من مُذكرات إِنْسَانَة (1) مُجْتَمع,كليجة وكلينتون ورِجال وكَبائِر أُخْرَى

شذى توما مرقوس
من مُذكرات إِنْسَانَة / 1
ــ مُجْتَمع ــ
كليجة وكلينتون ورِجال وكَبائِر أُخْرَى …………

22/ 01 / 2012
http://nala4u.com

بقلم : شذى توما مرقوس                                    
السبت 17/ 9 / 2011 ــ الأثنين 19 / 9 / 2011              

(  نُتفٌ عَنْ أَحْوالِ وأَوْضاعِ النِساء ) ……….                                                        

……… كَمَرَّةٍ مِنْ كَثِيرِ المَرَّات الَّتِي اعْتَدْناها تَلاقينا أَنا وقَرِيناتي في الصَفِّ الأَوَّل الابْتِدائِيّ لِنَلْعَبَ سَوِيَّة  ” طَم خرِيزَة ” وهي لُعْبَة كَانَت شَائِعَة جِدَّاً في ذَلِك الوَقْتِ ومُسلِّيَة لَنا جِدَّاً كَبَناتٍ صَغِيرات ، حَيْثُ تَحْتَفِظُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِعَدَدٍ مِن الخَرَزِ المُلَوَّنِ والمُتَباينِ الأَحْجامِ والأَشْكالِ والنُقُوشِ ، ثُمَّ نَحْفُرُ حُفْرَةً صَغِيرَةً في التُرابِ ونتَتابَعُ بِدَحْرَجَةِ الخَرَزِ نَحْوَ الحُفْرَةِ ،  فإِنْ أَصَابَ الخَرَزُ الحُفْرَة رَبِحَتْ صَاحِبَتُها وإِنْ حَادَ عَنْها خَسِرَتْ وكَانَ عَلَيْها أَنْ تُضَحِّي بِبَعْضٍ مِنْ خَرَزِها ، عِقابٌ قَاسٍ ومُؤْلِمٍ جِدَّاً لأَنَّ الخَرَزَ كَانَ عَزِيزاً عَلَيْنا كَصَغِيرات في أَعْمارِنا حَيْثُ حَفَرْنا لَهُ في تَصَوُّراتِنا قِيمَةً مُساوِيَةً لِقِيمَةِ الذَهَبِ أَوْاللُّؤْلُؤ الَّذِي يَتَقَاتَلُ مِنْ أَجْلِهِ الكِبار ، نَحْنُ الصَغِيرات كانَت دُنْيانا صَغِيرَة بِحَجْمِ أَعْمارِنا فيها نَتَقَاتَلُ لَعِباً لأَجْلِ خَرَزٍ مُلَوَّن .                                                                                                        
كُنَّا نَلْتَقِي عِنْدَ تَقَاطُعِ الشَوارِعِ الأَرْبَعةِ لِلمَحَلَّةِ حَيْثُ تَسْتَلقِي قِطْعَةَ أَرْضٍ تُرابِيَّة خَالِيَة لا بِنَاءَ عَلَيْها يَسْتَغِلُها كُلُّ أَطْفالِ المَحَلَّة والقَادِمين مِنْ تِلك البيوتِ المُتَرَاصَّة إِلى جَانِبِ بَعْضِها البَعْض في الشَوارِعِ الأَرْبَعةِ لِلعِبِ فِيها ……..                                                        
وأَثْنَاءَ اللَعِبِ يَتَعالَى صُراخنا ، ضَحِكنا ، اخْتِلافنا ، شِجارَاتنا ، حَماسَتنا ……. ويَسْتَمِّرُ اللَّعِبُ حَامِياً كالوَطِيسِ ……..                                                                            
بَيْنَما كُنَّا غَارِقين في مُتَابَعَةِ اللُعْبَة ، انْتَبَهْنا فَجْأَةً إِلى رَجُلٍ يَقِفُ فَوْقَ رؤوسنا الصَغِيرَة ويُحَدِّقُ بِنا غَاضِباً ، حَتَّى أَنَّ شَوارِبَهُ الكَثَّة السَوْداء كَانتْ تَرْتَجِفُ مِنْ فَرْطِ غَضَبِهِ ، وعَيْنَيْه تَنْفُثُ عَنْهُما قَسْوَةٌ مُخِيفَة تَكْفِي لِتُمْسِك النَبْضَ عَن قُلُوبِنا الصَغِيرَة ……                        
