شذى توما مرقوس
مِنْ مُذكَّرات إِنْسَانَة / 2
ــ مُجْتَمع ــ
نِساء ………….
16/ 02 / 2012
http://nala4u.com
بقلم شذى توما مرقوس
الخميس 29 /9 ــ الأربعاء 12 /10 / 2011
( نُتفٌ عَنْ أَحْوالِ وأَوْضاعِ النِساء ــ الاعْتِداء على النِساءِ ضَرْباً ) .
………….
كُنْتُ في زِيارَةٍ لإِحْدَى صَدِيقاتي حِيْنَ طَرَقَتْ مَسامِعَنا
صَرخَات وضَوْضَاءَ مُشَاحَناتٍ عَارِمَةٍ مُنْبَعِثة عَنْ أَحَدِ الدُورِ
المُتَراصَةِ في ذلك الشَارِعِ الطَوِيل ……. بَعْدَها بِحِيْنٍ ما
الْتَجَأَتْ إِلى دَارِ صَدِيقَتي إِحْدَى النِساء الَّتِي افْلَتَتْ مِنْ
قَبْضَةِ زَوْجِها وقَدْ أَشْبَعَها ضَرْباً ورَكْلاً وكانَ الدَّمُ
يَسِيلُ على طَرْفِ شِفْتِها عَنْ سِنٍّ في فَمِها قَدْ تَخَلْخَلَ مِنْ
مَكانِهِ …….. كانَتْ فَزِعَة ، مَرْعُوبَة ، تَصْرُخُ أَلَماً
وخَوْفاً ، وتَصادَفَ إِنَّ البَابَ الرَئِيسيِّ لِمَنْزِلِ هذهِ
الصَدِيقَة أَنْ كانَ مَفْتُوحاً ، فتَمَثَّلَ في نَظَرِ الهَارِبَةِ بَابَ
الخَلاصِ والنَجاةِ .
دَخَلَتْ كَرِيحٍ عَاصِفَةً يَلْتَمِعُ
الدَمْعُ والفَزَعُ والرُعُبُ في عَيْنِيْها ، مُشَعَّثَةُ الشَعْرِ ،
مَلابِسها مُمزَّقَة في بَعْضِ الأَماكِنِ جَراءَ الشَدِّ والجَرِّ ،
تَنْظُر ولاتَرَى ، صَرَخَتْ :
” تِليفون …. تِليفون ….. ”
صَارَ إِلى يَدِها في لَحْظةٍ دُوْنَ أَنْ يَسْأَلَها أَحَدٌ شَيْئاً ……….
حَزَّ
قَلْبِي الأَلَمُ لأَجْلِها ولِمَا عَلَيْهِ حَالَها ……. اجْتَمَعَتْ
عَائِلَة صَدِيقَتي حَوْلَها ….. اتَّصَلَتْ بِالشُرْطَةِ مُسْتَنْجِدَةً
بِهِم مِنْ زَوْجِها ، على الطَرَفِ الآخَرِ كانَ المُوَظَّف الَّذِي
يَعْمَلُ تَحْتَ شِعارِ ” الشُّرْطَة في خِدْمَةِ الشَعْبِ ” على مايَبْدُو
يَتَكَلَّمُ إِلَيْها بِلامُبالاةٍ وجَفاءٍ واحْتِقارٍ …….
سَمِعْناها تُجِيبُه بِارْتِباكٍ وخَوْفٍ : هَلْ تَنْتَظِرُون أَنْ يَقْتُلَني ثُمَّ يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِالشُرْطَة ……..
رَدَّ
عَلَيْها بِجَفاءٍ أَكْبَر جَعَلَها تَلْتَفِتُ إِلَيْنا وتَصِيحُ :
اسْمَعُوا أَيُّها الخَلْق ، يَقُولُ لي لايُمْكِنُ لِلشُرْطَةِ التَدَخُّل
فضَرْب زَوْجَكِ لكِ هو أُمُورٌ عَائِليَّة شَخْصِيَّة ، ولايُمْكِنُ
ايقاف الرَجُل لِمُجَرَدِ ضَرْبِهِ لِزَوْجَتِهُ ….. ثُمَّ يُعِيدُ عليَّ
لِلمَرَّةِ الثَانِيَةِ قَائِلاً : أُخْتِي قُلْتُ لكِ هذهِ أُمُورٌ
عَائلِيَّة لايَحُقُّ لِلشُرْطَةِ التَدَخُّل فيها ، ضَرْب زَوْجَكِ لكِ
أَمْرٌ عَائلِيٌّ بَحْت ……
تَداوَلَتْ
والِدَة صَدِيقَتي التِلفون عَنْها وتَابَعَت الحَدِيث إِلى المُوَظَّف في
قِسْمِ الشُرْطَةِ بِأَمْلِ الحُصُولِ على المُساعَدَةِ ، خَتَمَ
المُوَظَّف مُكالَمَتِهِ بِمَوْعِظَةٍ أَخْلاقِيَّة مُتداوَلَة في
مُجْتَمعٍ لا يَرَى المَرْأَة إِلاَّ كآثِمَة ومُخْطِئَة وغَيْر مُحِقَّة :
” كما
تَعْرِفين المَرْأَة الشَرِيفَة الأَصِيلَة لاتَتَّصِلُ بِالشُرْطَةِ
لِتُبَلِّغَ عَنْ زَوْجِها ….. المَرْأَة الشَرِيفَة الأَصِيلَة تَصْبِرُ
على الظُلْمِ والضَيْمِ الَّذِي يُصِيبُها مِنْهُ …. … ” .
لايُمْكِنُ لِلأُنْثَى إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَهْدُورَة
الحُقُوقِ حِيْنَ تَخْذُلُها عَائلَتُها ويَخْذُلُها المُجْتَمع
بِمُؤْسَساتِه التَشْرِيعِيَّة والخَدَمِيَّة والحُكُومِيَّة
والتَسَلُّطِيَّة والتَنْفِيذِيَّة …….. كماشَة أَطْبَقَتْ على
الأُنْثَى مِنْ كُلِّ الجِهاتِ والفَخُّ مُحْكَم والثَقْبُ الصَغِير إِنْ
كانَ مَوْجُوداً لا يَتَّسِعُ لإِفْلاتِ الأُنْثَى مِنْهُ سَلِيمَة
……..
المُوَظَّف في قِسْمِ الشُرْطَةِ لم يَأْتِ بِشَيْءٍ
مِنْ عِنْدِياتِهِ ، إِنَّما لَخَصَّ فِكْرَةَ مُجْتَمعٍ بِأَكْمَلِهِ في
إِحْدَى القَضايا الَّتِي تَمسُّ النِساء وهي قَضِيَة إِعْتِداءِ الرِجالِ
على زَوْجَاتِهِم بِالضَرْبِ …..
