بقلم مسعود هرمز النوفلي
زرع الخيانة
18 / 06 / 2010
http://nala4u.com
المقدمة
لقد اختلطت البشرية منذ القدم وأجناسها تشابكت مع بعضها ولا يستطيع المخلوق التمييز بين قومٍ وآخر أو عرقٍ وجنس ، منذ أيام الأنسان الأول الذي ظهر على أرض الكون بدأت هناك حالات التزاوج بين الأب وابنته وبين الأخ وأخته ، الى أن بدأت تتكاثر العوائل وتبتعد عن أجدادها في ارض الله الواسعة ومن نتائج هذا التكاثر نقرأ وجود أقوام كانت في تلك الأرض وأخرى في أرضٍ بعيدةٍ ومختلفة عنها تماماً ولا يمكن الوصول اليها أو التواصل معها آنذاك ، وبعد التطور السريع لحياة الأنسان أخذت البشرية منحاً آخر وبدأت الأقوام تلتقي تدريجياً الى أن أختلط زرع آدم وحواء بشكلٍ أكبر لا يُمكن تصديقه ومثال بسيط على ذلك ما نُشاهده من الطبيعة الآن بين الأراضي الزراعية التي لا يُستخدم فيها الدواء والمبيدات لمكافحة الأدغال ، حيث نشاهد أنواع مختلفة من المزروعات نامية ومتشابكة بين الحنطة والشعير وتكون أحياناً أقوى من كل البذور التي زرعها الأنسان ، هكذا قد تشعّب وتشابك زرع الأنسان أيضاً في أقوامهِ وألوانهِ وبشراتهِ ، أن حُب التكاثر والتناسل بين الأقوام أصبح مُتشعباً أخطبوطياً ولا يستطيع أي مخلوق انكاره على الأرض . لقد برزت في القِدَم مفاهيم الزرع المقدس وغيره وأنواع الخيانة واسبابها والشعب المختار أم الهجين . وفي هذا المقال المتواضع سأقوم بتوضيح بعض الأمور التي ذكرتها وأربطها مع وضعنا الحالي لكي تكون الصورة واضحة امامنا بالتعرف على زارعي الخيانة في قلوب البشر ونتائج هذه الزراعة .
الزرع المُقدّس
هذا الزرع هو الشعب الذي كان يَعْرِف الله ، بوحدهِ ومنهُ بدأ تاريخ الأيمان بالخالق ، وبعد أن عاد هذا الشعب من الأسر في بابل اكتشف الكثيرون بان هناك عوائل لا تُحصى فيها زواجات مُختلفة من الوثنيين وغيرهم ، وقد لاحظ المسؤولين بأن هناك الكثير من الكهنة والمسؤولين اللاويين قد تزوجوا وانجبوا رجالاً ونساءً وأصبح الزرع المُقدّس بخطر ولا يُمكن اطلاق الأسم المقدّس عليه والسبب هو أن الزيجات المختلطة انتجت أفكاراً ابتعدت رويداً رويداً عن مفهوم الأيمان الحقيقي بالله ، عندها بدأت تطفو الى القوم بأن الزرع هذا لا يُمكن تسميته بالمقدس لأن فلان ذهب مع افكار زوجته وبدأ يعبد الصنم الفلاني وأولاد الآخر بدأوا يذهبون مع أفكار والدتهم في الأنحراف والأبتعاد وهكذا أعداداً كبيرة بدأت تنحرف تدريجياً من الرجال والنساء ، فكيف كان هذا الشعب وأين أصبح ؟ وهل من الصحيح تسميته بالزرع المُقدّس ؟ بالتأكيد كلا وألف كلا ، هذا الزرع أصبح مُختلطاً وممزوجاً بين المُقدّس والغير مُقدّس ولا يُمكن اعتباره الزرع النقي أو الصافي أو المختار لأختلاطه بين زرع وأدغال الشعوب المختلفة ومنها زرع بابل وما كان في جواره قبل السبي وبعده ، ولهذا السبب يعطينا النبي عزرا في 9-2 رأيه الصريح ويقول ” لأنهُم اتخذوا من بناتهم لأنفسهم ولبنيهم ، وأختلط الزرع المُقدّس بشعوب الأراضي ، وكانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولاً . “
من هذه الآية نستنتج أموراً في غاية الأهمية وهي : اتخاذ البنات كزوجات لهم والى أولادهم ومن ثم اختلاط الزرع المُقدّس النقي مع الوثنيين من شعوب العالم الأخرى ، وأخيراً يعتبر النبي عزرا بان هذه هي الخيانة التي يتحملّها كلِّ من كان في المسؤولية من الرؤساء والولاة أو حتى الكهنة ويُحمِّلهُم المسؤولية التاريخية أولاً . السؤال هو : هل يوجد زرع صافي أو نقي أو مُختار كما يدعي البعض الآن في كتاباتهم في المواقع ؟ انظروا الى الحالة في ذلك الوقت وإحكموا بأنفسكم بعد آلاف السنين وكل كاتب يُمكن أن يسأل نفسه ما هي القومية التي يتحدث عنها وهل عِرْقه يعود الى فلان الفلاني ؟ ومن أين جاءت اليه قوميته وشهامته والتكبر على هذا وذاك ؟ التكلّم بصراحة وبواقعية هو الذي يعطينا الأمان والتكاتف والوحدة ، وهو الذي يقضي على كل من هو مُتكبر ويتكلّم على الآخر وكأنه هو النقي ولا شائبة فيه وغيره أدغال وزوان ومنافقين لا رحمة عليهم وهو الذي يشرب من النبع الصافي وغيره يشرب من الوديان والواحات وهو الذي قد تزوّج من ابنة بلدته وقريته وقريبته وأصله ينحدر الى جدّه الملك الفلاني! وغيره لا أصل له ولا يعرف من هُم آبائه ، كلّنا اختلطنا مع بعضنا وزَرْعَنا تشابك ولا يُمكن تمييزه الى يوم القيامة ، كلّنا كُنا أولاد وبنات ارض الرافدين والآن يامشاءالله اصبحنا أولاد وبنات امريكا واستراليا واوربا وآسيا وحتى افريقيا إن لم نكُن نحن ، فأولادنا أو أولاد أغلب أولادنا! أليست هذه هي الخيانة لشعبنا بعينها ونحن مشتركين فيها إن شِئنا أم أبينا أم لا؟ الجواب للقارئ الكريم.
