بقلم غســان يونان
خـطـف الـراهبـات أم نحــر القـوميــات
08 / 12 / 2013
http://nala4u.com
مقـدمـة لا بـدّ منهــا:
“عندما رفعوا الصليب عالياً، كســر بُكـاء
النســاء القـديســات حـالـة الصمت، وبعــد ذلـك، بــدأَ الـرعـب مـن
جــديــد: الصُراخ، الإهـانـات، الهَـزْء، البَصْـق. تحــدّي الـرب فــي
تلـك اللحـظـة الـدقـيـقـة مــن المجــابهـة بيــن الكـراهيـة والحـبِّ،
بيـن التكـبّر والتــواضـع، بيـن الشـيطـان والإلـه، بيـن التـمـرّد
وطـاعــة إرادة الــرب”! نظر يســــوع…. بـدأَ يتكلـم….إذ قـال
بحـزنِ: ” لقد خضعتُ لمحاكمة لم يجـدوا فيها شـيئـاً ليتهـمـونـي بـه،
لكـوني لـم أفـعـل شـــيئـاً خـطـأ. لـم يكـن هناك أَبـداً غــش فــي فـمي
وحتـى الشــهـود الكـذبـة الـــذيـن دُعـوا أمـام هــذه المحـاكمـة
المُشــيـنة للتَحـدث ضــدّي. جـريمتي الــوحيـدة وســـبـب عـقـوبـتـي
بالمـوت كَــان إقـراري بشّـــيء لا أَســتـطيـع أَنْ أَتـبـرّأَ مـنـه
أمــام أي شـــخص، بأنّـنـي ابــن الإلــــــــــــــــــه.”
هـذه هـي الـرســالـة المســيحيـة، رســالـة مقـدســة، تـدعـو إلـى المحبـة والتســامـح والغـفـران ونـكران الـذات، وبالـرغـم مـن كـل ذلـك وعلـى مـرّ العصـور كـان رجـالات الكنيســة عـرضـة للـقـتـل والتـنكيـل والإضطهــاد…..
فهـل اليــوم، هي المـرة الأولـى التـي يتعـرض فيها المسـيحي إلى الخطـف والتعـذيب والقـتـل والاضـطهـــاد؟!
هل نسـي أو تنـاسـى البعـض التـاريخ بهـذه البسـاطة، وهـل ٢٠١٣ ســـنـة لا تكـفـي لهـؤلاء البعض أن يتعلمـوا؟!
ألم يُعـذب المسـيح ويُهـان ويُصلب…. لأجلنـا، لمغـفـرة خـطايانـا، ألم يُضطهد ويُعذب ويقطـّع تلاميذه ورُســُلــه لأجـل الرسـالة المقـدسـة التـي نـؤمـن ونـفتخـر بهـا ، تلـك الرسـالـة التي اســتمرت وبالرغـم مـن كـل المخـاطـر والصعـاب، وسـتبقى وتســتمـر بفعـل إيمان أبنـائها بالمبادىء التي بشـّر بهـا مخلـّصنـا ومنقـذنا يســوع المســيــح.
وبالعـودة
لليـوم (حاضرنـا الأليم وواقعنــا المـريـر)، نســمـع ونقـرأ عن خطف
“الراهبـات والمطارنـة”، وهـذا مســتنكـر ومـرفـوض ومُـدان فـي كـل زمـان
ومكـان. وبصراحـة، إن بيـانات الشــجب والاســتنكـار والإدانـة غـير
كـافيـة إن لم تكـن مقـرونـة بالأفعــال!.
ولكــــــــــــن، أيـن
كانـت أصوات هـؤلاء يـوم دمّـرت عشــرات الكنائس في لبنان وقـُـتل عـشـرات
الـرهبـان والـراهبـات بالإضافـة إلى آلاف المسـيحيـيـن الأبـرياء العُزل؟!
ومـن أجـل أن تبقـى أجـراس كنـائســنا تـُقـرع فـي هـذا الشــرق!!
أجـل أيــن كـانت تلــك الأصــوات!!!!
أيـن هـي هــذه الأصوات مـن المجـازر التـي ارتكبـت وتـُرتكب بحق الآشـــوريين (بمختلف انتماءاتهم المـذهبيـة) فـي أرض آبائهم وأجـدادهـم (العــراق)؟..