كَانَ الرَّجُلُ الغَرِيب في مُنْتَصَفِ العُمْرِ كما بَدَا ويَرْتَدِي الزِيَ الشَائِعِ في تِلك المَدِينَةِ والَّذِي كَانَ عِبَارَة عَن رِداءٍ طَويلٍ حَتَّى القَدَمَين يُخاطُ مِنْ قِماشٍ رَمادِي اللَوْنِ دَاكِن في الغَالِب تَتَداخَلُهُ خُطُوطٌ دَقِيقَة رَفِيعَة بَيْضاء وسَوْداء ( إِلى جَانِبِ اللَوْن الرَمادِي الدَاكِن الشَائِع ، كانَتْ أَقَلُّ شُيُوعاً حُلَلٌ بِأَلْوانٍ أُخْرَى كاللَوْنِ الأَسْودِ ، القَهْوائِيِّ ، الجَوْزِيّ ……. إلخ ، تَتَداخَلُ فيها خُطُوط ٌدَقِيقَة رَفِيعَة لأَلْوانٍ مُتفاوِتة مُخْتَلِفَة ) ، كَانَ الرِّجالُ يَلْبَسُونهُ فَوْقَ قَمِيصٍ أَبْيضٍ أَوْ لَوْنٍ آخَرٍ ما ، نِصْف الرِداء يَأْتِي على نِصْفِهِ الآخَرِ لِيَنْتَهِي عِنْدَ الجَانِبينِ في رَبْطَةٍ فَوْقَ الخَصْرِ جَانِبيَّة ، ثُمَّ تَأْتِي العَبَاءَة الرِجالِيَّة العَرَبِيَّة المُوْشَّاة حَواشِيها بِخيوطٍ ذَهَبِيَّة فَوْقَ الرِداء ( البَعْض أَحْياناً اعْتَادوا ارْتِداء الستْرَة أَوْ الجاكيت بَدَلاً عَن العَبَاءَةِ ) ، أَمَّا الرَأْس فتُغَطِيهِ قِطْعَة قِماشٍ بَيْضاء ( كَفِيَّة ، يشماغ ) ، مَطْوِيَّة على شَكْلِ مُثلْث ، طَوِيلَة  تَكْسُو ُ الكَتِفيْن أَيْضاً  ، يَضْبِطها عِقالٌ أَسْود في قِمَّةِ الرَأْسِ .                                    
حَدَقَ بِنا غَاضِباً ثُمَّ انْفلتَ يُخاطِبنا كَمَنْ أَصَابَتْهُ نَوْبَة صَرَعٍ وأَذْكُرُ عِبارَتَهُ جَيداً :              
”   كَيْفَ يَسْمَحُ لكُنَّ آباءكُنَّ بِاللَعِبِ في الشَارِعِ وأَنْتُنَّ في عُمْرِ الزَواجِ ……… ”            
تَرَكنا اللَعِبَ ونَحْنُ نُصْغِي مُرْتَعِبات مَشْلُولات إِلى الرَجُلِ ، وقَبْلَ أَنْ يَتِمَّ كَلامَهُ تَفَرَّقنا ودَفَعنا الخَوْفُ لِلهَرَبِ كُلٌّ إِلى مَنْزِلِها ، حَتَّى إِنَّنا ولِفَرْطِ خَوْفِنا وارْتِباكِنا مِنْ هذا الغَرِيب الغَاضِب تَرَكنا بَعْضَ كُنُوزنا مِن الخَرَزِ المُلَوَّن والمُخْتَلِفِ الأَحْجامِ في تِلك الحُفْرَةِ الصَغِيرَةِ غَيْر نَادِماتٍ أَوْ آبِهات …… في تِلك اللَحْظَة حَتَّى الخَرَز الجَمِيل المُلَوَّن والعَزِيز على قُلُوبِنا كَصَغِيراتٍ صَارَتْ التَضْحِيَة بِهِ مُمْكِنَة ….. لم يَكُنْ في رؤوسنا الصَغِيرَة سِوَى الهَرَب إِلى أَحْضانِ العَائِلَةِ حَيْثُ الأَمْنَ والأَمَان ……..                                                            
تَابَعَ الرَّجُلُ انْفِلاتَهُ سَبَّاً وشَتْماً ولَعْناً وسِيقانُنا الصَغِيرَة تُسابِقُ الرِيحَ وتَسْبِقُهُ ………..      
