بقلم مسعود هرمز النوفلي
إطرحوا عنكم الغضب والكلام القبيح
02 / 04 / 2012
www.nala4u.com
مقدمة
الغضب هو نوع من انواع السلوك الأنساني، أحياناً يصبح مُغايراً لحياتهِ الأعتيادية وعواطفهِ وميوله الهادئة ويكون مُدمّراً إذا خرج عن سيطرتهِ. قد يتصرف الأنسان بقساوة وشراسة وإنفعال وبدون حِكمة ومن معلوماتٍ خاطئة وغير صحيحة إما عن الجّهل أحياناً، أو بالتعمّد والأصرار على الخطأ بالخطأ الأكبر، غايات هذا النوع التأثير في المجتمع سلبياً لأن نتائجهُ وآثاره لا تُحصى، وخاصة إذا حدث من أجل التنفيس عن الحقد الدفين بقصد الأنتقام والتلاعب بمشاعر الآخرين وإهانتهم عمداً. وقد يتصرف الشخص بغضب من أجل تحذير الآخرين وتنبيهَهُم وتصحيح مسيرتهم، أو وقف سلوكهم العدواني لكي لا يتمادون بتصرفاتهم الشاذة في النيل من حرية الأنسان وكرامته وإختياره الشخصي، في هذه الحالة يكون الغضب بناءاً بشرط عدم الأساءة الى الآخرين.
الغضب والسيطرة ونكران أوامر الله
الغضب يأتي من قلب الأنسان وعقله ، من المُمكن أن يقوده الى أمور غريبة ومشاكل إجتماعية في العائلة والعمل والعلاقات وغير ذلك، ويصبح مُستسلماً للشيطان بتصرفاته ويبقى تحت تخدير الشرير الذي لا رحمة لهُ. يجب أن لا يفقد الأنسان مشاعره بهذا الشكل ليصبح بالتالي ضحية أخطاءه عندما يفقد وعيه بإرادته وحريته ويصبح خارج سيطرتهِ فاقداً لأنسانيته وعلاقاته مع الآخرين، ويبتعد روحياً عن كل التعاليم السماوية التي يرسمها لنا الكتاب المقدس، وابتعاده هذا يأتي من إهانته للآخرين وخطاياه في الشهوات والتجديف والأعمال الشريرة المختلفة التي تُبعده كلياً عن السماء والحياة التي خُلِق من أجلها.
ألأنسان يخطأ بلسانه بالشتم والتجريح والكلام السيء والتشهير والقذف، ويخطأ جسدياً بالنجاسة والأعمال الغير إخلاقية والجشع والقتل، وقد يخطأ في السلوك والعواطف كالخُبث والحقد والحسد وغير ذلك من الحالات السامّة النابعة من الغضب، بهذا الشكل سيكون مثل الشخص الذي يعصى أوامر الله وينكُرها، وإذا بقي في العصيان فماذا نترجى من الله؟ هل الله يسكت عن الذي ينكره ويتمرد على كلمته وتعاليمه بإستمرار؟ الجواب كلا لأن صبر الله هو بحدود، ولا يُمكن أن يقبل بالعصيان أبداً وبهذا يضع حد الى كل من يعصاه كما سنرى في هذا المقال من الأمثلة الموجودة في تاريخنا. وبما أن الأنسان هو صورة الله، لذلك فأن صبره محدود أيضاً على كلِّ من يُسيء اليه، وبالتالي يكون الرد والجواب على المتجاوزين على حقوقه أقوى وأشد مِما يتوقعون، وتأتيهم الردود والصفعات من حيث لا يعرفون بالرغم من تطبيق شعار الأيمان، “نغفر لِمَنْ أساء إلينا” والله جلَّ جلاله يكون معهم لأنه مع الحق دائماً وحاشاه أن يسمح للآخرين بإهانة صورته، وعندما يغضب الله سيكون غضبه ويلاً على كلِّ من يعتبر نفسه فطحلة القرن.
علامات الغضب
هناك علامات كثيرة يتميّز بها الكائن البشري إثناء الغضب، منها الصوت العالي والصراخ بقوّة، والتهجم الجسدي بالضرب والأعتداء بآلاتٍ جارحة أو بالسلاح، وأحياناً نُميّز الغضب من النظرات الخاصة بفتح العيون بشدّة والتحديقٌ المُركّز على الآخر وكأنه يرغب في الأنقضاض عليه، وكذلك بصك الأسنان وطحنها على المقابل في حالات أخرى، وهناك الغضب أيضاً في الكتابات الهجومية التي تُعبّر عن الخُبث والمُكر والأنتقام والكلام القبيح والبذيئ في إطلاق النكات والأستهزاء بالغير وتخوينهم وهرطقتهم بدون سبب، وهُم في بلدانهم الديمقراطية الجديدة التي يجب ان تُحاسبهم على عنصريتهم وإهانتهم وتجريحهم للآخرين والسبب الوحيد، لأنهم غير مُتّفقين معهم في الرأي، وخاصة تلك التي يُشير اليها مار بولس الرسول في رسالته الى كولوسي 3 : 8 والتي يقول فيها:” إطرحوا عنكم الغضب والخبث والكلام القبيح”.
