بقلم مسعود هرمز النوفلي
ناقوس الكنيسة يدعو للصلاة وليس للسياسة
08 / 04 / 2011
http://nala4u.com
مقدمة
الكنيسة بمفهوم القديس مار بولس الرسول هي عروس المسيح وهو رئيسها، وبهذا يجب ان تبقى وفيّة الى مسؤولها الأول في الأبتعاد عن التجارة والسياسة وكل ماهو مُتناقض مع المبادئ السماوية التي تؤثر على مساراتها المرسومة لكي لا تنحرف وتنجرف نحو المبادئ الأرضية والأجتماعية والحفلات والرقص وجمع المال وتمجيد الأسماء.
الغاية من وجود الكنيسة
باختصار يتوقع كل من يحضر الى الكنيسة بأن يعيش في رقعة صغيرة لفترة من الوقت يُمارس ايمانه ويتفاعل مع التعاليم السماوية وكأنه في السماء مع الملائكة والقديسين، ولكنه فعلياً على الأرض، يستمتع بالتأمل والقراءة والمشاركة في الألحان وتأدية كل ما يُفرح قلبه روحياً باتجاه خالقه وربه عمودياً، وتجاه القريب أخيه أفقياً. هذه هي غاية الكنيسة، انها مكان خاص للعبادة فقط وكل مالها يجب ان يكون لعريسها كالمرأة الى زوجها الشرعي (في التشبيه فقط)، لا يجوز التجارة في هذه الزوجة إن صحَّ التعبير لأهداف أخرى مهما كانت الأعذار لأن المسيح هو رأسها وأعطى نفسه لأجلها يقول الرسول بولس.
الحوار والتشاور
1- صناعة مستقبل المسيحيين تتطلب الحوار والتشاور بين الأخوة، فكيف ان يكون التباعد والأنفصال هو المنطق السائد بين قسمٍ وآخر، هل مثل هذا العمل يؤدي الى التقارب أم الى الفرقة؟ هل يؤدي الى الشراكة الفعلية باسرار المسيحية المشتركة أم يؤدي الى التناحر والتباين؟ هل هذه هي المبادئ التي يُؤكّد عليها الأيمان المسيحي؟ ان تقسيم الشعب الواحد الى شعوب والأمة الواحدة الى أمم مرفوض من قبل الغالبية من أبناء شعبنا، والمثال على الرفض هو التجمع الشعبي المشترك في دهوك في الأحتفال الرائع والموسّع قبل أيام ومن كل الطوائف. كانت رغبة الجميع العيش المشترك في الوحدة بقلبٍ واحد وشعبٍ واحد وأمة واحدة. رغبتهم أفرحت كل الساعين الى التآخي ونبذ الخلافات.
2- الأيمان المسيحي يمنع المنحوتات والصور والأصنام التي تُمجّد كل شئ خارج مفهوم العهد الإلهي. العهد القديم لا يمنع الصور الدينية ولكنه يرفض كل ماهو أرضي وسياسي وغير شرعي، الأيمان لا يُجيز لنا تأكيد كياننا وحياتنا بما نصنعه نحن من عمل أيدينا، بل يُؤكد على رفض كل حالة غير صحيّة تبرز في الكنيسة. هل هذه هي الثقافة المعاصرة التي توصلنا الى الهدف؟ هل بهذه الطرق يرتقي رجال الدين الى السياسة؟ أم من واجب رجل الدين مساعدة السياسي للأرتقاء نحو الرب والى الأعالي، هل يرغب رجل الدين تزويج الدين بالسياسة لكي يقوم بشرح الأيمان وتفعيل المفهوم الأرضي في الأمور الأجتماعية؟ أم يرغب في أن يستوعب من الساسة درسا لتنضيج الأيمان الذي قد يكون بتقديره غير كافٍ كنظرية إلهية مالم يقوم هو بتطعيمه وقيادته وفي داخل الكنيسة؟
3- هناك مجموعة من البشر تؤمن بتبديل الدين بالسياسة وتُجاهد لتبديل كل ماهو مسيحي بمفاهيم نظرية بحسب الفكر والرأي الحر، هل الكنيسة واعية الى ذلك؟ كيف توافق الكنيسة وتدعم القلّة من رعاياها بالضد من أفكار الغالبية منهم، أليس هذا هو تقسيم ابناء الكنيسة نفسها؟ من هو المسؤول؟
السياسة بين المكرّسين والسياسيين
ان ناقوس الصلاة قديماً وحديثاً يدعو الجميع وخاصة المُكرّسين والمؤمنين للصلاة والعمل من أجل المحبة والسلام وتمجيد ذكرى الرب، الناقوس لا يجلب الساسيين لعمل سياسي وكأن المسيح الجديد أصبح له اسماً آخر، الناقوس يدعو الى الولاء للعقيدة الأيمانية ولا يجوز أن يدعو الى الولاء الى أي جانب آخر مهما كان المؤمنين به، إن كانوا رجال دين أو علمانيين، فأن دور كل مؤمن أن يكتب ويقول بكل صراحة وبدون خوف من الأنتقادات والكلام الفارغ من المُخالفين لرأيه، هل سبب دخول الكنيسة في مهمةٍ ما هو من أجل نشر الأيمان والتبشير بهِ؟ أم أصبحت الكنيسة قاعة اجتماعية لغرضٍ آخر، ويبقى السؤال المطروح وهو: هل نسكت عندما نلاحظ بأن الكنيسة تنزلق أو تنحرف لا سامح الله؟ السياسيين لهم توجهات ارضية أفقية نسبية فقط، قد تصلح السياسة لجيل معين او زمن معين ولكن قد تتغير عبر الزمان والمكان وهذه السياسة قد ترضي البعض وتظلم البعض الآخر وهذا هو ما يسمى “فن الممكن” واحيانا قد يلجأ السياسيين الى تبرير الوسيلة للوصول الى الغاية وهذا مخالف للأسس الأيمانية في المسيحية، ولهذا رأت الكنيسة ومن خلال تجارب مريرة عبر مئات السنين أن تسييس الدين أو الدين المسيّس جلب الكثير من المصائب على الكنيسة لا بل كان سببا رئيسيا لأنشقاقات حدثت في الكنيسة الجامعة الواحدة، فعليه ندعو خدام الكنيسة سواء رجال الدين او العلمانيين والسياسيين عدم الخلط بين الدين والسياسة وذلك بجعلهم قاعات الكنائس لتكون بوقا لأحد الأطرف السياسية ضد الطرف الآخر أو بالأنفراد بطرف سياسي أو قومي وتأييده ضد الطرف الآخر.