نعـم وألـف نعـم، أيـن كانت هـذه الأصوات عنـدمـا قـُـتِـلَ رأس الكنيسـة المشـرقيـة الآشــوريـة البطـريـرك مـار بنيـامـين شـــمعـون (فـي العـام 1918) على يـد الزعيـم الكـردي إسـمـاعيـل الشـيكـاكـي والمعروف بـ: “ســمكـو” والـذي نـال (هـذا القـاتل) مـؤخـراً تسـميـة شــارعيـن باســمه فـي شــمـال الـعـــراق؟!!…
أيــن وأيـن وأيـن!!!………
ألم يُـقتـل أو يُنهب أو يُضـطـهـد أو يُهـان الآشــــوري ســواء فـي ســوريـا أو العــراق يــوميـاً دون إدانـةِ أو اســتنكـار هـؤلاء المســتـنكـرين!!…. أم أن الشــجــب والاســتـنكـار مطلـوبـيـن هنــاك وفـقـط للمقـامـات الـروحيـة التي نجـل ونحــترم، ومـرفــوضَـين فـي أمـاكـن أو مـواقـع أخـرى وفـقـط مـن أجـل التعـتيـم علـى الصـورة الحقيـقيـة، لـواقـع حــال لـم يعــد بخـاف علــى أحــد؟!!!!!!!….
نســـأل هنــا،
أيــن أهـلنـا فـي الخـابـور أو الحســكـة أو القـامشـلي أو …… ومـن بقـي منهـم ومـا هـي أحـوالهـم!!..
وهـل
بعـودة الراهبـات، تعـود الحيــاة إلـى مـا كـانت عليـه (تلـك العــودة
التـي ننتظـرهـا بفـارغ الصـبر ونتضرع من أعمـاق قلوبنـا لعـودتهم، اليـوم
قبـل الغــد، وللإفـراج عـن كـل مخطـوف ليعــود لـذويـه وأصحـابـه
وقريتـه)؟!!…
المسـيحية هـي فـي أن نتـوحـد جميعـاً ونصـرخ عـاليـاً فـي وجـه كل الطغـاة، كـل القـُســاة، كل الأصوليات، كل التعديات، كـل الإرهـاب… فكـم مـن مـسـيحـيّ قـُتِلَ وهُـجــر واضطـهـد وذبـح…. والبعض (الساكت دهـراً) لـم يـرَ إلا حـادثـة منـفـردة خـلال الألـفـي عـام المنصرمـة…
إن قـلوبنـا وعـقـولنـا ســتبقى متضامنة مـع الراهبـات والمطـرانـيـن المخطوفـين وصلواتنا وإضـاءة الشــمـوع فـي كل يـومٍ حتى يُطـلـق ســراح الجميــع ليعـودوا لتكملـة رسـالـتهـم المسـيحيـة. وبنفــس الـوقـت، مـن غيـر الجـائـز أن تصمت تلـك الأصوات عـن آلاف الأبـرياء الـذين يُقـتلـون إن كان في ســوريـا أو العــراق أو فـي أي مكـان آخــر.
من يعـود إلى التاريخ الحديث ولـو قـليـلاً، ســوف يجـد بين كل كلمـة وكلمة، آلاف المجـازر والتضحيـات والمعـاناة التـي لـم أشــأ ذكــرهـا، وهـذا لا يعنـي بأي حـالٍ مـن الأحــوال، التنكـر لهـا. وإذا شــاءت المسـيحية أن تحيـا حـرة معـززة فـي هــذا الشــرق، مـا علـى رجـالاتها وزعـامـاتها إلاّ أن تعمل بجــد وإخـلاص مـن أجـل لملمـة شــتـاتهـا وبالتـالـي رمي خـلافـاتها المصطنعة فـي مـزبلـة التـاريـخ، لتتمكن من اجتياز أصعب وأخطـر مرحلة تمر بها منطقـتـنـا.
وفـي الختـام،
إن
كل تسـاهل أو تخـاذل لمـا يتعـرض لـه شــعبنـا إن فـي ســوريـا أو
العـراق، سـتـرتـد علينا ويـلات تطعـن وجـودنـا وكـرامـتـنـا وتـؤدي بنا
علـى مـر الـوقت، إلـى ضعفـاء جبنـاء يـتسـولـون بعـض الحـريـة ولـن
يحـصلوا عليهـا.
غســان يونان
8/12/2013