بقلم الشماس بهنام سليم حبابه
حديث الذكريات عن أقدم شارع بالموصل:
شارع نينوى.. مسيرة قرن من الزمان بين الخانات والدكاكين الأسواق
1913-2013
الجزء الثاني
29 / 12 / 2013
http://nala4u.com
بهنام سليم حبابه
بعد
الاستراحة قليلا في المقهى على الرصيف ننهض لاستئناف مسيرتنا في الشارع
وها هو أمامنا جامع الخاتون الشهير المشيد على اسم مريم خاتون بنت محمد
باشا الجليلي سنة 1240هـ(وقد تم تجديده فيما بعد سنة 1388-1978م).
نحن
الآن في قلب شارع نينوى حيث الدكاكين المختلفة والمحلات والمكاتب منها غرفة
تجارة الموصل ومكتب جريدة صوت الأمة ومطبعة حداد وهذه رقعه خضراء كبيرة
عليها اسم التاجر المعروف (محمد نجيب الجادر) تعلو باب مكتبه الواسع وهو
عمارة جميلة. هذا وليس بعيدا مدخل سوق الصاغة الفلكلوري المشهور برجاله
ومصوغاتهم ومن أشهرهم أولاد خرّوفه ويعقوب عسكر وبعضهم يهود لا أتذكر
أسماءهم. لكن رفيقي أشار إلى الرصيف المقابل من الشارع حيث كراج فيه سيارات
باص ينادي عليها المنادي للسفر إلى تلعفر وسنجار ولا نلبث أن نصل إلى
قنطرة بيت الجومرد الأثرية وهذا باب دارهم الموصلية العريقة، وكأني أرى
السيد عبد الفتاح الجومرد أمامي خارجا منها وأخيه الحاج محمود الأستاذ
القدير. وبجانب باب الدار عيادة تابعه لتلك الدار هي عيادة الدكتور
استرجيان الطبيب الارمني البارع والمؤرخ والكاتب الموهوب وقد اتخذ من مدينة
الموصل موطنا حيث عاش أكثر من نصف قرن محبوبا من الجميع وتلك سيارته أمام
العيادة ورقمها 18 موصل…. وكان قد بنى قصرا جميلا على الطراز الارمني
العريق في الجانب الأيسر من الموصل لكنه زال اليوم مع الاسف.
نكمل
مسيرتنا في شارع نينوى فنشاهد مكتبا يصعدون إليه بدرج جميل انه مكتب التاجر
(عبدالأحد مراد وأولاده) وقد اتخذه فيما بعد الدكتور (عبدالنافع الخياط)
عيادة له منذ أيام الحرب العظمى الثانية 1945.
وكذلك عيادات مركبي
الأسنان (يعقوب بطي وكامل كساب ومنير عبدالله). ثم نرى شيخا جالسا أمام باب
داره انه اسكندر كجةجي (والد العقيد الحقوقي عبدالاحد كجةجي المستشار في
وزارة الدفاع-والد الكاتبة والروائية السيدة إنعام). وهذا مكتب التاجر
(السيد بكر جلبي خياط)، وتلك بناية قديمة هي دار الدكتور متي فرنكول طبيب
العيون وعيادته في غرفة جانبية منها. وهذا بيت (سعيد جمعه) الموظف الكبير
في شركة نفط عين زالة ثم المصرف الشرقي (استرن بانك) وقد اتخذه فيما بعد
الصيدلي جميل محفوظ محلا لصيدليته.
سألني رفيقي عما يوجد في الجانب
الآخر من الشارع، وقرأنا لوحة مكتوب عليها (مكتب احمد جلميران) التاجر
والوجيه، وهذه سينما الهلال تملأ واجهتها صور الممثلين والمطربين وتلك
صيدلية بيت سرسم، هذا شرطي واقف أمام مدخل مديرية شرطة لواء الموصل بملابسه
الخاكية وسروال قصير وعلى رأسه السيدارة (الفيصلية) وهي قبعة الشرطة
والجيش في تلك الأيام عهد المملكة العراقية إلى 1958.
أما داخل المبنى
فهناك بضعة أنفار من الشرطة والضباط للأمن والمرور يعدون على الأصابع، كان
ذلك نحو سنة 1940. بعد سنين انتقلت مديرية الشرطة إلى موقعها المعروف في
ساحة باب الطوب وأصبحت البناية مقرا لمديرية معارف المنطقة الشمالية
(التربية) بجانبها مقهى صغير لصاحبه (عبو اقديح).. فجلسنا لنستريح قليلا
ونشرب استكان شاي… ثم دفعنا اربعة فلوس، وقد أطربنا صوت الكرامافون ينطلق
على الاسطوانات بأغاني ام كلثوم الشهيرة يوم ذاك.
