بقلم د.ابراهيم افرام
الرئيس التركي وبراءة الذمة المستحيلة …!؟
12 / 03 / 2013
http://nala4u.com
يقول الشاعر التشيلي الشهير ريكاردو بابلو نيرودا :
” لكم أن تقطفوا كل الأزاهير، وتبيدوا جميع الورود، لكنكم لا تستطيعون إيقاف الربيع ” .
أننا على عتبة الذكرى المئوية الأولى لأبشع وأوسع مجزرة إبادة جماعية عرفها التاريخ (( حيث سبقتها مجازر عديدة سنتطرق لها لأحقاً )) في الأناضول بحق الغير مسلمين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص من الأرمن والآشوريين السريان الكلدان واليونانيين .
منذ عدة أشهر وبإشارة من بعض أبناء شعبنا لنقل عنها مبادرة…؟ ولما لا أليس من المفروض مناقشة الأمورالتي تورقنا ومنذ قرون مع الساسة الأتراك ، تحركت الحكومة التركية وعلى كافة المستويات فاتصلت واستقبلت ممثلين عن مؤسسات اتحادية ومرجعيات دينية آشورية كانت أم سريانية في محاولة منها لتحجيم وإسكات الصوت المطالب بالاعتراف بالمجازر ومطالبنا الآخرى التي ذكرناها مراراً ، وتكراراَ منها رفع اليد عن أملاك شعبنا وكنائسه وأديرته والاعتراف به كشعب أصيل وصاحب الأرض وتعديل بنود معاهدة لوزان وتغير المناهج الدراسية وكتب التاريخ التي تتهمنا بالخيانة … وغيرها وقد تم تتويج تلك التحركات بالزيارة الرسمية للرئيس التركي عبد الله كول والوفد الضخم المرافق له للسويد في هذه الأيام ،فما الهدف من هذه الزيارة وماذا ستكون نتيجتها وانعكاسها على شعبنا وحقوقه … ؟!
تعتبر الحركة الطورانية من الحركات العنصرية القديمة الحديثة المتأصلة في المجتمع التركي ومنذ الحكم العثماني إلى يومنا هذا وانطلقت على قاعدة التعصب القومي للحفاظ على بقاءها ، فهذه الحركة حملت معها وما تزال الويلات والآلام للشعوب التي وقعت تحت احتلالها والمجازر للقوميات والشعوب التي ما تزال تحت نظام حكمها وذلك منذ ثورة تركيا الفتاة وحتى النظام الإسلامي الأصولي الحالي والذي يحاول وبمظاهر شكلية خارجية أن يغلف بها نفسه بخطوات (محسوبة على ديمقراطية) .
التيار الديني القومي الذي يقود تركيا اليوم ليس بالبعيد عن السياسة التي أتبعها السلاطين العثمانيين معتمداً بذلك على الثقل العسكري لتركيا والمرتبط اليوم بالتاتو وبالاستناد للإرث الديني الإسلامي الذي تملكه تاريخياً ، مما يدفع بالساسة الأتراك اليوم للعلب دوراً رائداً في العالمين الاسلامي والعربي والتلويح للغرب بين الحين والآخر بالابتعاد عن سياسته وعدم حاجته لدخول اتحاده الأوربي .
إذا كان التاريخ الإنساني مليئا بالمجازر التي ارتكبت ومن قبل العديد من الدول ضد شعوبها حيث رأت فيها تهديدا لسلطتها ونفوذها تلك المجازر تعتبر من أبشع أشكال جرائم الإبادة خصوصاً عندما تمارسها الدولة نفسها تحت الغطاء الديني ضمن حدودها أو في الخارج ضد الشعوب الأخرى وبرغم من كثرة مجازر الإبادة الجماعية في التاريخي الإنساني ، ألا انه لم تتم الدراسات المعمقة والموسعة ولم يتم توثيقها بشكل فعلي ألا في القرن التاسع وبعدها في بداية السنوات الأولى من القرن العشرين والذي يعتبر بحق قرن الإبادة الجماعية وخصوصاً في عام 1915 حيث ارتكب الاتحاديون أفظع مجزرة عرفها التاريخ لتستمر لعدة سنوات والتي راح ضحيتها مليون ونصف من أشقائنا الأرمن وثلاثة أرباع المليون من السريان الآشوريين وأتباع الكنيسة الكلدانية واليونانيين …وغيرهم .
