بقلم الدكتور ايوب بطرس
توحيد شطريّ الكنيسة.. الواقع والمهام / الجزء الثاني
21 / 07 / 2015
https://nala4u.com
التأجيل واسبابه
لا يعتقد الكثير من ابناء شعبنا ان سبب تأجيل المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق الاشورية عملية انتخاب بطريركا جديدا خلفا لمثلث الرحمة مار دنخا الرابع الراحل سعيدا الى الاخدار السماوية، هو ما ورد في البيان الختامي للمجمع السنهادوسي للكنيسة اي ألتزام منه بوصية الرب يسوع المسيح له المجد في وحدة المؤمنين، انما قد يكون السبب في امور اخرى حدثت داخل اروقة المجمع لم يفصح عنها في بيانه الختامي ولم تفضحها تصريحات اعضائه المحترمين ولا اشار اليها من كتب عن الاجتماع ومخرجاته، فالملاحظ :
1–- رغم ان اجتماع المجمع السنهادوسي هذا لم يكن اجتماع اعتيادي ولا دوري بل كان اجتماع طارئ واستثنائي بسبب شغور كرسي البطريركية والهدف الوحيد المعلن لانعقاده في العراق هو انتخاب بطريرك جديد ورسامته في مقر بطريركيته الجديد في اربيل حسب وصية مثلث الرحمة، وان المجمع بحث في اجتماعه هذا مواضيع اخرى ذات اهمية خاصة بالنسبة للكنيسة ولشعبنا في الشرق الاوسط، والبيان الختامي للمجمع قد اورد الفقرة الخاصة بانتخاب البطريرك في نصفه الثاني وليس في البيان ما يدلل على ارجحية مسألة اختيارالبطريرك لدى اعضاء المجمع او هيمنتها على غيرها من المواضيع المبحوثة، الا اذا كان المجمع قد لجأ الى ” التقية “! ( بمعنى انه قد حسم امره واختار البطريرك الجديد لكنه لم يعلن عنه لأسبابه)..
2- كذلك قول المجمع في بيانه الختامي انه أجل انتخاب البطريرك الجديد ليعطي مزيدا من الوقت للكنيسة الشرقية لبلورة ردودها على مقترحات كنيسة المشرق الاشورية هو دليل آخر على عدم توافق اعضاء المجمع، ولذا قرر ان يعطي لنفسه وليس لغيره مزيدا من الوقت للتوافق والتنسيق، في الوقت الذي يعلم المجمع ان مقترحاته في حالة وجودها لا تستغرق كل هذه المدة للرد عليها.
3- ربما ارتأي المجمع (وهذا سبب مهم) انتظار انجاز بناء مقر البطريركية في اربيل والتي سينتهي العمل فيها خلال المهلة المذكورة في البيان لتكون المكان الرسمي لمراسيم الانتخاب والسيامة والتي حدد المجمع مواعيدها مسبقا، ويكون مقرا رسميا ودائميا للبطريرك الجديد.
4 – بادرة ضغط اعلامية ( وضع الكرة في ……ورفع العتب) لأحراج الكنيسة الشرقية امام الرأي العام الاشوري والمسيحي في حالة تعذر استجابتها للمقترحات المقدمة بشأن الوحدة في الوقت الذي يعلم المجمع ان بعض مقترحاته (شروطه لأنها غير قابلة للنقاش والمحاورة كما استنتجنا) للوحدة يصعب قبولها لأسباب قانونية واجتماعية وتقليدية يعرفها اعضاء المجمع.
5- في تجارب سابقة حدث ان مضمون بعض البيانات والتصريحات التي تذاع على وسائل الاعلام العامة او تلك المفتوحة والتي يسمح بالاطلاع عليها بخصوص مقترحات التوحيد بين الكنيستين والمباحثات الثنائية الاخرى كان مختلف عن فحوى الرسائل الرسمية المنقولة مباشرة الى الكنيسة الشرقية!.
الوحدة والبطريرك
كيف يمكن ان ننكر العلاقة المباشرة بين اعادة توحيد الكنيستين الاشورية والقديمة وانتخاب البطريرك؟، ولمن هي الاولوية ؟، ورؤية البعض للوحدة !..
