شذى توما مرقوس
مِنْ مُذكَّراتِ إِنْسَانَة ……….
ـــ مُجْتَمع ــ / 3
كبُرَتْ
27/ 09 / 2012
http://nala4u.com
بقلم : شذى توما مرقوس
الثلاثاء 8 / 5 / 2008 ــ السبت 8 / 9 / 2012
( نُتفٌ عَنْ أَحْوالِ وأَوْضاعِ النِساء ــ زَواج القَاصِرَات سَرِقَة طُفُولَة الفَتيات )
…….
فَجْأَةً كبُرَتْ صَدِيقَتنا الَّتِي تَلْعَبُ مَعنا كُلَّ يَوْم …….
كبُرَتْ لِدَرَجَة إِنَّ أَهْلَها مَنعُوها مِن اللعِبِ مَعنا ( كالعَادَة )
في اليَوْمِ التَالي ………
كُنّا نَلْعَبُ كُلَّ يَوْمٍ أَمامَ مَنْزِلها ،ظَنَّنْتُ إِنَّها غَضِبَتْ مِنّا لِسَبَبٍ ما وسَأَلْتُ صَدِيقاتي الأُخْريات :
” أَيْنَ هي لُبنى ؟ لِماذَا لا تَأْتي لِتَلْعَبَ مَعنا ؟ ”
جَاءني الرَدّ مِنْ إِحْدَى الصَدِيقات :
” أَهْلَها مَنَعوها مِنْ اللَعِبِ مَعنا والبَارِحة كانَ اليَوْم الأَخِير لَها بَيْننا ”
سَاورني
الشَكُّ ومَجَّ بي الخَاطِر فيما لَوْ أَن أَهْل لُبنى قَدْ انْتفَخَتْ
أَوْداجهُم غَضَباً مِنَّا لأَنَّنا نَلْعَبُ هذهِ الأَيَّام أَمامَ دارِهم
، ولكِنْ على طُولِ الأَزِقةِ في كُلِّ الأَحْياءِ السَكنِيَّة يَتَكتَّلُ
الأَطْفالُ في حَلقاتٍ صَغِيرَةٍ لِلَعِبِ أَمامَ مَنْزِلِ أُسْرَةً ما
مِنْ ذويهم ، وقَدْ لاتَبْقَى الحَلقاتُ ذاتها فيَنْسَحِبُ مِنْها طِفْلٌ
ما تَابِعاً شَوْقَهُ الطُفُوليّ أَوْ لِسَبَبٍ ما لِيَلْعَبَ في اليَوْمِ
التَالِي في حَلَقَةٍ أُخْرَى ، وقَدْ يَتَغيَّرُ مَكانُ اللَعِبِ
للِحَلَقَةِ ذاتها فاليَوْم هُنا وغَداً هُناك ….. إلخ ، فالأَطْفالُ
يَتْبَعون شَوْقَهُم لِلَعِبِ في فَضاءٍ حُرٍّ بِلاقُيودٍ وبِلاشُروطٍ أَوْ
الْتِزامات ، أَمَّا الأُسَر فقَلَّما أَبْدَتْ تَبرُّمَها مِنْ هذهِ
الحَلقاتِ وضَوْضائِها طَالَما إِنَّ أَطْفالَها مِنْها .
تَوقَّفْتُ عَن اللَعِب ثَانِيةً وسَأَلْتُ بِاهْتِمام :
” مَاذَا فَعَلْنا حَتَّى يَغْضَبُ أَهْلَها مِنَّا ؟ ”
ثُمَّ أَرْدفْتُ :
“هَلْ لأَنَّنا نَلْعَبُ أَمامَ دَارهم فأَزْعجَهُم صُرَاخنا أَمْ مَاذَا ؟ ”
لَمْ تَعْبأْ أَيّ مِنْ صَدِيقاتي بِسُؤالي ووَاصلْنَ اللَعِب دُوْنَ مُبَالاة ……
بَقِيْتُ في مكاني جَامِدَة أَنْتَظِرُ الإِجابَة ……. تَوقَّفَتْ إِحْدَاهُنَّ عَن اللَعِب وسَأَلتْني :
” هَلْ كفَفْتِ عَن اللَعِبِ مَعنا أَنْتِ أَيْضاً ؟ هَلْ ستَتَزوجين أَنْتِ أَيْضاً كلُبنى ؟ ”
ثُمَّ وَاصلَتْ اللَعِب ، لَمْ تَنْتَظِرْ مِنِّي جَواباً ……..
تَكوَّرَتْ عَيْنايّ دَهْشَةً وصَرَخْتُ بِجُمْلةٍ طُفُولِيَّة مُتَلعْثِمَة :
”
مُعِيبٌ أَنْ تَتكَّلمي عَنْ …. عَنْ ……. الزَواج ، مَاذَا لَوْ
سَمِعكِ أَهْلكِ ؟ أَنا أُرِيدُ أَنْ أَعْرِف لِماذَا غَضِب أَهْلُ لُبنى
مِنَّا فمَنَعوها مِن اللَعِبِ مَعنا ؟ أُرِيدُ أَنْ أَعْرِف . ”
تَوقَّفَتْ صَدِيقتي الأُخْرَى عَن اللَعِب وقَالَتْ :
”
يَقولُ والِدُ لُبنى إِنَّها كبُرَتْ وعَلَيْها أَنْ لا تَلْعَبَ كالصِغار
في الشَارِع ، عَلَيْها أَنْ تَتَعلَّمَ مِنْ والِدتِها العَمَلَ في
المَنْزِل .”
