البرلمان السويدي يرفض للمرة الثانية الاعتراف بمجازر الإبادة ضد الآشوريين والأرمن واليونانيين

بقلم د. جميل حنا
البرلمان السويدي يرفض للمرة الثانية الاعتراف بمجازر الإبادة الجماعية المرتكبة في 1915في تركيا العثمانية ضد الآشوريين والأرمن واليونانيين

20 / 06 / 2010
http://nala4u.com

قبل ثلاثة وتسعون عام أرتكبت السلطات العثمانية التركية مجازر إبادة عرقية في أعوام 1914-1919 ضد الشعب الآشوري والأرمني و اليوناني . وسقط بسبب هذه المجازر أكثر من مليونين ونصف حسب بعض التقديرات . وهذه الشعوب الأصيلة التي كانت تسكن على أرضها التاريخية قبل الميلاد وقبل مجيء العثمانيين بألاف السنين , إلى أن تم أحتلال هذه الأرض التي تمتد من بحيرة وان حتى البحر الأسود وجبال هكاري ومنطقة طور عابدين وآميد (ديار بكر ) وإنطاكية على البحر الأبيض المتوسط من قبل العثمانيين قبل خمسمائة عام .وخلال الحكم العثماني تعرض المسيحيون إلى الكثير من مجازر الإبادة العرقية الجماعية لإنهاء الوجود المسيحي والشعوب غير العثمانية التركية . وكانت أفظع تلك المجازر التي ارتكبت في أعوام 1843-1846على يد السفاح بدر خان وكذلك مجازر الإبادة التي نفذة أثناء الحرب الكونية الأولى . وذلك بسبب حجم الخسائر في الأرواح والتدمير الشامل للبنية التحتية والقضاء على التركيبة الأجتماعية الأصيلة .وبالرغم من مرور أكثر من تسعون عام من تلك المجازر ما زالت حكايات تلك المأسي الحقيقية التي يقصها الأباء والأجداد تعيش في نفوس كافة الأجيال التي تلت تلك المذابح حتى يومنا هذا .ويوجد الكثير من المؤسسات بين آوساط الشعب الآشوري والأرمني واليوناني تنشط على الساحة الدولية من أجل نيل اعتراف العالم بهذه المجازر . وكانت لجنة متابعة مجازرالشعب الآشوري العالمية (Assyrian International Seyfo Committee) الأولى التي تأسست بين صفوف الشعب الآشوري لمتابعة والقيام بفعليات سياسية وتوعية ومسيرات في بعض العواصم والمدن العالمية وخاصة في آوربا وأستراليا وأمريكا وتظاهرات أمام السفارات التركية وغيرها والقيام بأحتجاجات أضراب عن الطعام وأصدار بيانات ومذكرات إلى المؤسسات الدولية وبرلمان اتحاد الدول الأوربية وإلى الكثير من حكومات العالم والأتصال المباشر مع ممثلي هذه الحكومات لنيل تأييدها واعترافها بهذه المجازر . ورفع مذكرة إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات في روما وكافة المؤسسات الدولية ذات الشأن للضغط على تركيا للأعتراف بهذه المجازر التي أرتكبتها في نهاية العهد العثماني . بالرغم من أن مسألة وقوع المجازر في تركيا لم يكن موضع إنكار بحدوثها , بل كان الأتراك الجدد آنذاك يوجهون أصابع الأتهام لبعضهم البعض(لست أنا من ارتكب المجازر بل هو) بعد إنتهاء الحرب وهزيمة تركيا بعد الحرب في عام 1918 و سقوط حكومة الاتحاد والترقي .وصل إلى سدة الحكم الحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال آتاتورك . وقد ناقشت صحف آنذاك الوقت إبادة المسيحيين عامة وكل القوميات غير التركية الأرمن والآشوريين واليونان و تعرضهم إلى مجازر إبادة جماعية عرقية . وبسبب ذلك قدم العديد من القادة العسكريين إلى المحكمة بتهمة “جرائم الحرب” وجرائم ضد الانسانية وادين العديد بسبب أرتكابهم مجازر إبادة وحكم عليهم بالاعدام أو السجن في تلك المحاكمات . وكشفت وسائل الأعلام التركية ومحاكمها آنذاك عن تفاصيل رهيبة من اضطهاد الاقليات وإبادة في الامبراطورية العثمانية .ولم يكن موضوع حدوث المجازر موضع خلاف بل كانت كل القوى والشخصيات تؤكد على ذلك . ولكن لم تدم هذه الحالة سوى فترة زمنية قصيرة حتى تكوين الدولة التركية الحديثة 1923 . وبعد ذلك تم تشكيل لجان خاصة لأتلاف كل الوثائق ومحاضر جلسات المحاكم وصحف ذلك الزمن وكل القرارات الحكومية والوثائق الحزبية أو وضعها وتخزينها في أماكن سرية . ولكن كل المحاولات التي تمت بهذا الخصوص بائت بالفشل وأصبح جزء من هذه الوثائق الدامغة بارتكاب المجازر في متناول اليد .

