الأقـليــات المشــرقيــة وريــاح التغـيـيـر

بقلم غســان يونان
الأقـليــات المشــرقيــة وريــاح التغـيـيـر….

17 / 08 / 2013
http://nala4u.com

فـي خضـمّ كـل هـذه التطـورات والتحـولات التي تشــهـدهـا المنطقــة، والتـي يُصـار فيهـا إلـى إعـادة كتـابـة التـاريـخ مـن جـديـد.
وفـي حـالـة الضيــاع والتمـلمـل الســائـدتـين فـي جمهـور أو مجتمعـات القـوميـات المشــرقيـة.

–   نـرى فـي الأولـى، الثـورة الحقـيقـيـة التـي يصنعهـا الجيـل الجــديــد والمســيرة المحـفـوفـة بالمخــاطر والمـآســي التـي يمشــيهـا الشـباب والشـابـات، حيث يســقـون أرض آبائهـم وأجـدادهـم بـدمـائهـم ودمـوعـهم، ليعـيـدوا كتـابـة التـاريـخ الـذي يحلمـون بـه منـذ عقـود، وليـس ذاك (التـاريـخ) الـذي احتكره بعض إقـطـاعيـي العصـر الحـديث وآكلـة لحــوم البشــر.

أجـل، هـؤلاء، يكـتبون أو علـى الأقـل يحـاولـون رسـم خـارطـة الطـريق لهـم، يحـاولـون التغـيير نحـو الأفضـل. بغض النظـر عمـا إذا كنـا مـع هـذ الـرأي أو ضـده!، لكـن المســيرة كمـا يبـدو مســتمـرة حتـى إشــعـارٍ آخــر.

–   أمـا مـا نـراه فـي الحـالـة الثـانيـة، فهـو نتيجـة حتميـة أو انعـاكـس لـواقـع الحـال الـذي تعـيشــه الأقليــات فـي هـذا الشــرق، ـ بالإشــارة إلـى أن هـذه الأقليــات، هـي شــعـوب متـأصلـة ومتجــذرة فـي هـذا الشــرق ـ، ومـا عليهـا إلا الإنطــلاق مـن هـذا المبـدأ، أي كونهـا شــريكـة أســاسـية فـي كـل مـا يُكتـب أو يُحـاول كتابتــه فـي المنطقـة. والشــراكـة بـذلـك، يعنـي المشــاركـة والمسـاهمـة ولـو نســبيـاً بكـل مجـريـات الأمـور وتطـوراتهـا وليـس كمـا يعتقـد البعض أو ينادي البعض الآخـر (وبكل بســاطـة!!!..) بالحقـوق أو الضمـانـات مـن تحت الطـاولـة…..

فمـا يجـري اليـوم فـي مصـر مثـلاً، الهجمـات علـى الكنـائـس وإحراقهـا بالإضافـة إلـى انتهـاك الكرامـات والأعـراض..إلخ. وبينمـا الأخـوة الأقبـاط (تعـدادهـم تقريبـاً 15 مليـون نسـمة فـي مصـر) لـم يتمكنـوا أو حـاولـوا تنظيـم أمـورهم الـداخليـة وحمـايـة ذواتهـم مـن تلـك الهجمـات البربـريـة!.. وعـذراً مـن الأخــوة الأقبـاط، فهـذا ليـس تدخـلاً فـي شــؤونهـم (لا سـمح الله) فهـم أدرى النـاس بـأمـورهـم. لكــن، حمـايـة النفـس أو الـدفـاع عـنهــا فـي حـالاتٍ كـالتـي تشــهـدهـا مصـر اليــوم، لا يعنـي انتهـاكـاً للقـانـون أو الـدســتور وإنمـا دعمـاً لـه. وإلا فمـا الجريمـة التي ارتكبهـا الأبـريـاء فـي بيـوت الله أو رب أسـرة فـي طريقـه ليؤمـن رغيف خبز لعـائلتـه أو…