المدخل الى اللاهوت السياسي
بين يدي كتاب المدخل الى اللاهوت السياسي من تأليف الأب حبيب هرمز، سنة 2009، أخترت لكم هذه الفقرات من الصفحة 64 مايلي:
“… هناك أمثلة اخرى للعلاقة الكاذبة بين السياسيين والدين. أحياناً السياسيون يُسيطرون على الدين، فيدفع الدين جانباً، فلا يدعون مجال للاهوت السياسي. لكنهم لا يعون لأخطار تصدر عنهم، وتدخل الفضاء الديني.
هناك أخطار أخرى عندما يدخل المكرّسون الملعب السياسي. لنعد الى حالة الأمبراطورية الرومانية وكيف قال مار بولس إن السلطة كأنها من الله. بولس يطلب من المسيحيين التعامل مع القوانين طبقا لحقيقة الله. لكن الإمبراطورية تأسست على الحرب وملايين العبيد. إذاً كم كان غبياً حاكم اليهودية الذي أمر بصلب يسوع؟….. اللاهوت السياسي هو إذاً الوعي بالطرق الكاذبة للعلاقة بين السياسيين والدين في الماضي، والمستمرة حالياً، ثم الأنتباه للحركات السياسية التي استخدمت الدين لأهدافها، وكذلك الحركات الدينية التي شرّعت المنافع السياسية.”
لنربط ذلك بما يحدث في كنيستنا ونتأمل بهِ، فهل تعطي الكنيسة الشرعية لعقدِ تجمعٍ ما مثلاً؟
الرب يسوع والسياسة
لقد وضّح الرب وقال ” اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله “، بهذه الكلمات لخّص الرب الطريق والقاعدة التي يجب أن تتبعها الكنيسة للأسباب التالية:
1- يبقى دور الكنيسة ومهامها في التوعية الروحية والأجتماعية وفق الأخلاق النظيفة.
2- أن لا تنجرف الكنيسة في الولوج والدخول في السياسة ودهاليزها لأن في السياسة نقاط لا تمُت الى الأخلاق التي تبتغيها الكنيسة، مثل المصالح والتلون والنفاق وحتى الكذب والخداع والرشوة والسيطرة والتكبر والفساد والصراعات الخفية وغيرها من الأمور الغير صحيحة، لا نتمنى أن تشترك الكنيسة بهذه الصفات.
3- رغبة رجل الدين في الطموح العلماني الذي قد يسحبه الى الطُرق الملتوية بالضد من افكاره الروحية.
4- السلطة في الكنيسة هي من الله، ولهذا فهي أقوى من كل السلطات المدنية، فلماذا تنزل الى مستوى السياسة لتُبدّل الله بالأنسان وبافكاره وقيادته؟
5- من الممكن أن تُصاب الكنيسة بالويلات والمصائب وبحسب انتكاسة الجهة السياسية التي مالت كفتها اليها.
6- يحصل احياناً بين السياسيين أنفسهم صراعاً خفياً على المصالح، وهذا لا نتمناه للكنيسة بأن تصطدم به عندما تلتزم البعض ضد البعض الآخر.
7- الدخول في السياسة يؤدي الى تشتت الفكر وتشعبات جانبية تأخذ وقتاً اضافياً كبيراً من رجل الدين وبهذا سوف لا يستطيع التوازن مع الواجبات الروحية عندما يخلطها مع الدنيوية.
8- الدور الشيطاني رُبما يكون اقوى بين البعض من السياسيين من حيث الفساد وجمع الثروات، فكيف تستطيع الكنيسة كشف المُفسدين إن هي معهم في الطبخة.
9- الكنيسة هي الشعب، وإذا الشعب مُنقسم على نفسهِ، فكيف تقبل الكنيسة أن تلتزم البعض وتؤيدهم ضد البعض الآخر؟ أليس هذا انشقاق واضح؟ كيف توفّق بين رعاياها؟
10- وأخيراً فان الكنيسة هي ليست لعبة بيد أحد وموقفها الرسمي هو فوق كل الحزبيات والولاءآت وتبقى خارج السياسة مهما كانت الأفكار ومهما دارت الأيام.
الخلاصة
هناك حدود يجب أن يتوقف عندها كل مسيحي لكي يفهم الأضرار والعواقب التي رُبما ستُلحق بالكنيسة، علينا أن لا نغفل عما جرى ويجري لجرّها الى غايات غريبة وبيد مُكرّسيها، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة كشعب الى التماسك والوحدة ونكران الذات. ان ما يحصل في كنائسنا يبعث الى الحزن والأسى، نتمنى أن نرى الكنيسة وهي مؤسسة دينية نقية وبدون شوائب.
مسعود هرمز النوفلي
8/4/2011