في الحادي عشر من شهر حزيران بحث البرلمان السويدي أربعة مقترحات من أجل الاعتراف بمجازر الشعب الآشوري والأرمني واليوناني . كانت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان قد رفضت مسبقا هذه الألتمسات بحجة أختلاف آراء العلماء وأيضا الحاجة إلى مزيد من البحث بهذا الخصوص. بعد مناقشات وتداول الموضوع من وجهة النظر السويدية عرضت هذه المقترحات للتصويت علية من قبل أعضاء البرلمان الحاضرين الذين بلغ عددهم 282عضوا وغياب 66عضوا وامتناع واحد عن التصويت وبلغ عدد المصوتين لصالح الاعتراف بالمجازر 37عضوا وهم يمثلون مجموع أعضاء برلمان الكتلتين من حزب اليسار وحزب البيئة وعضوان منهم من الحزب الأشتراكي وهم بالأصل من أبناء الشعب الآشوري وهم يلماز كريمو وأبراهيم بايلان وعضوا من حزب الشعب أي بنسبة 13 % المصوتين لصالح القرار من مجموع الحاضرين و10,6%من مجموع أعضاء البرلمان . وكانت الحجة الأساسية التي ساقوها في صياغة رفض الاعتراف هو أختلااف العلماء والحاجة إلى مزيد من البحث . وما هذه الحجج إلا حجج وهمية لاتعبر عن الحقيقة ,بالأضافة إلى عدم صحتها وواقعيتها .هناك الكثير من القضايا العالمية الهامة وليس هناك أجماع بالرأي حولها ,نذكر على سبيل المثال فقط . لا يوجد إجماع كامل من قبل العلماء في العالم أجمع عن ارتكاب المحرقة أو الهولوكوست ضد اليهود من قبل النازية الهتلرية , ولكن ولكن السويد وكل الدول الغربية والمؤسسات الدولية تعترف بهذه المجازر . بل أن قوانين بعض البلدان ومثال على ذلك تعاقب كل من يتنكر لمحرقة اليهود حتى ولو كان انسان عاديا . أن المصالح الأقتصادية والسياسية هي وراء الصمت المخذي للدول الغربية وغيرها بعدم الاعتراف وليس هو نقصان الأدلة الكافية أو أختلاف العلماء . لأن أرشيف حكومات هذه البلدان تتضمن مواد ووثائق لآ تترك أي مجال للشك في تلك المجازر التي حصلت خلال الحرب الكونية الأولى .
وكما ذكر في عنوان المقالة للمرة الثانية يطرح في البرلمان السويدي موضوع الاعتراف بمجازر الشعب الآشوري , كانت المرة الأولى في عام 2001 , وتم رفض الاعتراف بالمجازر تقريبا لنفس الأسباب. وعلى أثر خلفية ذاك القرار كان لي رأي متواضع بهذا الخصوص وكتبت مقالة تم نشرها في العدد الأول من مجلة( حويودو ) عام 2002 التي كان يصدرها اتحاد الأندية الآشورية في السويد بعنوان معهد, مذابح 1915قضيتنا المشتركة والمأساة التي تجمعنا بأسم د. كورية شمعون وهذا هو النص الكامل للمقالة كما ورد في المجلة :
بعض الأحداث التاريخية في حياة الشعوب لا يمكن نسيانها مهما مر الزمن. بطولات ومآس، يمنحها الوقت فهما أعمق وتحليلاً أصدق، وعبراً ودروساً بليغة تستخلص من تلك الأحداث بما تضمنته من عوامل سلبية وإيجابية.
