بقلم اللواء بولص مالك خوشابا
الانشقاق في الكنيسة النسطورية الاثورية في عام 1964 (الجزء الاول)
10 / 01 / 2014
http://nala4u.com
قبل ان نبدا بالتحدث عن الانشقاق الذي حدث في الكنيسة علينا معرفة كيف كان وضع كنيستنا منذ ان تسلم البطريرك مار اوراها اوقاف الكنائس سنة 1850 بعد نفي الامراء الاكراد على اثر المذابح التي قاموا بها ومنح البطريرك مار اوراها حق تمثيل الاثوريين امام السلطة العثمانية بفضل آلاف الدماء التي قدموها ابناء عشائر تياري العليا وتياري السفلى وديز ومن ثم تخوما وبالجهود التي بذلها رؤساء هذه العشائر لدى ممثلي الدول امثال القنصل البريطاني وقداسة البابا (الذي ارسل مبلغا كبيرا من المال الى البطريرك الكلداني الذي سلمها الى مالك بتو وتم توزيعها على العشائر المتضررة التي ساعدتهم على العودة الى اراضيهم واعادة تنظيم حياتهم ).
ولكن البطريرك مار اوراها لم يستغل تلك الواردات التي كانت تاتي من املاك الكنائس لاجل تهياة طلاب لدراسة العلوم الدينية لكي ينهضوا بالكنيسة التي كانت قد عانت الكثير من الحرمان بسبب سيطرة الامراء على املاكها …
والاسباب الرئيسية كانت في ابقاء كهنة الكنيسة غارقين في تخلفهم الذي يقودهم الى الطاعة العمياء للقيادة الدينية وعدم الاعتراض على كل ما يبدر من اخطاء من قبل القيادات الدينية ولنفس السبب نجد ان القيادة الدينية كيف حاربت وحرضت الشعب ضد الارساليات الغربية بحجة المحافظة على المذهب وبعملها هذا وبتشجيع ملموس من قبل الجواسيس الانكليز الذين قدموا من انكلترا بصفة قساوسة وحلوا ضيوفا مكرمين في دار البطريرك ولقد حرموا ابناء العشائر من ارتياد المدارس والتعلم والانفتاح على العالم الجديد آنذاك نتيجة هذا الفكر التخريبي للامة والسبب الثاني كان الصراع الذي كانت بوادره قد بدات تظهر للعيان في داخل العائلة المارشمعونية على كرسي البطريركية حيث كان كل طرف يحاول كسب تاييد العشائر ورجالات الدولة العثمانية والمتنفذين الاكراد الى جانبه وهذه كانت تتطلب البذخ في الصرف على الديوان المفتوح للضيوف مما حدا بذهاب اموال وواردات الكنيسة الى هذه الدواوين …
في الوقت الذي نرى فيه كيف ان ابناء اورميا استفادوا من هذه الارساليات التي كان لها الفضل الكبير في تنوير عقول ابناءئها الذين تلقوا تعليمهم في هذه المدارس والتي بلغ تعدادها ما يقارب المئة مدرسة موزعة على كل مناطق تواجد شعبنا (المصدر: كتاب التاريخ ألآثوري لمؤلفه الاستاذ كورش يعقوب شليمون : الصفحة 89 ) واكملوا دراساتهم العليا في كلية اورميا وتخرج منهم اطباء وقادة ومدرسين ورجال دين ذووا عقلية متطورة ..
وان اتهام البعض لهذه البعثات التي اطلق عليها تسمية البعثات التبشيرية مؤسف جدا واننا نقرا ونسمع هذه الايام التهجم على هذه البعثات واتهامها بان هدفها كان تغيير معتقداتنا , وكانت هذه البعثات تتبع الكنائس البروتستانية والكاثوليكية والارثدوكسية الروسية اما الكنيسة الانكليكانية الانكليزية فلم تقم باي دور سوى انشاء مدرستين في بيباد ووان لانها كانت منشغلة بتطبيق سياسة بريطانيا في توريط ألآثوريين ….