لقد تم توثيق ذلك من معاصرين وشهود أعيان ومن جنسيات مختلفة أجنبية غربية وعربية ومن أهل البيت تركية وليست قليلة ولا يمكن حصرها أو ذكرها في مقال واحد ،أنها مجازر الإبادة في الإمبراطورية العثمانية التي طالت الشعوب الأصيلة وعلى أرضها ،وهنا بعض الأمثلة ومن مصادر مختلفة تؤكد وقوع تلك المجازر ومنها و من كتاب ” المصادر العربية حول جريمة ابادة الأرمن ” نجد الإحصائية التالية كما وردت في الكتاب بضحايا المجازر الجماعية التي ارتكبت بحق مختلف شعوب اٌلأمبراطوربة العثمانية .
السنة- عدد الضحايا- الجنسية
1822/50000 يوناني في جزيرة كيوس
1850/ 12000 أرمني واشوري
1860/ 11000 لبناني وسوري
1876/ 15000 بلغاري
1877-1878 6000 أرمني
1892/ 8000 يزيدي في الموصل
1894/ 500000 أرمني
1896/ 55000 يوناني في جزيرة كريت
1909/ 30000 أرمني
1915-1916/ 1500000 أرمني
1917-/1923 400000 أرمني
1922/ 50000 يوناني
1894-1924/ 450000 اشوري
أما المؤرخ الحقوقي والدبلوماسي السوري فايدز الفصين وفي كتابه( المذابح في أرمينيا) يورد أمثلة ويوثق العديد من الحوادث لتلك المجازر ومما جاء في معلقته الموجودة في كنيسة المتحف في دير الزور وكما جاء في مقال للزميل آرا سوفاليان في الطريق الى مركدة…أنظر الرابط في نهاية المقالة : “هل يأت رجال الحكومة التركية بدليل ضعيف يجيز لهم هذا العمل ويحجون به الامة الاسلامية التي تنكر ذلك عليهم وتأباه. كلا والله أنهم لا يجدون كلمة واحدة يتكلمون بها أمام أمةٍ تأسست شرائعها على العدل وبنيت أحكامها على الحكمة والعقل. أيجوز لهؤلاء الأغرار الذين يدعون أنهم هم أركان دولة الاسلام والخلافة وهم حماة المسلمين ، مخالفة أوامر الله ومخالفة القران ، مخالفة أحاديث رسول الله ، مخالفة الإنسانية .والله أنهم فعلوا أمراً لتأباه الإسلامية وجميع المسلمين وجميع أمم الأرض من أسلام ونصارى ويهود ومجوس والله أنه لأمر فظيع لم يسبقهم لمثله أحد من الأمم التي تعد نفسها من الأمم المتمدنة . فايز الغصين “.
قد يكون للعرب موقف لا يستحبه الأتراك نتيجة الثورة العربية الكبرى ، ولكن هناك وجهة نظر تركية للعديد من المثقفين والكتاب والصحفيين وحتى سياسيين مرموقين بالنسبة لتركيا وكمثال على ذلك تصريح لشخصية سياسية مرموقة واكبت تلك المجازر ومن أهل البيت وشهد شاهد من أهلها حيث يورد المدرس الجامعي والباحث الصحفي المهندس آرا سركبيس آشجيان وفي مقال له على موقع يكتي ميديا : ” وطالب الصدر الأعظم التركي السابق توفيق باشا في حديث مع صحيفة إيطالية نقلته صحيفة (النيويورك تايمز) في 13 آذار-مارس 1919، طالب بتشكيل لجنة دولية لإبراز وتوثيق الأدلة التي تخص إبادة ألأرمن وقال : “إن أوروبا تتمكن بهذه الطريقة فقط من معرفة الحقيقة، نحن لا ننكر الأحداث المأساوية التي جرت في أرمينيا فحسب ، بل نتألم بشدة لذلك. ونحن نحاكم الآن أولئك المسئولين عن تلك الأحداث.”