أَمَّا اللافِتَة المُعَلَّقَة
فَوْقَ رَأْسِهِ ” الشُرْطَةَ في خِدْمَةِ الشَعْبِ ” فهي لاتَخُصُّ
النِساء لأَنَّهُنَّ على الأَرْجحِ لَيْسُوا مِن الشَعْبِ إِنَّما الرِجالُ
هم كُلُّ الشَعْبِ ولِذا كانَ مِن الأَفْضَلِ لَوْ جَعَلُوا اللافِتَة ”
الشُّرْطَة في خِدْمَةِ الرِجالِ ” .
كَيْفَ لَنا أَنْ نَسْتَغْرِب والكُلُّ
يَعْلَمُ إِنَّ الرَجُل لايَنالُ العِقابَ المُجْزِي في جَرِيمَةِ القَتْلِ
لإِحْدَى الإِناثِ لَوْ طَواها بَنْدِ : غَسْلِ العَارِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رَافَقْتُ
زَوْجَة خَالِي لِلتَسوُّق ، في طَرِيقِ عَوْدَتِنا عَرَجْنا على بَيتِ
جِيرانِها حَيْثُ أَرادَتْ اسْتِعارَة إِحْدَى أَدوات المَطْبَخ مِنْها
….. شَعَرْتُ بِضِيقٍ لَمْ أَفْهم لَهُ سَبَباً ، فطَلَبْتُ مِنْها أَنْ
تُؤَجِّلَ ذلك لِما بَعْد ………… أَحَسَّتْ وهي الإِنْسَانَة
الطَيِّبَة والمُحِبَّة بِقَلقِي وطَمْأَنَتْنِي بِودٍّ خَالِصٍ إِنْ
الأَمْرَ لن يَسْتَغْرِق سِوَى بُرْهَة ورَبَّتَتْ على كَتِفِي بِمَحَبَّةِ
أُمّ …….
كُنْتُ حِيْنَها في الثَانِيةِ
عَشَرَة مِنْ عُمْرِي ، أَيْ كُنْتُ في رِحْلَةِ اكْتِشافِي لِلحَيَاةِ
بِأَوْجُهِها الجَمِيلَةِ والقَبِيحَةِ ، وكانَ عَقْلِي نَشِيطاً جِدَّاً
وفَعَّالاً لِخَزْنِ كُلِّ مَوْقِفٍ يُصادِفهُ وكُلّ مَنْظَرٍ يَرَاهُ
…… كُلّ مَشْهَدٍ كانَتْ تَلْتَقِطَهُ عَيْنايّ ويُسَجِّلَهُ عَقْلِي
يَنْطَبِعُ في ذَاكِرَتي عَمِيقاً ولايُمْحَى ….. وبِما إِنَّني كُنْتُ
طِفْلَةً هَادِئة فلم أَكُنْ أَتَحدَّثُ إِلاَّ قَلِيلاً ، لَكِنَّ قُوَّةَ
المُلاحَظَةِ لَدَيّ كانَتْ عَالِيَة وفي أَقْصَى طَاقاتِ اسْتِنْفارِها
فأَرَّقَتْ سِنِّي ورَسَمَتْ فَوْقَ أَيْامِهِ خَرابِيشَ حُزْنٍ وأَلَمٍ
لامُنْتَهى لَها ……..
طَرَقْنا البَابَ ودَخَلْنا
مَنْزِلاً كَبِيراً يُشْبِهُ قَلْعَة مِن القِلاعِ التَأْرِيخِيَّة ،
تَخَيَّلْتُه في ذِهْنِي سِجْناً كَبِيرَاً ، هذا كانَ انْطِباعِي عن
المَنْزِلِ ولم أَشْعُرْ بِالرَاحَةِ وأَنا في هذهِ القَلْعَةِ المُخِيفَة
….. بَاحَة كَبِيرَة جِدَّاً واسِعَة وعلى انْحِناءِ نِصْفِ دَائِرَة
اصْطَفَتْ بِضْع غُرَفٍ واسِعَةٍ إِلى جَانِبِ بَعْضِها البَعْض مُظْلِمَة
وتُوحِي بِرَائحَةِ العَفَنِ والرُطُوبَةِ ، وعلى شَبابِيكِها قُضْبان
حَدِيدِيَّة سَمِيكة رُتِبَتْ بِشَكْلٍ عَمُودِيٍّ وأُفُقِيٍّ لِتَتَقاطَع
فيما بَيْنَها فتُكوِّنُ مُرَبَّعات أَوْ نَوافِذَ صَغِيرَة تَكْفِي
لِمرورِ كَفِّ إِنْسَان مِنْ واحِدَةٍ فيها لاغَيْر …….
هذهِ الغُرف ما أَشْبَهها
بِغُرفِ القِلاعِ القَدِيمةِ ، المُظْلِمَة ، الرَطِبَة ، يَسْكُنُها
البَائِسون والفُقرَاء والمَنْبُوذون مِن المُجْتَمعِ …. ورُبَّما
السُجَناء ……..
وحَتَّى
تُطِلُّ هذهِ الغُرف على بَاحَةِ الدَارِ الوَاسِعَةِ تَتَقَدَّمُها
الأَقْواسُ العَالِيَة والأَعْمِدَةُ القَوِيَّة كرَكائِز لِلبِنَاءِ وهي
تُشْكِّلُ بهذا مَظلَّة وَاقِية مِن التَقَلُّباتِ الجَوِيَّة : الحَرّ ،
المَطَر …… إلخ لِمَدَاخِلِ هذهِ الغُرف المُتَرَاصَّة …….
أَطلَّتْ
عَلَيْنا شَابَّة على عَتَبَةِ العشْرِينات مِنْ عُمْرِها ، افْتَرسَ
التَعَبُ والقَلقُ مَلامِحَ وَجْهَها ، نَظَرَاتها شَارِدَة في عَالَمٍ
آخَر ويَبْدُو إِنَّها مُتَوثِّبَة لِلهَرَبِ والاخْتِباءِ في كُلِّ
لَحْظَةٍ وكأَنَّ خَطَرَاً ما يُلاحِقُها ……. لم تُجِبْ حَتَّى على
تَحِيَّتِنا فرَأْسَها مُثْقَل بِالكَثِيرِ ، طَالَعَتْنا فَقَطْ
بِنَظَراتٍ شَارِدَةٍ تَفْتَقِدُ المَعْنَى وهَائِمَة ……..