نعم لقد كان هناك آنذاك تنافس مذهبي ولكن هذا لا يعني ان نترك كل الايجابيات من اجل ان يستمر ابنائنا وبناتنا بالقاء انفسهم امام اقدام البطريرك او المطران لكي يضع اقدامه المقدسة على ظهورهم من اجل شفائهم من الامراض او ان يتزاحموا في صفوف من اجل الحصول على قليل من الماء الذي اغتسل به البطريرك او المطران ليشربوه لاطفالهم لكي ينالوا البركة ولا يصابون بالامراض ….
لا اعتقد بان من هم من جيلنا لم يسمع بهذا التخلف الذي كان يشجع من قبل رجال الدين الكبار لاستمرارية عبادتهم…..وللاسف الشديد ان هذا الوضع استمر العمل به والذي تجسد في قيام غبطة المطران مار يوسف خنانيشو برسامة ابن شقيقته الطفل مار ايشاي شمعون بطريركا للكنيسة بالرغم من معارضة غالبية ابناء الشعب على ذلك .لقد حاول بعض رجال الدين الحريصين على رفع شان الكنيسة امثال الشماس يوسف قليتا (القس يوسف قليتا لاحقا) فطرح موضوع شراء مطبعة من الهند لاستخدامها في طبع الكتب باللغتين الانكليزية والاثورية الحديثة والقديمة فتبرعت جميع الفئات الاثورية في مخيمات بعقوبة لجمع المبلغ الذي يكفي لذلك وقد سلم المبلغ الى الشماس يوسف ايليا قليتا الذي كان ذا المام كبير باللغة الاثورية الحديثة والقديمة واللغة الانكليزية وكان من المتحمسين للحفاظ على تراث اللغة الاثورية وطقوس الكنيسة الشرقية .
وبعد شرائه لهذه المطبعة من الهند جاء بها الى الموصل لان الاثوريين كانوا قد تركوا بعقوبة آنذاك وكان يديرها الشماس المعروف داؤود بيت بنيامين وبقيت هذه المطبعة بحوزة الشماس يوسف قليتا حيث كانت المورد الوحيدالذي يغذي الطلاب الاثوريين ومحبي التعلم باللغتين الاثورية والانكليزية وكذلك كان له الفضل الاكبر في تاسيس وادارة المدرسة الاثورية التي تخرج منها غالبية المثقفين الاثوريين وبقيت المطبعة تحت ادارته حتى عام 1928 . ثم اخذت منه من قبل المار شمعون الذي اتهمه بانه يستغلها لمصلحته الخاصة بينما كان رد الشماس يوسف قليتا هو ان العائلة المارشمعونية قد خانوا الكنيسة الشرقية وربطوها بعجلة كنيسة الكنتربري الانكليزية وهكذا حصل نزاع بين الطرفين بشان تلك المطبعة ولجئوا الى القضاء وفي عام 1927 جاء مطران الهند المارطيماثيوس الى الموصل وكان المارشمعون على خلاف معه فقام هذا المطران برسم الشماس ايليا قسيسا . الا ان المارشمعون لم يعترف بتلك الرسامة لذا حرمه ولكن القس يوسف استمر في اعماله الدينية والتدريسية وسلمت المطبعة بعد ذلك الى القس يوخنا التخومي الذي اخذها معه الى سوريا بعد احداث سنة 1933 حيث بقيت دون استعمال لعدم وجود من يجيد استعمالها فاصابها الصدا والتلف كما تلفت الكتب التي كان قد طبعها القس يوسف ايليا قليتا لاهمال القس يوخنا العناية بها او استغلالها …..
بعد نكبة 1933 المشؤومة بقي اسم الكنيسة واحدا ولكن في الحقيقة كانت هناك من الناحية العملية كنيستان مستقلتان من ناحية الولاء فالطرف الذي كان يؤيد مارشمعون والذي اصبح وكيله في العراق غبطة المطران مار يوسف خنانيشو استمر ولائهم للمارشمعون وياتمرون بامره اما الطرف الاخر الذي رفض الهجرة ووقف ضد طروحات المارشمعون فكان يدين بالولاء الديني لماريوآلا ومار سركيس وبعد وفاة ماريوآلاها استمر الولاء الديني لمار سركيس ..
