شهداء الشعب الآشوري المسيحي العراقي في عام 2010 والشهاده من أجل الوطن

بقلم د.جميل حنا
شهداء الشعب الآشوري المسيحي العراقي في عام 2010 والشهاده من أجل الوطن

23/ 12 / 2010
http://nala4u.com

أيام قلائل تفصلناعلى عتبة وداع عام 2010 وإستقبال عام 2011 . وبهذه المناسبة نتمنى بأن يكون العام الجديد عاما سعيدا لكل البشرية ويتحقق فيه التقدم والإزدهارللعالم أجمع,عاما خال من الحروب والاضطهاد والظلم. وأن تعيش الشعوب في عالم يسوده السلام والأمان والحرية للجميع.أن عام 2010 هو من حيث المقياس الزمني كغيره من الأعوام السابقة لايختلف بشيء عن الأعوام المنصرمة.ولكنها قد تعني للبعض الكثير ولأخرين قد لا تعني شيء سوى أنه مضى عام أخر من العمر.الأعوام من حيث الأحداث ليست بنفس المغذى للجميع, أعوام في التاريخ تحمل في طياتها أحداث تاريخية هامة أحدثت منعطفا تاريخيا هاما في حياة البشرية جمعاء أو في حياة الدول والمجتمعات والأفراد وذلك بسبب الحروب الكونية أو الحرب بين بعض الدول أو حروب أهلية وإرتكاب مجازر إبادة جماعية أو كوارث طبيعية أو أختراعات هامة في خدمة البشرية أو إلى ما أخره من أمور سجله التاريخ وذلك لأهميته أو أمور هامة على الصعيد الشخصي .

أذا نظرنا إلى عام 2010 وبالطبع لست بصدد عرض أحداث العام بكل مجرياتها ولكن بعض الأمور التي تخطر على الذهن أثناء كتابة هذه الأسطر.لم يشهد العالم حربا جديدا بالمعنى الحقيقي للكلمة بين الدول بأستثناء استمرار ما هو قائم مثل الوضع في الشرق الأوسط بين فلسطين وأسرائيل ولبنان واستمرار الهدوء التام على الجبهة السورية الإسرائيلية ووضع العراق المأساوي والحرب في أفغانستان وملاحقة الفصائل الإرهابية في باكستان واليمن وضرب بعض أوكارها من قبل أمريكا جوا وكذلك الصراع في دار فور بين بعض الفصائل المسلحة والقوات الحكومية السودانية وكذلك العمل لإتمام الإجراءات اللازمة لأنتخابات جنوب السودان والإقرار حول مصير الجنوب بالوحدة أو الإنفصال. والحرب الأهلية الصومالية والحرب في اليمن مع الحوثيين وكذلك الأقتتال حاليا في ساحل العاج على خلفية نتائج الأنتخابات التي حصلت في البلاد. الخلاف الغربي وغالبية الدول العربية مع إيران على خلفية برنامجها النووي.وجنوب شرق آسيا ايضا لم يكن خاليا تماما من المشاكل وذلك بسبب المناوشات الحدودية بين الكوريتين وبسبب البرنامج النووي الكوري الشمالي وكوارث طبيعية.