كُنَّا أَنا وقَرِيناتي في سِنِّ السَابِعَة وكَانَ هذا الرَجُل يَقُولُ لَنا بِأَنَّنا في سِنِّ الزَوَاج …… !!!!
الرَجُل وبِلاشَك كَانَ مَحْظُوظاً ، ففي آواننا هذا لَوْ سَوَّلَتْ لِغَرِيبٍ ما نَفْسهُ أَنْ يَتَحدَّث إِلى طِفْلٍ ما في الشَارِعِ في بَلدٍ يُدِيره دسْتور حُقُوقِ الإِنْسَان ، وتَجَرَّأَ الغَرِيب على مِثْلِ فِعْلٍ كهذا والتَطاولِ على أَطْفالِ الآخَرِين لاعْتَقَلَهُ القَانُون ومَسَخَ أَيْامَهُ نَدَماً على ما اقْتَرَف ……..      
وَصَلْتُ البَيتَ وأَنا أَلْهَثُ تَعَباً ، وأَلَماً ، وخَجَلاً ، وخَوْفاً ، وحَرَجاً مِنْ كَلامِهِ …… كُلُّ هذهِ المَشَاعِر كَانَت تُخَالِطني وتَرُّجني كَمَوْجَةٍ غَيْر مُسْتَقِّرَة في بَحْرٍ شَاسِعٍ يَأْكُلُ الأَطْفالَ ذوي الحَسْاسِيَّة المُفْرَطَة في المَشَاعِرِ أَمْثالِي …….                                                        
اخْتَبأْتُ تَحْتَ سَرِيري حَتَّى لايَلْحَظني أَحَد مِنْ أَفْرادِ العَائِلَةِ حَيْثُ كَرَامَتي وعِزَّة نَفْسِي يَأْبيا عليَّ أَنْ يَقْتَنِصني أَحَدٌ ما وأَنا في حَالَةِ الحُزْنِ هذهِ .                                                
إِنْخَرطْتُ في بُكاءٍ طَوِيلٍ مَكْتُومٍ فعِبَارَتهُ ” إِنَّنا في سِنِّ الزَواجِ ” أَخْجَلَتْني وجَرَحَتْني جِدَّاً ومَزَّقَتْ مَشَاعِرِي وهَدَّدَتْ عَالَمِي الطُفُولِيّ بِقَسْوَةٍ لاأَعْرِفُ عَنها شَيْئاً ولم أَخْبَرْها مُسْبَقاً ……..                                                                                                        
إِحْتَفَظْتُ بِالأَمْرِ لِنَفْسِي ولم أَبُحْ بِهِ ولا حَتَّى لأُمِّي فكَرَامَتي المُتَعالِيَة فَوْقَ الأَحْزانِ تَدْفَعُ مُعانَاتي لِلكِتْمانِ وعَدَم البَوْحِ ، أَمَّا قَريناتي فلَقَدْ ثَرْثَرْنَ لأُمَّهاتِهِنَّ بِتَفاصِيلِ ما جَرَى .          
لازلْتُ أَذْكُرُ مَلامِحَ ذلك الرَجُلِ الغَرِيبِ القَاسِية ، مَلامِحَ كَرِيهَة ، خَشِنَة ، غَاضِبَة ، يَتَقَطُّر عَنها السُمَّ والغَضَبَ والجَهْل ……..                                                                    

عِنْدَ المَساء تَوَجَّهَتْ أَمِّي وأَخَواتي إِلى مَنْزِلِ أَحَدِ الجِيرانِ في المَحَلَّةِ التَالِيَة لِمَحَلَّتِنا وأَخَذوني مَعَهُنَّ حَيْثُ كَانَ العِيدُ على الأَبْوابِ وجَمِيع النَاسِ مُنْشَغِلين بِعَمَلِ الكلِيجَة والحَلَويات ( الكلِيجَة تُعْمل على شَكْلِ عَجِينَةٍ صَغِيرَة تُحْشَى بِالجَوْزِ أَوْ بِمَسْحُوقِ اللَوْزِ أَوْ جَوْز الهِند …… إلخ ثُمَّ تُطْبَخ في الفُرنِ التَقْلِيديِّ القَدِيمِ عَنْدَ الفَرَّان ، وتُصْنَعُ بِأَشْكالٍ جَمِيلَة ومُتَعَدِّدَة ومُخْتَلِفَة ) ، وكَانَ التَقْلِيد المُتَّبَع آنَذاك إِنَّ مَجْمُوعَةَ عَوائِل تَجْتَمِعُ لَدَى عَائِلَةٍ أُولَى لِعَمَلِ الكلِيجَة ثُمَّ لَدَى العَائِلَةِ الثَانِيَة في اليَوْمِ التَالِي ، ثُمَّ عِنْدَ العَائِلَةِ الأُخْرَى في اليَوْمِ الثَالِث وهكذا دَوالَيْك حَتَّى يَتَحَقَّق لِكُلِّ العَوائِلِ عَمَلَ كلِيجَتَها قَبْلَ حُلُولِ العِيد …….                    