تكوَّرَتْ عِيْنايّ أَكْثَر ، كادَتْ حَوافَها تَتَشَقَّقُ وقُلْتُ بِإِنْذِهالٍ :
” كبُرَتْ ……. !!! ”
صَدَمتْني
هذهِ الكلِمَة وأَكلَ الذُهُول مَلامِحَ وَجْهِي حَتَّى سالَ الرِيقُ
فَوْقَ شَفَتيّ وأَنْحَدرَ عَنْها فَوْقَ حنِكي وتَدلَّى قَاصِداً أَرْضَ
الشَارِع ( وكانَ لِلكبارِ في مخَيَّلتِنا نَحْنُ الصِغار هَيْبَةَ
وصُورَةَ القُدْوَة ) ………..
لِماذَا لم يقُلْ لي والِدي إِنَّني كبُرْتُ ؟
لِماذَا لَمْ يَمْنَعني مِن اللَعِبِ مَعَ الأُخْرياتِ في الشَارِع ؟ …….
ولِماذَا والِدُ لُبنى يَعْتَبِرُ ابْنَتَهُ كَبِيرَة وهي مِثْلنا في التَاسِعة ؟
هَلْ تَحْتَازُ عُمْراً مَخْفِيَّاً عنَّا ؟
هَلْ لَها عُمْرين ، واحِدٌ مَخْفِيّ وآخَرٌ مُعْلن ؟
ولِماذَا هي وحَدْها كبُرَتْ ونَحْنُ بِقِينا صِغاراً ؟
ثُمَّ مَتَى كَبُرَتْ ولِماذَا لَمْ نَلْحَظْ ذلِك ؟
ما هذا الَّذِي يَجْرِي ؟ …………
كَبُرَتْ
لُبْنَى ، هذا يَعْني إِنَّها قَدْ طَالَتْ قَامَةً وازْدادَ وَزْنَها
وصَارَتْ تَلْبَسُ الكَعْبَ العالي ، أَيْضاَ قَدَمَها الصَغِيرَة
أَصْبحَتْ أَكْبَر ، أَظافِرها مَطْلِيَّة بِلَوْنٍ ما والمُودَة حِيْنَها
إِنْ لَمْ تَخُنْي الذَاكِرَة كانَ اللَوْنُ الأَحْمَر ، شَعْرَها
ستُكلِّلَهُ تَسْرِيحةٌ ما ( البُوكْلَة العَالِية كانَتْ الشَائِعَة آنذاك
) ، و ……. و…….. إٍلخ ، انْطِباعاتٌ خارِجِيَّة ، هذا ما جَادَتْ
بِهِ الطُفُولَةُ مِنْ صُورٍ عَمَّنْ سَبَقونا جَرْياً بِسِنِينِ العُمْرِ
دُوْنَ إِرادَةٍ مِنْهُم ………
عُدْتُ إِلى المَنْزِلِ يَوْمَها حَزِينَة جِدَّاً
وغَاضِبَة جِدَّاً مِنْ أَبي الَّذِي كذَبَ عليّ ……. لَمْ أكُنْ
أَعْرِفُ أَنَّ الكِبارَ يكْذِبون وإِنْ كانوا آباءاً ……….
حَاولَ والِدي التَحدُّثَ
إِليّ كُنْتُ مُنْزعِجة ………. تَجْنَّبْتُهُ طَوالَ الوَقْت
والْتَصقْتُ بِأُمِّي ولَمْ أَدْخُل إِلى أَيَّةِ غُرْفَة تَواجَدَ فيها
أَبي ذلِك اليَوْم ……… ثُمَّ ما أَمْرُ الزَواج الَّذِي تَحدَّثْنَ
عَنْهُ صَدِيقاتي …….. الكِبار فَقَطْ يَتَزوَّجون …… والكِبار هُم
كِبارٌ مِثْلَ أُمِّي وأَبي والجَارات والجِيران مِن الآباءِ والأُمَّهات
….. هكذا هو الأَمْر …….
في
اليَوْمِ التَالي وكعادَتنا خَرَجْنَا نَحْنُ الفَتيات الصَغِيرات إِلى
حَيْثُ نَلْعَب أَمامَ مَنْزِلِ لُبنى وكُنْتُ قَدْ نَسِيتُ ما جَرَى
البَارِحة حَتَّى فُتِحَ البَاب وأَطَّلَتْ مِنْهُ حامِلَةً شَقِيقَها
الصَغِير البَالِغ مِن العُمْرِ السَنتين تُهَدْهِدهُ فَوْقَ صَدْرِها
لِيَنامَ كما تَفْعَلُ الأُمَّهات ، وكانَتْ قَدْ صَبَغَتْ وَجْهَها
بِبَعْضِ المَساحِيقِ كما يَفْعلْنَ النِساء الكبِيرات والشَّابات ،
وإِرْتدَتْ مَلابِس فتَاةً شَابَة وتَرفَّعَتْ عَنِ النَظَرِ إِلَيْنا
نَحْنُ الصَغِيرات اللَّواتي لا زِلْنا نَلْعَبُ أَمامَ مَنْزِلها وهي
الكبِيرَة الَّتِي ستَتَزوَّجُ قَرِيباً ……..
