الى البطريركية الكلدانية “مع التقدير”

بقلم سامي هاويل
الى البطريركية الكلدانية “مع التقدير”

18- 6 – 2016
http://nala4u.com

وصلت قافلة من البعير قادمة من الصحراء تحمل على ظهورها خمسمائة مقاتل يقودهم خالد أبن الوليد الى المدائن، كان يظن بأنه سيغزو بهم العالم بأكمله، وما أن دخل على أسقف المدائن حتى نطق بما يردده الدواعش اليوم قائلاً، ” جئناكم بثلاث، أما الإسلام أو القتال أو الجزية “. ربما كان رد الأسقف له سبباً في التحول الكبير والدمار الذي لحق ببلاد آشور، عندما قال له ” نحن لن نغير أيماننا، وما لنا وقتالكم، سندفع لكم الجزية ” ضنا منه بأنه يتماشى مع تعاليم المسيح، ولم يخطر بباله بأن قراره المصيري هذا سيغير ملامح المنطقة بأسرها، ولم يكن قد مضى عقدين أو ثلاثة من الزمن على هزيمة كسرا أمام قبيلة من القبائل المسيحية في معركة ذيقار ( بلاشا د ذقيرا )، إثر حادثة حُدَيقة بنت النعمان بن المنذر. هكذا سلم الأسقف رقاب الشعب بيد الغزاة الجدد فبدأت قوافلهم تتدفق الى المنطقة لجني الجزية، وصلت مجموعات منهم يبلغون من الجهل درجة بحيث كانوا يدخلون الى قصور كسرا وينهبون الذهب والفضة ويعبثون فساداً في كل نقطة وطأت أقدامهم، حتى أن بعضهم كانوا يحملون أواني وكنوز من الذهب ويجوبون الشوارع منادين بأعلى أصواتهم ” من يبادلنا الصفراء بالبيضاء ” دون أن يدركوا الفرق بين الذهب والفضة. هكذا وضعت قوانين دفع الجزية فوقعت على ” من تمر على وجهه موس الحلاقة ” مما يعني أن من يدفع الجزية ليس طفلاً ولا شيخاً، بل رجلاً يمكنه حمل السلاح، فوصل عدد دافعي الجزية أكثر من سبعمائة ألف رأس، هذا العدد الكبير كان بإمكانهم محو خالد أبن الوليد مع مقاتليه عن بِكرة أبيهم بساعة من الزمن، ولكن القرار الخاطيء للأسقف فعل فعلته حينها. مرت الأيام والسنين وبلغ عبىء الجزية أوجه وما كانت هناك من حيلة أمام دافعيه من لقمة عيش أطفالهم إلا الدخول للإسلام، حتى قل عددهم الى حدود العشرين الف فقط، حينها توجه رجال الدين المسيحيين الى أحد الخلفاء العباسيين يتوسلونه لأيقاف موجات دخول المسيحيين الى الإسلام، فوافق الأخير ” ليس حفاضاً على المسيحية، بل لضمان أكبر مبالغ ترِد من دافعي الجزية “.

دروس وعبر مرت علينا عبر التاريخ ولم نستفد منها بقدر أنملة، ويبدو أن قادتنا مصممين على المضي على نفس المنوال، ولا يدرك بعضهم بأن بين المسلمين ورجال دينهم هناك الكثير ممن ينظر الى بعض المبادرات على أنها أنتصارات تحلل لهم نساء وممتلكات المسيحيين وما ملكت أيمانهم في الدنيا، وتضمن لهم في الآخرة بطاقة المرور الى الجنة حيث أنهار العسل والخمر وحور العين والغلمان ، وغيرها من الوعود التي لازالت تُزين مواعظ الشيوخ والأئمة حتى يومنا هذا وتدفع الشباب المسلم الى العنف.

أما المنتمين الى الدين الإسلامي من الذين تواكب عقولهم عصر العولمة والديمقراطية فهم ليسوا بحاجة الى مبادرات مسيحية لكي يتعاطفوا مع المسيحيين.

لسنا فقط لا نتعض من تجارب الماضي البعيد، بل أننا لا نتعض حتى من تجارب الأمس القريب جداً. فلم تسعف قبلة مثلث الرحمات مار عمانوئيل دلى التي وضعها على القرآن أهلنا في المحافظات الجنوبية والعاصمة بغداد، فقد تم التنكيل بهم وطردهم من بيوتهم وما أعقبها من مجازر وأختطاف وأغتصاب وأستيلاء على الممتلكات والى ما لا نهاية من أساليب الأعتداءات التعسفية أمام مرآى ومسمع المرجعيات الدينية الشيعية والسنية، وحتى القائمين على السلطة في العراق.

أما مأدبات الفطور التي أقامها غبطة البطريرك مار لويس ساكو عندما كان مطرانا في كركوك ، فهي الأخرى لم تجدي نفعاً، حيث تلتها بأيام قليلة هجمات على المقابر المسيحية في كركوك، وغيرها من الممارسات الهمجية التي طالت أهلنا في كركوك، وكذلك الموصل عندما كانت لازالت تحت إدارة الحكومة ” الديمقراطية” وليس تحت سيطرة داعش. وما تلاها من أستيلاء على ممتلكات المسيحيين في بغداد على يد المليشيات الموالية لجهات عراقية ذات نفوذ، بالإضافة الى قيام بعض المتنفذين بمحاولة فرض الحجاب على المسيحيات، ودعوتهم للأقتداء بالعذراء مريم بأعتبارها كانت “محجبة”، ولم تنتهي الأمور الى هذا الحد بل لا زالت عقدة المادة 26 الخاصة بالقواصر الذين يُسلِم أحد أبويهم على حالها ولم تُحَل بعد، وفي الآونة الأخيرة تم نشر فيديو لأحد المسيحيين في ساحة التحرير وهو يتلو الشهادة ويعلن إسلامه، وأنا على يقين بأن الأمور لن تقف عند هذا الحد طالما بقي الدين الأسلامي المصدر الأساسي لتشريع القوانين في الدولة العراقية، فهل من بصيص أمل في أتجاه تخفيف معاناتنا في الوطن سيحل بعد دعوتكم رعيتكم للصوم يوما واحداً في شهر رمضان تضامنا مع المسلمين ؟ أم أنه يفتح باباً جديداً أمام المتشددين لكي يأتوا بعد حين ويفرضوا على المسيحيين الصوم طوال الشهر، كخطوة أولى في طريق الأسلمة ؟.
الآباء الأجلاء من المطارنة والأساقفة في الكنيسة الكلدانية، وعلى رأسهم غبطة البطريرك مار لويس ساكو المحترمين، دعوتكم الأخيرة لم تكن موفقة أبداً، نتمنى أن تتريثوا وتتباحثوا مع بقية إخوتكم في الدم والأيمان قبل أتخاذ هكذا قرارات، أو بالأحرى أعملوا جميعكم معاً من أجل إعادة اللحمة الغير مشروطة لكنيسة المشرق، ووحدوا الصوم بينكم كأبناء كنيسة واحدة فهو واجب الأولى القيام به قبل إطلاق مبادرات الصيام ومأدبات الإفطار للمسلمين.

سامي هاويل – سدني
18- 6 – 2016

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.