هل نحن مسيحيون عرب؟ ام مسيحيون مشرقيون؟

بقلم نشوان جورج
هل نحن مسيحيون عرب؟ ام مسيحيون مشرقيون؟

29 / 11 / 2013
www.nala4u.com

برزت مؤخرا في العديد من المؤتمرات والمحافل المنعقدة باسم المسيحيين في الشرق تسمية (المسيحيون العرب) مما اثار جدلاً بين البعض والبعض الآخر في دول متعددة مثل فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والعراق على تسمية (عرب) وإن تسألنا اليوم هل من مسيحيون عرب!؟.

بالحقيقة لا نستطيع ان ننكر بأن المسيحية انتشرت في بلاد العرب قبل الإسلام انتشاراً كبيراً، ولكن كان المسيحيّون أفراداً في قبيلة أو مجموعة منها، ونادراً ما كانت القبيلة بكاملها على المسيحية. كما تفاوت تنصّر العرب بين منطقة واخرى، فقد كان تنصّرهم كثيفاً نسبياً في نجران والحيرة وغسّان وبادية الشام وشمال سورية، بينما كان فردياً تقريباً في الحجاز. إلاّ ان المسيحية كانت موجودة ومعروفة لدى العرب جميعهم.

ولابد من الإشارة إلى أمر هامّ، وهو أن تنصُّر الأفراد كان يأتي تلقائياً غالباً إذا تنصّر ملوكهم أو أمراؤهم أو رؤساء قبائلهم (فالناس على دين ملوكهم)، ولم يكن التنصّر في أحيان كثيرة نتيجة اقتناع فردي أو مبادرة فردية. وكان تنصّر رئيس القبيلة نفسه يعود لأسباب عديدة قد تكون إيماناً دينياً او أسباباً سياسية أو اقتصاديّة أو شخصية: فقد تنصّر النعمان ملك الحيرة بعد أن شُفي من مرض عصبيّ على يد أسقف مسيحي.

كانت الأفكار المسيحيّة قد تغلغلت قبيل ظهور الإسلام في قلب الجزيرة العربية، وفي مناطقها الحدودية، إلا أنّه لا يسعنا تحديد المناطق والقبائل التي كانت ملتزمة بهذه الديانة التزاماً فعلياً حقيقياً. كما ان النزاعات القائمة بين مختلف الفئات والمذاهب المسيحية، وعدم وجود رئاسة دينيّة موحّدة في الأرض العربية أدّت الى الفشل في سبك العرب في قالب مؤسّسة اجتماعية، والى جعل المسيحية في حالة ضعف وعجز، ولاسيما وإنّها لم تكن قد ترسّخت بعمق في نفوس هؤلاء العرب. ولم تكن الذهنية العربيّة تُبدي حماساً كبيراً في تقبّل المعتقدات المعقّدة التي كانت المسيحية تنادي بها.

رغم ذلك تواصلت موجات التنصير بين القبائل العربيّة خلال القرن الخامس للميلاد، وتأسست أسقفيّات عربية عديدة في القرنين الرابع والخامس للميلاد، وإن بقيت مشتّتةً ومنعزلةً عن بعضها بعضاً أذكر منها أسقفية العرب التي ترأسها جرجس المعروف باسم اسقف العرب. ومع هذا فالمسيحية العربية في البحرين زالت في الفترة النبويّة، كما أن قسماً كبيرا ًمن نصارى عُمان في نفس الفترة دخل في الإسلام، ونصارى تغلب بعضهم أسلم وبعضهم تمسَّك بالمسيحيّة، فقط نصارى نجران العرب لم ينضمّوا الى الإسلام. أما وضعية المسيحيّة العربيّة في فترة الخلافة الراشدة فالمصادر العربية تُشير الى زوال المسيحية العربيّة من الجزيرة في عهد الخلافة الراشدة، وأيضاً إلى طرد مسيحيّي نجران من الجزيرة العربية، وتمّ زوال المسيحيّة من عُمان في عهد الخليفة بن عفّان. ورغم أنّ المسيحيين العرب وقفوا الى جانب المسلمين في قتالهم ضدّ الفرس ولكن نرى ظاهرة جديدة لارتحال من بقي منهم على الديانة المسيحيّة الى بلاد الروم، لأنّ بعض القادة المسلمين قتلوا المسيحيّين العرب، مثل: ميسرة بن مسروق العبسي الذي اعترض طريق الغساسنة وهم يفرّون الى بلاد الروم وقتلهم مع من كان معهم من الرّوم الهاربين، وهكذا فعل خالد بن الوليد المعروف بشدّته فقد لجأ الى تقتيل الغساسنة في مرج راهط في يوم فصحهم. وكما تقول الباحثة سلوى بلحاج صالح- العايب “.. وهكذا فإن ما يمكن ان نستنتجه ان الفتح عجّل في تلاشي المسيحيّة العربيّة في الشام”. لقد عالجت الباحثة سلوى العايب موضوع المسيحيّة قبل ظهور الاسلام في كتابها المميّز بعنوان: المسيحية العربية وتطوراتها من نشأتها الى القرن الرابع الهجري – العاشر الميلادي)، وتؤكد في صفحات الكتاب أنّ عدم نموّ عدد المسيحيين العرب حتّى القرن العاشر للميلاد، كان سلوك بعض القادة العرب المسلمين.

