نصب“الوجدان المشترك في دياربكر فخ كردي“ لشعبنا وبمباركة تركية مبطنة

بقلم د.ابراهيم افرام
نصب “ الوجدان المشترك في دياربكر فخ كردي“ لشعبنا وبمباركة تركية مبطنة…!؟

30 / 09 / 2013
http://nala4u.com

جرت في 12 أيلول الجاري مراسم افتتاح النصب التذكاري الذي يحمل اسم “وجدان مشترك ” ذكرى للشعوب التي عانت من المآسي والحروب خلال عام 1915 وما تلاها منهم : الأرمن والكلدان والسريان والأكراد واليزيديين واليهود والمسلمين ، وبلغات الشعوب الأنفة الذكر وفي مدينة صور في محافظة ܐܡܝܕ أمد (ديار بكر) حيث ألقى رئيس البلدية عبد الله ديمرباش باسم المشاركين كلمة اعتذر فيها ((…نيابة عن الأكراد عن تواطؤهم في إبادة الأرمن والسريان ووعد بالنضال من أجل التعويض عن خسائرهم…)) .
خلال المراحل المختلفة من تاريخ البشرية وقعت صراعات وحروب عديدة ومتكررة ، فسببت للبشرية إعاقة كبيرة في طريق التقدم الإنساني ، بحيث اعتقدت وما تزال العديد من المجموعات البشرية وفي أرجاء مختلفة من المعمورة بأنها الأفضل والوحيدة الصائبة في العالم ، بحيث تقيم المجموعات الأخرى بأنها أدنى منها، وكنتيجة منطقية لهذه الرؤية الأحادية الجانب والمتعالية لتلك المجموعات وقعت الكوارث والنكسات وحتى في هذه اللحظات على شعوب العالم بشكل عام و الشرق الأوسط بشكل خاص،فهناك صفحات مؤلمة في تاريخ الشعوب التي تعيش في بلاد ما بين النهرين وعلى مدى عدة قرون حيث تعرض الشعب الأرمني الشقيق والآشوري( بكافة طوائفه وكنائسه ) وغيرهم من الشعوب ممن لا يدينون بالإسلام لمجازر إبادات جماعية متكررة وذروتها كانت 1915 – 1918 وراح ضحيتها الملايين من الشهداء وفقد شعبنا أمة بكاملها ووطن بكامله وتشرد الناجين منهم بأعجوبة في العديد من بقاع المعمورة.

الكثيرمن الدول والأحزاب والرموز الدينية والسياسية والثقافية تسيء إلى بعضها البعض ، ثم تكابر وتناور وتراوغ ولا تعترف ولا تعتذر ، وفي الكثير من الأحيان عندما تعتذر يكون ذلك بشكل مبطن ، في حين هناك الكثير من الشعوب والدول اعتذرت عن تجاوزات حدثت عبر تاريخيها بأيمان وقناعة لأن الاعتذار فضيلة أخلاقية سامية وقيمة عليا من قيم المجتمعات المتحضرة،فالاعتذار الصادق بادرة لتصحيح الخطأ الذي ارتكب بحق الآخرين ، فمن المفروض أن تسود ثقافة الاعتذار والتعويض عن الإساءة كافة المجموعات والمجتمعات الإنسانية وبلا استثناء التي ارتكبت التجاوز بحق الاخرين.
الخطاب السياسي لأي شعب هو من مسؤولية أحزاب ذلك الشعب بالدرجة الأولى ، وشعبنا الآشوري (بكافة طوائفه وكنائسه) ليس باستثناء عن هذه القاعدة المتعارف عليها ، فالمفروض بالخطاب الذي يتعامل مع الشأن القومي أن يتسم بالشفافية والوضوح بعيداً عن الأنانية الفردية والحزبية الضيقة ، فالرهان السياسي على الآخرين والتعويل على أدوارهم وحجمهم السياسي وصحوة الضمير المفاجئة عندهم ومحاولة إعطائهم براءة الذمة وشهادة حسن السلوك على أمل الأنصاف…!؟ حقاً أنها مفارقات غير طبيعية وغير واقعية وللأسف الشديد فهم يتصرفون وعلى قاعدة ميكافيلي : والتي تقول((الغاية تبرر
الوسيلة )) ، ففكرة أقامة النصب المذكور ظاهرياً : المبادرة كانت من ممثل “ الحزب الكردي للسلام والديمقراطية عبد الله ديمرباش ”رئيس بلدية صور ، طبعاً لم يكن يخطر على بال عبد الله الأقدام على هكذا خطوة لولا وجود مبادرين من أبناء شعبنا طرحوا الفكرة لعبد الله أليس من حقنا أن نعرف من هم …!؟
بشكل عام أن التعاطي مع أي شخص أو فئة أو مجموعة سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية من المفروض أن لا يتم إلا بعد الدراسة المستفيضة والمعمقة للذهنية والتفكير للذي تود مخاطبته والتعامل معه ، ومن المهم وفي حالتنا هذه لا بل ومن الضروري جداً معرفة البعد الاستراتيجي للمشاريع السياسية والثقافية والاجتماعية للجهة التي يدعوا البعض من أبناء شعبنا للتعامل معها ، فعبد الله يمثل حزب سياسي كردي له إستراتيجية واضحة وأجزم بأنها تتناقض جملةٍ وتفصيلا مع حقوق شعبنا الأصيل والأخوة الأرمن وعلى أرضنا التاريخية .
الأغلبية الساحقة مننا عانت وما تزال تعاني من العواقب والآثار السلبية التي خلفتها تلك المجازر، فلا يحق لأي فرد كان ومهما على شأنه أو مرجعية روحية أو مؤسسة ثقافية أو حزب سياسي وما شابه ذلك التفريط والمساومة على دماء شهدائنا ، فشعبنا لم يكن في انتظار هكذا اعتذار…!؟ ولا هكذا نصب …!؟ فعلى المستوى الشخصي أنني حفيد شهيد ، أبيدت عائلتي عن بكرة أبيها ونجا والدي كطفل بأعجوبة ، وبالتأكيد هناك مئات الآلاف ممن هم بوضعي أن لم يكن أسوأ، فأنا لا أرى في هكذا اعتذار ، وهكذا نصب ما يرد لي ولو جزء بسيط من الاعتبار ولا يلغي الإساءة التي ارتكبت بحقي ولا ترقي لمستوى التعويض عن تلك الدماء الطاهرة لشهدائنا لأسباب التالية :
ـ الاعتذار الذي قدمته يا عبد الله ((أن تم القبول به… !؟)) فهو اعتذار شخصي بحت وبأسلوب مبطن ، أنه لتهدئة الذات ولذر الرماد في عيون شعبنا وتسويق الكلام المعسول للعالم المتمدن ودون أية إجراءات عملية لتصحيح الخطأ على أرض الواقع ، وماذا عن اعتذار وموقف (( أحزابكم الكردية )) والتي تدعي أنها تمثل شعبكم …!؟
ـ بأي حق…؟ وبأية شريعة…؟ يا عبد الله…؟ تضع الجلاد والضحية بنفس المستوى …!؟
ـ يا عبد الله في خطابك تطالب بمحاكمة الأتراك عن المجازر بحق شعبنا وغيرهم… بالله عليك وماذا عن محاكمة الأكراد التي لم تذكرها في خطابك…!؟ وأنت على يقن تام بأن المسؤولية التاريخية عن تلك المجازر تقع على الطرفيين التركي والكردي .