أنواع من غضب الله، وماذا نترجى من الذي لا يطيع القوانين ووصايا الخالق؟
هناك مواقف متنوعة في الكتاب المقدس توضّح لنا انواع عديدة من الغضب كالضرب بالنار والسيف والحرق والطوفان وغيرها، والذي يقرأ سيلاحظ بأن الله قد غضب على سدوم وعمورة” سفر التكوين 19: 24 فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ.”
وعلى البشر جميعاً أيام الطوفان “سفر التكوين 6: 17 فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ”.
وهناك آيات كثيرة يستخدم فيها التأديب حتى وصل الأمر الى النبي يونان كي ينصح أهل نينوى بالتوبة حتى لا يتم تدميرها “سفر يونان 3: 2 قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا الْمُنَادَاةَ الَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا”. وتاب أهل نينوى آنذاك ولم تنقلب.
وأن يقول النبي إرميا بقساوة جداً في 50 : 35 ” السيّفُ على البابليّين، يقول الرب ، وكُلَّ مَنْ يسكُن بابل، وعلى رؤسائها وعلى حُكمائها.” هذه القسوة والتأديب لا يدركها البعض ولا يرغبون في ذكرها أبداً ويتحاشون الغوص بمعانيها الرهيبة وتفاسيرها.
عندما نقرأ التفسير الخاص للآيات المذكورة في اللاهوت سوف نندهش ونَنْسطر كما نقول بالعامية، هذه الأمور لا يعرفها الكثيرون ولا يعلمون الغير واعين لماذا يُؤكد النبي إرميا وغيره على ذلك ولهذا نراهم يتمادون في الأحاديث والنشرات بتكبر وعُنجهية، جهابذة هذا الوقت كما يقول أحد الأخوة، وهُم بعيدين جدا عن أقوال الكتاب المقدس لأنهم لم يختبروا في حياتهم هذا الكتاب العظيم ولا يعرفون توجيهاته وكنوزه وما هو المقصود من تلك الآيات ولماذا قيلت، وماذا كانت نتائجها على البشر حتى لو كانوا حاصلين على أعلى الشهادات إن كانت صحيحة علمية أو فخرية تقديرية. انها وصايا الله وقوانينه وضعها عبر الآيات المقدسة لتبقى لنا الدستور والطريق الذي نمشي ونعبر منه، فماذا نتأمل إذا نُخالف ما وضعه لنا الآب؟ هل نترجى أن يُساعدنا ونحن نتمرد ونعكس قوانينه وتشريعاته؟ كل ما يحل علينا هذه الأيام من الفراق والتناحر والمصالح يعكس حالنا المؤلم الذي بهِ نُقاوم إرادة الخالق وكأننا بلا أب ولا قائد ولا كنيسة. لنتأمل قليلاً ونعود الى أحضان ابنه السماوي وتعاليمه ولا ننسى ما هو مكتوب في الآيات التي عبّرت عن أحوالنا أيام زمان، مأساتنا أننا لا نستفاد من الماضي إلا بالقشور ونترك الثمين بين طيات الكتب، لا نقرأه، وإن قرأناه نُفسّره على مزاجنا لكي نُخوّن هذا ونُهرطق ذاك بدون حق وحقيقة، فكيف يرحمنا الله؟
تفسير غضب الله
الله يغضب، ولكن غضبه كُلّهُ رحمة وشفقة وتوجيه وألأمثلة كثيرة عدا التي ذكرناها اعلاه، الله يغضب ولكنه لا يخطأ في الأقوال أو الأعمال مثل ما يخطأ البعض. إذهبوا الى تفاسير الكتاب المقدس وما يقوله العُلماء لكي تتأكدوا. العِلمْ لا يستطيع أحد أن ينكره، إلا الجُهلاء والمُزوّرين وذوي الغايات الخاصة، أما المقالات العلمية والتاريخية والبحوث الأصيلة فإنها معروفة ومفهومة ولها رصيد عالمي دائمي، وعلينا أن نعلم بأن البحوث والشهادات الفخرية والمزوّرة كلّها لا يشتريها العلم بعانة واحدة ولا تُعتمد عالمياً ولا تُعتبر من المصادر التي يُمكن الأستناد اليها وترويجها، والمثال كم شهادة فخرية أعطيت الى بعض الرؤساء في التاريخ والهندسة والفلسفة وهُم صُمٌ بُكْمٌ لا يفقهون شيئاً عن الشهادة التي أعطيت لهم، يجب علينا التحدث بصدق عندما نكتب لنا أو للآخرين.
