الذكرى الخامسة والتسعون لإرتكاب مجازر إبادة المسيحيين في السلطنة العثمانية

بقلم د.جميل حنا
الذكرى الخامسة والتسعون لإرتكاب مجازر إبادة المسيحيين في السلطنة العثمانية

27/ 04 / 2010
http://nala4u.com

المذابح في أرمينيا
تأليف: فائز الغصين
حلب:1991
المؤلف في سطور
فائز بن زعل الغصين(1300-1387ه-1883-1968م)
“صاحب” مذكراتي عن الثورة العربية”ومن أعضاءجمعية “العربية الفتاة
ولد في اللجاة, من أعمال حوران وتعلم بدمشق وادخل مدرسة “العشائر” باسطنبول وعاد فعين قائم مقام في ولاية معمورة العزيز(خربوط)لمدة ثلاث سنوات ونصف وأقيل فافتتح مكتبا للمحاماة وكان شريكا ل شكري بك العسلي وعبد الوهاب الانكليزي. وأعتقل سنة 1333ه1915م بوشاية من رشيد بن سمير الدوخي (رئيس عشيرة ولد علي, من عنزة)وكانت بين عشيرته وعشيرة الغصين , في اللجاة,ضغائن. وسيق إلى ديوان الحرب العرفي في عالية. وظهرت براءته فأطلق قبل اعدام القافلة الأولى من الشهداء بثلاثة أيام وقد لقي أكثرهم عند مغادرته السجن. وفوجيء قبل الانطلاق بأنه منفي إلى ديار بكر فرحل اليها وسجن 23 يوما وأطلق. وفر منها في رحلة شاقة منهكة إلى أن دخل بادية العراق. واستقر البصرة 66 يوما. ووجد الوسائل للسفر إلى جدة, فدخلها سنة 1916 م, بعد الثورة بقليل. ولحق بالشريف فيصل بن الحسين في ينبع فكان”سكرتيرا” له إلى دخول دمشق, وكان معه في مؤتمر الصلح. وعمل محاميا في القضاء بدمشق إلى أن كان “مفتش عدلية” في العهد الفرنسي بسورية وأحيل إلى التقاعد إلى أن توفي.
من أعماله المطبوعة:
1-“المذابح في أرمينية” مصر 1917 له طبعات عديدة وترجمات إلى الأرمنية والفرنسية والأنكليزية والألمانية
2- ” المظالم في سورية والعراق والحجاز” 1918
3-” مذكراتي عن الثورة العربية” دمشق الجز ء الاول 1939من كتاب ” الأعلام” للعلامة خير الدين الزركلي مع بعض الأضافات 4-” 1970مذكراتي عن الثورة العربية”دمشق الجزء الثاني
تعرض المسيحيون في السلطنة العثمانية إلى الكثير من مجازر الإبادة العرقية وكان .
