بقلم مسعود هرمز النوفلي
الكراهية من فساد الملح
02 / 05 / 2012
www.nala4u.com
مقدمة: أنتم ملح الأرض
ماذا كان يقصد الرب يسوع بهذه الكلمات التي كُتِبَتْ لنا في الأنجيل قبل حوالي 1950 سنة؟ وهل هي لتلاميذهُ فقط، أم لكل المسيحيين؟ سأوضّح بإختصار ما هو المطلوب من عندنا، لكي نسلك وفق إرادته الإلهية السماوية، ومن إجلِ إزالة الكراهية والحقد من عقولنا، ونبذها من إعماق أفكارنا الشخصية الزمنية الزائلة لكي نعيش بسلام ومحبة.
الملح وصفاتها
كما نعلم بأن الملح هو أحد المعادن الكيميائية المُهِّمة في الطبيعة وفي جسم الأنسان كذلك. من صفاتها تغيير المذاق في الطعام لأعطائه نكهة مُفيدة بالأكل وذلك عند خلط كمية قليلة منه في تحضير وتهيئة الطعام. يُستخدم الملح لحفظ المأكولات لفترة طويلة في أوانٍ خاصة وبراميل، وقديماً كان الأنسان يستخدم الملح بكثرة لعدم وجود الكهرباء والثلاجات والمُجمدات، كان يُحافظ على اللحوم بخلطها مع الملح وكذلك الأجبان والزيتون وغيرها من المأكولات، كان الأنسان يتكيّف مع الملح لكي تستمر الديمومة المطلوبة لحياته. الملح يُفيد المزروعات وفي السماد ويقتل البكتريا ويدخل في صناعات مُختلفة. يفرز الجسم عند التعرّق الماء المالح، وحتى قطرات الدمع تكون مالحة. للملح فوائد ممتازة، فإذا يفقد الملح فوائده المطلوبة، عندئذٍ لا يُمكن الأستفادة منه ويفقد كل خواص التغيير التي يحدثها، ومن هنا لا يصلح إلا بأن يُرمى خارجاً وفي سلات المهملات أو في المزابل.
ماذا كان يقصد الرب يسوع بهذا المثل؟ وأين المسيحي من صفات الملح؟
إن فقدان الملح صفاته وخصائصه في التغيير يتشابه بالضبط مع فقدان الأنسان صفاته الأساسية في التأثير في المجتمع وتغييره نحو الأفضل بطعمٍ جديد. الرب يدعونا في مثال الملح كي نُؤثر ونُغيّر طعم الحياة التي يدعونا لأجلها، بالأيمان نستطيع إحداث الفرق وتغيير النكهة والتمسّك بالألتزام الأخلاقي ومساعدة الفقراء والتضحية من أجلهم، بمحبة القريب وعدم التحدث عليهِ بسوء أبداً، فإذا فقدنا صفات الغيير، سوف نفقد النكهة اللذيذة التي تعطيها الملح للطعام وخواصها في حفظ المأكولات، وعندها لا يكون مكاننا إلا الظلام، وكما يُفسد الملح، هكذا يُفسد الأنسان ولا يستحق أن يكون مؤثراً وفاعلاً في المجتمع لأنه يفقد كل الصفات الجيدة في تغيير طعم الحياة. بإعتقادي، أن يسوع قبل ألفي سنة، والآن يدعو الجميع ليلتزموا بالصفات المطلوبة. في ذلك الوقت، والآن أيضاً، هناك الكثيرين قد فقدوا ملوحتهم التي هي واضحة من كتاباتهم على إخوَتهم في المعمودية وكأنهم أولياء وأوصياء وهُم العالمين فقط بالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والهندسة والروحانيات وكل شئ. أين نحن من رغبات الرب في التأثير والأصلاح في المُجتمع؟ وهل وصل الأمر بأن نصبح ملحاً فاسداً؟
الرب أرسل التلاميذ، ومن خلالهم يقصُدنا نحن أيضا لنكون مِلحاً للعالم. إنه يستخدم الرموز لكي يفهم المؤمنين الحقائق الأيمانية التي يُريد نشرها عن الله وبقوة الروح القدس العامل بين البشر، فإذا فقدنا الأيمان عندها نصبح مثل الكُفّار لاهثين وراء الإله الجديد(المال) تاركين الجوهر والأصيل. بتصرفاتنا تلك، نقوم بتطبيق أوامر الشيطان وليس أوامر الرب وتعليماته. كما تفقد الملح أحد مُركباتها وتفقد خواصها الأساسية بحيث لا يُمكن إعادة الطعْم اليها وتُطرح الى صناديق النفايات، هكذا بالضبط الأنسان من المُمكن أن يفقد كل شئ ويصبح خارجاً يعيش الظلام والفساد وسيكون الويل له.