وفي السُؤَالِ
عَنْ أَداةَ المَطْبَخِ تِلك ، لَمْ تَنْبُسْ الشَابَّة بِكَلِمَةٍ فَقَطْ
أَوْمأَتْ بِرَأْسِها ونَظَرَتْ حَيْثُ المَطْبَخ …… أَنا ظَنَنْتُ
إِنَّها خَرْساء …….
نُلْنا الأَداةَ مِن المَطْبَخِ ثُمَّ عُدْنا لِلشَابَّةِ ” الخَرْساء … !!! ”
في
هذهِ الأَثْناء دَخَلَ القَلْعَة رَجُلٌ بِمَلامح قَاسِية مُكْتَنِز
القَامَة يَلْبَسُ نَظَّارات سَمِيكة ولَهُ شَارِبينِ دَقِيقَينِ
كأَنَّهُما ذَيْلُ فَأْر يَرْتَكِزُ فَوْقَ شَفَتَيْهِ ، يَبْدو عَلَيْهِ
في أَواسطِ الخَمْسِينات مِن العُمْرِ ، ويَحْمِلُ في يَدِهِ حُزْمَةَ
مَفاتِيح كَبِيرَة وثَقِيلَة تَراءَى لي إِنَّها مَفاتِيحَ السُجُون
،عَرْفتُ فيما بَعْد مِنْ وَقْعِ ماجَرَى إِنَّ مفْتاحَ سَيَّارَتِهِ ”
البيكب آب ” مِنْ ضِمْنِها وكانَ يَتَباهَى بِه ، وفي يَدِهِ الأُخْرَى
سَلَّةَ تَسَوُّق فيها خَضْراوات وفَواكه …….. إلخ .
الرَجُل كانَ غَاضِبَاً وغَاضِبَاً جِدَّاً ولَمْ يَعْلَم
أَحَد لِماذَا فهو قَدْ دَخَلَ قَلْعَتَهُ ” الدَارَ ” لِتَوِّهِ …….
بِمُجَرَّدِ أَنْ دَخَلَ الرَّجُل ، نَطَتْ الشَابَّة كأَرْنَبٍ مَذْعُور
إِلى دَاخِلِ الغُرْفَة واحْتَمَتْ خَلْفَ إِحْدَى الأَرائِك المَوْجُودَة
فيها وكانَتْ تَرْتَعِشُ وعَيْناها قَدْ اتَّسَعتا حَتَّى آخِرهما ومَوْجات
خَوْفٍ ورُعْبٍ تَتَبَعْثَرُ عَنْهما ، لَمْ يُلْقِ لَنا الرَّجُل بَالاً
بَلْ تَجاهَلَنا وكأَنَّنا لَسْنَا هُناك وعَبَرنا دَاخِلاً الغُرْفَةَ
خَلْفَها مُسْرِعاً في أَقْصَى دَرجاتِ عَصَبِيتِهِ …….
ازْدادَ ضِيقي ، ومَنْ دُوْنِ أَنْ
نَنْتَبِه لِحَالِنا وَجَدْنا نَفْسيْنا في الغُرْفَةِ خَلْفَهُما وكانَ
الرَّجُلُ قَدْ بَدَأَ هُجومَهُ على ضَحِيَّتِهِ مَاسِحاً الأَرْض
بِكَرامَتِها صَائِحاً فيها لَوْماً وتَقْرِيعاً وتَأْنِيباً :
” أَنا أَتْعبُ وأَكُدُّ لَيْلاً ونَهاراً وأَنْتِ لاتَفْعَلِين
شَيْئاً أَيَّتُها الغَبِيَّة …… أَنا أَعْمَلُ ، أَتَسوَّقُ ،
أَجْلُبُ الغِذاءَ لكِ لِتَأْكُلِين وتَنْتَفِخين وأَنْتِ تَزْدادِين
غَبَاءً كُلَّ يَوْم …… تَعْلفِين كالبَقَرَة الَّتِي لافَائِدَة
مِنْها ……. سأَسْحقُ رَأْسَكِ ……… سأُهشِّمُ عِظامَكِ ولن
يَتَعَجَّبْ أَحْد أَوْ يَلُومَني لأَنَّكِ تَسْتَحِقين ……..
سأَضْرِبُكِ بِالنِعالِ ، بِالحِزَام رُبَّما يُزِيل الغَبَاءَ عَنْكِ
ويُصْلِحُ حَالَكِ ……… إلخ ” .
اسْتَرْسَلَ
الرَّجُلُ لَعْناً وسَبَّاً وشَتْماً فيها وهي وَاقِفَة لاتَتَحَرَّك مِنْ
مَكانِها تَهْتَزُّ كبَنْدُول ، تَرْتَجِفُ شَفَتاها ويَدَاها وتَتَّسِعُ
عَيْناها لِكُلِّ صَرْخَةٍ هَلَعاً وهي في وَضْعِ الانْتِظارِ مَتَى
يَنْقَضُّ عَلَيْها هذا الوَحْش المُنْفَلِت ……..
تَراءَى لي إِنَّ
الشَابَّة ستَنْزَلِقُ في إِغْماءَة خَوْفاً وهَلَعاً …… لا أَدْرِي
كَيْفَ صَمَدَتْ !! …… أَنا أَيْضاً أَصابَني الهَلَع مِنْ هذا الوَحْش
الَّذِي كما بَدا إِنَّه حَطَمَ ضَحِيَّتَهُ وحَوَّلَها إِلى أَرْنَبٍ
مَسْكِين هَلِع وخَائِف يَعِيشُ الخَطَرَ كُلَّ لَحْظَة ويَعْرِفُ أَنَّ
نِهايَتَهُ آتِية لامَحالَة فالمَسْأَلَة هي فَقَطْ مَسْأَلَة وَقْت لا
أَكْثَر ….. حِيْنَ يَشْبَعُ هذا الوَحْش مِنْ وَحْشِيَتِهِ ويَسْأَمها
سيَنْقَضُّ على ضَحِيَّتِهِ ويُنْهِيها قُرْبَاناً لِسَأْمِهِ ……..
