هل العراق وطن لكافة أبناءة ؟

بقلم د. جميل حنا
هل العراق وطن لكافة أبناءة ؟

04 / 03 / 2011
http://nala4u.com

الجراح تتعمق في جسد العراق ونزيف الدم لم يتوقف حيث يسقط الكثيرين من أبناءة ضحية القتل والاضطهاد والحرمان بكل أنواعه المنبوذة . ليس بسبب الاحتلال فقط , بل أيضا بما أفرزه الاحتلال من كشف حقيقي لواقع المجتمع العراقي.وكشف جزئي عن مكنونات الأفكار الباطنية لدى فئات واسعة في المجتمع . وظهر بشكل جلي منطق التفكير السائد بين أطياف الوطن المتنوعة عرقيا ودينيا ومذهبيا وسياسيا.وهذا المنطق الفكري جسد في الواقع العملي الشرخ الحاد الحاصل في الحياة اليومية بين كل هذه المكونات وخاصة المتسلطين عليها من شخصيات من جهة وبين الجماهير من أبناء الوطن من جهة آخري . وما هو الاحتلال إلا الفرصة المناسبة لكل هؤلاء لكي ينهشوا بجسد العراق وفقا لمصالحهم الشخصية. ولأن هذه المصالح الشخصية والفئوية تنسجم كليا مع المخطط الامبريالي الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط .ولذا نجد المحتل يقدم كل الدعم السياسي والخارجي والداخلي والعسكري والحماية لحلفائه آكلة قوت الناس ومصاصي دماء الشعب .

أن استقراء الواقع العراقي يكشف عن تخبط الرأي والموقف الفعلي لدى الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي اتخذت لنفسها موقعا غير موقعها الطبيعي إيديولوجيا وفكريا وأخلاقيا . لأن المهمة الأولى لكل هذه التنظيمات هو الدفاع عن مصالح الجماهير بدون تمييز بين أبناء هذه القومية وتلك أو بين دين ودين ولكننا نراها تدور في فلك المصالح الرجعية والعشائرية والقومية الشوفينية . أن تحرير هذه التنظيمات فكريا من المستنقع التي وقعت فيه والعودة إلى القيم والمبادئ التي تنادي بها نظريا فقط أو التخلص من رموز هذه التنظيمات التي باتت بحكم التابع .وتستدعي الضرورات الوطنية ومن أجل المحافظة على وحدته أهمية خلاص الوطن وتحريره من المتسلطين وبناء مجتمع حر وغير مكبل بالأفكار الرجعية وسلطة العائلة والأفكار الدينية والتعصب القومي. وكما ذكرت في مقالة سابقة هذه المهمة تقع على عاتق القوى اليسارية والشيوعية والديمقراطية والليبرالية ومؤسسات المجتمع المدني التي تنادي ببناء مجتمع ديمقراطي يحقق المساواة بين كافة أبناء الوطن بدون تمييز على أساس الدين أو القومية أو الموقف السياسي .
وفي ظل هذه التعقيدات المفروضة على العراق وفي أجواء الانقسام بين مختلف شرائح المجتمع يعيش أبناء الشعب الآشوري على عتبة تحولات وتطورات مصيرية تمس وجوده القومي على أرضه التاريخية .هذه الأوضاع السائدة الآن تذكرنا بمنعطف تاريخي هام وأليم في حياة هذا الشعب ألا وهي مرحلة الحرب العالمية الأولى .حيث تعرض هذا الشعب إلى إبادة عرقية جماعية منظمة في ظل السلطنة العثمانية التركية وقدم أكثر من نصف مليون شهيد حياته للحفاظ على وجودة القومي والديني .وبعد انتهاء الحرب الكونية الأولى وبناء على أساس اتفاقية سيكس-بيكو قسم الوطن التاريخي للشعب الآشوري بين كيان دول عديدة ألا وهي الدولة التركية والعراق وسوريا وإيران . وهكذا دمرت الوحدة الوطنية والقومية والجغرافية والاجتماعية لأبناء هذه الأمة العريقة. وأصبح يعيش في كيان دول حديثة لها حدودها الجغرافية المصطنعة حسبما وضعها آنذاك الاستعمار الانكليزي والفرنسي وفقا لمصالحهم الاستعمارية .ومنذ قيام الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 ساهم الآشوريون في بناء هذا الجزء من وطنهم بروح التضحية والفداء وقدموا قوافل الشهداء من أجل الدفاع عن الوطن وضد الأحلاف الاستعمارية وشارك بفعالية عالية في النضال الجماهيري من أجل بناء وطن حر وشعب سعيد . وانخرط الكثير من أبناءة في الكفاح المسلح في شمال الوطن على أرض آشور من أجل الحقوق القومية لكافة القوميات المكونة للنسيج الوطني في العراق . كما ناضل أبناء هذه الأمة جنب إلى جنب مع قوى المعارضة العراقية ضد نظام صدام الديكتاتوري حتى تم إسقاطه على يد الأمريكان .وحتى بعد الاحتلال و بالرغم من كل ما تعرض له من عمليات إرهابية وقتل وتشريد قسري , هو مستمر بمواقفه الوطنية مناديا بالحفاظ على وحدة التراب الوطني ويساهم بكل أخلاص بعودة الحياة الطبيعية في كافة مناحي الحياة إلى وضع يكون فيه الأمان والاستقرار والسلام والوئام بين أبناء الوطن سيد الموقف بدل الإرهاب والقتل والاضطهاد والفقر والتهجير ألقسري .