الاُمّة المجهولة والخيانة العظمى
لا توجد أمة بدون أرض ولُغة ، نعلم جيداً كيف ضاعت أرضنا وانقرضت لُغتنا عند الغالبية وأصبحنا نتكلم ونكتب بالكثير من اللغات ماعدا لغتنا الجميلة العزيزة ، أليست هذه خيانة عظمى لشعبنا وزرعنا الذي نتباهى ونفتخر به ؟ تركنا كل شئ حتى الزيجات أصبحت يا ماشاءالله مختلطة مع الشعوب العالمية وتشققت العوائل وبعدها الكنائس ومن ثم بدأ انتحار الأصل والفصل ، ومع هذا يأتون ويفتخرون بالأمة التي أسست البشرية وكأن البشرية هُم الذين خلقوها وأبونا ابراهيم يضحك في قبره ويقول ” أنا الذي دعاني الأيمان لأنطلق ولم يجبرني الأيمان على البقاء في بلد بين النهرين ” ، أصبحنا وللأسف أمة مجهولة والخيانة التي يجب أن نعترف بها هي عدم ايماننا ولجوءنا الى المفاهيم التي زرعها الشيطان وكل ماحدث لنا هو بالضبط ما يتشابه مع الذين كانوا قبلنا عندما كانوا يتركون الحي ويذهبون وراء الميت والجامد والصنم وكانت تأتيهم المصائب تلو المصائب ، خيانتنا عظمى جداً وسنبقى في دوامة المجهول الى اليوم الذي نصحى فيه والله يعلم الوقت والساعة وقد لا تأتي لنا أبداً أبداً .في هذا الصدد هناك آية في سفر أخبار الأيام الثاني 36-14 تقول” حتى أن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا الخيانة حسَبْ كُلِّ رَجاساتِ الأمم ، ونجّسوا بيت الرب الذي قدَّسَهُ في أورشليم “. هذه الآية تعطينا التنبيه بعدم نقل رجاسات الأمم أي بعدم نقل الأعمال القبيحة والقذرة والمُخرّبة وعدم التحدث بما لا يليق من القدسية على الآخر وإذا تمادينا في ذلك سنكون في عداد الخونة لأننا نقوم بزرع بذور الخيانة في قلوب البعض غير مُكترثين للنتائج ، وهنا يحق لكل انسان أن يسأل كل كاتب ليقول له لماذا تتهم أخيك الآخر بالكلمات الجارحة والخارجة عن الأطار الأنساني العام ، لماذا بدأتم في التجريح والطعون والأتهام الباطل ؟ أليست كلماتكم خيانة لمبادئكم الأيمانية ؟ أما إذا لا تؤمنون فنقول أليست كلماتكم خيانة لعقيدتكم ومبادئكم الأنسانية التي تدّعون بها ؟ كل انسان يستطيع تسطير الكلمات التي وردت على السنة البعض في المواقع في الفترة الأخيرة والذين بدأوا يستشهدون بما كان يطلقه المسلمين الأوائل على معارضيهم ولا أرغب في كتابتها لأن القارئ قد يندهش من هؤلاء . أليس ما تكتبون هو نقلكم رجاسات تلك الشعوب على أخوتكم وابناء جلدتكم ؟ هل هذه هي شهامتكم وعنفوانكم لكي يقتدي بكم الآخرين ؟ طريقتكم تهدف الى ابعاد الشعب عنكم وعدم الأقتراب منكم ومن افكاركم . انكم تشابَهْتُم مع اولئك الكهنة والآخرين الذين اكثروا الخيانة كما تقول الآية أعلاه .
الخلاصة
هناك انواع كثيرة للخيانة وما تحدّثتُ عنه هو أحد هذه الأنواع الذي اعطانا الأمثلة الحية على ما نزرعه من الخيانة تجاه انفسنا وفي قلوب اخوتنا الآخرين وبالتالي نبتعد كلياً عن القداسة والصواب ونتجه الى المجهول ونخسر انفسنا ونبتعد عن شعبنا ونصبح في وادي النسيان . والسؤال الأخير لكم هو : هل انشقاقكم عن اخوَتكم والبذور التي تزرعوها الآن تلتقي مع مفهوم الخيانة الذي ورد في هذا المقال؟ باعتقادي لدينا مبررات كثيرة لنكون متحدين وغير متبعثرين وكل التكتلات التي تؤدي الى الأنشقاقات والأنقسامات يصُب مجراها في قالب الخيانة وعندما تُبنى الخُطط على هذا المفهوم إن كان مرئياً أو غير ذلك فان سقوطها يكون سريعاً .
مسعود هرمز النوفلي
18/6/2010