القصارى في نكبات النصارى (ج 2)

بقلم د.جميل حنا
القصارى في نكبات النصارى- شاهد عيان ,إبادة شعب (ج 2)

12/ 04 / 2011
http://nala4u.com

ان إرتكاب مجازر الإبادة العرقية الجماعية ضد أي شعب من شعوب العالم له عواقب كارثية على كيان ذلك الشعب.ليس فقط من الناحية الجسدية بقتل الأبرياء وتحطيم الحياة الإجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية وهي الأفظع بالطبع,بل وأيضا التأثيرعلى الناحية النفسية والسلوكية على الناجين من هذه المجازرونقل معاناتهم ومشاهداتهم الأليمة إلى الأجيال شفهيا وهي الأكثر شيوعا أوكتابيا بواسطة قلة قليلة ناجية ولها المقدرة على ذلك.والكاتب الذي نحن بصدده الآب المرحوم إسحق أرملة واحد من هؤلاء الكتاب النادرين الذين نجوا و أرخ حقبة المذابح الرهيبة التي أرتكبت في منطقة جغرافية محددة في آميد(ديار بكر)وقرى طور عابدين الواقعة حاليا في جنوب شرق تركيا.وكان كتاب القصارى في نكبات النصارى الصادرفي عام 1919 باكورة الكتب التي وثقت جزء من تلك المجازرالمؤثرة على نفسية أبناء الأمة الآشورية بكل إنتماءاتها الكنسية المختلفة.
في الجزء الأول تناولنا نكبات سنة 1895التي تعرض لها الشعب المسيحي في الإمبراطورية العثمانية.وفي هذا الجزء سنقدم شيئا بسيطا من مشاهدات مؤلف الكتاب الأب إسحق أرملة عن مذابح 1915.كان لإنطلاق العمليات الحربية في الرابع من آب عام 1914 بين ألمانيا وحلفائها الدولة العثمانية والنمسا والمجر وبلجيكا وبين بريطانيا وفرنسا وروسيا وصربيا وانضمام أمريكا لهم في المراحل المتقدمة من الحرب, التي استمرت حتى11 تشرين الثاني 1918تأثيرا كارثيا على المسيحيين بكل إنتماءاتهم القومية والكنسية المختلفة الواقعة تحت السيطرة العثمانية.هذه المجازر التي أرتكبت أثناء فترة الحرب سجلت بداية منعطف تاريخي مأساوي بشكل خاص على كيان الشعب الآشوري المسيحي بكل مكوناتهم الكنسية المختلفة من أبناء الكنيسة الكلدانية والسريانية والمشرقية والآخرين.إندلاع الحرب بسبب الصراع الذي كان محتدما بين الدول الآوربية لبسط الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على منطقة الشرق الآوسط والطرق المؤدية إلى الهند.أرتأ قادة حزب الاتحاد والترقي العثماني بأن الفرصة مؤاتية لهم بتنفيذ قراراتهم المتخذة منذ سنوات قبل إندلاع الحرب بالقضاء على المكونات الإثنية غيرالتركية من المسيحيين.وأستغلت ظروف إشتعال نيران الحرب ذريعة لإرتكاب مجازر إبادة ضد المسيحيين.وحسب بعض التقديرات سقط ما يقارب ثلاثة ملايين من الأرمن واليونان والآشوريين.هذه الحرب التي أمتد لهيبها إثرحادثة إغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرديناند فرنس وزوجته من قبل طالب صربي أثناء زيارتهما لسرييفو.لم يكن للمسيحيين في الدولة العثمانية أي دورلا في عملية الإغتيال ولا في الصراع القائم على المصالح أنذاك بين الدول المشاركة في الحرب.ومع ذلك تعرض المسيحيون جميعا في الدولة العثمانية إلى أفظع مجازر إبادة عرقية جماعية منظمة تنفذها السلطات العثمانية بالتعاون مع القوى الرجعية العشائرية الدينة المتعصبة الكردية الحليفة معها.
وما أشبه اليوم بالبارحة مايحدث في العراق منذ الاحتلال الأمريكي في عام 2003 للمسيحيين الذين لم يكن لهم أي دور في الصراع بين مختلف القوى العالمية والمحلية في تلك المنطقة .ولكن الشعب المسيحي هو الأكثر المتضررين والمهجرين والمضطهدين والمهددين من قبل أطراف عديدة سواء من اطراف أوشخصيات مشاركة في السلطة و القوى الارهابية.