في ذلك اليَوْم اكْتَظَّ المَنْزِلُ بِالنِساءِ فِيما يَزِيدُ عن السَبْعَة عَشَر ، وغَابَ عَن هذا التَجَمُّعِ الرِجال إِذْ كَانُوا يُشارِكُون أَيْضاً في بَعْضِ الأَحْيانِ …..هذه المَرَّة كَانَ التَجَمُّع نِسائِيَّاً بِحَقٍّ …….                                                                                                        
رَافَقَ وُجودُ النِسْوَة حَرَكَةً دَائِمَةً كما في أَيِّ تَجَمُّعٍ آخَر ، وأَيْضاً تَغْيِير كُلَّ بِضْعِ سَاعات حَيْثُ يَذْهَبُ البَعْض ويَأْتِي مَنْ يَنُوب عَنْهُم  بَدِيلاً وهكذا ……                                      
لم يَغِب الأَطْفال عَن تَجَمُّعٍ كهذا ، إِذْ كُنَّا نَحْنُ الصَغِيرات أَحْياناً نَلْعَب في بَاحَةِ الدَارِ حَيْثُ جَمِيعُ النِسْوَة مُجْتَمِعات ، وأَحْياناً أُخْرَى نُشارِكهُنَّ في بَعْضِ الأَعْمالِ البَسِيطَة كجَلْبِ الماءِ ، أَوْ قَصِّ العَجِينة إِلى قِطَعٍ صَغِيرَة  ……. إلخ ، وأَحْياناً كُنَّا ننَالُ التَوْبِيخَ واللَوْمَ مِنْهنَّ على الضَوْضاءِ الَّتِي يَنْشُرها وجُودُنا ……                                                                  
النِسْوَة تَتَبادَلْنَ الأَحادِيثَ والأَخْبَارَ والقِصص …… يَضْحَكْنَ تَارَةً ويَحْزنَ تَارَةً أُخْرَى لِما يُحْزِن ، وطَغَى على حَدِيثِهِنَّ هذهِ المَرَّة ما تَتَداورَهُ الإِذاعَةُ مِنْ أَحاديثِ ، وأَيْضاً ما يَتَناقلَهُ التلفزيون ، وحِيْنَها كَانَ التلفزيون حَدِيثَ العَهْدِ بِالدخُولِ إِلى تِلكَ المَدِينَة ، ولم تَكُنْ كُلّ العَوائِلِ تَمْلِكهُ لأَنَّه كَانَ مَجْهُولاً لَدَى البَعْض ، أَوْ غَالِي الثَمَنِ لِلبَعْضِ الآخَرِ ، وكَانَ التلفزيون لازَالَ يَبُثُّ بَرامِجَهُ بِالأَبْيضِ والأَسْودِ …….                                              
مِنْ بَيْنِ ماتَطَرَقَتْ إِلَيْهِ النِسْوَة حَدِيثاً عَن مَوْضُوعٍ جَدِيدٍ وغَرِيبٍ بَعْض الشَيْءِ يُسَمَّى ” حُقُوق المَرْأَة ” ، وقَامَتْ كُلٌّ مِن النِسْوَة المُجْتَمِعات بِإِضافةِ تَعْلِيقٍ ، أَوْ مُلاحَظَةٍ ، أَوْ سُؤَال ……… إلخ                                                                                                  
وإِذْ كَانَت إِحْدَى نِساءِ هذهِ العَائِلَةِ تَقُولُ شَيْئاً عَن الأَمْرِ مُتَداوِلةً أَيَّاه مَعَ الأُخْرَيات غَارَ عَلَيْهنَّ أَخوها الشَّاب خَارِجاً مِنْ إِحْدَى الغُرَفِ المُطِلَّة على بَاحَةِ الدَارِ ، على ما أَعْتَقِدُ كَانَ في حَوالِي الخَامِسَةِ والعِشْرِين مِن العُمْرِ …… وصَارَ يَزْعَقُ فيها غَاضِباً دُوْنَ أَنْ يُلْقِي بَالاً  لِلحَاضِرَات : ـ                                                                                          