الكلام القبيح والخُبث والتجديف
هل نحن فعلاً مُلتزمين بما أوصانا بهِ مار بولس الرسول في رسالته الى كولوسي 3 : 8 عندما يقول”إطرحوا عنكم الغضب، السخط، الخبث، التجديف، الكلام القبيح من أفواهكم”؟ وفي طبعةٍ أخرى يقول” أما الآن فتخلّصوا من كلِّ ما فيه غضبٍ ونقمة وخُبثٍ وشتيمة. لا تتلفّظوا بالكلام البذيءِ” إذا نحن مؤمنون، علينا جميعاً الألتزام والتقيّد بما يقوله الرسول حتى لا تتسَمَّمْ العلاقات بين أفراد الشعب ويبتعدون عن الغفران والتسامح والمحبة والوحدة ويتشتتون أكثر وأكثر إن كان في الكنيسة أو في السياسة. ماذا نترجى من خادم المذبح مثلاً عندما ينعت إخوَته في المعمودية بالقول” أبناء نكرة لعائلات…”؟ وبماذا نصف الشماس عندما يقول لغيره “لعنتهم لعنة أبدية”؟ وبماذا يتشابه هذا الأنسان عندما يوصف المُخالفين له بالرأي بأنهم فاقدوا الضمائر معدومو الكرامة؟ وهناك كلمات أخرى مثل “وثنيين ملحدين وجاحدين وهؤلاء الكافرين وعملاء المتأشورين وهؤلاء الضالين قومياً ودينياً”. وللأسف، هو ينصح غيره بالتحدث عن رجال الدين بأدب وأخلاق، في الوقت الذي يذكر في مقالته مار …..المرتد العاشر! يا لها من مصائب من كلمات الأخ بالمعدودية، والسؤال هنا كيف ترضى كنيستنا بهكذا بشر وهُم على قُدس الأقداس؟ لماذا يلبس البدلة البيضاء؟ الذي يصعد الى قُدس الأقداس إن كان هذا الشماس أو غيره، عليه أن يكون قلبه أكثر بياضاً من بدلته. قبل فترة قررت عدم الرد بناء على نصيحة أقرباء البعض من الذين يتمادون على غيرهم، وكما هو معلوم بأن مِنْ أقرباء ذلك الكاتب أو هذا أو غيره يعرفون أبن بلدتهم وقريبهم أفضل وأحسن من عندنا، وقد إلتزمت بأقوالهم وعاهدتهم بأن لا أكتب الردود، ولكن قررت الرد بعد أن قرأت المقالة الأخيرة الى هذا الشماس فقط….، تذكرت أمور كثيرة وتألمت الى وضعنا المؤلم ووضع كنيستنا المُمزقة التي تسمح الى هؤلاء بمُخالفة كل تعاليم الرب وتشترك بعملها هذا في التفتيت والتشرذم والأبتعاد عن الكنيسة، وأحياناً يكونوا من المُقربين الى بعض رجال الدين مع الأسف، وتُنشر كتابات هؤلاء في مواقع أبرشية! التي تشترك إن تعلم أو لا تعلم، في نشر الكراهية والعنصرية بين الشعب الواحد في بلد ديمقراطي!
خلاصة
وأخيراً، ينسى الأخوة الذين يتكلمون بمثل هذه الكلمات بأن الله قد خلقهم على صورته ومثاله، ولا يجوز لهم عكس الصورة السلبية عن خالقهم عندما يتصرفون هكذا، ولكن، وللأسف رُبما لا يؤمنون أو لا يعترفون حتى بِمَنْ خلقهم، فكيف يعترفون بشخصٍ يُقابلهم بالحقائق؟ يشبه حال هؤلاء، أولئك الأشخاص الذين كانوا حاضرين في معجزة الشفاء التي عملها يسوع في يوم السبت المذكورة في انجيل مرقس 3 حيث نظر يسوع الى الجموع بغضب وهو حزين لقساوة قلوبهم، وعندما عادت يد المريض الى صورتها الطبيعية، خرج الفريسيون وتشاوروا مع الهيرودسيين ليقتلوا يسوع! المثال يتكرر في هذا الوقت مع البعض ولا مانع لديهم من قتل المُخالفين لهم بالرأي وخاصة المؤمنون بالوحدة! الراغب بالوحدة يُطبّق كلام يسوع عندما قال” أحفظهم بأسمك الذي أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحن”. كما لم يفهم أولئك آنذاك بأن يسوع كان قد جاء بخُطّة الخلاص وتغيير القوانين والمجتمع وتطهير الأفكار البالية، حيث كل ما كانوا يرغبون به وهُم يُشاهدون أعماله الجبّارة ومعجزاته، هو تدمير تلك الخطة وإفشالها والقضاء عليها، هكذا بالضبط هو حال بعض الأخوة في هذا الوقت، حيث يتشابه وضعهم مع قصة يسوع والخلاص لأنهم لا يرغبون أن يفهموا الحقائق.
مسعود هرمز النوفلي
2/4/2012