عِبارَاته
” أَنا أَتْعَبُ وأَكُدُّ لَيْلاً ونَهاراً وأَنْتِ لاتَفْعَلِين شَيْئاً
أَيَّتُها الغَبِيَّة ……إلخ ” الْتَصَقَتْ بِذاكِرَتي أَبَداً دُوْنَ
فِكاكٍ عَنْها كما الْتَصَقَتْ ذِكْرَى هذهِ الشَابَّة في نَفْسي عَمِيقاً
……
عِبارَاته القَبِيحَة لاتَزُولُ عَنْ ذَاكِرَتي
لأَنَّها تُمَثِّل جَانِباً مِن الظُلْمِ الَّذِي أَحاقَ بِهذهِ الشَابَّة
السَّيِّئةِ الطَالع وأَيْضاً أَعْطَى صُورَةً عَنْ كَثِيرٍ مِن الرِجالِ
في تِلك المَدِينَة اللاوَدُودَةِ وذلك المُجْتَمعِ الوَلِيدِ عِنْها
……
أَخِيراً تَدَخَّلَتْ زَوْجَةُ خَالِي بِحَذَرٍ وخَوْفٍ
بَعْدَ أَنْ اسْتَجْمَعَتْ فُلُولِ شَجاعَتِها وحَاوَلَتْ تَهْدِئَة
الوَحْش بِبِضْعِ كَلِماتٍ وتَطْييبِ خَاطِرَه عَلَّهُ يَحْسِرُ أَذَاهُ
عَمَّنْ ابْتُلِيَتْ بِهِ ……. ازْدادَ الرَّجُلُ تَباهِياً وشَعِرَ
أَكْثَر بِأَنَّهُ مُحِقٌّ فيما يَفْعَل وصَارَ يَخُصُّنا بِتَوْضِيحاتِهِ
مُنْهَمِكاً في ذَمِّ ضَحِيَّتِهِ ومَسْحِ الأَرْضِ بِكَرامَتِها لِمَرَّةٍ
أُخْرَى وكأَنَّ مَرَّة وَاحِدَةً لا تَكْفِي ……. ثُمَّ وبَعْدَ أَنْ
أَفْرَغَ بَذاءَاتَهُ كُلَّها غَادرَ خَارِجاً ……..
عَمَّتِ
السَكِينَةُ المَكانَ وأَفْردَ الهُدوءُ جَنَاحِيّهِ مُتَنَفِّساً
الصُعْداء ، وكانَتْ الدُمُوعُ تَتَلأْلأُ وتَتَلامَعُ في عَيْنيِّ
الشَابَّة لَكِنَّها لَمْ تُلامِسَ خَدِّيها ولَمْ تَتَدَحْرجْ عَنْهما
…… حَتَّى دُمُوعَها كانَتْ عَصِيَّةً على التَدَّحْرُجِ فَوْقَ
خَدِّيها وظَلَّتْ أَسِيرَةَ مَآقيها خِشْيَة العَواقِبِ …….
ورَغْمَ تَطْييبِ خَاطِرَها بِكَلِماتٍ تَخْتَصِرُ الأَمْلَ في غَدٍ
أَفْضَلٍ فيَهْدأُ الرَّجُلُ وتَزُولُ عَصَبِيَّتهُ ويَرْضَى عَنْها
ويُنْسى كُلَّ شَيْءٍ لَمْ تَخْطُفْ ولَوْ وَمْضَةُ أَمْلٍ عَارِضَة مِنْ
عَيْنيِّ الشَابَّة إِيماناً بِذلك ، ولَمْ تَفْلَح الجُهُود ولَوْ في
رَسْمِ بَرِيقٍ بَاهِتٍ فَوْقَ صَفْحَةِ وَجْهِها المُتَبَّلِ بِالحُزْنِ
والرَهْبَةِ …….
لَمْ تَنْبُس الشَابَّة
بِكَلِمَة ، كانَتْ صَامِتة طوالَ الوَقْت فمُعامَلَة زَوْجَها السَّيِّئة
لَها أَفْقَدَتْها النُطْق وجَعَلَتْها تَخافُ الكَلام ……
بَعْدَ
وَقْتٍ بَدا لي دَهْرأً خَرَجْنا مِنْ هذا الجَحِيم ، والفَزَع مِمَّا
رَأَيْتُ شَلَّ طَاقَتِي وكَلَّفَني تَفْكِيراً طَوِيلاً في وَضْعِ
النِساءِ في مَدِينَةٍ قَاسِيةٍ كُنْتُ أَكْرَهُها وأَتَمَنَّى الرَحِيلَ
عَنْها في كُلِّ لَحْظَة ، حَتَّى هَواءَها كانَ خَانِقاً …….
زَوْجَة
خَالِي بِطِيبَتِها وبَساطَتِها كانَتْ تَتَعامَل مَعَ الشَابَّة
بِاحْتِرامٍ جَمِيلٍ وتَعْتَرِفُ بِمَكانَتِها كأُنْثَى لَها بَيْتَها
وعَائِلَتَها ، فلَمْ يَكُنْ يُزْعِجها خَوْف الشَابَّة أَوْ تَرَدُّدها
أَوْ عَدَمَ نُطْقِها وكانَتْ تَشْعُرُ بِمُعاناتِها عَمِيقاً ، مُحاوِلَةً
بِطَرِيقَةٍ ما مُساعَدَتها على تَبَوُّءِ مَكانَتِها الطَبِيعِيَّة في
مُجْتَمعٍ يَسْحَقُ الأُنْثَى ولايَمُدُّ لَها يَدَ العَوْن …….
فَهِمْتُ فيما بَعْد
إِنَّ اسْتِعارَةَ أَداةِ المَطْبَخِ ما كانَ إِلاَّ ذَرِيعَةً صَالِحَةً
مِنْها لِتَتَمَكَّن مِنْ زِيارَةِ الجَارَةِ المَظْلُومَة والأَطْمِئنانِ
عَلَيْها حَيْثُ كانَ زَوْجَها الشَرِس قَدْ مَنَعَها حَتَّى مِنْ
مُخالَطَةِ الجِيرانِ .
لَمْ يَكُنْ
بِمَقْدورِها فِعْل شَيْءٍ لأَجْلِ هذهِ الشَابَّة غَيْر الدَعْم
المَعْنَوِيَّ وبَعْض الرِعايَة لأَنَّ المُجْتَمع بِأَكْمَلِهِ ضِدَّ
النِساء ، فأَيُّ حِيلَةٍ لَها في تَغْييرِ الأَمْرِ أَوْ العَوْنِ وهي
أَيْضاً مِنْ النِساء .