السيد فائز الغصين هو أحد الشهود الذي رأى قسما من هذه الفظائع التي أصيب به المسيحيين عموما في بداية القرن العشرين في الأمبراطورية العثمانية قبل خمسة وتسعين عاما وقسم أخر سمعها أثناء وجوده في السجن في ديار بكر. وهو يؤكد بأن للحرب نهاية ولا بد للأمور أن تنجلي وكل ما يرد في هذا الكتاب(هو حقيقة وهو قليل من كثر الفظائع التي ارتكبها الأتراك بحق الأمة الأرمنية المنكودة الحظ وكل آت قريب) والكاتب يوضح هدفه من تأليف هذا الكتاب هو تبرئة الإسلام من تلك الجرائم الشنيعة التي نفذة بحق المسيحيين (فكرت في نشر هذا الكتاب خدمة للحقيقة ولأمة ظلمها الأتراك وخوفا عما سيرمي به الاوربيون الدين الاسلامي من التعصب كما بينته )في آخر الكتاب والله يهدينا إلى الصواب)
ويعرض الكاتب جزء من تاريخ الأرمن وتوزيعهم في ولايات عديدة والجمعيات التي كانت لهم , والشخصيات الأرمنية المرموقة في المجتمع , ويتحدث بأختصار شديد أيضا عن المذابح التي حدثت في عام 1896وكيف كانت الحكومة تثير الأكراد والأتراك المسلمين )بأسم الدين لقتل المسيحيين(نظرا لجهل المسلمين أحكام دينهم الصحيح)
ويتطرق السيد الغصين إلى بيان الحكومة التركية الذي قرر تهجير الأرمن بسبب مخالفتهم القوانين وحيازة الأسلحة ومساعدة الروس في وان ولما كانت الحكومة في حالة حرب مع أنكلترىا وفرنسا وروسيا وخوفا من القرقل التي قد يحدثها الأرمن تقرر أجلاء هؤلاء وسوقهم إلى ولايتي الموصل و سوريا وللواء دير الزور على أن تكون أعراضهم وأموالهم وأنفسهم في أمان من اعتداء المعتدين وتسليط المجرمين , وكذلك تأمين السكن وكل أسباب الراحة إلى أن تضع الحرب أوزارها. هذا ما أكده البيان احكومي بهذا الخصوص ولكن الحقائق على الأرض كانت شيء مغاير كليا. حيث وضعت خطط سرية للقضاء على الأرمن عن بكرة أبيهم ومن أجل ذلك تم تأليف فرق “مليس” لأجل معاونة الدرك على قتل الأرمنز,( فعينوا رشيد بك لولاية ديار بكر وأعطوه سلطة واسعة وزودوه بشرزمة من القتلة المشهورين كأحمد بك السرري ورشدي بك وخليل بك وأمثاله))
وقيل أن سبب هذه الأجراءات الأجرامية كانت بسبب أرسال عشرين فدائيا من مصر وأوربا لقتل طلعت وأنور وأسباب أخرى لا تمت إلى الحقيقة بصلة. ويتساءل الكاتب ولو كان الأمر كما يدعون لماذا لم يتم معاقبة من قام بأعمال ضد الدولة(فساقت الحكومة قوة عسكريةمع فخري بك باشا, فذهب وهدم قسما من الزيتون وقتل نساء وأطفالا ولم ير فخري باشا مقاومة من الأرمن وقد جمع الرجال والنساء وأرسلهم مع كتائب الجند وهذه قتلت كثيرا من رجالهم.وأما النساء فلا تسأ ل عما جرى بهن فأن الأعراض أصبحت مباحة للجند العثماني والأطفال ماتت من العطش والجوع ولم يصل من الرجال والنساء إلى سوريا الا كل اعرج واعمى. لايقدر ان يعيش نفسه.وأما الشبان فقد قتلوا جميعا والنساء الجميلات فقد صرن سبايا لشبان الاتراك).