قرار المجمع السنهادوسي بتأجيل اختيار البطريرك الجديد من اجل حسم مسألة توحيد شطري الكنيسة ، هو صحيح ومناسب ان صدقت النيات، اذ كيف يحل الاشكال بوجود بطريرك وانتخاب آخر في كنيستين يراد توحيدهما في رئاسة واحدة،وتحت رعاية بطريرك واحد؟ في الوقت الذي كان وجودهما (البطريركان) العقبة الرئيسية لعدم اتمام هذه الوحدة؟ باعتراف الجميع، توضح امثال هذه الطروحات ( البطريرك قبل الوحدة) مفهوم بعض الوحدويين! لموضوع التوحيد ونظرتهم غير المنصفة لاطرافها ومحاولتهم تحميل وزر الانقسام لطرف دون اخر بدل من حث الطرفين على التآخي والتآزر ودعوتهما لتجاوز هفوات الماضي والتحلي بروح التسامح والمحبة المسيحية والتضحية والاطلاع بمهمتهما بمسؤولية لأنتهاز هذه الفرصة والبدء بصفحة جديدة تنطلق من ارضية مشتركة يتكافئ فيها الطرفان ليكون حوارهما ناجحا ومثمرا للكنيسة ولشعبها وليس نقاش وسجال بين كبير وصغير ومبارزة لأستهلاك الوقت وارهاق اعصابنا، لمجرد رفع العتب كما يراد له!.
والافضلية يجب ان تكون دائما للوحدة، وتحقيقها يجب ان يسبق اختيار البطريرك في الاجراء والاهمية ومعلوم أنه في الكنيسة الموحدة المستقرة ينتخب البطريرك بسهولة وسلاسة، وحيث لا وحدة ولا توحيد بعد اختيار البطريرك الجديد وهو اجراء يعود بنا الى المربع الاول كما يقال بلغة اليوم، لأنه يعني الهيمنة والتعالي وتهميش الاخر وعدم الاهتمام له وهو امر مرفوض لا احد يرضاه ، فتأجيل اختيار البطريرك ومنح مزيد من الوقت للمفاوضات بادرة ايجابية تحسب للمجمع لأستئناف الحوار المتوقف اصلا والاستمرار فيه.
بطريركان في كنيسة واحدة
نؤكد هنا ان مقترح بطريركان في كنيسة واحدة، احدهما في الشرق والاخر في الغرب قدم من قبل الكنيسة الشرقية القديمة، مع ميزة منح مثلث الرحمات مار دنخا الحق في اختيار المكان الذي يرغبه،في حينه لكن المقترح رفضته كنيسة المشرق الاشورية بدون ذكر الاسباب، ومع الاسف لا زال هذا الرفض ساريا ومستمرا لحد اليوم !!.
تسألات
نتسأل عن طبيعة الحوار وشكل المفاوضات وعن المقترحات المقدمة من الطرفين لأتمام الوحدة والجدية فيها ، وهنا لا نذيع سرا ولا ندعي امتلاك اية معلومات خاصة بهذا الصدد خلا الشحيح الذي امكن استخلاصه من وسائل التواصل والاعلام وما تسرب منهما وتناقله الناس لحد الان وعليه نبني تسالأتنا واستنتاجتنا …
لا يبدو انه كان هناك اجتماع عمل ولا جلسة حوار جدية ولا بحث او تبادل اراء لممثلي الكنيستين، فالذي حصل لحد الان كان مجرد ” لقاء ” واحد للوفدين فقط لم يدم طويلا استغرق بعضه في المجاملات والتقاط الصور ، في هذا اللقاء سلمت الكنيسة الشرقية القديمة مقترحاتها مكتوبة، بينما لم يترشح شئ عن مقترحات المشرق الاشورية سوى ما قيل انه ” تبليغ! ” ربما شفهي؟ بضرورة تنازل البطريرك ومن ثم انضمام اساقفة ومطارنة الشرقية القديمة (وهم ثلاثة او اربعة) الى مجمع المشرق الاشورية (واعضائه ثلاثة عشر او اكثر) لأنتخاب البطريرك الجديد بعدها ينظر المجمع الموحدة في مقترحات الشرقية ويجري التصويت عليها واجازتها بالاغلبية، ورغم ما قيل ايضا في التصريح المشترك بعد انتهاء اللقاء ان الوفدين سيعرضان المقترحات! المتبادلة على المجمع السنهادوسي لكنيستهما، بعد اللقاء هذا انعقد المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق الاشورية في اربيل ودهوك بداية حزيران ولم يخبرنا في بيانه الختامي انه درس او نظر في مقترحات شقيقه لا بل أكد انه لا زال ينتظر رد الشرقية القديمة على مقترحه، في حين لم ينعقد مجمع الشرقية الذي حدد له موعد لم يزف بعد!…هذه هي مسيرة المفاوضات وهذا كل الذي حصل في شأن الوحدة لحد الان!!.
