بقلم غســان يونان
gyounan@gmx.de
المجتمع الآشوري بين الماضي والحاضر!!!…
12 / 04 / 2014
http://nala4u.com
“المجتمع الآشوري يعيش في نشوة الماضي وضياع الحاضر، دون رؤية مستقبلية”!..
إن تقاعس المجتمع الآشوري – بمؤسساته السياسية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، وبكتّابه ومؤرّخيه ومفكّريه – عن محاولة رسم صورة جلية لواقع الحال الذي يتخبط فيه، وذلك من خلال وضع استراتيجية قابلة للتطبيق في هكذا ظرف وهكذا وضع، محكوم عليه (أي المجتمع) جغرافياً وتاريخياً إما بتقبله والتأقلم معه أو رفضه والرحيل عنه،
أيضاً، إذا لم يفكر المجتمع الآشوري في وضع رؤية مستقبلية منطقية نابعة من معاناته على مرّ مئات السنين مع الأخذ بعين الاعتبار قبول وموافقة دول الجوار،
أيضاً وأيضاً، إذا لم يعمل بقناعة وإيمان من أجل التخلص من مراحل وأزماتٍ تاريخية مرَّ بها أجداده ولا زالت انعكاساتها السلبية وحتى النفسية منها بادية على وجهه حتى يومنا هذا.
فسيبقى (المجتمع الآشوري) وللأسف أسيرَ كل تلك المراحل التي لا يجوز أن تُدفع أثمانها من قبل أجيال المنطقة ككل، وسيبقى مجتمعنا أيضاً “وبفضل قياداته ورجالاته” المتقوقعة على ذاتها، يعيش في واقعٍ لا وجود له في عالمنا اليوم إلا في مخيلة وتصور البعض من هؤلاء القيّمين على الشأن العام، وبالتالي سنتحول من “شعب ذات حقوق وقضية” إلى “شعب قاصر بحاجة لأولياء أمره”، وسنجد أنفسنا في نفقٍ مظلم قد تآكلته محطات تاريخية سوداء وتعشعشت في دهاليزه آفات الغدر والعمالة وحبّ الذات!.
بمعنى أدق وأوضح، (حتى لو دخلنا في الإعادة، وياليت في الإعادة استفادة)!.
إنه ومنذ مئات السنين، إن لم يكن أكثر، محكومٌ علينا وعلى شعوب المنطقة بالتعايش معاً في وئامٍ وسلامٍ وأمنٍ واستقرارٍ وأن يتمتع الجميع بالحقوق والواجبات ولا يتولد لدى أي مجموعة أو طرف إحساس بالغبن والتهميش ولا حتى تمييز في العرق أو الدين أو تصنيف الشعوب إلى درجات ودرجات. فالكل مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات وغير ذلك تتولد الانتفاضات والانتفاضات المضادة حتى يجلس الكل على طاولة مستديرة ليحلوا مشاكلهم.
صحيح كأبناء أو شعوب المنطقة قد مررنا جميعاً بمراحل مأساوية، سيبقى صداها مدوّياً في كتب التاريخ وأحرفها (أي تلك المراحل) ستبقى محفورةٌ بالدماء والدموع، وستُدرّس لأجيال المنطقة دون استثناء، ليس من أجل زرع بذور الحقد والانتقام لدى هذا الطرف أو ذاك، وإنما من أجل أخذ العِبر لنتمكن جميعاً ومعاً من مدّ جسور التسامح والاعتدال والاحترام المتبادل وبالتالي الارتكاز على أسسٍ ثابتة وراسخة ننطلق من خلالها نحو مستقبلٍ مشرق لكل شعوب المنطقة.
فمن غير المنطق أن نعيش على أرضٍ نحن أصحابها لكننا نجد أنفسنا فيها غرباء!
إننا أصحاب حقٍ وقضية، ونحن فخورين بذلك، إننا متجذرون هنا ومنذ آلاف السنين. ما معناه، كنا نعيش بجوار شعوبٍ أخرى ولم تكن الحياة مع الجوار كلها حروب ودمار وقتل وتهجير…إلخ. وإنما أكثرية الحياة يومها كانت أفضل مما هي عليه اليوم، والدليل على ذلك كان بتفرّغ شعوب المنطقة آنذاك لكل أنواع الفنون والاكتشافات والنواحي العلمية وغيرها..
