بقلم د.جميل حنا
مجازر إبادة المسيحيين في بلاد ما بين النهرين- الدم المسفوك- الجزء الثالث
25 /06 / 2013
http://nala4u.com
في هذه الأشهربدأً من شهر نيسان حتى بداية الخريف تحل الذكرى الثامنة والتسعون لإبادة المسيحيين بمختلف تسمياتهم الكنسية من السريان الأرثوذكس والكنيسة الكلدانية والسريان الكاثوليك والبرتستانت وكنيسة المشرق وكذلك أبناء الكنائس الأرمنية واليونانية وبشكل عام ضد كافة المسيحيين في السلطنة العثمانية وضد الشعوب غير التركية وغير المسلمة كالشعب الآشوري والأرمني واليوناني.مجازرعام 1915 كانت أمتدادا لمجازرعام 1895و1909 وما قبلها من المجازرالعديدة الأخرى التي نفذة خلال الحقبة العثمانية.كافة المجازر أرتكبت في عهد السلاطين المتشبعين بروح التطرف والتعصب الديني على أنهم ورثة الخلافة الاسلامية ومنهم السلطان عبد الحميد.إلا أن المجزرة الكبرى التي أرتكبت عام1915,والتي نفذة بالتخطيط والتنظيم من قبل الليبراليين الأتراك الجدد بقيادة حزب الاتحاد والترقي الذي رفع شعارات(الحرية,والعدالة,والمساواة)التامة بين جميع مواطني الأمبراطورية العثمانية.ولكن جرائمهم بإرتكاب أفظع المجازر فاقت كل المجازر التي أرتكبت على يد السلاطين من قبل وكان عهدهم من أكثر العهود الظلامية والمأساوية التي مر بها المسيحيون.ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا لم يتبدل بشكل جوهري حال المسيحيين في الدولة التركية.وهم من أتهموا السلطان عبد الحميد بتحمل مسؤولية أرتكاب المذابح التي حدثت في عهده.وكافة الشعارات والمواقف السياسية التي طرحوها ببدأ عهد جديد من الأخوة بينهم وبين شعوب الأمبراطورية سرعان ما برهنوا على زيف إدعاءاتهم الباطلة بما أقترفوه من جرائم بشعة ضد المواطنين المسيحيين المسالمين.
ما أرتكبه العثمانيين الأتراك من ممارسات جهنمية همجية وجرائم بربرية تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين لم يسبق لها مثيل في التاريخ من قبل.العارلا يزول إلا بالإعتراف بتلك المجازرألتي أقترفته أياديهم الملطخة بدماء الأبرياء من الناس والأعتراف بكيان الشعب الآشوري كمكون أصيل من المجتمع التركي لأنه صاحب حضارة عريقة تمتد إلى آلاف السنين قبل الميلاد.وكان تواجده على أجزاء كبيرة من تركيا الحالية ثابتا عبر التاريخ وهو ما زال يحتفظ بوجوده القليل بالرغم من كل المجازر الوحشية ألتي ارتكبت بحقه.ستبقى جرائم الإبادة العرقية الجماعية التي نفذة في تلك الفترة بحق الشعوب غير التركية والغير مسلمة وصمة عار على جبين كل من أقترفها ومن يتنكر لحدوثها وعدم الإعتراف بها.وهوعارعلى جبين الإنسانية والمجتمع البشري الصامت على مأساة تلك المجازرالرهيبة والتي مازالت جراحها عميقة في وجدان أبناء وأحفاد من أرتكبت بحقهم تلك المجازر الرهيبة.والمسيحيون جميعا وخاصة في بلدان الشرق الآوسط لا يزالون يعانون من هذه الآلام الفظيعة حتى وقتنا الحاضر. لأن الكارثة كانت بحجم هائل كادت أن تقرض شعوبا بأكملها من الوجود في هذه المنطقة وأن واقع الحال للمسيحيين ليس على ما يرام حتى في الوقت الحاضر.إن تحقيق العدالة مطلب شرعي يجب أن ينال أصحاب الحق من المسيحيين حقهم على مختلف إنتماءاتهم القومية والكنسية.العدالة حق سماوي شرعته حتى العبادات الوثنية في مختلف الحضارات الإنسانية,وأكدت عليه الأديان التي تؤمن بالله الواحد.وأصبح مبدأ العدالة ركنا أساسيا في حياة البشروالمجتمعات والدول,ولذا نادى به الجميع على مختلف الأعراق والأديان والثقافات المتنوعة في الكون.وأنشأ من أجل تحقيق العدالة المؤسسات المحلية والوطنية والعالمية لكي تحكم بالعدل بين الأفراد والشعوب والدول.وخصصت لها أموال طائلة لكي تقوم بواجبها الإنساني وتضع حد لكل الممارسات والمخالفات الخاطئة والاجرامية والجرائم التي ترتكب بحق الأفراد والشعوب.هذه المؤسسات التي يقع على عاتقها المسؤولية القانونية والإنسانية أن تحكم بالعدل بين الأطراف المتنازعة وأن ينال كل جزاءه حسب أفعاله وأن يعطى الحق لمن هدرة حقوقه وأرتكبت ضده المجازر على أسس عرقية ودينية وطائفية. ولكن شتان بين القول وتبني فكرة العدل في كل العالم وبين التطبيق الفعلي لهذا المبدأ الإنساني.وتسحق العدالة من قبل المؤسسات العالمية والوطنية بدل أن تكون هي الحريصة على تطبيق العدالة.بل تستخدم فكرة العدالة والحق كأداة في يد الأقوياء عالميا وقطريا ومحليا والسلطات الحاكمة لفرض هيمنتها على الآخرين.