رَكضْتُ إِلَيْها وسَألْتُها بِعَفوِية :
” أَلنْ تَأْتي لِتَلْعبي مَعنا قَلِيلاً ؟ ”
أَجابَتْ وقَدْ أَشاحَتْ بِوَجْهِها عَنِّي إِلى الجِهةِ الأُخْرَى احْتِقاراً واسْتِصغاراً :
”
أَنا لَمْ أعُدْ صَغِيرَة حَتَّى أَلْعبُ في الشَارِع ، لَدَيّ واجِبات
مَنْزِليَّة كثِيرَة ، عليّ أَنْ أَطْبُخ وأُنظِّف البَيْت وأَغْسِل
الصُحُون والملابِس وأَرْعَى أَخي الصَغِير …… إِذْهبي بَعِيداً
…….. لقَدْ مَنَعني أَبي مِن الحَدِيثِ إِلى الفَتياتِ الصَغِيرَات .
”
دَهْشَةً تَكوَّرَتْ
عَيْنايّ أَكْثَرــ وكُنْتُ بَارِعة في ذلك ــ وأَنا أَسْمَعُ مِنْها
إِنَّها يَجِبُ أَنْ تَطْبُخ وتَغْسِل الصُحُون وتُنظِّف البَيْت ……..
الأُمَّهات فَقَطْ يَطْبُخْنَ أَوْ الأَخوات الكبِيرَات ، والأُمَّهات
فَقَطْ أَوْ الأَخوات الكبِيرَات يَغْسِلنَ الصُحُون ويُنظِّفْنَ المَنْزِل
، أَمَّا الصَغِيرات أَمْثالنا فعَليهنّ أَنْ يَذْهبْنَ فَقَطْ إِلى
المَدْرسَةِ ويَلْعبْنَ مَعَ صَدِيقاتِهنّ ويَعْملْنَ بِنَصائِح الوالِدين
ويُتَمِّمنَ مايَطْلُبَ مِنْهُنَ في المَنْزِل مِنْ خَدَماتٍ صَغِيرَة
………..
سَأَلْتُها : ” هَلْ ستَأْتين غَداً لِلمَدْرسَةِ ؟ ”
(
وكانَ لِلمَدْرَسةِ شَأْنٌ بالِغٌ في حياتي لايُقاطِعَهُ شَأْنٌ آخَر
والانْقِطاعُ عَنْها إِنَّما هو مِنْ أَشَدِّ الأُمُورِ إِيلاماً لي ) .
أَجابَتْ بِاحْتِقارٍ أَكْبَر:
”
لَيْسَ لي وَقْتٌ لِلمَدْرسَة …… عليّ واجِباتٌ كثِيرَة …….
طَبْعاً أَنْتِ صَغِيرَة ولا تَفْهمِين ما أَقُول ……. إِذْهبي إِلْعبي
مَعَ الصَغِيرات أَمْثالكِ أَيَّتُها الزَعْطوطَة …….. ”
( والزَعْطوطَ : كَلِمَة شَعْبِيَّة دارِجَة الجَمْعُ مِنْها
زَعاطِيط ، لَها اسْتِعْمالات ٍ شَتَّى ، مِنْها مَعْنَاها الوارِد في هذا
المَوْضِع مِنْ الحَدِيث إِذْ يُشارُ بِمُفْردَةِ زَعاطِيط إِلى الأَطْفال
حَيْثُ لايَعونَ مِن الحَيَاةِ وهُمومِها شَيْئاً ما ، وما لَبِثُوا
غَارِقين في طُفُولتِهم فلا تُؤْخَذُ تَصرُّفاتِهم أَوْ أَقْوالِهِم أَوْ
آراءِهِم على مَحْمَلِ الجِدِّ ، ولَيْسوا مُؤْهَّلين لِتَحَمُّلِ أَيَّةِ
مَسْؤولِيَّة ، ولاقِيمَة لَهُم في عالَمِ البَالِغين .
ولِلكلِمَة
( الزَعْطوط ) اسْتِعْمالاتٍ مُمتَدَّة بِمَعانٍ فَائِضَة أُخْرَى
لامَجَالَ لِلتَطَرُّقِ إِلَيْها جَمِيعُها هُنا ولكِنْ لِبَعْضِها فهي
تُطْلَقُ على : الجَاهِل القَلِيل الدِرايَة ، صَاحِبُ التَصرُّفاتِ
السَيئَّةِ اللامَسْؤولَةِ في المَواقِفِ والأَحْداثِ ، الفَرْد الضَعِيف
الشَخْصِيَّة الَّذِي لايُعْتدُّ بِرَأْيهِ بَيْنَ الآخَرِين ، المُغامِر
الَّذِي لايَتَعامَلُ مَعَ الحَيَاةِ بِجِدٍّ ومَسْؤولِيَّة ……..
وغَيْرُ ذلِك مِنْ اسْتِعْمالات شَتَّى ) .
أَغْلقَتِ
البَابَ بِعُنْف وتَركتْني وقَدْ صُعِقْتُ في مكاني ……. عُدْتُ
لِلمَنْزِلِ أَبْكي ، لَمْ أَكُنْ أَفْهمُ ما يَجْرِي ولَمْ اسْتَطِعْ
فِهْمَ ذلك ، لكِنَّني رَغْمَ الحَيْرَة لَمْ أُثرثِر لأُمِّي بِشَيْءٍ
عَنْ هذا السِرّ الكبِير الخَطِير ……… !!