الزاد والملح وكيف أن الملح هو الرمز في الكتاب المقدس
عندما يأكل العربي مع شخصٍ من غير عائلته يقول “الآن صار بيننا زاد وملح”. هذا الكلام هو عبارة عن العهد بين شخصين، حيث تستمر الصداقة والدفاع المشترك وكأنهم أصبحوا إخوة في السراء والضراء. مار بولس الرسول يدعونا في رسالته الى كولوسي 4 : 6 بالقول “ليكُن كلامكم كلَّ حين بنعمةٍ، مُصلحاً بملْحٍ، لتعلموا كيف يجب أن تُجابوا كلَّ واحدٍ”. لنفهم من الرسول آداب الكلام لنعيش النعمة ولا نتبختر وننجر الى السوء، تعاليم الرب هي مثل الملح والذي يكون مُتسلِّحاً بالأيمان الحقيقي لا يطلق الكلمات البذيئة والأهانات والتجريح في أيِّ موقع، ولا يرغب في نشر الفساد الذي ينخر المجتمع مثلما يفسد الطعام الغير مُملّح، الرب يدعونا الى محبة القريب مثل النفس وتقاسم الطعام التي تشترك الملح في أعداده كثيراً، كيف إذا فسد هذا الملح؟ فهل سيكون بإستطاعة البعض التقرب والتجمُّع ليتقاسموا الأكل الفاهي والخالي من الطعم؟ حتى هذه النقطة تدخل في تعليمات ووصايا الرب للأنسان لكي يكون مثل الملح في التقرّب من الآخرين وخدمتهم في الأكل المشترك ليكون الطعام لذيذاً، وبالتالي ستكون الحياة المشتركة والوحدة الشعبية لها معانٍ مهمة. الكتاب المقدس يعطينا مثالاً حياً عن الملح وكيف أن الملح هو رمز العهد. لنقرأ في سفر اللاويين 2 : 13 “وتُملّحون كُلَّ قُربانِ تقدمةٍ بالملحِ، لأن الملحَ رمز العهدِ بينكم وبين إلهكُم، فلا تجعلوا قرابين التقدمةِ خالية من الملحِ، بل قرّبوا الملح في جميع قرابينكم”. يؤكد الكتاب بأن الملح يحفظ ويُطهّر ويفعل عكس ما يفعله الخمير، وجود الملح يعني أن العهد يدوم بين الله وشعبه، هل نحن فعلاً بما نقرأه للبعض بأننا حافظين للعهد أم ناكرين له؟ أين البعض في قيادتهم لمواقع خاصة وهُم غير مُبالين في فقدان الملح لطعمهِ؟ كيف يرضى المؤمن بذلك وهو يُغالط تعاليم الرب، لا وبل يدوس عليها في الشخابيط والكلام البذيئ ويلقى مساندة ودعم من المسؤول، الرائحة التي لا ترضى الرب يشتمّها الغريب قبل الصديق، إفركوا كلماتكم ومواضيعكم بالملح كما كان يفركون المولود بالملح ليقوّوه، لنقرأ في حزقيال 16 : 4 “يومَ وُلدْتِ لا أحد قطع سُرّتكِ، ولا غسلكِ بالماء لتنظيفكِ، ولا ملّحكِ بالملحِ، ولا لفّكِ بالقماطِ”. أتمنى أن نستفاد من الكتاب المقدس لتغيير الطرق والأساليب المُتّبعة في بعض المواقع التي تدّعي الأيمان وتفقد ملوحتها عند زرعها الكراهية، ليسمع مَن يسمع، من أجل تنقية الملح من الشوائب لكي تصبح نقية وطاهرة تماماً وغير فاسدة، عندها يكون القلب نقياً وصافياً من كلِّ حقدٍ وعداء. هناك مُحاربة واضحة للرأي الآخر وإهمال مُتعمّد، حتى في حالة الدفاع عن النفس لا يقبلون بنشر المقالة المُرسلة لهم مُقابل المقالة الأخرى التي تُهين وتجرح بكلمات بذيئة ومُقزّزة، أليس ذلك فساد الملح أم ماذا؟ ليُساعدنا الرب يسوع المسيح ليكون تفكيرنا وأعمالنا مالحة وصالحة لمشيئتهِ وخدمة شعبنا المقهور الذي بدأ يفقد الأمل. يجب أن يفهم المسؤولين الذين يزرعون الكراهية بان هناك إجراءآت قاسية ورسائل مُرسلة لهم من جانب واحد، انهم يقومون بالأستهتار والأستهزاء وعدم الأجابة أو الرد مهما كانت منطقية أو أيمانية تخص العقيدة أو الطقس، هؤلاء وهُمْ في بلد ديمقراطي يُحاسب عليه القانون بأشد العقوبات إذا يثبتْ عليهِم البعض بأنهم يزرعون الكراهية والبغض والكلام القبيح، هناك مُحامين وسلطات قادرة لأخذ حق المظلوم والله الموفق. كل شيء مُوثّق برسائل داخلية بين الأطراف ولا يستطيع أحد أنكارها أو التغاضي عنها، غاياتنا كي لا تفسد الملح، ومهما كان صبر الأنسان فإنه ينفذ، والمؤمن، أو أي إنسانٍ عاقل، عليه أن لا يسمح لعدو الخير بإقتحام المقدّسات ومُحاربة البعض ومُساعداً في فساد الملح، وعلى المسؤولين في أي موقع التأمل بما يقومون به في تجذّر الكراهية بين أبنائهم، وان يَعُوا خطورة ما يُؤسِّسون له من ركائز البُغض بين أبناء الشعب الواحد، وأخيراً كي يفهم الجميع ان للآخرين حقوق وكرامة مثلهم، قبل أن يتكلمون عن حقوقهم، الرب يُنير العقول.
خلاصة
الموقع الذي يُمثّل الأيمان والمُحيطين بهِ جميعاً يجب أن يكونوا قدة حسنة ليشع نور المسيح منهم، ويعطون للحياة طعماً وفرحاً وسعادة مُؤثرين ومتفاعلين في الجميع، ومحبوبين ومُحبّين للآخرين في جميع مرافق الحياة الأيمانية والسياسية والأجتماعية والأدبية والأخلاقية، لا أن يُفسِدوا الآخرين بالكراهية، أو أن يُشَجّعوا البعض ضد أخيهم الآخر، لأن بتصرفات الكراهية يصبحون كالملح الفاسد الذي لا يصلح.
مسعود هرمز النوفلي
2/5/2012