الصَدْمَةُ
مِمَّا رَأَيْتُ وحُزْنِي على وَضْعِ الشَابَّة حَرَّضَ فُضُولي
لِلمَعْرِفَةِ عَنْها فخَبِرْتُ إِنَّ الرَّجُل كانَ أَرْمَلاً لَهُ عِدَّة
أَوْلاد ، قَرَّرَ الزَواج ثَانِيةً فاخْتَارَ هذهِ الفَتاة لأَنَّ
قِطَارَ الزَواج قَدْ فَاتَها …… ففي هذهِ المَدِينَةِ بِمُجَرَّدِ
أَنْ تَدُّكَ الفَتاةُ عَتَبات العِشْرِين تَكُونُ في نَظَرِ المُجْتَمعِ
” بَائِرَة ” ومُسِنَّة ولاحَظَّ لَها في الزَواجِ مِنْ شَابٍ إِلاَّ في
اليَانَصِيب ولِهذا فالأَهْل في الغَالبِ يَخْضَعُون لِضَغْطِ المُجْتَمعِ
ويَضْطَرُّون لِدَفْعِ الفَتاةِ إِلى حُضْنِ أَحَدِ الكُهولِ فظِلُ رَجُلٍ
أَفْضَل مِنْ ظِلِ حائطٍ ، رَغْمَ إِنَّ الحَائِط في حَالَةٍ كهذهِ كانَ
أَكْرم وأَوْفَرُ أَماناً ………..
أَضافَتْ
زَوْجَةُ خَالِي إِنَّ الرَجُلَ عَصَبِيّ المَزَاجِ بَعْض الشَيْء ولَكِنْ
مَنْ مِن الرِجالِ لَيْسَ كذلِك ، جَمِيعهم هكذا لأَنَّهم رِجال ،
والشَابَّة ستَتَعلَّمُ بِمُرورِ الأَيْامِ فهي لازَالَتْ في طَرِيقِها
لِلتَعَلُّمِ كَيْفِية التَعامُلِ مَعَ هكذا زَوْج والصَبْر والتَحَمُّل
حَتَّى تَتَغَيَّرُ الأَحْوال وتَنْصَلِحُ ….
سَأَلْتُها : هَلْ يَضْرِبها كَثِيرَاً ؟
أَوْمَأَتْ بِرَأْسِها مُؤْكِّدَة .
لن
أَنْسَى مَلامِحَ هذهِ الشَابَّة المَسْكِينَة ماحُيِّيْتُ وكَمْ
تَمَنَّيْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي ولازُلْتُ الخَلاصَ لَها ، هذهِ الشَابَّة
المَجْهُولَةِ والَّتِي لا أَعْرِفُ حَتَّى اسْمها انْطَبَعَ وَجْهُها في
وُجْدانِي صُورَةً لِكَثيرٍ مِنْ النِساءِ في حَالٍ مُشابِهٍ لايَخْتَلِف
……..
كَمْ
هَزَّتْ كِياني ورَجَّتْ أَعْماقِي وأَدْمَتْ شُعُورِي مُعانَاتُها
ومِحْنَتُها ومَصَابُها ………. تَمَنَّيْتُ لَوْ اسْتَطعْتُ
مُساعدَتَها ولَكِنْ ضَاقَتْ بي الحِيلَة وأَنا ابْنَةُ الثَانِيَةِ عَشَر ،
طَالَتْ الحَسرَاتُ نَفْسِي وأَنا أَرَاها عَاجِزَة عَنْ مُساعدَةِ
شَابَّةً تَتَدَّمَرُ وتُهْرَسُ يَوْمِيَّاً في قَبْضَةِ مَارِدٍ
مُتَخَلِّفٍ مَعْتُوه ….. ظَلَّتْ الأَمَانِيّ أَمَانِيّ وظَلَّتْ
الشَابَّة تُعاني …..
في
رَأْيي إِنَّ تَسَلُّطَ الرَجُلِ على زَوْجَتِهِ وبِهذهِ الطَرِيقَةِ
الوَحْشِيَّة يُنَمِّي لَدَيْهِ رَغْبَة مُتَواصِلَة ومُتَصاعِدَة في
تَحْقِيرِها وإِهانَتِها وصَبِّ عُقَدَهُ النَفْسِيَّة عَلَيْها فهي
تَتَحَوَّلُ مِنْ زَوْجَةٍ وشَرِيكة حَيَاةٍ إِلى ضَحِيَّة ، وغَالِباً ما
يُمْعِنُ الفَاعِلُ في تَعْذِيبِ ضَحِيَّتِهِ حَتَّى تَتَعَاظَمُ فيهِ
غَرِيزَتُهُ التَسَلُّطِيَّةِ الوَحْشِيَّة بِشَكْلٍ لايُمْكِنُ رَدْعَهُ
وايْقافَهُ ويَقُودُ لِقَتْلِ الضَحِيَّة وتَصْفِيَتِها جَسَدِيَّاً بَعْدَ
أَنْ يَكُونَ قَدْ حَطَّمَها نَفْسِيَّاً ، هكذا يُرْضِي غُرورَهُ
بِأَنَّهُ الأَقْوَى ، الأَحْسَن ، الأَفْضَل ….. إلخ
خَوْفُ الضَحِيَّة والَّذِي لايُمْكِنُ أَنْ تُلامَ عَلَيْهِ أَبَداً
يُساعِدُ بِدَرجاتٍ في تَنامِي هذا الفِعْل وانْتِهائِهِ بِجَرِيمَةٍ
……..
مُعَالَجَة الخَوْف لَدَى الضَحِيَّة يَكُونُ
بِتَوْفيرِ الدَعْمِ والحِمايَةِ المُجْتَمعِيَّة ، والعَائلِيَّة ،
والقَانونِيَّة تَرافُقاً مَعَ الدَعْمِ والِحمايَةِ المَعْنَوِيَّة .
كَمْ أَتَمَنَّى لَوْ
أَعْرِفُ ما آلَ إِلَيْهِ مَصِيرُ هذهِ الشَابَّةِ الضَحِيَّة والَّتِي هي
الآن بِالتَأْكِيدِ مُتَقدِّمَة في السِنِّ إِنْ كَانَتْ لازَالَتْ على
قَيْدِ الحَيَاة ……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في
إِحْدَى جَوْلاتِ المَسْحِ الرِيفيِّ المُنَاطَةِ بِمَسْؤُولِيَّة
المُسْتَوْصَفِ في تَغْطِيَةِ خِطَّةِ التَلْقِيحاتِ الصِحِّيَّةِ
السَنوِيَّة ، صَادَفْنا رَجُلاً مُسِنَّاً دَكَّتْهُ سَنواتُهُ السَبْعِين
ودَعَكَتْهُ دَعْكاً فصَارَ نَحْيفاً كَعَصا ، ومَرَّغَتْ هَيْكَلَهُ
فصَارَ لايَرْتَفِعُ عَنْ الأَرْضِ إِلا أَشْبارَاً قَصِيرَة شَكَّلَتْ
كُلَّ قَامَتِةِ ……..