والحـالـة ذاتهـا تنطبق علـى الأقليـات المشــرقيـة عمـومـاً والمسـيحيـة علـى وجـه الخصـوص (باســتثنـاء مســيحيي لبــنان). وأمـا القـوميـة الآشــوريـة (بكـل مكـونـاتهـا وأطيـافهـا) فـوضعهـا ليـس بـأفضـل مـن شــقيقـاتهــا. إذ، لا الكنيســة (الشرقية بشـقـيهـا والســريـانيـة والكلدانيـة) قـامت بمـا يلزم بـه (علـى الأقـل ظـاهـريـاً، فربمـا مـن وراء الكـواليـس وبقـدرة قـادر قــد تحصل معجـزات!!..)، ولا المـؤسـســات الســياســيـة أدت واجبـاتهـا الوطنيــة والقـوميــة تجـاه بنـيـهـا. حيث باتت هــذه المـؤسـســات الســياســيـة أدوات تحـركهـا حكـومـات الأمـر الـواقــع. وإلا، فـأي تنظيـمٍ ســياســي يرضى لنفســه أن يكتفـي فـقط وفـي كـل عـام، بإصـدار بيـاناتٍ أو كتابـة رســائل فـي المنـاسـبات القـوميـة وأحيـانـاً كـردات فعـلٍ لأفـعـال ضــد أبنـاء شــعـبنـا.

ألا يســتطيـع أي فـردٍ أو مجـمـوعـة فـعل ذلــك (بيـانين أو ثلاثـة سـنوياً)؟!..
أليـس مـن الـعــار أن تنعـت بمؤسـسـات سيـاسـية وهـي مـن كـل ذلـك براء…

إن المجتمعـات أو الشــعـوب (أقليـات كـانت أو أكثريـات) التي لا تتعـلم أو تأخـذ الـعبر مـن أخطـائهـا أو أخطــاء غــيرها، مصـيرهـا الـزوال، والمسـألـة هـي مســألـة الـوقت!.

إن التهـرب مـن المســؤوليـات، ومـن دون إســتـثنـاء أي مـؤسـسـة أو مجمـوعـة أو حتى فـرد، لا يعني الحـل. فالتـاريخ علمنـا كمـا علـّم غـيرنـا (ولا يزال يعـطينـا دروسـاً خصوصيـة فـي هـذه المـرحلـة) بأن الحـق يؤخـذ ولا يُعطى. فكيف يؤخـذ هـذا الحـق ونحن اليـوم علـى مفترق طريق خطـر لا نرى مؤسـسـة أو مجموعـة أو فصيـلاً يأخـذ المبادرة ويدعـو إلـى اتخـاذ اجراءات أو قـرارات بحجـم مـا يجري فـي المنطقـة….

ولئـلا تبقـى الصـورة ضبابيـة، نحتـاج إلى الاعتمـاد علـى الـذات بالـدرجـة الأولـى (أي ترتيب البيت الداخلي بكل ما للكلمة من معنى) ومـن ثم الـدعـوة إلـى تشــكيـل تحـالفـات مـع باقـي الأقليـات فـي المنطقـة وعـدم اعتمـاد العـامـل الديني أو التاريخي مـقـيـاســاً لـذلـك، وإنمـا الـعامـل الوطني والقـومي.

فمـا حصل ويحصل فـي الـدول التي تـعيــش هـذه الثورات مـن تعـديات على أبنـائهـا (دون اســتـثنـاء)، إن فـي العراق أو سـوريـا أو مصـر….، لا يســمح لرجـالات أو قيـادات هـذه الأقليـات أن تســتمـر بهـذا النهـج الأرعـن وإنمـا اســتبدالهـا بقيـادات شـابـة، وعمليـة الاســتبـدال هــذه تـأتـي مـن الـداخـل، ثورات بيضـاء تركب رياح التغيير الحاصلـة فـي المنطقـة وتطبقهـا فـي الـداخـل، لتتمكـن مـن ربط تحالفات فيمـا بين بعضهـا البعض من أجل التصدي لهـذا العنف الخـارج عـن القـانون والعـدل والقيم الإنســانيـة وبالتـالـي تشــكيل روادع يُحسـب لهـا ألف حســاب.

غســان يونان
17 آب 2013

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.