وكذلك خلافات في القارة الأمريكية بين فنزويلا وكولومبيا وكوارث طبيعية ومرض الكوليرا في هايتي.
واستمرار تدخل أمريكا في شؤون دول المنطقة ودول أخرى كثيرة في العالم .إتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية وأمريكا بإنتظار التصديق عليها من قبل الهيئات التشريعية في البلدين.الأزمة المالية العالمية وإنعكاسها على أوضاع الدول والشعوب في مختلف القارات العالمية.تنظيم ألعاب كأس العالم لكرة القدم لأول مرة في القارة السمراء في جنوب أفريقيا.
العمليات الارهابية للقاعدة مستمرة في العالم وأخرها العملية الارهابية في ستوكهولم.وكذلك استمرار العنف والاضطهاد الديني والقومي والصراع المذهبي في بلدان الشرق الأوسط واستهداف الوجود المسيحي في المنطقة من قبل الأنظمة والفصائل الإسلامية المختلفة.دور بعض وسائل الأعلام في تغذية الصراعات الدينية والقومية والثقافية في العالم بين مختلف الشعوب.فضائح نشر الوثائق الأمريكية على موقع ويكيليكس الذي كشف ما كان من حيث الجوهر معروفا ولكنه كشف مع ذلك تفاصيل حساسة للدور والتعامل الأمريكي ومنطق تفكيرهم وتعاملهم من مختلف القضايا العالمية.
هذه بعض الأمور التي عاشها العالم بخطوطه العريضة مع تفرعاتها التي لاتحصى ولكن أعود بعد هذه المقدمة وبشكل مقتضب إلى أوضاع الشعب الآشوري المسيحي في العراق الذي قدم قوافل الشهداء من أجل الوطن والهوية القومية وعقيدته الدينية.
الشعب الآشوري باني أحدى أعظم الحضارات العالمية المزدهرة في بلاد ما بين النهرين واستمرت سلطته السياسية قرون طويلة من الزمن حتى سقوط آشور وبابل عام 612و539قبل الميلاد.ومن ثم استمرار الحكم الآشوري في ممالك متفرقة في بلاد ما بين النهرين لقرون عديدة بعد الميلاد(الرها).
وفي القرن الأول الميلادي أعتنق الشعب الآشوري المسيحية على يد مار ماري ومار آدى ورأور في العقيدة الجديدة ما يتفق مع معتقداتهم الدينية في التوحيد أي وحدانية الله. وكذلك وجدوا فيه طريق للخلاص من الإحتلال الفارسي والروماني وذلك بتوحيد قواهم تحت راية المسيحية لبناء أمجاد أمبراطوريتهم مجددا.ولكن إعتناقهم المسيحية كلفهم الملايين من الشهداء.ومنذ ذلك الحين بدأ إضطهاد المسيحيين في روما على يد نيرون الطاغية وأيضا في بلاد ما بين النهرين من قبل الفرس والرومان وهو مستمر حتى يومنا هذا.وكان إضطهاد المسيحيين الآشوريين وقتل أعداد هائلة منهم من أجل أضعاف قوتهم البشرية للقضاء نهائيا على طموحاتهم السياسية القومية بإعادة بناء أمبراطوريتهم وكذلك القضاء على العقيدة الجديدة في المهد التي كانت تخالف المعتقدات الوثنية في كلا الأمبراطوريتان الرومانية البيزنطية والفارسية.

لذلك نجد أن إنتشار المسيحية بين صفوف الشعب الآشوري كان منذ اللحظة الأولى قائم على مبدأ التضحية بالنفس أي الشهادة من أجل عقيدة الإيمان وإنتمائه القومي وتحرير وطنه من المحتلين وبناء سلطته السياسية مجددا والتحرر من نير العبودية. ولذلك نجد منذ قيام كيان دولة العراق الحديث 1921 كان الشعب الآشوري رأس الحربة في الذود عن الحدود الجغرافية الحالية لعراق اليوم ولم يتحقق ذلك إلا نتيجة التضحيات الجسيمة وقوافل الشهداء التي قدمها من أجل تحرير وضم لواء الموصل إلى الدولة العراقية التي حاولت الدولة التركية خليفة السلاطين العثمانيين من سلبها والإبقاء عليها كما كان الوضع على مدى أربعة قرون من الزمن.فكان الدفاع وتحرير أرض آشور قضية وطنية وقومية لتحرير هذا الجزء من الإحتلال العثماني التركي لكي يعيش الشعب الآشوري بإنتماءاته الكنسية المختلفة حرا في وطنه غير مستعبد من قبل أي محتل كان لأرضه التاريخية.

وكانت التضحيات الجسيمة هي من أجل الدفاع عن الذات وحماية الإنتماء والهوية القومية من الإنصهار أو الخنوع لأي قوة ظالمة تعمل بأساليب الترغيب والترهيب لإبتلاع ما تبقى من أرض آشور.ولأن الشعور بالمسؤولية كان ينبع من الوعي القومي والثقافي والحضاري تجاه مصير هذا الشعب ,لم يستسلم أبناء الأمة لكل محاولات الترغيب والوعود الكاذبة التي أختبرها شعبنا , وذلك من خلال التجارب المريرة التي عانى من مجازر الإبادة العرقية الجماعية التي أرتكبت ضده من قبل السلطات العثمانية وقوى العشائر الكردية المتعصبة دينيا وقوميا المتحالفة معه.ومن هذا المنطلق أصبحت فكرة البقاء والحفاظ على استمرار الكيان القومي لايمكن أن يتحقق إلا من خلال أرض آشور الحاضنة الطبيعية والضمانة الوحيدة للحفاظ على الوجود القومي لأبناء الأمة الآشورية,لكي يعيشوا أحرارا بحسب خصائصهم القومية والثقافية واللغوية والدينية وعاداتهم وتقاليدهم.