في الجزءالثاني من كتاب “القصارى في نكبات النصارى- شاهد عيان” يتطرق الأب إسحق أرملة الشاهد على هذه الفظائع التي ارتكبت بحق المسيحيين أثناء الحرب العالمية الأولى.نكبات الحرب العامة منذ اشهارها حتى حزيران 1915 بدأ الهجوم على البيوت والكنائس وتفتيشها ونبشوا الأضرحة بحثا عن السلاح والفارين التي لم يعثروا على أي شيء. ويذكر الكاتب(وفي الاحدالتالي التاسع من أيار أحضر شرذمة من الجنود القس حنا شوحا الكلداني من نصيبين مدعين انه اخفى عنده بعض الفارين.وعند الظهيرة ألقوا طوقا حديديا برقبته واستاقوه في الجادة العمومية في هرج ومرج اذ كان الاعلاج يتبعونه ويقذفونه بالحجاره ويذرون التراب على هامته.وافضت بهم اللآئمة ان القوا برقبته لفائف الدخان وهي مشتعلة لزيدوه أذى وعذابا.وما برحوا يجرعونه اكواب الشتم والسب والهزء حتى وصلوا به الى باب البلد الغربي فعاد الاعلاج الاوغاد الى بيوتهم وسار الاب المظلوم في جماعة من الجند الى ديار بكر ليحاكمه رشيد الوالي….ما ان وضع قدميه بمدينة ديار بكر جرثومة الشرور حتى لقيه الانذال… والقوا جلجلا في رقبته تأسيا بالحاكم ابن العزيز العلوي صاحب مصر في اواخر القرن العاشر فانه على ما اورد ابن العبري في تاريخه المدني السرياني امر المنادين ان ينادوا من لم يدن بالاسلامية يرذل ويحتقر ويعلق في عنقه خشبة كالصليب وزنها اربعة ارطال بغدادية. واذا دخل الحمام وجب ان يعلقوا في عنقه جلاجل ليتميز من المسلمين.غير ان اوباش ديار بكر سودت وجوههم ما اكتفوا بذلك كله بل لطخوا لحية الأب الموما اليه الاقذار وقذفوا عليه الاوساخ حتى بلغوا به توا الى اعماق السجن وهناك افحشوا في ضربه وتعذيبه حتى فاضت روحه بيد خالقه.