ها هو قبالتنا نادي
المعلمين فوق صيدلية محفوظ وعلى البالكون (الشرفة) بعض المعلمين الكبار
منهم شفيق الجليلي وسعيد ججاوي واحمد مدحت وجميل خياط وحسني
شكري…و..و..وفي الركن المقابل يقع بيت (حبابه)..
وتلك حادثة لا
أنساها وقعت يوم عيد ميلاد الملك فيصل الثاني 1937، فقد شاهدَنا الأستاذ
شفيق الجليلي عندما كنا انا وأولاد عمي نلعب على الرصيف أمام دارنا فسألنا
هل تعرفون نشيدا وطنيا؟ قلنا نعم، فقال تعالوا.. صعدنا إلى النادي وهناك
ميكروفون قال لنا أنشدوا .. فبدأ نافع ابن عمي سمعان بإنشاد (سجلي يا يد
التاريخ بالذهب آيَ الفخار واجعلي …..)وهنا عوض واجعلي قال (حاج علي) ولا
عجب في ذلك إذ كان عمره 7سنين وهو مازال في الصف الأول… فأسرع إلينا
الأستاذ شفيق مهددا ماذا تقولون؟ ما هذا؟ فهربنا خائفين لا نعرف سبب
طردنا!.
وكنا عصرا نقف فوق منصة شرطي المرور الغائب ونقلده في توجيه
المركبات في شارع نينوى مع السيارات القليلة جدا وفي أثناء توقفنا فوق تلك
المنصة كانت تمر أحيانا سيارة البلدية المعدة لرش الشارع منعا لانتشار
الغبار ولتلطيف الجو، إنها أيام زمان نحو سنة 1938-1939.
ها نحن
الآن إذن في أربعة مفارق من الشارع فعلى اليمين مدخل شارع سوق الشعارين
والنبي جرجيس وعلى اليسار مدخل شارع النجفي حيث بعض المكتبات ومحلات
الصاغة.
وهنا انتهت مرحلتنا الثانية من مسيرتنا في شارع نينوى قبالة
مقهى (عبو قديح) حيث تقع شقة قديمة، إنها مكتب (المحامي إسماعيل الشنشلي)
وأمامها دكان بائع الفواكه (على الرصيف) ثم مدخل مقهى واسع يدور فيه (الملا
بشير) على الجالسين من الرواد ويقدم لهم القهوة بالفناجين المكية. أما
الدكاكين على الشارع وتحت المقهى مباشرة فأولها دكان (سيد محمود-أبو هاشم)
بائع السكائر العربية (المزبـّـن)، وبجانبه (عبدالحميد) بائع الكرزات
بأنواعها، ويليه دكان العم (الحاج علي قدح) ودكانه كمتحف فهو مع ابنه
عبدالله يبيع القلم والدفتر والنفط (الكاز) للمصابيح وبعض السكاكر حامض حلو
وغير ذلك من النفائس ثم دكان النجار فرج الذي تحول بعد اذ إلى صيدلية
شفيق.
أما في المقابل بالجانب الآخر من الشارع فهذا دار بيت حبابه في ركن الشارع المؤدي إلى سوق الشعارين، تلحقه محلات كان يشغل أولها منذ سنة 1930 (أولاد البك ومنهم هاشم ومحفوظ وآخرين) التتنجية – هاهم أولاده يساهمون في تهيئة السكائر الوطنية (المزبن)، ويبيعونها للزبائن، سعر الربطة (الشدّة) أربعة فلوس، أما الربطة الممتازة فكان سعرهاستة فلوس- الربطة (16) سيكارة. أما الدكان فايجاره ستة دنانير فقط سنويا تدفع على قسطين…..والشارع لم يكن مرصوفا ومبلطا .. كانوا يأتون بالمساجين من سجن باب الطوب فيجلسون على الأرض لتكسير الحجارة يرصفون بها الشارع ويأتي آخرون حاملين إناء الزفت (القير) يسكبونه فوق الحجارة .. تلك كانت الأشغال الشاقة للمساجين. نتركهم ونواصل سيرنا فهناك بعض البيوت والمحلات حتى وصولنا محل (حنا) مركب الأسنان يتصدر فيها الحاج عبدالفتاح الجومرد والمناقشة حادة بينه وبين (حنا وسعدون) عن الخيول وأسواقها وسباقاتها وأنسابها.. إنها هوايتهم الدائمة وخبرتهم في عالم الخيول! وفوق محلهم هذا يطل علينا مقهى بعض الأفندية من المتقاعدين لصاحبه أبو داهي.