إن دماء الشهداءالذين قدموا حياتهم من أجل عقيدتهم الدينية والقومية في العراق في كافة العهود الملكية
والجمهورية والديكتاتورية ومرحلة الأحتلال الأمريكي الصهيوني للعراق( مذبحة سميل1933مذبحة صورايا 1969ومذابح وتدمير1988ما يعرف بأحداث الأنفال.كان ينصب في إطار بناء الكيان القومي على جزء من أرض آشور.والشهداء الذين سقطوا على مدى أعوام الأحتلال الأمريكي الصهيوني للعراق منذ عام 2003 وتحالفهم مع القوى الأحزاب الإسلامية والقومية العربية والكردية الشوفينية,وكانت التضحية بالذات هو من أجل ذات الأهداف التي قدموا حياتهم من أجلها قوافل الشهداء. وكانت أهداف تلك القوى إنهاء الوجود القومي والديني وتحطيم إرادة التصميم في التمسك بالأرض والهوية القومية.

دماء شهداء كنيسة سيدة النجاة الذين أستشهدوا في المجزرة الرهيبة, التي أرتكبتها منظمة القاعدة الإسلامية وقوى أخرى متواطئة معها في السلطة, كان من أجل تمسك هؤلاء بعقيدتهم الدينية وإنتمائهم لأرضهم التاريخية.ودماء الشهداء كان سبب ورافد من روافد إيقاظ المشاعر القومية والدينية لدى الراقدين في سباتهم العميقة. وشكل بدء مرحلة بناء الوعي القومي لهؤلاء الغائبين عن واقعهم المأساوي. ويمكن الإرتقاء بهذه المواقف إذا أحسن التعامل معها لكي ترتقي بمواقفها وتتعامل مع الواقع المريروتتفاعل بروح المسؤولية والصمود على المدى الطويل أمام هذه الهجمة الشرسة.وان لا تكون ردود الأفعال آنية بل ذو أبعاد وأهداف استراتيجية تهدف إلى تحقيق مطالب أبناء الأمة الآشورية بأنتماءاتها الكنسية المختلفة في أرضهم التاريخيةعلى أرض آشور.روح الشهداء الطاهرة ودمائهم الزكية ترمم ما اًفسد في جسد الأمة عبر الدهور فهو يلعب دورإعادة تأهيل الوعي القومي والنفسي لمن انحرف بعيدا عن أهداف أمته. شهداء الشعب الآشوري المسيحي هم أكاليل المجد فوق رؤوس أبناء أمتهم ومشعل في أياديهم ينير الطريق أمامهم. فالأمة التي لا تمجد شهدائها تُبيد.

الشهداء الذين سقطوا في العراق في كنيسة سيدة النجاة وفي بغداد وفي الموصل وفي كل بقعة من أرض بلاد الرافدين تأكيد على روح الأنتماء الديني والقومي.فلذلك الشهادة ملحمة صمود في حياة الإنسان الآشوري المسيحي. وقد ترسخت تقاليد الشهادة في تاريخهم منذ القرن الأول الميلادي حتى يومنا هذا. وأن العلاقة الجدلية بين الثبات في عقيدة الإيمان وبين التمسك بالإنتماء القومي قام منذ البدء من أجل بناء الكيان القومي الحر لهذا الشعب على جزء من آرض آشور في إقليم آشور.
ومن هذا المنطلق أن الإنحراف عن هذه القيم يعد جريمة بحق ملايين الشهداء على مدى ألفين عام. وهو إنتكاسة للمواقف القومية المطروحة في برامج بعض الأحزاب الآشورية.أن التمسك بأسم الوطن التاريخي آشورهو التمسك بقيم حضارة بلاد الرافدين وثقافتها وتاريخها العريق الذي كان أحدى مراكز التنوير والمدنية في العالم والذي قدم للإنسانية مختلف العلوم. والتمسك بهذه القيم موحدي الصفوف و القوى يحقق طموحات هذا الشعب في كيان دولة العراق الموحد في أقليم آشور.وما دون ذلك كطرح محافظة للمسيحيين فهو تقزيم لتاريخ وأمجاد أمبراطورية وثقافة عريقة وتهدئة للخواطر ولعبة سياسية لا يمكن تحقيقها ولأسباب كثيرة منها داخلية وخارجية.
أن تمجيد الشهداء في أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وأقتصارالأحتفالات على ذكراهم واجب ديني للمسيحيين في بلاد ما بين النهرين, وواجب قومي لأبناء الأمة الآشورية.ولتكن دماء الشهدء وأرواحهم في مناسبة أعياد الميلاد ولادة لإقليم آشور. وليكن هذا مطلب كافة المؤسسات الدينية والسياسية والثقافية والأجتماعية لمكونات هذا الشعب بمختلف كنائسهم من الكلدان والسريان الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وكنيسة المشرق.

د. جميل حنا
23.12.2010

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.