ولقد كانت هناك شبه قطيعة بين كنيستنا في الهند في عهد المطران مار طيماثاوس وبين مقر البطركية ومن ثم تطورت هذه القطيعة الى الاسوا في عهد المطران مار توما درمو بسبب رغبة المارشمعون الاستحواذ على واردات الكنيسة في الهند وامتناع غبطة المطران مار توما درموا الرضوخ لهذا الطلب لحاجة ابرشيته الى بناء الكنائس والمدارس والمطبعة التي كانت تجهز الكتب المقدسة لكل فروع الكنيسة في العالم …. لقد كان وضع الكنيسة بجناحيها المؤيد والمعارض لمارشمعون في حالة يرثى لها وان الذين عاصروا فترة الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي لابد وان يتذكروا كيف كانت كنائسنا تفتقر لابسط الامور التي بمكن ان نسميها كنيسة الرب من ناحية البناء والكهنة الشبه اميين والشباب والشابات الذين لا يعرفون من المسيحية سوى ايام المناسبات التي يذهبون فيها الى الكنائس ليسمعوا ما يردده القسيس من عبارات طقسية لا يفهمون منها شيئا وينتظرون بفارغ الصبر متى تنتهي هذه الطقوس حتى يتناولون القربان المقدس الذي كان غالبيتهم لا يعرفون معناه ……..
في الحقيقة كانت كنائسنا سياسية اكثر من ان تكون دينية فكل كنيسة بقسيسها كان محسوبا على طرف من الاطراف وفي بعض المدن كانت هنالك كنيستان واحدة لمؤيدي مار شمعون والاخرى لمناهضيه …
استمرت هذه الحالة حتى عام 1964 عندما وصلت رسالة من مارشمعون والتي يامر فيها كل الابرشيات بان يكون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي ( وارجو ان لايفهم تعبيري باستخدامي كلمة امر فهما خاطئا ولكن الحقيقة كانت هكذا لان الارثذدوكس عندما ارادوا التغيير الى التقويم الغربي اخذوا راي رعيتهم فوافق الاغلبية على ذلك والذين لم يوافقوا لم يغلقوا ابواب الكنائس في وجوههم وانما قام كهنتهم بتقديم الخدمة الالهية لهم وفق التقويم الشرقي حسب رغبتهم واستمروا على هذه الحالة حتى تغيرت آراء هذا البعض ووافقوا على التقويم الغربي بملء ارادتهم ) .
وتمت قراءة رسالة مار شمعون في كافة الكنائس (اي كنائس الطرفين ) وبعد يومين او ثلاثة من قراءة رسالة البطريرك في الكنائس جاء الى دارنا مجموعة من وجهاء اشيتا يتقدمهم المرحوم القس اسحاق ألآشوتي قسيس كنيسة الدورة وبعد فترة قصيرة وجه القس اسحاق كلامه الى يوسف مالك خوشابا قائلا…
هل سمعت بالتعليمات التي تامر بتغيير الاحتفال بالاعياد الى التقويم الغربي ,؟
فاجابه يوسف مالك خوشابا نعم سمعت بذلك ..فقال القس اسحاق ان اغلبية بني اشيتا يعترضون على هذا الشيء ولقد تلقيت رسائل من غالبية ابناء اشيتا في كل العراق يبدون فيها اعتراضهم وان المرحوم والدكم لم يكن ليقبل ان يفرض علينا هكذا امر خارج ارادتنا ونحن نعتبر هذا الامر اعتداء على ايماننا وتقاليدنا التي توارثناها عن آبائنا واجدادنا فايده في ذلك كل من الرائد خوشابا,الرائد انويا شليمون والرائد شليمون بكو الذين كانوا معه..
فاجابهم يوسف وما الذي تريدونه , فقال القس اسحاق ان كل ما نريده هو ان يسمحوا لنا ان نقوم باقامة قداس عيد الميلاد بتاريخنا الشرقي وهم احرار في اي يوم يريدونه ,فاجابهم يوسف مالك خوشابا هذه القضية بسيطة ويمكن حلها مع الاسقف مارسركيس وسوف اذهب هذا اليوم عصرا لعنده واتفاهم معه وغدا تستلمون مني النتيجة )..