اذا لو عدنا الى سؤالنا هل من مسيحيين عرب اليوم؟

تشير المصادر التاريخية الى ان مكان تواجد الابرشيات الهامّة قبل ظهور الخريطة الجديدة للمشرق كانت فيما يُعرف اليوم “تركيا” بل أن أمَّهات الأبرشيّات وتضم عدداً كبيراً من الأديرة والكنائس والمعابد والمدارس كانت في مرعش، وملاطية، وخربوط، ومعدن، ودياربكر (آمد)، وماردين، وطورعبدين، وبازبدي، الى بدليس، وسعرت.

ولا ننسى ان مقر الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الاشورية كان متنقلاً بين تركيا وايران والكرسي البطريركي للكنيسة الكلدانية أبتداء اولا في ديار بكر ثم انتقل الى الموصل وبغداد ومقرّ الكرسي البطريركي الأنطاكي بقي بين القرن العاشر وحتّى القرن العشرين متنقلاً بين ملاطية وأديرة اليوم في تركيا إلى ان استقرّ في دير الزعفران في دمشق هكذا الحال بالنسبة للكنيسة الأرمنية التي كانت في كيليكيا فانتقلت بعد الحرب العالمية الأولى الى سوريا ولبنان واستقرّت في أنطلياس بلبنان.

وكان هناك تميز دائما بين السريان والعرب لغةً، وثقافةً، وإثنيةً، ولم تعلِّم مدارسنا الفكرية اللغة العربية، ولم تقدم إنتاجاً فكرياً عربياً، مثل: مدرسة الرها ونصيبين وأنطاكية وقنشرين وميافرقين وغيرها. وكانت اللغتان المعروفتان عند سكان المنطقة السريانية في الأرياف، واليونانية في المدن.

هذه اللوحة التاريخية اختفت من فكر الكنائس المشرقية بعد ان تنازلت اللغة السريانية عن حقوقها، واستخدم المسيحيون الشرقيون اللغة العربية حتى في طقوسهم الكنسية ونستطيع ان نقول بأن كنيسة العرب اليوم هي من تبنت العربية لغةً.

لو قلنا صراحة بأننا اليوم لا نؤمن بوجود مسيحيون عرب ونتمسك بالهوية والقومية (الكلدانية السريانية الاشورية) والارمنية والقبطية فكما تطلق تسمية “المشرق العربي” او “المشرق الاسلامي” كذلك نستطيع ان نقول “مسيحييون مشرقيون” او “المسيحية المشرقية” مادامت جذورنا خارج نطاق المحيط العربي. ربما سنُتهم بالتعصب والطائفية والتطرف وغيرها من المسميات التي من السهل ان تطلق اليوم لنهجنا هذا لكن اللغة السائدة في المنطقة هي لغة قومية طائفية وكلٌّ يتغنى بقوميته وطائفته ودينيه ويعتبر نفسه هو اصل المشرق.

ولو خرجنا من طور التسميات وتعمقنا بمفهوم المواطنة وأكدنا للشريك الذي يعيش معنا بأنّنا متساوون في هذا الوطن الذي نحن لسنا فيه غرباء، ولا قادمون من بعيد، ولا مهجرون، ولا لاجئون، ألا يمكن ان تسود العدالة في المجتمع، ويعيش المسيحي الى جانب المسلم واليزيدي والدرزي والصابئي والعلوي بعد ان نكون قد تخلين عن شكل الهويات المتعدّدة في هذا المكوِّن المسيحي، وأخذنا نفكّر بعيدا عن الروح القومية والطائفية رغبة في العيش بسلام في وطن بناه أباؤنا وأجدادنا علما اننا امام تحديات الانقراض وزوال المسيحية من هذا الشرق وربما خروجنا من الانتماء القومي والطائفي ينقذ البقية الباقية من المسيحيين في هذا الشرق.

ولكن يبقى السؤال الاكبر لو خرجنا من انتمائنا القومي والطائفي هل سنتمكن من الحصول على حقوقنا اسوة بغيرنا من شركاء الوطن وبلداننا تسير وفق المنهج الاحادي والقومي والطائفي!؟

تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية ولغة وتاريخ . لاهمية المادة..لذا اعيد نشرها مع التقدير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.