في اليَوْم
الثَالث خَرَجْنَا كالعادَة لِنَلْعب أَمامَ بَيْت لُبنى ، وبَيْنَما
نَحْنُ نَلْعب مَرَّ مِنْ أَمامِنا رَجُلٌ كثُّ الشَارِبين ، كبِيرُ
الرَأْس ، كبِيرُ السِنِّ مَعَ سَرْبٍ مِن الرِجالِ والنِساءِ ……..
فَزِعْتُ لِمَنْظَرِ هذا الرَجُل وكُنْتُ أَهمُّ بِالهَربِ حِيْنَ سَمِعْتُ
شَقِيقَ لُبنى يُنادِي على والِدِهِ قَائلاً :
” بابا تَعالْ ……. لَقَدْ حَضَروا …… يَبْدو إنَّ خَطِيبَ لُبنى بَيْنَهم ”
وأَشارَ إِلى الرَجُلِ الكثِّ الشَارِبينِ ، الكبِيرُ الرَأْسِ ، الكبِيرُ السِنِّ.
وَقعْتُ على الأَرْضِ خَوْفاً وانْذِهالاً ودَهْشَةً وصُرْتُ أَبْكي ،
هَلْ ستَعِيشُ لُبنى مَعَ هذا الرَجُل …… يالِلمَسْكِينة ………
كَمْ أَتأَلمُ لأَجْلِها …….
ثُمَّ نَهَضْتُ عَنْ الأَرْضِ وإِنْطلَقْتُ مُسْرِعةً نَحْوَ
مَنْزِلنا والصَدْمَةُ قَدْ أَخذَتْ مِنِّي مَأْخذَها …….. بَحثْتُ
عَنْ أُمِّي وحكيْتُ لَها السِرّ الخَطِير وأَنا أَبْكي وأَصْرُخ وأَصِيح
مِن الدَهْشَةِ والخَوْفِ والتَعَجُبِ ، صُورَة الحَيَاةِ الطُفُولِيَّة
البَسِيطَة ارْتجَتْ …….. لَمْ يتَمكَّن عَقْلِي مِنْ اسْتِيعابِ ما
يَجْرِي ……
حاولَتْ أُمَّي تَهْدِئتي
فضَمَّتْني إِلى صَدْرِها وقَبَّلتْني وشَرَحَتْ لي بِبساطتِها كَيْفَ حَال
الدُنيا وإِنَّ الزَواج مِنْ أَحْوالِ البَشَر ، البَعْض يَتَزوجون
مُبكِراً والبَعْض مُتأخِراً ، وكانتْ أُمِّي تَعْرِفني طِفْلَتها
المُفْرطة الأَحاسِيس ولِهذا طالَما أَغْدَقَتْني بِحِصْةٍ إِضافِيَّة مِنْ
عَطْفٍ ورِعايَةٍ لا تُنازِعني فيها وَاحِدَةً مِنْ أَخواتي الأُخْريات ؛
لكِنَّني لَمْ أُصدِقْ أُمِّي ولَمْ أُصدِقْ إِنَّ أَمْرَ زواج لُبنى مِنْ
هذا الرَجُل المُخِيف عادِياً …… إِنّهُ كبِيرُ السِنِّ ويَصْلُحُ لَها
أَباً أَوْ جِدّاً …….. وسَألْتُ أُمِّي :
” هَلْ يَتَزوَّج الِكبار مِن البناتِ الصَغِيرات ولِماذَا ؟ ”
ثُمّ تَلَتْها أَلفُ هَل أُخْرَى وأُخْرَى ………
كُلُّ
هذهِ الأَحْداث شَكَّلَتْ تَهدِيداً لِعالَمِ الطُفُولَةِ المَرْسومِ
والمُلوَّنِ والمَعْجونِ بِالضَحكاتِ واللَعِبِ ، وحَنان الوالِدينِ ،
وأَتْرابِ اللَعِبِ ، والمَدْرسةِ ، والهُمُومِ الصَغِيرَةِ الحُلْوَة
كالواجِباتِ المَدْرسِيَّةِ والدَوامِ والامْتِحاناتِ ، وجَهْلِ قَسْوَةِ
الحَيَاةِ والأَيْامِ وصُعُوباتِها والأَخْطارِ الَّتِي تُحِيقُ بِها .
هكذا كانَتِ المَسافَةُ شَاسِعةً بَيْنَ عَالَمِ الطُفُولَةِ
الهادِئ وعَالَمِ الكِبارِ القَاسي المُتْخَمِ بِالمَخاطِرِ والتَحدِّياتِ
والمَسْؤوليات .
لَمْ تَمْضِ بِضْعَة أَيَّامٍ حَتَّى خَرَجَتْ
عَلَيْنا شَقِيقَة صَدِيقَتنا الأُخْرَى البَالِغَة مِن العُمْرِ خَمْسَةَ
عَشَر عاماً والَّتِي كانَتْ تَلْعَبُ قَبْلَ بِضْعَة أَيَّامٍ في الشَارِع
مَعَ رفِيقاتٍ مِنْ عُمْرِها ، وطَرَدَتْنا مِن السَاحةِ الَّتِي كُنّا
نَلْعَبُ فيها شَاتِمةً إِيَّانا ومُعِيبَةً عَلَيْنا طُفُولَتنا ،
وعَيرَّتْنا بِأَنَّنا لا نَعْرِفُ مِن الحَيَاةِ شَيْئاً سِوَى الأَكْل
والتَغوُّط واللَعِب ، وكانَتْ قَدْ صَبَغَتْ وَجْهَها بِمَساحِيق كثِيرَة
حَتَّى بَدَتْ كلَوْحةٍ رُسِمَتْ بِأَلفِ لَوْنٍ ولَوْن …….