وبعد هذه المقدمة الطويلة شيء ما أعود إلى صاحب المؤلف (الدم المسفوك)المرحوم عبد المسيح قره باشي الذي كان شاهد عيان لجزء من تلك المجازر الرهيبة ألتي أرتكبها الجزارون من بني عثمان بالتحالف مع الغالبية الساحقة من العشائر الكردية المتحالفة مع العثمانيين.
وهنا نذكر بعض مما ورد في الكتاب من أحداث أليمةحيث يتطرق المؤلف إلى عمليات القتل والاضطهاد والتهجير والضيقات المريرة التي ألمت بمدينة دياربكر والقرى المسيحية حولها عام 1915.قره باش القرية التي ينحدر منها مؤلف الكتاب يقول الكاتب (في العشرين من شهر نيسان سنة 1915,حضر يحي بن ياسين آغا آمدي وصدقي برنجي قائد الخمسين في الجيش يتبعهما خمسون جنديا من فرقة الخمسين وطوقوا قره باش ثم دخل خمسة جنود مع المختار وفتشوا القرية بيتا بيتا وجمعوا كل ما رأوا من سلاح كالسيوف والرماح والخناجر والمعاصم والخوذ والبندقيات فجلبوها ووضعوها أمام قائد الخمسين وجيشه.فرح الطغاة وتأكدوا ان سرقة ونهب هذه القرية بات سهلا وصولا إلى غاياتهم الشريرة بقتل أهلها ونهب ممتلكاتهم ومقتنياتهم.وأعلموا الأكراد في القرى المجاورة سرا ان قره باش خالية ومفرغة من السلاح وليس فيها سكين.وبدأوا إجرامهم بالقاء القبض على عشرين رجلا أوثقوهم وساقوهم الى ديار بكر ,ومن ثم بعد خمسة أيام أخرجوهم خارج المدينة على مسيرة سبع ساعات بلغوا أبواب قرية (شرابي)على ضفة نهر الدجلة هناك أوقفوهم وخالعوا ثيابهم وعروهم وقتلوهم جميعا.وبعد يومين أي في الثاني والعشرين من شهر نيسان عام 1915,عادت تلك القوات مرة أخرى الى القرية وقبضوا على الرجال والشيوخ…وانقض عليهم الاكراد كالذئاب الكاسرين موصدين البوابات والطرقات ومخارج البيوت …وطفقوا يذبحونهم كالنعاج ولم ينج إلا قليلون وهم الذين هربوا تحت جنح الظلام غير مبالين.)ويسرد الكاتب العديد من المرائرالأليمة التي حدثت عندما دخل الأكراد قرية قره باش وما فعلوه بحق النساء والاطفال.
هذا النوع من الأعمال البربرية أستخدمها المجرومون في غالبية هجماتهم على القرى والبلدات المسيحية.حيث كانت قوات جيش الخمسين المدججة بالسلاح تحاصرهم ومن ثم تستدعي وجهاء القوم ويدخلون مع مجموعة من العسكر ويفتشون القرية بيتا بيتا ويجمعون كل آلة حادة كالسكاكين والخناجروغيرها من الأسلحة أن وجدت.وحتى بعد ذلك كانوا يطالبون بمزيد من السلاح الذي لم يكن بالأصل موجودا إلا في مخيلة المجرمين لأن هذا الشعب المسالم لم يرفع السلاح بوجه أحداُ.( يا سادتنا…ها نحن جلبنا لكم ماعندنا ولم يبقى لدينا شيء,فأجابهم الضباط…لا بل لديكم خوذات وبنادق ومدافع وسواها…اجلبوها الى هنا…وإلا فسوف تقتلون. ومن ثم يقبضون على مجموعة من الرجال ليوثقوهم ويربطوهم ويعذبوهم, ويتم قتل البعض ويساق الأخرون إلى ديار بكر يجمعونهم في (مسافرخانة)أي خان المسافرين.وهناك يتم تعذيبهم لبضعة أيام ومن ثم يخرجونهم من المدينة ويسيرون بهم ساعات طويلة مشيا وهم جائعون ومجروحون ومنهكون.وعند بلوغهم أماكن معينة كانوا يعروهم من كافة ملابسهم ويقتلوهم بأبشع الطرق البربرية.وفي أحيان أخرى كانوا يسوقون أهل القرى صغارا وكبارا نساء وأطفالا خارج قراهم وبعد مسيرة طويلة كان يتم خلهم ملابسهم ويبقى الجميع عراة ومن ثم يبدأون بأرتكاب الفاحشات والتعذيب والقتل باالخناجر والسيوف والمناجل والفؤوس والرصاص ويتركون في تلك الوديان او على جوانب الطرقات أو يرمون في الأبار أوالأنهاروالوديان.