هكذا هو حالنا مع المجازر الجماعية والتصفية العرقية التي مورست ضد شعبنا أثناء الحرب الكونية الأولى. إن ذكرى تلك الأحداث الأليمة لا زالت ماثلة في أذهان أجيالنا حتى الفتية منها. بل تزداد رسوخاً في وجداننا المعاناة التي عاشها أجدادنا. إن ذلك الحدث المأساوي يجب أن يوحد صفوفنا ويزيدنا تصميماً على تعرية ومحاسبة المجرمين على ما اقترفته أياديهم الآثمة.
هناك إجماع كامل من قبل أبناء شعبنا بمختلف فصائله الكنسية والسياسية والثقافية بأن المجازر التي ارتكبت لم تميز بين فئة وأخرى ولم يستثن من ذلك مذهب أو طائفة أو تسمية. إذا تم ترجمة هذا إلى ممارسة فعلية وعمل مشترك سيعطي بدون شك نتائج إيجابية تفيد قضيتنا القومية. إن وحدة الموقف بين مؤسسات شعبنا الدينية والدنيوية، وتوحيد الجهود المبذولة وصب كل الطاقات لنيل الاعتراف الدولي بهذه المجازر البشعة في غاية الأهمية وسيكون المدخل للإقرار بوجودنا وحقوقنا القومية.
إن وحدة الموقف يشكل قاعدة قوية وأساسية لا بد منها لتحقيق الهدف المنشود، كما سيساهم هذا الموقف في رفع مستوى نشاطه للدفاع عن حقوقه القومية وتعزيز مكانتنا في الساحة الدولية. إن بذل الجهود وإظهار القدر الكافي من روح المسؤولية إجلالاً لأرواح شهدائنا هو من صميم واجباتنا القومية. بعض القضايا لا تحتمل النقاش العقيم والجدالات البيزنطية التي سترمي بنا في أعماق الهاوية. في الآونة الأخيرة بدأت القضية تتفاعل في أوساط شعبنا وفي معمعان التحضير والعمل تسابقنا مع بعضنا البعض، فكانت خطواتنا غير مدروسة وليست بمستوى وحجم قضية مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد شعبنا أثناء الحرب الكونية الأولى (شاتو دوسيفو) 1915.
إذا قلنا مجازاً أن العملية تتفاعل ضمن قارورة ,غليان في محيط محدد فإذا لم يتم توجيه الطاقة الناتجة في المسار الصحيح سيترك انعكاسات سلبية مدمرة لقضايانا القومية. أما إذا تم التحكم بهذه الطاقة الصاعدة وتوجيهها بالشكل السليم فستعطى نتائج جيدة وسينعكس ذلك على مجمل أوضاع قضيتنا وسيمنحنا زخماً وقوة جديدة للعمل لمتابعة نضالنا القومي.
إن التحضير وتهيئة الأجواء ضرورية لانتزاع الاعتراف بمجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبتها السلطات التركية بحق شعبنا. إنها من المهام الصعبة ويحتاج الأمر للبحث العلمي وجمع الوثائق الخاصة بالمجازر.
في هذا العام تمت محاولتان في البرلمان السويدي لتسليط الأضواء في المحافل الدولية على المذابح لنيل الاعتراف بها وإدانة السلطات التركية. استعرض البرلمان السويدي قضية المجازر وأقر بان الشعب السرياني الآشوري تعرض لأحداث مأساوية في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى .إلا أنهم لم يقروا بان شعبنا تعرض للإبادة الجماعية، إلا أن نقاش القضية بقي مفتوحاً. المحاولة الثانية إلقاء محاضرة على ممثلي الأحزاب السويدية المشتركة في البرلمان وبعض مسؤولي الدولة لتقديم بحث أو أكثر حول المذابح وإعطاء المعلومات والتوضيحات اللازمة وتم نقاش أولي بين الحاضرين. كان من المقرر مشاركة الأخصائية بقضايا شعبنا الألمانية غبريللا يونان وإلقائها محاضرة حول المجازر إلا أن خللا في ترتيب الأمورمنعها من الحضور. إن ما حصل شيء مؤسف ولكنه أمر طبيعي ولا يمكن توضيح أكثر من ذلك ضمن الواقع المؤلم الذي نعيشه. أن ما جرى من خطوات لا بد منها, وإن كانت خطوات متعثرة في مسيرتنا للوصول إلى هدفنا، لكنها هامة لأخذ العبرة اللازمة. الطفل أيضاً لا يسير على قدميه منتصباً بعد الولادة، يمر بمراحل حتى يتمكن من السير بخطى واثقة يتقدم إلى الأمام. ولئلا تتحول هذه المحاولات الفاشلة إلى تصفية حسابات شخصية أو سياسية. علينا البحث عن نقاط الخلل سوية وبروح المسؤولية الصادقة لإيجاد أنجع الأساليب والطرق لبلوغ الهدف. المهم ألا يصيبنا اليأس بل أن نزداد إصراراً وعزيمة على متابعة العمل على أسس علمية صحيحة، ولتحقيق ذلك أرى أنه من المفيد القيام بالخطوات التالية:
– تأسيس معهد (سيفو) للدراسات السريانية – الآثورية – الكلدانية. تضم كل الأخصائيين المهتمين بقضايا شعبنا من مثقفي شعبنا والأجانب المتعاطفين، بكافة الاختصاصات الروحية وفي كافة المجالات وخاصة الحقبة التاريخية التي تشمل الحدث.