ويتحدث المؤلف عن عذابات الأمهات والحوامل التي يضعن حملهن في الطريق فيتركوهن في البراري والقفار الخالية… والنساء كن يتركن أطفالهن في البراري …والأمراض التي فتكت بهن فتك الذئاب بالغنم.(والأتراك والأكراد تهتك اعراضهن والجوع يهلك الباقيات منهن). ويضيف أنه شاهد الكثير من المظالم ومعانات الناس العزل والأبرياء من كل الأعمار ويسرد ما شاهده بأم العين حيث يقول (وبعد ان سرنا من الرها بدأنا نرى أيضا جماهير من النساء أعياهن التعب والشقاء وامات نفوسهن الجوع والظمأ ورأينا جثث الموتى ملقاة على حافتي الطريق)
وتحدث عن النساء العاريات اللاواتي قتلن على اطراف الطرق بعد ما سلب المجرمون ثيابهن ,وعن تلك الأجساد التي كانت تقشعر لها الأبدان من شدة الألم وكيف بدأ النحيب على الأطفال والنساء الذين قتلن بالفأس واللاواتي انتهك أعراضهن.ومن شدة الألم الذي شاهده الكاتب والأعمال الهمجية يرى بأن الاتحاديون لا يفهمون أدارة الدولةولا معنى الحرية والدستورية فلذلك أقروا العودة إلى ما كان عليه أجدادهم التاتار من خراب البلاد وأهلاك العباد بدون ذنب ولا سبب أذ هم قديرون على ذلك.ويطلق السيد الغصين صرخة ألم لم يستطع فعل شيء أمام هذه المأساة الانسانية التي يرها بأم عينه فيقول ( فبالله ماذا فعلن تلك النسوة؟ هل حاربن الاتراك أم قتلن أحدا منهم؟ ما جريمة هؤلاء التعيسات اللاواتي لم يكن لهن ذنب الا انهن كن ارمنيات عالمات بتدبير منازلهن أحسن تدبير ويربين أطفالهن أحسن تربية لاهم لهن الا أسعاد رجالهن وأولادهن والقيام بوظائفهن تجاههم..؟
أتعد هذه جريمة أيها المسلمون؟بالله عليكم فكروا قليلا ما ذنب هؤلاء التعيسات؟ أهل انهن سبقن التركيات بكل شيء؟)ويؤكد أن ما يراة أنه أمر فظيع لم يسبقهم لمثله أحد من الأمم التي تعد نفسها من الامم المتمدنة.الأجساد المرمية تحت أشعة الشمس الحارقة والأطفال الصغار بكل الأعمار من الولادة أما موتي وأما عراة بين الحياة والموت والأجساد المحروقة.ويروى المؤلف عن مشاهداته وهو في طريقة إلى السجن في ديار بكر وعن الفظائع الرهيبة, وفي السجن يسأل أحد المسجونين وهو مسلم من أهالي ديار بكر قصة ما جرى للأرمن في ديار بكر (فسألته ماسبب وقعة الارمن؟) فهل قتل الآرمن أحدا من مأموري الحكومة أو من الاكراد أو من الاتراك في ديار بكر؟فأجاب كلا لم يقتلوا أحدا…ويتحدث الكاتب عن عذاب القتلى من المساجين الأرمن, وتبادل الأحاديث معهم عن كل الذي كان حتميا وحتى بعد دفع الفدي.
قتل والسيد الغصين يتطرق إلى قتل المسيحيين من أبناء الكنييسة البروتستانتية والكلدانية والسريانية وهو يقول:
(وقد عم القتل طوائف البروتستانت والكلدان والسريان. ولم يبق في ديار بكر ولا شخص من البروتستانت وقد أتلف ثمانين عائلة من السريان وقسم من الكلدان في ديار بكر. أما في الملحقات فلم يخلص أحد إلا في مديات وماردين… أما السريان الذين في قضاء مديات فأنهم شجعان, أشجع جميع العشائر التي في تلك الجهات ولما سمعوا ما حل بأخوانهم بديار بكروحواليها اجتمعوا وتحصنوا بثلاث قرى قريبة من مديات مركز القضاء ودافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال, وأظهروا بسالة تفوق التعريف ,قد أرسلت الحكومة تابورين من الجند النظامي عدا عن تابور الدرك الذي أرسل قبلا إلى هناك. وألبت عليهم عشائر الكرد فلم يأخذوا منهم لا حقا ولا باطلا وهكذا حموا أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من مظالم هذه الحكومة الجائرة…)أن الذي ذكر يتطابق مع ما ذكر مع أختلاف جوهري ومأساوي وعندما بدأت الأمور تهدأ شيء ما بدأت بعضا من العشائر الكردية تحاوروا من أجل الصلح وبعدما قبل السريان بذلك وفتحوا الأبواب من أجل الصلح في قراهم أنقضت عليهم بعض تلك العشائر بأسلوب الغدر وأبادة الكثيرين منهم.والكاتب يضيف ( ان حكومة بتليس لم تبق نصرانيا”مسيحيا”واحدا في ولاية بتليس ولواء موش, لو أن طبيبا ذكر لمريض أن الدواء الذي يشفيه من مرضه قلب نصراني”مسيحي” وفتش عليه في جميع ولاية بتليس لما وجده).