يؤسفنا ان نقول اننا نتوقع ما لا نتمناه من هذا النمط من المفاوضات! ومن هذا الاسلوب في التعامل والحوار! اذ يبدو أن عقلية التعالي والاستئثار والاستهانة التي تسببت في انقسام الكنيسة في الستينيات القرن الماضي مع الاسف لا زالت هي السائدة وهي التي تتحكم باعضاء رئيسيين في المجمع لحد الان ” تعالوا الينا دون البطريرك ” بعدها ننظر في اموركم الاخرى في المجمع الموحد ، تماما كما قالها غبطة مار لويس ساكو الجزيل الاحترام ” تعالوا الى روما ” لنكون واحدا في حظيرتها!، وكلا الطريقين أضيق من ان يسلك!!..
نتسأل ايضا لو كان قداسة مار ادي الثاني اطال الله بعمره هو من غادر اولا الى الاخدار السماوية ، هل كان احد من الذين يتصدرون المشهد الان يجرأ على دعوة بطريرك كنيسة المشرق للتنازل او الاستقالة من اجل وحدة الكنيستين؟ وهل كنا وقتها ندرك نهاية لدعوات والمناشدات والالحاح فيها الى الكنيسة الشرقية للألتحاق والاندماج بكنيسة المشرق؟،الا نؤمن بان الخير في ما يختاره الله لنا!؟ وقد قال الرب كلمته!، لماذا نخالف ارادته؟!. .وهل يمكننا من اجل مصلحة الامة والهدف الاسمى ان نغض الطرف عن الصغير والكبير او الاقلية والاغلبية ونتجاوز هفوات الماضي ونقدي بالامر الذي كان بين حاضرة الفاتيكان وكنيسة المشرق الاشورية في الاتفاق المسيحاني. كما اظن انه من لوازم ما ندعيه من الروح القومية ومحبة الامة والعمل لمستقبل افضل لها ان لا نستقصي فقط سلبيات الاخر ونتعمد ابراز كل ما هو مختلف ومخالف وكل ما يشحن الصدور بالحقد والكراهية ويكرس القطيعة، الكتاب القوميون الوحدويون الكبار! وفي مثل هذا الظرف بالذات لا ينقبون في رسائل داخلية خاصة وهي بعشرات الصفحات وجل محتواها لمن يريد الخير لأمته، حقائق ووقائع ونصح وارشاد وتوجيه ودعوات للحد من الطموحات والمصالح الدنيوية لرجال الكنيسة والتأكيد على دور وحق (الرعايا!) العلمانيين في الكنيسة، لماذا يتغاضى عن كل هذا ليختار ويستشهد بكلمتين (وقد حرفتا عن مقصدهما الاشوري الذي يعني الخصوم والغرماء)؟ أكيد ليس في الامر حسن نية ولا غاية تقريب المواقف ولا مساهمة في تهيئة ارضية ملائمة للحوار المفضي الى الوحدة ولا خدمة ولا مصلحة قومية لدى هؤلاء الوحدويين مهما تبجحوا!!..
الكنيسة الشرقية الرسولية القديمة
كذلك لا افهم ما يغيض في اسم الكنيسة الشرقية القديمة وما المستغرب فيه؟! فقد كان هذا هو الاسم الرسمي للكنيسة المشرقية لقرون، ثم ماذا يجعلنا نحن الاقوام الصغيرة المهددة بالانصهار والذوبان نغرم بالحداثة والتجديد والعولمة حد الاغتراب ؟.