بِسُرْعَةِ البَرْقِ
تنَاقَلَتْ الفَتياتُ الصَغِيرات في السَاحةِ نَبأْ تَزْوِيجِها قَرِيباً
وخَبَرَ الاحْتِفالِ بِخُطُوبتِها في غُضُونِ الساعاتِ الآتِيَة .
كُدْتُ أَمُوتُ مِن الدَهْشَةِ …….
كَيْفَ يَكْبُرُ الصِغار هكذا فجْأَةً ؟
هَلْ
يَكْتَشِفون ذلك بِأَنْفُسِهم ، أَمْ إِنَّ رَبَّ الأُسْرَة يُخْبِرهُم
بذلك ، أَمْ إِنَّ هُناك تَغْييرٌ يَجْرِي في الجِسْمِ يَدُقُّ كالجَرسِ
عِنْدَ الفتاةِ ويَصِيحُ ” إِنّكِ كبُرْتِ . ” ؟
أَفْكارٌ كثِيرَة مَرَّتْ بِرَأْسي حَيَّرتْني ،
أَسْئِلةٌ طُفُولِيَّة بَرِيئَة ومُضْحِكة لِفَرْطِ سَذاجَتِها لَمْ تَجِدْ
لَها جَواباً اكْتَنفَتْني ……
بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ
ضَجَّ مَنْزِلُ ذات الخَمْسَة عَشَرَ عاماً بِالنَاسِ وكانَتْ مُتبرِّجَة
وجالِسَة في وَسطِ النِسْوةِ وكُلَّهن يُغنينَّ لَها ويَرْقُصنَّ ، وكُنَّا
نَحْنُ بَيْنَ الحِيْنِ والآخَر نتَلصَصُ على الحَفْلِ ثُمَّ نَعودُ
ثانِيةً للَعِبِ وتَارةً أُخْرَى نَرْقُص وهكذا ……..
في اليَوْمِ التَالِي لعِبْنا لُعْبَة مُشابِهَة
هي لُعْبَةُ العَروسَة ، فاخْترْنا إِحْدَانا ومَلأْنا وَجْهَها أَصْباغاً
بِالأَقْلامِ المُلوَّنَة الَّتِي كُنَّا نَسْتَعْمِلها في دَرْسِ الرَسْمِ
، وخِطْنا لَها فُسْتاناً مِن الوَرقِ الأَبْيض فسَخْناهُ عَنْ دَفاتِرِنا
المَدْرسِيَّة ، ثُمَّ أَجْلسْناها في الوسطِ وقُمْنا نَرْقُصُ حَوْلَها
ونُغني وكانَتْ سَعِيدَة ، ثُمَّ كرَّرْنا اللُعْبَة لأَيْامٍ مُتتالِيَة
حَتَّى ملَلْنا مِنْها ………
تَزوَّجَتْ
ذات الخَمْسَةَ عَشَرَ عاماً وفي غُضُون السَنةِ أَنْجَبَتْ طِفْلاً
وأَسْمتْهُ ( يونس ) …….. غَرِقْتُ حَيْرَةً مِنْ اهْتِزازِ وتَشوُّشِ
فِكْرَتي الطُفُولِيَّة عَن الحَيَاةِ فكَيْفَ يُمْكِنُ لِفتاةٍ صَغِيرَة
أَنْ تُنْجِبَ طِفْلاً ، لَقَدْ ظَنَّنْتُ دائماً إِنَّ هذا هو شَأْنُ
الكِبار فَقَطْ تَماماً كالزَواج ، وكَيْفَ يَجوزُ لِطِفْلٍ صَغِيرٍ اسْمٌ
كهذا فهو في وَقْعِ ضَخامَتِهِ مِنْ اسْماءِ الآباءِ ولَيْسَ الأَطْفال
حَتَّى إِنَّ والِد إِحْدَى الطالِباتِ في الصَفِ يُدْعَى بِهِ …….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كُنَّا
في الصَفِ الرَابِع الابْتِدائي ، أَيْ تَتراوحُ أَعْمارُ الطَالِباتِ
مابَيْنَ التَاسِعةِ والحادِيَةِ عَشَر على العُموم ماخَلا الاسْتِثْناءات ،
حِيْنَ تَغيبَتْ عَن الصَفِ إِحْدَى زمِيلاتي الطَيِّبات ، كانَتْ هادِئَة
ومُؤدَّبَة ورَقِيقَة وتَرْبُطني بِها علاقَة طَيِّبة …..