” ما حُقُوق المَرْأَة …… ماخَرَى ( وعَفْواً مِنِّي لِلقَارِئاتِ والقُرَّاء عَن هذه الكَلِمَة والَّتِي يُقْصَدُ بِها فَضَلات الإِنْسَان ، وهي كَلِمَة تُسْتَعْملُ لِلتَقْلِيلِ والتَحْقِيرِ مِنْ قِيمَةِ المَوْضُوعِ المَطْرُوحِ أَوْ لإِهانَةِ شَخْصٍ ما أَوْ تَحْقِيرِ حَدِيثٍ ما ….. إلخ ) …….. اصْمُتي عَن هذهِ الخُرَافات …… قَالَت حُقُوقُ المَرْأَة وحَكَتْ   ……. ما هذا الجُنُون والهَذيان …… ماهي المَرْأَة وأَيَّةِ حُقُوقٍ لَدَيْها لِتُطالِب بِها …… إِنَّها خَادِمَةٌ لِلرَجُلِ وأَدْنَى مِنْهُ ولن تَكُونَ أَكْثَر …… قِيمَتها مِنْ قِيمَةِ الحَيْوانِ …… لاعَقْلَ لَها ……… قَال حُقُوق المَرْأَة قَال …….. إلخ “

ظَلَّ يَصْرُخُ ويَرْعُدُ ويُزْبِدُ كزَوْبَعةٍ هَوْجاء تُرِيدُ أَنْ تَدْرِس كُلَّ مافي طَرِيقِها دَرْسَاً وهَرْسَاً ………                                                                                                        
شَعَرَتْ أُخْتَهُ إِنَّها مُطَالَبَة بِتَقْدِيمِ تَفْسِيرٍ مُقْنِعٍ لِما اقْتَرَفَتْهُ مِنْ إِثْمٍ عَظِيمٍ يُعَدُّ مِنْ أَشَدِّ الكَبائِر بِحَدِيثِها عَن حُقُوقِ المَرْأَةِ فأَجَابَتْهُ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ جِدَّاً لايَكادُ يُسْمَع ، خَائِفَة ، مُتَرَدِّدَة ، تَرْتَعِدُ ، لاتَجْرُؤُ على النَظَر إِلى وَجْهِ أَخِيها فلرُبَّما ذلك يُحفِّزهُ في ثَوْرَتِهِ أَكْثَر فيَهْجِمُ عَلَيْها ضَرْباً ( وكَانَ ذلك أَمْرَاً يُسَامَحُ الرَجُل عَلَيْهِ ولايَسْتَغْرِبهُ أَحَدٌ مِنْ أَفْرادِ تِلكَ المَدِينَة الَّتِي لم أُحِبّها قَطْ والَّتِي كُنْتُ أَتَمَنَّى في كُلِّ لَحْظَةٍ الرَحِيلَ عَنها  ) ، وقَالَت هَمْساً تُحاوِلُ نَيْلَ عَفْوَ أَخِيها عَن هَفْوَتِها : ـ                                                                                      
” لا أَعْرِف ……. هكذا يَتَحَدَّثُون في الإِذاعَةِ ويُردِّدون في التلفزيون . ”                      
مَقُولَةَ ضَعِيفةٍ عاجِزَةٍ تَنْشُدُ الخَلاصَ مِنْ مَأْزقِها وتَأْمَلُ فيهِ .                                    
كَلامها قَادَ فَتِيلَةِ غَضَبِهِ وغَذَّاها مَزِيداً وعَلا صَوْتَهُ أَكْثَر حَتَّى كَادَتْ حَنْجَرَتَهُ تَنْشَقُّ شَقَّاً .    