من هذا المنطلق، ومن خلال دراسة بسيطة، علينا تغيير طريقة تعاملنا وتعاطينا مع بعضنا البعض أولاً ومع دول المنطقة، تالياً وهذا التغيير سيحصل إذا قمنا بجردة حسابٍ عادلة نأخذ منها ما هو أفضل ونرمي كل ما هو سيء.
ولتكن الخطوة الأولى (المبادرة) منّا، فنحن الطرف أو الحلقة الأضعف في المنطقة، فلنبدأ بأنفسنا، ونتساءل ما إذا كُنّا سنقبل التعايش في هكذا واقع، (حيث كان آباؤنا وأجدادنا مقتنعين فيه وبه وكانوا جاهزين لكل المفاجآت والتطورات)، وإذا كان الجواب بنعم!، عندئذٍ نكون حقيقةً نسير في الاتجاه الصحيح، بغض النظر عمّا إذا كان هذا كل ما نريده أم لا.
فالمهم بالنسبة إلينا اليوم، هو وضع خارطة الطريق هذه وبمعاونة ومشاركة الأغلبية لتنال موافقة وثقة معظم مؤسساتنا ومفكرينا وكتّابنا… ولننطلق بها ولفترة زمنية تُحدََد في حينها ومن ثم نسير معاً نحو الخطّة التالية والتي ستكون أكثر امتيازاً وخصوصيةً واستقلاليةً، مع المحافظة على أواصر العلاقات مع دول الجوار والايتعاد قليلاً عن التفكير أو الاعتماد التقليدي الموروث والممزوج بالطابع الديني بدول الغرب، هذا الاعتماد أو الاتكال الذي لم يوصلنا كشعب وقضية إلاّ إلى المزيد من الويلات والمآسي.
لا أريد الخوض كثيراً في هذا المجال كون
الموضوع بحاجة لمساحات واسعة، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى!…
إن المصارحة مع الذات ضرورية ليس فقط في الشأن العام وإنما حتى في أصغر الأمور، لذا لا بدّ منها،
وضروري
أكثر أن يُقيّم كل واحدٍ منا (مؤسسةً كان أم كاتباً أم مفكراً أم
عاملاً….إلخ.) كل ما قام به في السنوات الأخيرة ليرى أين أصاب وأين أخطأ،
وبنظري المتواضع، كلنا أخطأنا أكثر بكثير مما أصبنا والنتيجة أمام أعيننا،
كل شعوب المنطقة تتقدم ونحن “مكانك راوح!!” إلا إذا حاول البعض التنكر أو
التعامي عن واقعنا الحالي، فتلك بحق مأساة إضافية تُضاف على باقي مآسينا.
فالوقت حان لفتح صفحة جديدة،
والوقت ملائم لبداية انطلاقةٍ جديدة تكون مبنية على أسس الثقة والاحترام المتبادل ووضع المصلحة العامة فوق كل المصالح الشخصية.
نعم، الوقت لم ينفذ بعد، فلو حقيقةً اتفقت الأغلبية على أسس ومبادىء وطنية وتمسكت بالثوابت القومية وسارت يداً بيد، لإنقاذ مجتمعنا ممّا يتخبط فيه، لا سيما انجراره في معارك أو مواقف لا حول ولا قوة له فيها.
فلا المنطق ولا العقل ولا التاريخ يقبل بأن نعيش في بيئةٍ نحن سكانها الأصليون، لكن نرفض التعامل والتعاون مع باقي شعوب المنطقة وإنما أعيننا متجهة نحو “الغرب” الذي لم نذق منه إلا المرارة وخيبات الأمل….
إن الأقرب لنا اليوم هو الذي يعيش معنا ويتألم معنا ويفرح معنا و…، هو الكردي والعربي والإيراني والتركي (أي دول الجوار)، إنه التاريخ والجغرافيا! وإذا بقينا متنكرين لهذا الواقع، نكون قد وضعنا أنفسنا أمام خيارٍ واحد، وهو الرحيل واعتماد أسلوب البدو الرحل في العيش حتى إشعارٍ آخر.
غســان يونان
١٢ نيسان ٢٠١٤