الدكتور وديع بتي حنا وخطوة الى الوراء

بقلم ســامي بلّـو
الدكتور وديع بتي حنا … وخطوة الى الوراء

19/ 05 / 2011
http://nala4u.com

على غير المعتاد ، جاءت الفكرة التي طرحها الاخ الدكتور وديع ، في مقاله الموسوم ” التعليم والمدارس وبرنامج السيد سركيس اغا جان ” ، واستمحيه عذرا لو قلت بان الفكرة كانت غريبة عليه وعلى القراء . لقد عودنا الدكتور وديع ان يبدع في طرح افكاره القومية ، التي يحترمها حتى من يختلف معه في الرأى ، افكارا لا تدع مجالا للشك لاي متابع لقضايا شعبنا الحساسة ، بانها نابعة من فكر خلاق وعقل يتقد ذكاءا ، ومن قلب مفعم بالود والمحبة والاخلاص لابناء امته ووطنه ، افكارا بعيدة عن التساؤولات والتأويلات . شخصيا اتابع كتاباته منذ ان ظهر على الساحة القومية ، واعتبره مثالا للشخصية الاشورية والعراقية المعتدلة في جميع الاتجاهات ، لم المس في كتاباته اي ميل غير مبرر لهذه الجهة او تلك ، الا بقدر تقييمه لاعمالها ونشاطها الذي يجب ان يصب في الصالح العام لشعبنا ووطننا ، فهو يقيس بنظرته الثاقبة المسافات التي تفصل بين افعال اي مجوعة على ساحتنا القومية وبين المحور الرئيسي لمصلحة وحقوق شعبنا على ارض الوطن ، ويحلل بحسب ما يراه فيما اذا كان الفعل سيؤدي في نهاية المطاف لابقاء مسيرتنا القومية في الاتجاه الصحيح ، ام لا ، كل كلمة في كتاباته يختارها بدقة ، لتعكس بوضوح ما يرمي اليه ، لايصاله الى القارئ خاليا من التأويل ، لم الاحظ انه كتب ما يسئ الى الاخر ، بل يقابل الاخرين بالحجة والبرهان في الدفاع عن افكاره .