جَمِيعُ النِسْوَة الْتَزَمْنَ الهُدوء والصَمْت احْتِراماً لِثَوْرَةِ الرَجُلِ الَّذِي مُسَّت كَرَامَتهُ وجُرِحَ شُعُورَهُ ، ثُمَّ خَتَمَ ثَوْرَتَهُ بِصَفْقِ البَابِ خَلْفَهُ بِعُنْفٍ لاهِبٍ ، قَادِحٍ ، عُنْفٍ يُصَفِّرُ ، مُغادِراً الدَار ، مُؤَكِّداً غَضَبَهُ وعَدَمَ موافَقَتِهِ على الهُرَاء الَّذِي تَفَوَّهْنَ بِهِ ، بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّ على رُجُولَته المَزْعُومَة إِذْ رَأَى خُنُوعَهُنَّ جَمِيعاً في مَنْظُومَةٍ اجْتِماعِيةٍ تَسْلِبُهُنَّ حَتَّى حَقَّ الجَواب  .      
حُقُوق المَرْأَة هُرَاء …….. عَجَبٌ آخَر وأَيُّ عَجَب …….. !!!!                                    
انْتَهى ذلك المَسَاء الَّذِي تَرَكَ في ذاتي أَسْوَأَ الانْطِباعاتِ عَن الرِجالِ عَزَّزَتْها مَعَ السِنين شَواهِدَ أُخْرَى أَدْهَى وأَمَرّ في مُجْتَمَعٍ لايَسْمَحُ لِلأُنْثَى ولَوْ حَتَّى بِحَقِّ الجَوابِ ، ذلك المَسَاء فَاضَ في نَفْسِي أَنْهارَ أَسْئِلةٍ لاجَوابَ لَها عن وَضْعِ الأُنْثَى وحَالِها ومَكانَتِها …… إلخ ،  على إِثْرِ ذلك تَداورتِ النِّساءُ الحَدِيث عَن مُعاناةِ وشَقاءِ نِساءِ هذه العَائِلَةِ وجَحِيمِ المَشاكِلِ الَّتِي تُسَوِّرُهُنَّ رَغْمَ أَنَّ ذلك كَانَ مَعْروفاً لِلجَمِيعِ ، ورَغْمَ أَنَّ أَحْوالَهُنَّ كنِساءٍ في مُجْتَمَعٍ يَنْتَهِكُ حُقُوقهُنَّ بِاسْتِمرارٍ ويُمْرِّغُها في التُرابِ لم تَكُنْ تَخْتَلِفُ كَثِيراً ، وتَمَنِّيْنَ أَنْ تَنْصَلِحَ الأَحْوال ويَهْدأُ البُرْكان ، رُبَّما اعْتَبَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ مَحْظُوظات لأَنَّهُنَّ كُنَّ بِمَنْأَى مِمَّا حَدَثَ هذه المَرَّة ولم يَطالهُنَّ مُباشَرَةً  …….                                                                        
البُرْكان في هذهِ العَائِلَة لم يَهْدأ ، فالأَوْقات الَّتِي تَلْتَ بَيَّنَتْ إِنَّهُ فَعالٌ وبِضَراوَةٍ ……..          
انْتَهى ذلك المَسَاء وتَلَتْهُ أَمْسِيةٌ أُخْرَى كَثِيرَة ، وجَاءَ العِيدُ وانْقَضَى …….  ثُمَّ شَمَمْنا رَائِحَة فَجِيعَة ……….                                                                                              
الحَرِيق الَّذِي شَبَّ في حَمَّامِ تِلكَ العَائلَةِ أَشاعَ النَبْأ ، واشْتَمَّ الكُلُّ مِن الجِيرانِ والغُرَباءِ رَائِحَةَ الجَسَدِ المُحْتَرِق لِتلك الفَتَاةِ الَّتِي ثَارَ عَلَيْها أَخوها ومَرَّغ كَرامَتها أَمامَ الجَمِيع ، لَقَدْ   قَالَتْ لِمَنْ يَعي وَدَاعاً ، دَخَلَتِ الحَمَّام ذاتَ صَبَاح وأَغْلَقَتْ بَابَهُ عَلَيْها وأَشْعلَتِ النَارَ فيما كان عَمداً مِنْها أَوْ رُبَّما في لَحْظَةِ سَهْوٍ أَوْ خَطَأً أَوْ غَيْر هذا كُلِّه  ، فتَداعَى الوَصْفُ في فِعْلِها بَيْنَ الجَمْع احْتِجاجاً فَظَّاً وخَلاصَاً حَارِقاً مِنْ زَواجٍ مُرْتَقَبٍ خُطِّطَ لَهُ باتِفاقٍ عَائلِيّ وسَتُساقُ إِلَيْه مُرْغَمَة ……. صُرَاخها لم يَنْفَع فالمَوْتُ كَانَ أَسْرع مِنْ أَيَّةِ نَجْدَةٍ أُخْرَى ……                  