لَمْ نَعُدْ نَرَى هذهِ الفَتاة …… لَمْ يَسْأَلْ أَحدٌ عَنْ سَبَبِ غِيابِها لِيَوْمينِ أَوْ ثلاثَة ……
قَلِقْتُ
عَلَيْها وخَطَرَ لي إِنَّها قَدْ تكونُ مَرِيضَة ، فحَمَلْتُ كُتُبِي
مَعي وذَهبْتُ إِلَيْها حَيْثُ تَسْكُنُ في المَحَلَّة المُوالِيَةِ
لِمَحَلَّتِنا لأَطْمئنَ عَلَيْها وأَيْضاً لأُبلِّغَها بِالواجِباتِ
المَدْرسِيَّة الجَدِيدَة الَّتِي كلفَتْنا بِها المُعلِّمَة في دُروسِنا
…..
طَرقْتُ البابَ وانْتظَرْتُ ، فإِذَا بِفتاةٍ مُتَلَفِّعَة بِحجابٍ
مِنْ قُمَّةِ رَأْسِها لأُخْمَصِ قَدميَّها تَظْهرُ بَعْدَ دقائِقِ
انْتِظارٍ مِنْ خَلْفِ حِجابِ البَابِ ( وهي سِتارَة مِن القُمَاشِ
الثَخِينِ تُعلَّقُ مُباشرَةً خَلْفَ بَابِ المَنْزِلِ الرَئيسيّ ،
تَحْجِبُ هذهِ السِتارَةُ الرُؤْيَة عَنْ الطَارِقِ أَوْ غَيْرِه مِن
المَارَةِ لِيَمْتَدَّ بَصَرَهُ لِداخِلِ الدارِ ، وكانَ ذلِك شَائِعاً في
أَغْلبِ البُيوتِ لِتلك المَدِينَةِ المُتَحَفِّظَة ) ، انْدَهشْتُ
كثِيرَاً ، ظَنَّنْتُ لِوَهْلَةٍ إِنَّها الأُخْتُ الكُبْرَى لِزَميلَتي ،
لكِنَّها كانَتْ هي بِعَيْنِها ، ولَمْ تَكُنْ بَسِيطَةً في حَدِيثِها
كدَيْدَنِها دائماً ، إِنَّما كانَتْ مُتَحَفِّظَة جِدَّاً في الحَدِيثِ
مَعي وسأَلتْني بِاقْتِضابٍ عَمَّا أُرِيد ، أُصِبْتُ بِخَيْبَةٍ مِنْ
اسْتِقبالِها هذا ، لكِنَّني بَيَّنْتُ لَها قَلقِي لِغِيابِها وأَمَلِي
أَنْ لاتَكونَ مَرِيضَة ، وإِنَّني أَيْضاً جَلبْتُ لَها قَائمَةً
بِالواجِباتِ المَدْرسِيَّة الَّتِي كلفَتْنا بِها المُعَلِّمَة خِلالِ
فَتْرَةِ غِيابِها عَن المَدْرسَةِ ، وفَوْقَ ذلِك جَدْولُ الغَد .
تَلفَّعَتْ بِحِجابِ البَابَ
فَوْقَ حجابِها تَثْنِيَةً زِيادَةٍ في الحِرْصِ على حِشْمَتِها ، ولَمْ
تُبْدِ أَيَّ اهْتِمامٍ بِما قُلْتُ ، وأَخْبرَتْني إِنَّ والِدَها
مَنَعَها مِن الذِهابِ لِلمَدْرسَةِ لأَنَّها ستَتَزوَّجُ قَرِيباً .
انْدلَقَ وبِعَفوِيَّةٍ مُفْرطَة عَنْ دَلوِ حَيْرَتي سُؤالٌ نَافِرٌ مُتَشكِّك :
” ولِماذَا هذا الزِّيّ ؟ ”
أَجابَتْ إِنَّ خطِيبَها وعائلَتِهِ يُريدون ذلِك .
جاءَ صَوْتُ والِدتِها عالِياً مُوَبِّخاً :
” ماذَا تَفْعلِين عَنْدَ البَابِ يابُنيَّة ؟ ”
(
عِلْماً إِنَّ الفتاة كانَتْ قَدْ أَطلَّتْ بِرَأْسِها فَقَط ْمِن خَلْفِ
سِتارَةِ البَابِ بَيْنَما تَرَكتْ بَقِيَّة قَوامها يَلْتَحِفُ السِتارَة )
.
قالَتْ : يَجِبُ أَنْ أَذْهب .
ودُوْنَ أَنْ تَنْتَظِرَ مِنِّي رَدَّاً اخْتفَتْ لِداخِلِ الدارِ وتَركتْني مُنْذهِلَة .
عُدْتُ لِلمَنْزِل وقَدْ حَزَّ في نَفْسي كثِيرَاً مارأَيْتُ ، وبِبراءَةِ الطُفُولَةِ كُنْتُ أُفكِرُ كَيْفَ يَحْدُثُ هذا ؟
كَيْفَ تَسْتَطِيعُ التَخَلِّي عَنْ مَدْرسَتِها وصَدِيقاتِها وصَفِها وكُتُبِها ؟
كَيْفَ لَنْ تَأْتي لِلمَدْرسَةِ بَعْدَ الآن أَبداً أَبداً ؟
ماذَا
عَنْ كُلِّ الأَوْقاتِ الَّتِي كانَتْ تَلْعَبُ فيها مَعَ زَمِيلاتِها في
سَاحةِ المَدْرسَةِ أَوْ خَارِجِها …. إلخ .