أَخَذَني الأَسَفُ مِنْ أَجْلِهِ كَوْنَهُ
كَفِيفاً لايُبْصِرُ مِنْ دُنْياه شَيْئاً ، الْتَفَتَتْ إِليّ زَمِيلَتي
في المِهْنَةِ وقَدْ ضَاقَتْ ذَرْعاً بِتَعاطُفِي هذا وكانَتْ إِنْسَانَةٌ
صَرِيحَة جِدَّاً ، وقَاسِيَةُ التَعابِير وفَظَّة ، تَقُولُ ماتُفَكِّرُ
بِهِ دُوْنَ تَحَفُّظٍ ، أَوْ وَجْلٍ ، أَوْ احْتِرامٍ ، وقَدْ جَبَلَتْها
خِبْرَتُها المَرِيرَةِ في الحَيَاةٍ بِجُرْعَةٍ عَالِيةٍ ومُكثَّفَةٍ على
هذا ، وقَالَتْ لي بِتَشَدُّدٍ : ــ
” هذا الرَجُل الَّذِي تَأْسفِين لَهُ في ذِمْتِهِ
أَرْبَعة نِساءٍ صُغْراهُنَّ في العِشْرِينِ مِنْ عُمْرِها ….. وهو
لايَتَوَرَّعُ عَنْ ضَرْبِهن كُلَّما اعْتَراهُ جِنَّاً أَوْ وَطْراً
لِذلك ، فهَلْ يُمْكِنُنا أَنْ نَأْسَفَ لَهُ ” .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حِيْنَما
كُنْتُ أَهْذِي بِبَعْضِ المِثالِياتِ الخَائِبَةِ الرَائجَةِ التَدَاولِ
في ذلك المُجْتَمعِ الجَائِرِ بِحَقِّ النِساءِ عَنْ صَبْرِ الزَوْجَةِ على
مَسَاوِئ شَرِيكِها وتَفَهُّمِها لِظُرُوفِهِ وأَطْوارِهِ وأَحْوالِهِ
دُوْنَ أَيِّ اعْتِبارٍ لَها …….. إلخ مِنْ غَباءِ الكَلامِ مُواسَاةً
لِجَارَتي الحَائِرَةِ في حَالِها ، قَالَتْ خَالَتُها الوَاقِفَة إِلى
جَانِبِها تَحُثُّها على الصَبْرِ أَكْثَر وتُخَفِفُّ عَنْها مَصَاباً
لاسَبيلَ لِتَخْفِيفِهِ : ـ
” مَاذَا أَقولُ أَنا
يابُنيَّتي وأَنْتِ تَعْرِفين زَوْجي ، حَتَّى إِنَّهُ في صَباحاتٍ مُعادَة
وبَدَلاً مِنْ أَنْ يُوْقِظَني بِقُبْلَة غَسَلَ وَجْهي بِإِفْراغِ
مَثَانتِهِ فَوْقَهُ ” .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَكَتْ
لي إِحْدَى النِساء إِنَّ صَدِيقَتَها بَعْدَ شِجارٍ عَنِيفٍ مَعَ
زَوْجِها الَّذِي أَمْطَرَها ضَرْباً ولَكْماً حَتَّى غَطَّتْ الكَدَماتُ
الزَرْقاء رُقْعاتٍ مِنْ جَسَدِها الْتَجَأَتْ لأَهْلِها بَحْثَاًعَنْ
خَلاصٍ مِنْهُ ………..
بَعْدَ أَيْامٍ مِنْ ذاك الشِجارِ تَمَحَّكَ
الزَّوْجُ تَمْثِيلاً ومُداهَنَةً لِمُراضَاةِ زَوْجَتِهِ وأَهْلِها ،
دَفَعُوا بَها إِلَيْهِ ثَانِيةً فلا يُمْكِنُ انْتِظار غَيْر ذلك مِنْ
أَهالِي النِساءِ عُمُوماً فالمُجْتَمع يَأْكُلُ وُجُوهَهُم إِنْ سَلَكُوا
سَبِيلاً آخَر ، اضْطَرَّتْ الزَوْجَةُ ولاخَيَارَ آخَر لَدَيْها
لِلعَوْدَةِ مَعَهُ إِلى مَنْزِلِ الزَوْجِيَّة ، حَتَّى يُتْقِنُ
الزَّوْجُ دَوْرَ الرَجُلِ الطَيِّبِ المُتَسامِح اسْتَأْجَرَ سَيَّارَةَ
أُجْرَة خُصُوصيّ لِيَعُودَ بِزَوْجَتِهِ إِلى بَيْتِهِ فأَعْطَى بِذلك
انْطِباعاً مُسْتَحْسَناً لَدَيهم وطَابَتْ نُفُوسُهم ……
في الطَرِيقِ ، بَعِيداً عَنْ أَنْظارِ الجَمِيعِ وفي سَيَّارَةِ
الأُجْرَةِ الخُصُوصيّ الْتَفَتَ إِلَيْها ولَكَمَها في وَجْهِها مَرَّات
وأَنْدفَعَ يَضْرِبُها في كُلِّ قِطْعَةٍ مِنْ جَسَدِها تَصِلُ إِلَيْها
يَدَاهُ القَذِرتان وفَمُهُ يَتَقَيَّأُ أَبْذأَ الشَتَائِمِ وقَارِصَ
الكَلامِ تَحْتَ أَنْظارِ السَائِقِ الَّذِي الْتَزَمَ الصَمْت التَامّ
وعَدَمَ التَدَخُّلِ في أُمُورٍ عَائلِيَّةٍ خَاصَّة !!!! …….
الزَّوْجَةُ مِلْكُ زَوْجِها يَفْعَلُ بِها مايَحْلو لَهُ ، أَمَّا
الغَرِيب فلَهُ الفُرْجَة والصَمْت التَامّ ……. هكذا يَرَى المُجْتَمع
كُلَّهُ الوَضْعَ الطَبِيعِيِّ …….
الرَّجُلُ
خُدِّشَتْ رُجُولَتَهُ وكَرَامَتَهُ حِيْنَ الْتَجَأَتْ زَوْجَتَهُ
لِبَيْتِ أَهْلِها وعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّبَها حَتَّى لاتُعِيد الكَرَّة (
وقَدْ نَجَحَ في ذلك فزَوْجَتَهُ امْتَنَعَتْ عَنْ تِكْرارِها فيما بَعْد
خَوْفاً مِنْ هَمَجِيَّتِهِ ) فهو حُرٌّ أَنْ يَفْعَلَ بِها مايَشَاءُ
وعَلَيْها هي أَنْ تَقْبَلَ الوَضْعَ شَاءَتْ أَمْ أَبَتْ فكَلِمَةُ
الرَجُلِ يَجْبِ أَنْ لاتُلامِسَ بِلاط َالأَرْضِ …….