  تَنَاثَر الكَلامُ مَدَّاً كاللَهَبِ وكَانَ  ما انْطَوَى عَلَيْهِ .                                                    
العَائلَةُ عَانَتْ كَثِيرَاً تَحْتَ وطْأَةِ الخَجَلِ والخِزْي والعَارِ مِنْ فِعْلِ ابْنَتِهِم الَّتِي رُبَّما وَشَتْ بِانْتِقامِها لِنَفْسِها مِنْهُم ومِنْ مُجْتَمعٍ حَاوَلَ أَنْ يَمْنَعَ عَنْها حَتَّى أَبْسَطَ حُقُوقِها أَوْ احْتِرامِها كإِنْسَانٍ ….. ككَائنٍ بَشَرِيِّ ….. تَرَكَتْ لإِخْوانَها الخَجَل كعِقابٍ ، ورُبَّما النَدْمِ والحَسْرَةِ إِنْ لانَتْ خُشُونَتَهُم …… ورُبَّما ذلك لم يَكُنْ هَمَّها بِقَدْرِ ما كَانَ يَعْنِيها أَنْ تُلْقِي عِبْأَ الحَيَاةِ عَن كَتِفَيْها في مُجْتَمَعٍ لايَرْغَبُ في وُجُودِ النِساءِ ولا يُحِبُّهُنَّ ويَفْتَرِسُ أَقَلَّ حُقُوقَهُنَّ  ……  لَقَدْ انْفَجَرَتْ مِمَّا عَانَتْ فالْتَهَبَتْ تَلاشِياً  …….                                                            

واصَلَ الشَابُ حَيَاتَهُ قُدْماً ونُسِيَ ماوقَع ، لَكِنَّ مَوْتَهُ في أَحَدِ الأَسْواقِ العَامَّةِ لِتِلك المَدِينَة بَعْدَ مايَزِيدُ على الأَرْبَعين عَاماً مِنْ ذاك الحَرِيق لم يَقِلّ مَأْساوِيَةً عَن مَوْتِ شَقِيقَتِهِ في بَلَدٍ يَأْكُلُ أَوْ يَقْتُلُ كُلَّ أَبْنَائِهِ أَوْ يَخْنُقهُم ، إِذْ حَصَدَهُ كَما حَصَدَ ضَحايا أَبْرِياء آخَرِين انْتِحارِيٌّ مَهْووس لَفَّ خَصْرَهُ بِعُبواتٍ نَاسِفَة وفَتَّتَ كِيانَهُ ففَتَّتَهُم مَعَهُ كُلاًّ وجَرَفَهُم بِمِجْرَفَةِ شَرِّهِ فُتاتاً إِلى المَوْتِ عُنْوَةً وظُلْماً ابْتِغاءً لارْتِقاءِ السَماءِ صُعُوداً فَوْقَ ماتَبَقَّى مِنْ الأَشْلاءِ المُبعْثَرَةِ ، فِكْرٌ بَائِسٌ لِمُجْتَمَعٍ غَرِقَ بُؤْسَاً ……….. هذا النَبْأ الَّذِي تَنَاهَى إِلى مَسامِعِي في صُدْفَةٍ مَحْضَة أَعادَ إِليَّ ذِكْرَى ماعَلاهُ الغُبار في أَرْشِيفِ الذَاكِرَةِ فنَفَضَهُ عَنْها وكَانَت هذهِ السُطُور ……              
في سِنِّ السَادِسةِ والثَلاثِين قُمْتُ بِزِيارَةِ بَعْضِ الأَقْرِباءِ في إِحْدَى المُحافَظاتِ ، وَقْتَها كَانَت فَضِيحَةُ الرِئيسِ الأَمْرِيكيِّ بيل كلينتون قَدْ مَلأَتِ البِلادَ صُدَاعاً وقَرْقَعَة ًوتُؤْشِرُ قَضِيَّة السَاعَة الرَاهِنة حَيْثُ كانَت مونيكا لوينسكي طَرَفاً في إِحْدَى قَضايا التَحَرُّشِ الجِنْسِيِّ المُثَارَةِ ضِدَّهُ ………….                                                                                                  