لقد خطى الدكتور وديع خطوات الى امام في الدفاع عن امتنا ، خطوة موفقة في كل مقالة وفي كل فكرة طرحها على طريق مسيرة شعبنا نحو تحقيق حقوقه التي حرم منها على ارض ابائه . الا ان ما طرحه مؤخرا في المقال موضوع البحث ، لا اراها يتجه بنا الى امام ، عندما يطرح وضع مدارس خاصة لابناءنا تحت وصاية الغرباء . لا يختلف اثنان بان البرنامج التعليمي السليم هو الركيزة الاساسية لبناء مجتمع سليم ، واعداد اجيال واعدة تستطيع ان تتحمل مسؤولياتها في بناء الوطن ، وان ما يعانيه الشعب العراقي اليوم ليس الا بسبب غياب وافتقار الساحة الى ابناء المدرسة الوطنية ، فقد طفت على السطح فئات اعدتها للعراق مدارس شتى ، غريبة وبعيدة عن المدرسة الوطنية .
كانت المدارس الاهلية المسيحية في العراق والتي استشهد بها كاتبنا في مقاله ، منجبا للشخصيات الوطنية المخلصة للعراق ، من رجال دولة الى اطباء ومهندسين وقضاة .. وتطول القائمة . لقد نهلت هذه الشخصيات من ذلك النبع الصافي بالاضافة الى العلم ، المثل والاخلاق ، وكانت مثالا يقتدى بها في خدمة المجتمع العراقي بدون تمييز . وعلينا ان نذكّر بان معظم هذه المدارس ، لا بل جميعها ، كانت تحت الاشراف المباشر للكنائس والرهبانيات ، ولم يكن لمؤسسي هذه المدارس يومئذ اية اجندة سياسية ، ولم يكن لهم ولاءات لهذه الجهة او تلك ، كان ولاءهم الوحيد للوطن ولمبادئ السلام والمحبة التي نذروا انفسهم من اجلها ، واهدافهم المخفية والمعلنة كانت خدمة المجتمع العراقي بدون مقابل ، من خلال نشر العلم والمحبة والسلام بين ابناء العراق، بدون النظر الى الانتماء الديني او الطائفي او الطبقي ، وعملت هذه المدارس على اعداد اجيال كان اخلاصها للوطن فقط. ومن الجهة الاخرى فان مصادر تمويل هذه المدارس كانت معروفة للجميع، نبعا صافيا كمياه دجلة والفرات ، فهي من تبرعات المحسنين ، ومن ايرادات الكنائس ، بالاضافة الى الاجور الدراسية التي كان الطلبة المتمكنين يدفعونها .
ان فكرة تاسيس مدارس اهلية تمول وتدار من قبل ابناء شعبنا هي فكرة نبيلة وخطوة على الطريق الصحيح ، لانها سوف تساهم ايجابيا وبفعالية في اعادة المجمع العراقي الى حالة التعايش وقبول الاخر ، ان المدارس المسيحية التي سادت في العراق الى ما قبل تأميمها من قبل البعثيين ، وبالرغم من تأميمها فانها استمرت بعطاءها للمجتمع العراقي من خلال خبرة كوادرها التعليمية والادارية التي استمرت في عملها ، ولكن مع ملاحظة ان نورها وتألقها اخذ يخبو رويدا رويدا الى ان تلاشى ، لانها كانت قد عزلت من مصدر الهامها وبسبب اختلاف مصدر تمويلها . لذا فان استحضار ذكريات وتجربة تلك المدارس ومحاولة المقارنة بين الاهداف التي كانت من اجلها قد تأسست وبين ما ستكون عليه المدارس المقترح تأسيسها في مقال الدكتور وديع لن تكون مقارنة موفقة ، فلا اوجه للتشابه بينها .
وعلى قول تشرشل المستشهد به في مقال الدكتور وديع ، طالما ان المدارس لم تتلوث بالفساد ، فان المجتمع لا يزال معافى . فهل نريد فعلا ان يتم تأسيس مدارس خاصة لابناء شعبنا تمول من قبل جهات غريبة ، ولها اجندتها السياسية الخاصة بها ؟ والتي حتما سيتم تمريرها خلال مناهج هذه المدارس بطريقة او باخرى ، شئنا ام ابينا . والا مالذي ستجنيه هذه الجهات من انفاق الاموال على هذه المدارس ؟ هل هي جمعيات خيرية ؟ أم منظمات انسانية ؟ أم كنائس ورهبانيات نذرت نفسها من اجل خدمة الانسانية ؟ صحيح ان الوزير سركيس اغا جان هو واحد من ابناء شعبنا ، ولكنه قد منح ولاءه لقومية اخرى ، وهذا شأنه الخاص لاعلاقة لنا به ، ولكن ان يوزع اخلاصه بين قوميتين معا ، فهذا مالا يمكن ان يقنع جاهلا. ولو نظرنا الى الموضوع من منظور التمويل واعتبرناه احسانا ، فهل الوزير اغا جان يملك اموالا خاصة به لكي يمنحها لابناء شعبنا ؟ فهو وزير في الحكومة الكردية ، وعضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، اذن هو يعمل ضمن البرامج والاجندة السياسية للحكومة الكردية والحزب الكردي الذي ينتمي اليه . وساذج هو من يتصور بان الاستاذ سركيس ينفق هذه الاموال من تلقاء نفسه، ضمن برنامجه الذي كانت بدايته جيوب كبار رجال الكنيسة ، وهم بدورهم لم يبخلوا عليه بالميداليات والنياشين والدروع المقدسة ، متوهمين بانهم قد ردوا الحسنة ، الى ان اكتشفوا ما هو المطلوب منهم ، حينها علموا بان تلك الاموال لم تكن حسنة ، فتراجعوا لانهم ايقنوا بان المقابل عظيم لا يمكنهم اعطاءه . واستمر برنامج الاستاذ سركيس ولكن هذه المرة مع درجات ادنى من رجال الكنيسة ، وبعدها مشروع الفضائية التي تقدمنا للعراقيين والعالم وكاننا شعب لاهم له غير الرقص في الاعراس ، والغناء والطرب . ولا زال مسلسل برنامج الوزير مستمرا ، ترقص في فضاءاته “القطط المسمنة” على قول الدكتور وديع .
فلو فرضنا جدلا بان هذه الاموال التي ينفقها الوزير اغا جان هي من الاموال الممنوحة لمساعدة شعبنا من قبل بعض الجهات الدولية ، كما يزعم البعض من ابناء امتنا ، فلماذا يقوم اغا جان باخفاء ذلك على شعبنا ؟ ولماذا يقوم بصرفها وكانها منحة ومنة لشعبنا من قبل حكومته الكردية وحزبه الكردي ؟ حيث يقوم بنثرها على البعض لكسب الولاءات للاجندة السياسية للجهات التي يعمل لصالحها، وليس لمصلحة شعبنا ، ولا من اجل مسيرته القومية ونضاله من اجل حقوقه المهدورة وارضه المسلوبة . ان التاريخ يعلمنا بان حقوق الشعوب تأتي من ثمار نضال ابنائها ، وليس بجهود ومنح الغرباء . اذا كيف يمكن ان نطلب ان تؤسس لابناء شعبنا مدارس باموال لا نعلم مصدرها ، ولا الغايات التي تصرف من اجلها . وبالرغم من سمو فكرة الدكتور وديع الا ان العلة هي في طريقة الوصول اليها .

ســامي بلّـو

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.