والقديمة في مفهوم هذه الكنيسة لا تعني اكثر من القرب الى الاصل والى المنابع الاولى للأيمان والتقليد والطقس المؤسس لكنيسة الرب الاولى ومحاولة التمسك به والايمان القائم على نفس الانجيل القديم! الذي كان بين ايدي التلاميذ والرسل في القرن الاول الميلادي والتقليد المنحدر من الرسل عن طريق الاباء الاولين. ومثله التمسك بالتقويم القديم (اليولياني) يعزى في جزء منه الى اسبقيته وعراقته وانه كان التقويم السائد والمتداول (اضافة للتقويم اليوناني) في الارض التي عاش فيها ومشى عليها الرب له المجد وتلامذته وفي ظله تم كتابة الانجيل وبه كذلك تم تدوين الاحداث المسيحية الاولى وعليه بنيت طقوسهم ومراسيمهم ومناسباتهم وتقاليدهم التي احتضنت مسيحيتهم وعاشت معهم الدهر كله .
وثيقة التآخي
ان الدعوة لمؤتمر عام للمصالحة الكنسية والقومية لقادة ورجال مذاهبنا وطوائفنا واحزابنا ومنظماتنا ونخبنا المثقفة وشخصياتنا الاجتماعية والعشائرية، هي ملحمة بحق لو تحققت بمعجزة ربانية، ولو نجحت(وهذا من المستحيلات) ستبقينا شعوب وقبائل، لنا مرجعيات مختلفة ومذاهب مختلفة وقوميات مختلفة، مكرسة ومعترف بها، وتنقلنا من السيئ الى الاسوء بمعنى سيجتمع كل هؤلاء المحترمون ليتفقوا على اننا مختلفون وسنبقى مختلفين وسيضفون الشرعية على كل خلاف وتباين وتباعد بيننا ويسقطون كل شعور او حافز يدعونا للتقارب والانسجام وربما الوحدة. فاذا كان تحقيق الوحدة بين شطري كنيسة وهي على مذهب واحد وكانت موحدة الى قبل خمسين سنة لا خلاف لاهوتي ولا طقسي فيها، بصعوبة تحقيق الوحدة العربية اوالوحدة السنية الشيعية كما يشبها البعض واذا كان هذا المطمح الصغير بهذه الشدة، كيف ندعو لمؤتمر عام واية معجزة! نحتاج لتحقيق المصالحة القومية والكنسية لكل هؤلاء المؤتمرين المختلفين لاهوتيا وطقسيا ولغويا؟ واذا كانت الامور بهذا التعقيد والصعوبة فاننا لن نطالب بالوحدة الكاملة والاندماجية لأنها في غاية الصعوبة حسب رأيهم بل سنتواضع في طموحاتنا ونحاول ان نكون واقعيين ونطالب بالممكن تحقيقه الان لنبدأ رحلة الالف ميل بخطوة صغيرة نحو الهدف لكن بحذر وانسيابية وهدوء….. ونقول بعد التضرع الى الله والصلاة الى رب المجد والحياة، نتوسل الى آباءنا اعضاء المجمعين المقدسين لشطري الكنيسة المشرقية ان يصوغا ويوقعا وينفذا وثيقة تآخي وتكامل الكنيستين يعلنان فيها انهما كنيسة واحدة لشعب واحد ولأمة واحدة هي نفسها كما كانت من خمسين سنة خلت ولو الان بأدارتين، لا تختلفان ابدا في الآهوت والطقوس والمراسيم والمناسبات والدرجات الكهنوتية المبنية على تقاليد المنحدرة من الرسل عن طريق الاباء الروحانيين الشرقيين الاوائل ، لكهنة الكنيستين ولمؤمنيهما الحق والحرية في التقديس والتناول والصلاة في ايا من الكنيستين حسب رغبتهم واختيارهم، الان وفي كل الاوقات الى ما شاء الرب … ليباركهم الرب ويقدس مسعاهم ويديم نعمته على الجميع…آمين