عِنْدَ زَاويَةِ الشَارِعِ الَّذِي مَرَّرْتُ بِهِ يَتَمَلْمَلُ أَحَدُ المَقاهي الرِجالِيَّة المُتَعارَف عَلَى نَمَطِها في كُلِّ البَلَدِ يَتَقَلَّى تَحْتَ أَشِعةِ الشَمْسِ الحَامية رَاصِداً المَارَّة……… والرِّجالُ يَتناقَشون بِحَرارَةٍ وحَماسٍ كلَهِيبِها في قَضِيَّة السَاعَةِ ……. كُلٌّ يَقُولُ عَنْها أَمْرَاً ……. وانْبَرَى أَحَدُ الرِجالِ يَشِي مُحَيَّاهُ بِسِيماءِ الحِكْمَةِ والتَعْقُل وخِبْرَة نِصْفِ قَرْنٍ مِنْ العُمْرِ وصَارَ يُصَرِّحُ بِصَوْتِ الوَاثِقِ مِنْ رَجاحَةِ عَقْلِهِ وما فيهِ غَيْر مُشَكِّكٍ بِهِ قَائلاً : ـ                                            
” أَتساءَلُ إِنْ خَلَتْ أَمْرِيكا مِنْ رَجُلٍ حَقِيقِي وَاحِدٍ شَرِيفٍ لِيُفْرِغ رَصاصاتِهِ في رَأْسِ هذهِ المَرْأَة الَّتِي لاتَسْتَحي ولاتَخْجَل ففَضَحَتْ عَارَها ……. أَلمْ يَكُنْ هُناكَ رَجُلٌ حَقِيقِيٌّ وَاحِدٌ يُسْكِتها ويَمْسَحُ عَارَ أَمْرِيكا ….. يَبْدو إِنَّ الرِجالَ هُناكَ جُبْناء لاشَرفَ لَهُم ولاكَرَامَة  ….. هُم خِناث ( جَمْعُ خُنْثَى ، والقَصْد المُخَنَّث ) ”                                                            
أَيَّدَ الكَثِيرُ مِنْ الرِجالِ كَلامَهُ بِحَماسٍ مُنْقَطِعِ النَظِير وكانُوا يَتصايحُون : ـ                      
” صَدَقْتَ …. والله صَدَقْت ….. لافُضَّ فُوكَ ….. إلخ ”                                            
مَرَّ بِخَاطِرِي وأَنا أَسْمَعُ ضَوْضَاءَ حَدِيثِهِم إِنَّهُ لاجَدْوَى ولا أَمْلَ لِلنِساءِ في مُسْتَقْبَلٍ أَفْضَل في هذا البَلَدِ  فالحَالُ لم يَخْتَلِفْ عَمَّا مَضَى حِيْنَ كُنْتُ في السَابِعَةِ مِنْ عُمْرِي …… فالأُنْثَى حَتَّى وإِنْ كَانَتْ ضَحِيَّة فلازَالَتْ في نَظَرِهِم ذلك الكَائِنُ الَّذِي يَحِقُّ عَلَيْه العِقاب بَيْنَما يُخْلَى طَرْفَ الرَجُلِ مَهْما عَظُمَ ذَنْبه ويُبَرَّأُ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ اقْتَرَفَه ……                                                
 في السَابِعَةِ مِن العُمْرِ  ” قَال حُقُوقُ المَرْأَة قَال ” وفي سِنِّ السَادِسَةِ والثَلاثِين كانَ الرِّجالُ يُنادُون بِرَجُلٍ شَرِيفٍ حَقِيقِيٍّ وَاحِدٍ يُفْرِغُ رَصاصاتِهِ في رَأْسِ الأُنْثَى الَّتِي تَجَرَّأَتْ وحَكَتْ عَن الرَجُل المُنادَى عَلَيْهِ في قَضايا تَحَرُّش ……                                                          
في الحَقِيقَةِ لم يَتَغَيَّر الحَالُ خِلالَ كُلّ تِلكَ السِنِين ولَوْ قَيْدَ أَنْمَلَة في بِلادٍ مُنْغَلِقَةٍ على ذاتِها وعَاداتِها وتَقالِيدِها وتَسِيرُ بِها شَرَائِعُ الأَدْيان وتَتَسَلَّطُها …………..                            
لاعَلِقَتْ بِذِكْرَياتِكُم ، قَارِئاتي ، قُرَّائي ،  إِلاَّ نَسائِمَ الفَرَحِ والسَعادَةِ                                
مِنِّي لكُم الوِدّ والمَحَبَّة                                                                                      

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.