مامَدَى ، ما عُمْقِ هذا الظُلْمِ ؟
يَضْرِبُها ويُطالِبُها أَنْ لاتَحْتَّجُ بَلْ تَتَقَبَّلُ ذلِك مِنْهُ وعلى مَرْمَى تَشْكُرَهُ …………….
إِنَّ هذا لَظُلْمٌ على ظُلْم ………..
المُجْتَمع
في شَخْصِ أَهْلِها وفي شَخْصِ سَائِق سَيَّارِةِ الأُجْرَةِ مُتَواطِئ
مَعَ الرَجُلِ ، أَهْلها حِيْنَ أَعادُوها إِلَيْهِ ، وسَائِق السَيَّارَةِ
حِيْنَ الْتَزَمَ الصَمْت بَدَلاً مِنْ أَنْ يُنْقِذَها مِنْ بَراثِنِ
زَوْجِها الهَائِج ، فكِلاهُما يُمَثِّلان المُجْتَمع الساكِت عَنْ
سَيِّئاتِ الرِجالِ وقُبْحِ أَفْعَالِهِم ……..
الأَهْلُ
والسَائِق يُنْفِذانِ فِكْرَة المُجْتَمعِ وأُسلوبِ التَعامُلَ مَعَ
النِساءِ في حَالاتٍ كهذهِ …… هُما لَمْ يَأْتِيا بِشَيْءٍ مِنْ
جُعْبَتِهما بَلْ يَفْعلانِ مايُمْلِيهِ عَلَيْهما المُجْتَمع الَّذِي
يَنْهَلُ نَهِماً مِنْ الأَدْيانِ وشَرائِعها ……
لِهذا
كَيْفَ نُطالِبُ سَائِقَ السَيَّارَةِ بِمَوْقِفٍ عَادِلٍ إِنْ كانَ
نِتَاجَ مُجْتَمعِهِ المَرِيضِ بالأَدْيانِ وشَرائِعها فيَرَى الظُلْمَ
عَدْلاً ، والعَدْل عَيْباً ، ويَتْرُكُ النِساءَ والأَطْفالَ …… إلخ
ضَحايَا الطَرَفِ الآخَر …….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَذْكُرُ
مِنْ أَتْرابي في سِنِّ الخَامِسةِ عَشَر ، الصَبِيَّة الجَمِيلَة
الهَادِئة ( ي ) زُفَّتْ لِهَمَجِيٍّ في الخَامِسَةِ والثَلاثِين نَخَرَ
عِثُّ المُجْتَمعِ والدِينِ شَبكات التَرابُطِ في عَقْلِهِ حَتَّى
تَشَكَّلَتْ كُهُوفاً رَطِبَة عَفِنة ، زُفَّتْ إِلَيْهِ دُوْنَ أَنْ
يَكُونَ لإِرادَتِها مَكاناً ودُوْنَ أَنْ تَرَى الرَجُل سِوَى
لِمَرَّتَينِ وتَحْتَ أَنْظَارِ الحِراسَةِ المُشَدَّدَةِ لِلعَائِلتَينِ
.
في
اللَيْلَةِ الأُولَى لَهُ مَعَها ( لَيْلَة الدُخْلَة كما يُسَمُّونَها
بِالمُتَعارَفِ ) وهي عَرُوسٌ بَهِيَّة بِثَوْبِ زَفَافِها أَبْرَحَها
ضَرْباً ………
وفي الأَيْامِ الَّتِي تَلَتْ ذلك كانَ
يَفْتَخِرُ بَيْنَ الكُلِّ بِمافَعَلَ ، وبَيْنَ تَفاخُرِهِ أَثْنَى
البَعْضُ على تَصَرُّفِهِ هذا وامْتَدَحَهُ بِاعْتِبارِهِ عَيْنُ
الحِكْمَةِ بَيْنَما تَساءَلَ الآخَرون لِماذَا لَمْ يَذْبَحْ لَها
القِطَّة بَدَلاً مِنْ كُلِّ هذا العَنَاء ؟ ……. وعَنَّ لي حِيْنَها
ماذَنْبُ الحَيَوانِ الَّذِي لانَصِيبَ لَهُ في مَسِيرَةِ حَيَاتِنا
لِيَحْشُروهُ حَشْرَاً كضَحِيَّةٍ يُمْكِن التَفْرِيط بِها فَوْقَ مَسْرَحِ
فظَاعَاتِنا البَشَرِيَّةِ المَجْنُونَةِ ؟
حِيْنَ سَأَلُوهُ عَنْ
سِرِّ مافَعَلَ قَالَ إِنْ ذلك يَحْفَظُ مَكانَتِهِ في عَيْنَيْها على
الدَوامِ ، وسيَجْعَلها زَوْجَةً صَالِحَةً قَيْدَ رَغْبَتِهِ تَسِيرُ
فَوْقَ العَجِينِ فلاتَتْرُك فيه أَثَراً ، وتَمُرُّ فَوقَ البَيْضِ
فلاتَكْسِرُ لَهُ قِشْراً ، وقَدْ يَقُودُها ذلك لِتَرْكَعَ لَهُ ولَوْ
إِنَّ الرُكُوعَ للهِ وَحْدَهُ ولَكِنَّهُ زَوْجَها أَيْ سَيِّدها .
السَنَةُ
الأُولَى كَذَبَتْ نُبُوءَتَهُ ، إِذْ كانَتْ سَنَةٌ مَلِيئَة
بِالخِلافاتِ والتَنافُر وكُلّ قُشُورِ البَيْضِ تَهَشَّمَتْ والعَجِين
لاصَ بِهَيْئَتِهِ ، فالصَبِيَّة الخَائِفَة لَمْ تَكُنْ تُطِيقُ النَظَرَ
في سَحْنَتِهِ وكانَتْ بَيْنَ يَوْمٍ وآخَر تَفُرُّ هَارِبَةً لأَهْلِها
مِنْهُ حَتَّى انْتَهى الحَالُ بِالطَلاقِ …….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما
الَّذِي يَأْمَلَهُ أَوْ يُرِيدَهُ الرَّجُلُ مِن الأُنْثَى في هذهِ
المُجْتَمعاتِ وهي في عَيْنَيْهِ صَغِيرَة العَقْلِ ولا تَنْضُجُ أَبَدَاً
وقَلِيلَة الدِرايَةِ ؟
لِماذَا يَتَوَّقَعُ مِنْها الحَصافَةَ
والفِطْنَةَ في مُعالَجَةِ الأُمُورِ وهو ـ وكذلك المُجْتَمع ـ
لايَمْنَحانها الفُرْصَة لِتَعَلُّمِ كُلِّ ذلك ، وأَيْضاً هو نَفْسه
الَّذِي يَظُنُّ فيها ( أَيْ في نَفْسِهِ ) النُضُوجَ وكِبَرَ العَقْلِ
لايُمْكِنُهُ أَنْ يَبْلُغَ الحَصَافَةَ والفِطْنَةَ ذاتها الَّتِي
يُطالِبُ بها الأُنْثَى …… هذهِ ازْدِواجِيَّة في المَقاييس ودَلِيل
على إِنَّ الأُنْثَى غَالِباً ماتَكُونُ ضَحِيَّةَ الرَجُلِ لِتَفْرِيغِ
عُقدَهُ فيها …….