ـ أليس هذا النصب ((فخ كردي)) يستهدف شعبنا وشهدائه وها هنا الميكافيلية تنقلب على نفسها : فالوسيلة التي تم أتباعها بمخاطبة عبد الله أو غيره… والاستعانة بأبناء الجلادين لينصفوا أبناء الضحايا لم تلبي الغاية المنشودة ، وإنما بالعكس تماماً فتمت المساواة بين الجلاد والضحية ، بين المعتدي والمعتدى عليه ، بين الشعوب الأصيلة والشعوب الوافدة…!؟ .

ـ المباركة التركية كانت مبطنة فهي لم تحرك ساكناً (( فالعلم التركي برفرف على أمد وغيرها من اراضينا ومدننا والأخوة الأرمن )) ، بالطبع يروق للحكومة التركية هذا الكم الهائل من أسماء الشعوب على النصب المذكور ، فهذا يؤجج صراع التسمية وخصوصاً فيما يخص شعبنا ، حيث تتعامل معها الحكومة التركية ومخابراتها بايجابيه ملحوظة ، وبالمقابل ستعمل الحكومة التركية في المستقبل التسويق الرسمي للنصب المذكور وأمام الرأي العام العالمي والاتحاد الأوربي ورد جاهز لكل من يطالب بإقامة نصب خاص بمجازر الإبادة التي ارتكبت بحق شعبنا ..!؟ .

يقال أن صورة واحدة خير من ألف كلمة ، ربما تستطيع أقلام ((الأتراك وحلفاءهم الأكراد وممن يطلق عليهم بأنهم مثقفون والذين يحاضرون ويكرمون وتعطى لهم الأوسمة في أنديتنا في أوروبا ، يكرمون من بعض أبناء شعبنا لأنهم تقدميون وديمقراطيون ومنفتحين هؤلاء الورثة لمن ارتكب المجازر في تلك الحقبة وما قبلها والفترة التي تلتها ربما يستطيعون أن يقنعوا أنفسهم ويوهموا أبناءهم والبعض من ابناء شعبنا ببراءتهم وبأنهم هم أيضاً من ضحايا تلك المجازر…!!!)) للجميع أقول: أن رهانكم عليهم وعبد الله خير مثال على ذلك وتصرفه هذا يؤكد بأنه غير جدير بالثقة وهذا ما هو ملموس من النتائج الأولية ولن أقول النهائية فيما يخص حقوقنا القومية والأخوة الأرمن وعلى ارضنا التاريخية.
فمن أجل دماء شهدائنا والتي تستحق منا الوفاء وبما يليق بتضحياتهم ونحن أبنائهم وأحفادهم نعترف بفضل تلك الدماء وقدسيتها لنجعلها معينا لا ينضب ، نكتب منه الماضي كمجد لا ينسى وكمداد لكتابة الحاضر والمستقبل ، سنلهم أجيالنا القادمة قيم التضحية والبذل والعطاء لأجل المبادئ والقيم التي ضحوا من أجلها ، فتلك الدماء ذخر لا يمكن أن ينضب لأن الدم الذي يسفك على طريق الحرية لا بد أن يضيء طريق اﻻستقلال .
بقلم الدكتور : إبراهيم أفرام
2013/09/30


تنويه; موقع http://nala4u.com يتبنى التسمية الاشورية وغير ملزم ما يسمى بكردستان

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.