وفي الخامس عشر من آيار اوفد رشيد بك والي ديار بكر احدى اصديقائه الى ماردين وأجتمع بالوجهاء وابلغهم مكنونات الوالي الشريرة” قد ان الاوان لانقاذ تركيا من اعدائها الوطنيين اعني المسيحيين”وظل هؤلاء الوجهاء مجتمعين يتحيلون على اخذ النفوس والفلوس حتى 24 ايارفانتجت فكرتهم ان يوفدا المنادي ينادي في شوارع البلد ويقول “يلزم على النصارى عموما ان ينقلوا(يسلموا)ماعندهم من البواريد في مدة اربع وعشرين ساعة الى مقام القومندان العسكري”وكانوا يعرفون حق المعرفة ان اغلب النصارى انلم نقل كلهم لا يقنون مثل تلك البضائع او ان وجد عند نفر منهم شيء منها فليس بذات اهمية).
ويذكر الكاتب كيف قام احد هم في 23 ايار بجلب الفتى عيسى بن قريو الى بستانه وربطه الى شجرة وقضى…وجذع انفه واخذ يبتر بقية جوارحه…ودعا جميع المقيمين في البستان لينعموا ناظرهم بذلك المشهد الوحشي فوقفوا يتفرجون وهو يمازحهم امام مشهد يفتت الصخور ثم شرع ثانية يقصب فريسته على مرأى منهم فيقطع بخنجره اوصاله ويبضع لحمانه حتى فاضت روح ذلك الفتى المسكين من بعد ان ذاق الوان العذاب.
مذبحة القافلة الاولى , سار المسيحيين موثقين اربعة اربعة وخمسة خمسة وكان القسان والمطران مربوطين اخر الجميع والجنود محيطين بهم مدججون بالاسلحة…اما المسيحيين فكانت قواهم خائرة وعزائمهم واهنة لشديد ما كابدوا من السغب والغوب اثناء اقامتهم في السجن فتعذر عليهم الاسراع في المشي….وما تبلج ضوء الصبح حتى يفرزون الشيوخ والعاجزين وينحونهم عن البقية…ويقتلونهم ويعودون ثم يؤخذ غيرهم اشرعوا فيهم السيوف والخناجر وعروهم وقصبوهم … والقوا جثثهم في بئر…وهكذا كان يفرز منهم مجموعات وتعرض عليهم الأسلمة وبما أنهم لم يقبلوا ذلك كانوا يقتلون بأبشع الاساليب.على هذا االأسلوب قضى على هؤلاء الأربعمائة والسبعة عشر شهيدا في قنن الجبال وبطون الوديان كشهداء النصرانية الأولين…تم استشهادهم في العاشر والحادي عشر من حزيران 1915 .

وهكذا استمر القتلة الأوغاد بسوق قوافل المسيحيين خارج المدن الى البراري والجبال والوديان ويجردونهم من ملابسهم وكل ما يملكونه ويتم التمثيل بهم بأبشع الطرق وتعذيبهم حتى الموت ومن ثم يلقون في الوديان والأبار أو يتركونهم على قارعة الدروب.
قافلات النساء القادمات من ديار بكر5-15تموز, ومنذ خامس من تموز اخذت قوافل النساء والاولاد تتوارد من ديار بكر ونواحيها طبقا بعد طبق فكان اعداء النصرانية يبادرون مسرعين وينتقون الحسان من فتيات وفتيان ويخطفونهم ويمضون بهم الى بيوتهم ويذهبون بالبقية الى دارا ونواحي ويران شهر وراس العين فيعرونهم ويذبحونهم ويلقون الجثث في المغاور والابار ويحتوون على الاسلاب من الحلي والثياب ويعودون.وفي الختام نورد مثلا واحدا على القوة التدميرية التي ابادة المسيحيين في( آميد)ديار بكر وتبين للقارىء ما جرى لأصحاب الأرض الحقيقيين الذين سكنوا تلك البقعة من الأرض أكثر من ستة آلاف عام.كان عدد سكان ديار بكرخمسة وثلاثين ألف نسمة في آواخر القرن التاسع عشر أي قبل ارتكاب مذابح 1895,اما الأن فأن عدد المسيحيين لا يتعدا بضع مئات. هكـذا تم إبادة شعب والعالم مازال صامت أمام تلك المجازرالرهيبة التي ارتكبت أثناء الحرب الكونية الأولى ولم يعترف بتلك المذابح سوى البرلمان السويدي منذ أكثر من عام. وبكل أسف شديد نقول أن عمليات إبادة واضطهاد المسيحيين مستمرة في العديد من بلدان الشرق الاوسط وبأساليب مختلفة لإنهاء كيانه القومي والديني تطرقنا إلى هذه الأمورفي مقالاتنا السابقة.أن سياسة التمييز العنصري الديني والقومي, والدساتير التي تكرس التفرقة بين الناس وحق المواطنة على اساس الدين والقومية الأكثر عددا,إنها تهدف القضاء على من هم أقل عددا من أبناء الأديان والإثنيات العرقية في المجتمع.

المصدر:
القصارى في نكبات النصارى . شاهد عيان . الآب إسحق أرملة.
الذات الجريحة “إشكالات الهوية في العراق والعالم العربي الشرقاني للباحث العراقي سليم مطر.
13.04-2011

د.جميل حنا

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الفن الآشوري, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.