أَيُّ مَفْهُومٍ ، أَوْ حَقٍّ ، أَوْ
مَنْطِقٍ يُبْيحُ لِلرَجُلِ كَسْرَ أَسْنانِ زَوْجَتِهِ ، أَوْ أَحَدَ
عِظامِها ، أَوْ التَسَبُّبِ في إِصابَةٍ لَها ، أَوْ إِفْراغِ مَثَانَتِهِ
في وَجْهِها إِلاَّ إِذا كانَ الزَّواجُ نَمَطاً مِنْ أَنْماطِ
العُبُودِيَّةِ ومُساوِياً لِعَقْدِ امْتِلاكٍ ، أَلا تُفْصِحُ هذهِ
الأَفْعَال عَنْ رِجالٍ لا أَسْوِياء ؟ .
أَيُّ
مُشْكِلَةٍ ، أَوْ حَدِيثٍ ، أَوْ شِجارٍ ، أَوْ مُشَاداةٍ ، أَوْ ……
إلخ في أَيِّ حَجْمٍ كانَتْ ، أَوْ نَوْعٍ ، أَوْ إِطارٍ ، أَوْ
مُسبِّباتٍ ، تُبِيحُ لِلرِجالِ الاعْتِداء على النِساءِ ضَرْباً ؟
وأَيْضاً يُقالُ الأَمْر ذَاتَهُ عَنْ ضَرْبِ
الأَخ لِشَقِيقاتِهِ ، أَوْ الأَب لِبَناتِهِ ، أَوْ التَسَبُّبِ لَهُنَّ
في جُرُوحٍ وكَدماتٍ وكُسُورٍ ….. إلخ قَدْ يَكُونُ لإِحْدَاها أَثَرٌ في
إِحْداثِ عَاهَةٍ مُسْتَدِيمةٍ تُرافِقُ الأُنْثَى مَدَى العُمْر وتُعاني
مِنْها …..
ورَغْمَ كُلّ القُبْحِ والعُنْفِ في تَعَدِّي الذَكَر على
الأُنْثَى نَسْمَعُ المَنْظُومَةَ المُجْتَمعِيَّة تُردِّدُ بِغَباءٍ
مُقْزِّزٍ مُدْقَع إِنَّ الأُنْثَى هي السَبَب ، وهي الَّتِي تَدْفَعُ
الرَجُلَ لِضَرْبِها ، أَوْ تَرْغَبُ في ضَرْبِ الرَجُلِ لَها ، أَوْ
إِنَّها تَسْتَحِقُ ما يُصِيبها ، أَوْ إِنَّهُ رَجُلٌ وثَارَتْ
ثَائِرَتُهُ وهذا أَمْرٌ مُعْتاد …… إلخ مِنْ تِلك الجُمَلِ الهَوْجاءِ
الَّتِي تَعْكِسُ جَهْلاً مَرِيراً وقَسْوَةً عَفِنَة تَفُوحُ عَنْها
رَائِحَةَ البَذاءَة والتَخَلُّف ، وتُثِيرُ شَهِيَّة الرِجالِ أَكْثَر
وتُحرِّضهُم لإِدْمانِ الحالِ أَشَدُّ انْسِياباً فيه .
مَنْ
يَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ عَشْعَشَةَ كُلُّ التَشْخِيصات السَلْبِية
عَنْ الأُنْثَىٍ في مُجْتَمعاتِنا ، إِنْ لَمْ تَكُنْ الأَديان فإِلى أَيْن
تُرْشِدُنا البَوْصَلَة ، وأَيُّ تَبْرِيرٍ بِأَسْبابٍ أُخْرَى يَقُولُ
الشَافِية ؟ .
إِنْ أَخْلَتْ الأَدْيان مَسْؤُولِيَّتَها
وتَنَصَّلَتْ عَنْها في وَضْعِ النِساءِ اللامُنْصِف ، وما يُعابُ
عَلَيْها مِنْ خَلْقِ أَسْبابِ حَالَةِ التَرَدِّي الَّتِي تَلُفُّ
أَوْضاعَهُنَّ وطَمْرهُنَّ فيها والحَطِّ مِنْ قِيمَتِهنَّ وحَصْرِ
عَالَمِهنَّ وتَضْييقِهِ ، فهل سَتَفْلَحُ في إِخْلاءِ مَسْؤُولِيَّتِها
وغَسْلِ كَفِّيها وإِعْلانِ بَراءَتِها وصَدِّ ماعَلَيْها مِنْ مآخِذ في
كَوْنِها قَدْ شَارَكَتْ وسَاهَمَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ وفَعَّالٍ في سَرِقةِ
حُقُوقِ النِساءِ ، وتَدَنِّي أَحْوالِهنَّ بِاضْفائِها صِفَةَ القَداسَةِ
والشَرْعِيَّة على كُلِّ تلك الأَفْكارِ الَّتِي تُؤمِّن حَالَةَ
التَرَدِّي هذهِ ، والعَمَل حَثِيثاً لِلمُحافظَةِ على اسْتِمْرارِيَّتِها ،
والاسْتِهانةِ بِحُقُوق الأُنْثَى ككَائِنٍ مُساوٍ في كَيْنُونتِهِ
لِشَريكِها الذَكَر مِنْ خِلالِ نُصُوصٍ ذَيَّلَتْها بِتَوْقِيعٍ
عَنْوَنَتْهُ سَماوِيَّاً .
الأَدْيان لَمْ تُنْصِفْ النِساء إِنْ لَمْ تَسْحَقَهنّ عَنْ تَصْمِيمٍ وعَمَدٍ .
وبِما
إِنَّني أَرْوِي الأَحْداث مِنْ بُقْعَةٍ مُحدَّدَةٍ مِنْ بِقاعِ
العَالَمِ فبِالإِمْكانِ تَحْدِيدِ تِلك الأَدْيان أَلا وهي ما تُسَمَّى
بِالسَماوِيَّة .
طِبْتُم خَيرَاً وسَلاماً عَزِيزاتي ، أَعْزائي مِن القَارِئاتِ والقُرَّاء .
لكُم المَوَدَّةُ والمَحَبَّة .