وفي عصر نفس اليوم ذهبت مع والدي واثنان من ابناء عمومتنا الى كمب الجيلو الذي كان يقع خلف موقع الاذاعة الحالي حيث كان مقر اقامة الاسقف مارسركيس وبعد التحية والمجاملات الاعتيادية …
قال والدي للاسقف مارسركيس (نيافة الاسقف.. لقد جاءني صباح هذا اليوم مجموعة من اهلنا بني اشيتا وقالوا لي بانهم ومجموعة كبيرة من اهلنا يجدون صعوبة في تغيير العيد من التقويم الشرقي الى التقويم الغربي حيث انهم تعودوا على هذا التقويم الذي ورثوه من آبائهم واجدادهم وانهم يريدون ان تفتحوا لهم الكنائس حسب التقويم الشرقي لكي يؤدوا مراسيمهم وانا اعتقد انه من الافضل حتى لا يكون هنالك خلافات حول هذا الموضوع ان تفعلوا مثل ما فعل الارثدوكس حيث سمحوا للذين لم يرغبوا في التغيير بان يحتفلوا باعيادهم حسب التقويم الشرقي وفتحوا لهم ابواب الكنائس لاداء مراسيم المناسبات الدينية وبمرور الزمن اصبح الجميع موحدين في اعيادهم وفق التقويم الغربي…
ولكن الاسقف مارسركيس اجاب بحدية قائلا : مالك لا تسمع الى اقوال هؤلاء وان قرارنا واحد ولن نغيره وسوف اقفل ابواب الكنائس وساستدعي الشرطة للقبض على كل من يحاول الدخول الى الكنائس في هذا التاريخ
..
لقد استغرب والدي من هذه الاقوال وقال (نيافة الاسقف… ان الذين سيدخلون الى الكنائس …
ما الذي سيفعلونه هل سيكفرون ام سيرقصون ويغنون؟
وانت تعلم مثلما انااعلم بانهم سيؤدون صلاة العيد ويهنؤون بعضهم فهل في هذا العمل ضرر يصيب الايمان ؟
فاجابه مارسركيس قائلا…
مالك ان قراري هذا لن اتنازل عنه فنهض والدي ونهضنا معه وكان غاضبا اشد الغضب وقال لمارسركيس ان كلمتي الاخيرة لكم هي انكم ستندمون على هذا العمل وستكونون السبب في تقسيم هذه الكنيسة واشعال نار الفتنة في ملتنا وخرج غاضبا دون ان يودع نيافة الاسقف وخرجنا جميعا معه ……..
توضيح : (في عام 2007 واثناء استقبالنا لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الاشورية في منطقة نهلة معقل ابناء عمومة مالك خوشابا ومعقل اتباع الكنيسة الشرقية القديمة… اتباع قداسة البطريرك مار ادي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة والذي في اتصال هاتفي معه طلب مني ان نقوم بواجب استقبال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع على احسن ما يرام وفعلا تم ذلك …
وفي هذا اللقاء وامام جمهرة كبيرة من المؤمنين وفي الكلمة التي القيتها في استقباله اعلنت فيها ىان ننسى كل احداث الماضي الذي كان سببا في القطيعة التي دامت اكثر من سبعون عاما ولقد التزمنا من جانبنا بهذا القرار بالرغم من ما لاقيناه من تهميش وتحريض غير مسؤول من قبل البعض المحسوبين على كنيسة المشرق الاشورية وفي الفترة الاخيرة قام بعض الذين لا تجمعهم بكنيسة المشرق الاشورية سوى صفة التملق وبتوجيه من جهات معينة بنشر مقالات تمجد ببعض الرموز وتحوير سير بعض الاحداث الذي يعتبر من وجهة نظرنا اساءة لرموزنا وكذلك قيام البعض الاخر باستخدام العبارات المسيئة لنا كاستخدامهم كلمة الخونة والمنشقين والخ ..
ولاجل توضيح وجهة نظرنا لهذا الجيل حول الاحداث السابقة وجدنا انه لزاما علينا ان نرد على هذه الاساءات بالاسلوب الذي نراه مناسبا وان كتاباتنا موجهة في انتقاد عهد قيادة العائلة المارشمعونية للكنيسة والتي انتهت بوفات المرحوم مار ايشاي شمعون ولا علاقة لكنيسة المشرق الاشورية بكل ما نكتبه من نقد وان احترامنا وتقديرنا لهذه الكنيسة لا يقل عن ما نكنه لكنيستنا الكنيسة الشرقية القديمة)
بولص يوسف ملك خوشابا