– أهداف المعهد يجب أن تكون واضحة تلتزم بقضايا شعبنا المصيرية. يلتزم كل من ينضوي تحت لواء المعهد بشروط وأهداف المعهد، غير خاضعة للمواقف السياسية للمشاركين ويحافظ على استقلاليته ويعمل بصدق وإخلاص ضمن أهدافه.
– تقديم الدعم اللامحدود من كافة مؤسسات شعبنا السياسية والدينية والثقافية مع المحافظة على استقلالية المعهد،لإنجاز مهمته المقدسة.
– أن يسعى المعهد بكل عزم من أجل تحقيق التقارب وتمتين أواصر الوحدة القومية بين مؤسسات شعبنا بتسمياته المختلفة.
– العمل لإنشاء لوبي مؤيد لشعبنا من الأحزاب والبرلمانات والشخصيات والكنائس في الدول الأوربية والعالم.
– إصدار نشرة دورية حول الأبحاث الجارية وكراريس باللغات الأجنبية الهامة لتعريف العالم بتاريخ شعبنا وبأوضاعه وثقافته في الوقت الحاضر. وتبيان مميزاته وحقوقه القومية في بلاد الرافدين وأماكن تواجده.
هذه هي بعض من النقاط الهامة المذكورة أعلاه , وعليه أن يقوم المعهد كمؤسسة رسمية تمثيل شعبنا بإرادته الحرة. دعوة العالم الحر والمحافل الدولية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان وحقوق القوميات المضطهدة وكل القوى الديمقراطية والمحبة للحرية الإنسانية وقوى السلام والهيئات الحكومية والمؤسسات الإنسانية الوطنية والدولية في كافة بقاع العالم لدعم قضيتنا العادلة. ومناشدة الأمم المتحدة واتحاد البرلمان الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الحكومة التركية للاعتراف بما اقترفته من مذابح بحق شعبنا بتسمياته وكنائسه المختلفة في تركيا خلال تاريخه الطويل على أرض أجداده والتي كان ذروة تلك المذابح ما جرى عام 1915 حيث ذهب ضحيتها أكثر من نصف مليون إنسان. إذا كانت غاية هؤلاء البرابرة إنهاء وجودنا القومي على أرضنا التاريخية. فما علينا إلا الاستمرار والتمسك بقيمنا الإنسانية وهويتنا القومية وإثبات وجودنا وشرعية مطالبتنا بالحقوق القومية للشعب السرياني الآثوري.
لقد آن الأوان أن نوحد قوانا بدون تمييز ونرفع صوتنا عاليا ونطالب بحقوقنا المسحوقة. وندين سوياً الأفعال الشنيعة وجرائم العار التي ارتكبها المجرمون السفاحون بدءاً من الدولة التركية والعشائر الرجعية الكردية وكل المؤيدين لهم في ذلك الزمان وفي وقتنا الحالي .لنحول 24 نيسان إلى يوم رمز وحدتنا القومية وليكن يوم فعالياتنا الموحدة. هذه بعض النقاط الهامة التي طرحتها تحتاج إلى إرادة صادقة بغية تحقيق اهدف المشترك لنيل اعتراف العالم بمجازر الشعب الآشوري . وما زال موضوع تأسيس معهد سيفو من أحدى المهام الضرورية لتنفيذها بمشاركة كافة المؤسسات السياسية والدينية والثقافية والشخصيات المهتمة بهذه القضية .

د. جميل حنا

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.