ولأَنَّني كُنْتُ حِيْنَها صَغِيرَة لاأَفْهَمُ ما يَخْتَفي
خَلْفَ هذهِ الأَحْداث مِنْ مَعانٍ كبِيرَة تَرْتَبِطُ بِالمُجْتَمعِ
ووَضْعِ النِساءِ ، كانَ أَكْثَر ما أَحْزنَني هو إِنْفِصالِها عَن
المَدْرسَةِ وعَنَّا وعَدَمِ رُؤْيَتِها بَعْدَ الآن ، حَزِنْتُ لأَنَّني
شَعرْتُ يَوْمَها بِأَنَّها آخِرَ مَرَّة أَراها فيها وكانَ الأَمْرُ كذلِك
فِعْلاً ……..
غابَتْ زمِيلتَنا عَن
المَدْرسَةِ نِهائِيَّاً ، وعَنْ حَيَاتنا ، وأَيْضاً عَن المَحَلَّة ،
ولَمْ يَحْدُث أَنْ التَقيْتُها بَعْدَ ذلِك ولا مَرَّة .
كانَ
عَسِيراً عليَّ جِدَّاً تَقبُّل التَضْحيَة بِالمَدْرسَةِ لأَجْلِ غايَةٍ
أُخْرَى فعَسُرَتْ مَعَها قُدْرَتي على التَعاطُفِ مَعَ الآخَرِين في
أَسْبابِهِم لِفِعْلِ ذلِك ، إِذْ إِنَّني كُنْتُ أُحِبُّ مَدْرستِي
جِدَّاً ولَها قِيمَة لا تُضَارَعُ في حياتي ، رُبَّما يَعودُ ذَلِك
لِوالِديّ حَيْثُ كانا مِن المُؤْمنِين جِدَّاً بِضَرُورَةِ التَعْلِيم
والثَقافَةِ في حَيَاةِ كُلِّ فَرْدٍ لِتَطْويرِ النَفْس ولِفَتْحِ مجالاتِ
العَمَلِ بِشَكْلٍ أَوْسع والاعْتِمادِ على الذاتِ ، وكانَ والِدي
لايَتَردَّدُ في الإِفْصاحِ عَنْ رَأْيهِ هذا تُسانِدَهُ والِدتي
ويَحُثُّنا على التَمسُّكِ بِالتَعْلِيمِ .
ـــــــــــــــــــــــــــ
وَجْهُها الجَمِيل المُحْتَفِل بِالطُفُولةِ الزُلال ما مَكثَ عَالِقاً بِذاكِرتي ……..
كانَتْ
زَمِيلتَنا مِن المُتَقدِّماتِ ومُتَحمِّسَة لِلدِراسَةِ ، ماأَنْ آلتْ
بِنا مَراحِلُنا الدِراسِيَّة إِلى المَرْحلَةِ الابْتِدائِيَّة السَادِسَة
حَتَّى تَغيَّرَتْ وانْقلبَتْ ……
صَارَتْ تَتَصرَّفُ كسَيدَةٍ بالِغَة ، رَمَتْ بِطُفُولتِها
إِلى سنواتٍ سَابقَةٍ ، والِدها صَارَ يَمْنَعَها مِن الخُرُوجِ فَقَطْ
لِلمَدْرسَةِ ذِهاباً وإِياباً ، أَيْ كانَ مَسْمُوحاً لَها فَقَطْ
بِبِضْعِ خَطَواتِ تَحرُّك فبَيْتَها كانَ يُقابِلُ المَدْرَسة تَماماً على
الرَصِيفِ المُواجِه ، زَمِيلتَنا لَمْ تَعُدْ تَهْتَمُ بِدُروسِها
وواجِباتِها كما كانَتْ تَفْعَلُ سَابِقاً وبِحِرْص ، تَحْكي لَنا عن
مَساحِيقِ التَجْميلِ الَّتِي اشْتَرَتْها لَها والِدَتها وتَسْتَعْمِلها
في المَنْزِل ، لاتَفْلُتُ أَناقَةَ المُعلِّماتِ مِنْ شَغَفِ رَقابَتِها
البَالِغ ، تُثَرْثِرُ كثِيرَاً عَنْ المَطْبَخِ والمَأْكُولاتِ ، حَتَّى
مَلابِسَها تَغيَّرت كطِفلَةٍ تَرْتَدِي مَلابِسَ والِدتِها وأَحْذِيتِها ،
ولَمْ تَنْسَى أَيْضاً في كُلِ حَلَقَةِ حَدِيثٍ أَنْ تَذْكُرَ عَنْ
حَمَالاتِ الصَدْرِ الَّتِي تَمْتَلِكُها الآن وعَدَدها كدَلِيلٍ على
بُلُوغِها ونُضُوجِها ، وكانَ مَوْضُوع حَمَالات الصَدْر في ذاك الآوان
يَخُصُّ عَالَم البَالِغاتِ ولَيْسَ الصَغِيرَات مِنْ أَعْمارِنا .
بَعْدَ
بِضْعَةِ أَشْهُر مِنْ هذا الحَالِ كاشَفَتْنا نَحْنُ زَمِيلاتها في الصَفِ
بِأَنَّها ستَتَزوَّجُ في العُطْلَةِ الصَيْفِيَّة مِنْ مُهْندِسٍ شَابٍ
في عامِهِ الثَلاثِين يَمُتُّ لَها بِصِلَةِ قُرْبَى ، فهي قَدْ كبُرَتْ
وبَلَغَتْ الثَانِيةَ عَشَرَ مِنْ العُمْرِ ، وإِنَّ والِدَها يَرَى في
شَهادَةِ الابْتِدائِيَّة كِفايَةَ تَعْلِيمٍ لِلفَتاةِ فمَصِيرُ كُلّ
امْرَأَة في النِهايَةِ هو البَيْت والزَواج .