وبالطبع لست بصدد ذكر الانجازات العظيمة التي قدمتها الأمة الآشورية للبشرية جمعاء بدون استثناء على مدى أكثر من سبعة آلاف عام في بلاد ما بين النهرين ولكن كان لا بد من ذكر غيظ من فيض من التضحيات الجسيمة التي قدمها لوطنه العراق.ولكن ماذا أعطى الوطن للآشوريين بل بالأحرى المتسلطين الطغاة على مقاليد السلطة في الوطن خلال الأعوام الخمسة تحت الاحتلال وفي ظل ما يسمى بالنظام ( الديمقراطي) الديني الإسلامي متمثل ببعض الأحزاب الشيعية وبعض الأحزاب الرجعية العشائرية الشوفينية الكردية وخاصة حزبا البرزاني والطلباني .وهنا أذكر جزء يسير من الإجحاف الذي كفيء به الشعب الآشوري بكافة تسمياته المختلفة من قبل الإتلاف الشيعي الكردي الحاكم بدعم ومساندة وحماية الأمريكان والصهاينة.
الاستمرار في سلب حرية هذا الشعب وحقوقه القومية , واعتباره شعب من الفئات الدنيا في المجتمع .وهذا ما كرسه قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية المعلن في 8 آذار لعام 2004 . والدستور الدائم للعراق 2006 حيث شرعن التمييز العنصري بحق الشعب الآشوري , وهنا لا نتحدث عن العموميات في الدستور وإنما ما يخص تحديدا هذا الشعب .حيث منح الدستور الدائم وقانون إدارة الدولة العراقية المؤقت حقوقا وامتيازات للعرب والكرد لم يمنحها لأي شعب آخر في العراق . وهذا أثبت الطبيعة العنصرية والمليئة بالأحقاد على بقية مكونات المجتمع العراقي . وقسم الوطن بين المتسلطين على هاتان الفئتان وخاصة المتسلطين عليهما وكأن الوطن شركة مساهمة يوزعون الحصص فيما بينهم حسبما ما يملكونه من قوة ميلشيات القتل والإرهاب والرعب . وما زال أبناء هذا الشعب يعاني من الاضطهاد بكل أنواعه من سلب القرى والأراضي التي كان يملكها في شمال الوطن على أرض آشور من قبل السلطات الكردية . وما زال هذا الشعب محروم من خيرات الوطن ومن مستحقاته في أدارة أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية . ولم تتوقف حتى كتابة هذه الأسطر العمليات الإرهابية والقتل وخطف رجال الدين والعلمانيين من أبناء هذا الشعب بكل طوائفهم من أبناء الكنيسة الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية والكنيسة المشرقية . الإنكار للوجود القومي للشعب الآشوري واعتباره جالية من قبل المالكي ومسيحيين فقط من قبل الطلباني وغيرة.وإذا أعطى هؤلاء الحق لأنفسهم بأن يلغوا تاريخ هذا الشعب العريق التي تمتد حضارته إلى أكثر من سبعة آلاف عام وتنطق بها الحجارة والصخور والأرض وأرقى متاحف الكون , ألا يحق للآخرين أن يطلقوا على الأكراد رعاة غنم رحل قادمون من إيران وأذربيجان واستقروا على أرض آشور في شمال العراق بضع قرون وهم الآن إسلام فلذا يمكن تسميتهم مسلمي شمال العرق أو مسلمي جبال العراق هل يرضى الأكراد لأنفسهم هذا الشيء . وأما بالنسبة لمالكي فهو كسابقه إما أنة يجهل التاريخ أو يتجاهله عمدا . عندما كان أسلافه رعاة أبل لا يفقهون إلا البحث وراء الكلأ وعندما اعتنقوا الإسلام وغزوا من الصحارى السعودية حاليا إلى بلاد ما بين النهرين أرض العراق كان البابليون الآشوريون قد بنوا قبل ذلك التاريخ بآلاف السنين أحدى أرقى الحضارات الإنسانية ومدنية مزدهرة كانت تحكمها شرائع إنسانية وليس بحسب شريعة الغاب التي تحكمون بها العراق الآن وبعد آلاف السنين فمن هو الجالية إلا يحق للآخرين أن يطلقوا عليكم رعاة إبل مسلمين هل ترضون لأنفسكم هذا .لا نتنكر لانتمائنا المسيحي فلنا كل الفخر بهذا الدين لأنه دين المحبة والسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية وليس دين القتل بالسيف والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وقتل أطفال المدارس والأبرياء باسم الجهاد في سبيل الله .
أن الكف عن التصريحات والممارسات العنصرية وتعديل الدستور بحيث يضمن المساواة بين كافة مكونات الشعب العراقي وإلغاء البنود والفقرات التي كرست التمييز العنصري سيكون في خدمة الشعب والاستقرار والتقدم والازدهار للوطن .
أن أي نظام ديمقراطي في العالم لا يعني استبداد فئة لفئة أخرى من أبناء الوطن لأنها تملك أدواة القتل والأجرام والأخرى لا تملك إلا الأيمان بالوطن ووحدة ترابه ومصالح كافة أبناء الوطن بكل مكوناته العرقية والدينية والطبقية .

د. جميل حنا

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.