بعد أن يتم أفراغ القرى من الرجال تقوم العشائر الكردية بالهجوم على هذه القرى يقتلون وينهبون ويخطفون ويمارسون افعال مغزية وتنتهك أعراض النساء والسبي(أواه من المصائب المريرة والضيقات الأليمة والظلم الذي لا يوصف,وأنت ترى هؤلاء يخطفون الأطفال من أحضان أمهاتهم ويمزجون دمائهم بالحليب, والأمهات تنتهك أعراضهن عن مرأى الكل وليس من يمنع أو يردع,…)
هذه بعض الأمور التي تمت بأختصار شديد في القرى والبلدات المحيطة بديار بكر مثل قرية قره باش,الكعبية,قرطبل,جاروخية,سعدية برافة,هوارجي,اميد,جمه هوار,سيلة,قرطة,ديربشور,مقسي أوغلو,زورافا,هواردحلة.هوار خاصه,بجه جيك,بوزبينار,كوشك,عباسه,جرنق…
قتل المسيحيين والاضطهادات التي أصابت قرى منطقة ماردين عام 1914.
يقول الكاتب(ما أكتبه هنا ليس إلا نقطة صغيرة من بحر الدم الذي سفك في قرى المسيحيين,لأن الشرور والسيئات التي اقترفها البرابرة ليس بإمكان قلم ودواة(محبرة)ان تعبر عنها.وكذلك لا تسعها مجلدات ضخمة من الكتب والمنشورات.لكنني سأذكر القليل جدا من الكثير الذي أصاب المسيحيين في هذه القرى وذلك للعبرة والتاريخ والذاكرة)
ديرالزعفران:(ديرالزعفران أو ديرمارحنانيا,يقع شرق ماردين مسافة ثمانية كيلومترات.كان يقيم في هذا الديرأثناء الحرب الشرسة التي ضربت المسيحيين آلاف الرجال والنساء والأطفال المشردين والهاربين,الذين نجوا من القرى المسيحية التي تحيط بهذا الدير وهي :قلعتمرا, المنصورية,بنابيل,بكيرة وسواها مع رهبان دير السيدة العذراء…ودير ماريعقوب السروجي القريبن من دير الزعفران في قلب الهضبة المطلة على الدير… سكان الدير والمقيمون فيه واللاجئون إليه كانوا ينتظرون في أية ساعة سيهجم عليهم الأكراد ويقتلونهم.وفي الرابع من تموز صباح يوم الأثنين 1914 هجم البرابرة على الدير وطوقوه…كان المؤلف بين المقيمين في الدير). لم تنجوا أي قرية من هجمات المجرمين الذين أرتكبوا فيها أفظع الجرائم من النهب والسلب والقتل والسبي كما حصل في بنابيل, ودارا,معصرته,بافاوا,بكيرة,منصورية, القصور,قلث,ارزون.ديرمارآحو في ارزون(لما ثار الاضطهاد على المسيحيين.هرب رهبان دير ما آحو وهم: الراهب يعقوب الحبسناسي واالراهب جبرائيل البشيري.وكاهن الرعية مع سائر المؤمنين الذين لجأوا لإلى الطاغية ” جميل جتو” الذي استقبلهم ووعد أن يحافظ عليهم.لكنه نكث بوعده عندما اضطر من البرابرة ان يسلمهم إياهم مدعيا انه يحفظ حياته إذا سلمهم وغلا سيموت معهم.لذا تآمر مع هؤلاء الوحوش وأخذ يختار اثنين اثنين من كل قرية والكهنة الثلاثة فسلمهم إياهم ليقتلوهم.هؤلاء الكهنة الرهبان والقس,عندما علموا انهم ذاهبون إلى الموت كانوا فرحين في سيرهم ولم تتوقف أفولههم وألسنتهم من التسبيح والشكر لله الذي أهلهم للشهادة المقدسة وهم يصلون ويتلون المزامير.وجاء دور الشعب ليموت الكل.فساقوهم كالنعاج والخراف إلى المجازرالوحشية.واحد من هذا الشعب ضعف أمام التجربة فأعلن إسلامه لكنهم لميرحموه بل قتلوه أولاً.وهكذا قضوا على كل مسيحيي منطقة ارزون ولم يعد إليها مسيحي منذ ذلك اليوم.)ويا لها من صورة قاتمة يعيشها شرقنا المظلم! للموضوع تتمه.
د.جميل حنا
25.06.2013