لَمْ تَكُنْ زَمِيلتنا حَزِينَة ، كانَتْ سَعِيدَة بِخَلاصِها مِن الدُروسِ والوَاجِباتِ والدَوامِ اليَوْميّ .
كَيْفَ
عَجَنوا مِنْ صَغِيرَةٍ مُجْتَهِدَةٍ تُحِبُّ مَدْرَسَتَها وتَرْنو
لِتَكونَ مُعلِّمَة في المُسْتَقْبلِ صَغِيرَةً تَظُنُّ إِنَّها بَلغَتْ
ونَضجَتْ ، وإِنَّ المَدْرسَة لاتَلِيقُ بِها إِنَّما عِبْءٌ ثَقِيل
وواجِباتٌ مُمِلَّة ودَوامٌ مُنْفِر لانَدَم في الانْفِكاكِ عَنْها ؟
ليْتَني أَعْرِف …….. !!!
بَعْدَ
سنواتٍ تَالِية أَسْتَطعْتُ أَنْ أُحدِّدَ ذلِك الشُعُور الطُفُولِيّ
الغَائِم الَّذِي خَامرَني إِزاءَ تَحَوُّلِها ، ذلِك الوَجْهُ السَعِيد
بِخَلاصِهِ مِن الدُرُوسِ والواجِباتِ والدَوامِ المَدْرسِيّ إِنَّما كانَ
يُقَدِّمُ طِفْلَةً مُنْقادَةَ ومَسْلُوبَة فِكْرِيَّاً ، سُلِبَ عَنْها
وَعْيَها ، وغُسِلَ دَماغَها ثُمَّ اسْتَوْدعوا فيهِ خُلاصات يُرِيدها
الأَهْلَ والمُجْتَمع مُلائمَةً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَمْهلَتْنا
زَمِيلتنا الأُخْرَى رِفْقَتَها بِقَدْرِ ما أَمْهلَ والِدها طُفُولَتَها
وكانَ سَخِيَّاً مُفارقَةً بِغَيْرِهِ مِن الآباءِ بِبِضْعَةِ سِنينٍ
إِضافِيَّة ، فسَمَحَ لَها وبِموافقَةِ خَطِيبها أَنْ تَمْتَحِنَ
البكالوريا لِلصَفِ الثَالثِ المُتوسِط وكانَتْ حِيْنَها ابْنَةَ
الخَامِسَة عَشَر ، وصَارَتْ تَتَحدَّثُ إِلى صَدِيقاتِها إِذَا طَرقوا
بَابَها مِنْ شَقِّهِ حَتَّى تَقْطَعُ الطَرِيق على الفُضوليين المَارِّين
النَظَر ، تَلَفَّعَتْ بِغِطاءِ رَأْسٍ كما تَفْعَلُ المُسِنَّات
وأَرْتدَتْ رِداءً طَوِيلاً يُلامِسُ البِلاط ، بَلْ امْتَنَعَتْ عَنْ
الحَدِيثِ إِلى بَعْضِ الزَمِيلاتِ في الصَفِ ، وصَارَتْ تَقولُ لنا إِنَّ
والِدَها أَوْصاها بِالحِرْصِ الشَدِيدِ فبَعْض الفَتيات هُم في
الحَقِيقَةِ فُتيان يَتَخفُّونَ في أَجْسادِ فَتياتٍ لِيَتَحرَّشوا
بِالأُخْرياتِ ، وكانَ هذا أَغْرَب ماسَمِعْتُهُ مِنْها .
انْتَهَتْ
امْتِحاناتُ البكالوريا واخْتَفَتْ زَمِيلتنا في زُحامِ الحَيَاةِ
وأَوْهامِها وخَلْفَ بَابِ بَيْتِها المُقْفَل في كَنَفِ والِدِها ثُمَّ في
كنَفِ زَوْجِها الَّذِي كانَ يَبْلُغُ الثَانِيةِ والثَلاثِين مِن
العُمْرِ كما أَخْبَرَتْنا .
عَجَباً
لِمُجْتَمعاتٍ تَخْتَرِقُ الطُفولَة وتَلْغِيها وتَدُوسَها ، طِفْلَةُ
التَاسِعَة يَأْخذونَ مِنْها دُمْيَتَها ويَدْفَعون بِها إِلى أَحْضانِ
رَجُلٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكونَ لَها أَباً لا زَوْجاً ……… أَيُّ ظُلْمٍ
ماحِق هذا !!
بَعْدَ ذلِك بِسنِينٍ طَوِيلَة كبُرْتُ أَنا أَيْضاً كما
صَدِيقاتي الأُخْريات ، وفَهِمْتُ لِماذَا سبَقَتْنا لُبنى بِسنِينٍ
فكبُرَتْ قَبْلنا ، وعَرِفْتُ أَنَّ الظُلْمَ لَمْ يَلُفّ لُبنى فَقَطْ
بِعَباءَتِهِ وإِنَّما مَعها أَعْداداً وأَعْداد .
لِلقَارِئاتِ والقُرَّاء فَيْضُ صُحْبَةً ومَحَبَّة .