يختلج في قرارة نفسي ، وها قد جاءت
الساعة لتقولهُ شفتاي وتسمعهُ أذناي ، الحياة يا عم بشير نظرة حب في عيون
محبيك ، الحياة يا عم بشير قبلة على جبين أولادك وابتسامة على شفتي رفيقة
حياتك ، الحياة قدح شاي مع والدك ، وصوت حنين من والدتك ينادي بإسمك ،
الحياة هي وجبة طعام مع أصدقائك وأقربائك ومحبيك ، هي دمعة تمسحها يد حنون ،
هي ألم تخففهُ نظرات عزيز ، هي غربة تؤنسها رفقة حبيب ، هي شقاء وهموم
تزيلهُ ارتماءة أولادك في حضنك الحنون ، هي شروق ينير قلبك حين يُضيءُ عشك
الصغير ، الحياة يا عم بشير غروب عند الأفق ترقبه بسكون مع رفيقتك ، بجسدين
ساكنين وروحين مرفوفين ولكن بقلبٍ واحد .
كانت
الدموع قد انزلقت على وجه ألبير وارتسمت على شفتيه ابتسامة ، وأكمل بصوتٍ
ملؤه الأمل قائلاً :
ــ أنا عائد يا عم بشير ، عائد إلى الحياة التي هجرتها
قبل ثماني أشهر قبل أن يُطفِئ التيار الهائج لهيبها ، قمْ أنتَ أيضاً وعدْ
إلى بيتك وأولادك وزوجتك وشاركهم كنز الحياة الذي سرقته منك الطموحات
الزائفة الزائلة ، هيا يا عم بشير لنحزم حقائبنا ، ولتكنْ هذهِ الليلة
مليئة بأحلام اللقاء الدافئة .
استيقظ ألبير قبل خيوط
الفجر والفرحة تغمر قلبه كما يملأ الندى كؤوس الأزهار ، وخرج مسرعاً ليبتاع
بعض الهدايا لزوجته وطفلته ومحبيه ، وحين عاد في الصباح لم يجد العم بشير
هناك ، استغرب ألبير وانتظر بعض الوقت ، ولكنهُ لم يعد .
أخذَ ألبير حقائبه وخرج وأوصد الباب خلفه ، ومرَّ بالمكان الذي كان
العم بشير يعمل فيه فرآه من بعيد يدفع عربة العمل ، فصرخ إليه ألبير ، وحين
التقت عيناهما لبضعِ ثوانٍ أخفضَ العم بشير رأسه بيأس واستطرق يدفع العربة
، فقال ألبير في نفسه :
ــ إن هموم الحياة ومخاوفها ورغباتها قد
خنقت الحياة في نفسك ، ولم تسمح لكلمات الحب أن تحررك من قيودها …..
ثم رفع بصرهُ نحو السماء التي أظهرت أشعة الصباح أزرقاقها وقال :
ــ
أما أنا يا ريما فعائد إليكم ، إليك وإلى الحبيبة اينجي ، ويد الحياة
الكريمة السخية لن تفرقنا أبداً ، بل معاً سنحب الحقل والكرم ، ومعاً سنجلس
تحت ظل الشجرة تحيطنا الأزهار الباسمة ، وتطربنا العصافير المغردة لنقتسم
لقمة طيبة ، معاً سوف نشرب من الينبوع ، ونعبر النهر ، ونراقب ألوان الشفق
منتظرين المساء وأشكال النجوم ، أنا عائد يا ريما ، ومعاً سوف نتذكر الأمس
ونعيش اليوم ، ونحلم بالغد ، ومعاً سوف ننسى أيام الفراق في الأرض البعيدة
.
ــ انتهت ــ