نعم يا سيادة الرئيس ويا للصدف 13 آذار 1919 الصدر الأعظم التركي توفيق باشا لا ينكر ويتألم وأنت بكلمتك في البرلمان السويدي في يوم 13 آذار 2013 هل ستتألم لتك المجازر.. أم لا !؟ ستنكر المجازر.. !؟ فأنت لأتقل شأناً عن الصدر الأعظم توفيق باشا وبينكما حوالي ثلاثة أجيال بكمها الهائل من التطورات العلمية والتقنية والانفتاح الديمقراطي حيث حقوق الإنسان باتت من الأولويات في العلاقات الدولية بين الدول في هذه الأيام وأنك تمثل دولة معترف بها ولها ثقلها ووريئة الإمبراطورية العثمانية التي أرتكبت الفظائع بحقنا ستجد نفسك أمام العشرات من هذه الأسئلة .
نعم ياسيادة الرئيس فمنذ ثلاث سنوات وفي 11 من آذار وتحت قبة البرلمان السويدي الذي ستلقي فيه كلمة تمت إدانة مجازر الإبادة بحق الأرمن والآشوريين السريان الكلدان واليونانيين ، دولة السويد حدت حدوا العديد من الدول في العالم ، كيف لا وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة و التي أصدرت توصيتها المرقمة 96 ( 1 ) في 11 / ديسمبر / 1946 بعد إجراء بعض التعديلات على الدراسة ومما تضمنته التوصية : إن الإبادة الجماعية يتمثل في نكران حق الوجود لمجموعات إنسانية. وان مثل هذا النكران يصدم الضمير الإنساني. واعتبرت العقاب على مثل هذه الإعمال يدخل في اهتمامات المجتمع الدولي . ومن هذا المنطلق أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إن ( الإبادة الجماعية تعتبر جريمة بموجب القانون الدولي ). كما دعت الدول الأعضاء إلى تشريع القوانين الوطنية لمنعها والعقاب عليها. فإذ كانت المادة الأولى اعتبرت إن الإبادة الجماعية جريمة دولية بغض النظر عن زمن ارتكابها. كما تضمنت المادة الثانية تعريفا للإبادة الجماعية فنصت على إن ما ( تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية – المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه ، وهناك بعض المجازر التي حدثت في التاريخ وكون تلك الإبادات من الجرائم الدولية والتي لا تموت بالتقادم ، فالمجازر واحدة بغض النظر عن المكان والزمان ولنقرأ ما جاء على هذا الموقع ((حث الرئيس التركي عبد الله غول الجمعة السلطات الصينية على الكشف عن منفذي المجازر ضد الايغور المسلمين في إقليم شينغيانغ بالصين، وتقديمهم للمحاكمة)) السبت 11 يوليو-تموز 2009 الساعة 06 مساءً – مأرب برس -وكالات الرابط في نهاية المقال .
نعم يا سيادة الرئيس لا يمكن الكيل بمكيالين فالإبادة وبحسب المادة الأولى الأنفة الذكر جريمة دولية فكما هي في راوندا وكمبوديا وتركيا ودارفور وغزة وإقليم شينغيانغ في الصين … فالقانون الدولي لا يفصل على ذوق الدول وحسب موقعها الجغرافي أو نوع نظامها السياسي ، فكما أنت رئيس لكل الجمهورية التركية وليس لمقاطعة تركية بعينها دون سواها ، كيف ستفسر تشرد الملايين من الأخوة الأرمن والآشوريين السريان الكلدان واليونانيين في عشرات الدول من العالم !؟.
الخلاصة : أن السعي للحصول على براءة ذمة وأقولها مسبقاً : يائسة ومستحيلة وللذين نصبوا أنفسهم طواعيةٍ ودون توكيل من أحد كمدافعين بمحاولاتهم اليائسة وبخلق الحجج والمبررات الواهية لمهادنة الدولة التركية أقول : ها هم أبناء وأحفاد تلك الملايين من الأزاهير والورود التي تم قطفها في ريعان شبابها يستقبلون ربيعهم ، فلا يحق لأي كان شخصاً أو حزباً أو مرجعية دينية أو ثقافية التفريط بدماء شهداؤنا وليست مخولة بذلك ، فكل واحد مننا جزء من هذا الصراع ، الصراع ما بين الباطل والنكران وبين الحقيقة والوجود .
الدكتور: أبراهيم أفرام
2013/ 03 / 12