ويتحدث المؤلف عن أنواع القتل والأتلاف وأستأجار الدولة قصابين لذبح البشر, وعن وحشية أفراد الدرك وبعض العشائر الكردية , وعن قلع أسنان الذهب ,تفاخر البعض من الأغوات بأعداد المقتولين على يدهم, وكذلك عن فض بكارة النساء قبل الموت وبعده.وينقل الكاتب لنا الأحاديث التي دارت بينه وبين مدير احد النواحي والحديث مع المأمورين,مومع محام ومتصرف وبيع المتروكات, قتل قائمقام بسبب عدم تنفيذ أوامر إبادة المسيحيين في البشيرية وكذلك افتخا ر أحد القضاة بقتل الأرمن ,ويتطرق إلى موضوع حماية عشائر العرب للأرمن, وأمور أخرى كثيرة تقشعر لها أبدان كل انسان يملك مثقال ذرة من الانسانية.وفي الختام أقدم جزء من الخلاصة التي سطرها الكاتب بنفسهيقول هكذا(أذ سألت الحكومة التركية عن أسباب قتل رجال الأرمن ونسائهم وأطفالهم ولإباحة أعراضهم وأستحلال امولهم أجابت ان هذه الأمة قتلت المسلمين في ولاية ,ان. وانه ظهر عندها اسلحة ممنوعة وقنابل منفجرة وعلائم تشكيلات دولة ارمنية,كريات وأمثاله وكل ذلك يدل على أن هذه الامة لم ترجع عن غيها وانها عندما تسنح لها الفرص تحدث شغبا وتقتل المسلمين وتستعين بدولة الروس عدوة الدول العثمانية على متبوعتها.هذا ما تقوله الحكومة التركية وانني قد تشبثت الامر من مصادره وسالت من أهل وان ومن مأموريها الذين كانوا موجودين في ديار بكر, هل قتل الأرمن أحد من المسلمين في مدينة وان أو في ملحقاتها؟ فقالوا, كلا بل ان الحكومة أمرت أها المدينة ان يفارقوها قبل وصول الروس اليها وقبل ان يحدث شىء أو يقتل شخص ما,ولكن الحكومة طالبت من الأرمن تسليم السلاح فلم يسلموها خوفا من هجوم الأكراد عليهم وخوفا من الحكومة.وقد طلبت الحكومة أيضا انيسلم زعماء الأرمن ووجهاءهم للحكومة بمقام رهائن فلم يقبل الأرمن.كل ذلك كان عندما تقدم الروس نحو مدينة وان وتقربهم منها, وأما في اللحقات وفقد جمعت الحكومة جميع الأرمن وساقتهم للداخل فقتلوا جميعا, ولم يقتل أحد من مأموري الحكومة ,ولا من الأكراد ولا من الأتراك…ويأتي ببعض الأحاديث والآيات القرآنية التي تدين الأعمال ألجرامية التي أرتكبت بأسم الدين الاسلامي.
أن كتاب المذابح في أرمينيا للسيد فائز الغصين هو واحد من الوثائق الهامة التي توثق بعض الحالات في محيط ولاية ديار بكر وبالطبع في المدينة ذاتها. وهويكشف كل هذه الحقائق من منطلق انساني وبدافع الحرص على دينه كرجل مسلم متنور, ومن أجل أن يقف كل انسان شريف وقفة صادقة مع ضميره ويدين هذه الممارسات الأجرامية بغض النظر عن إنتماءه الديني والقومي. والسيدالغصين لم يدافع عن المسلمين الأتراك بل برء دينة من هذه الأفعال الفظيعة وأدان هذه الإباداة الجماعية للأبرياء الذين لم يقترفوا أي ذنب.فليكن هكذا رجال قدوة حسنة لنا عندما نتخذ موقف صادق من مثل هكذا قضايا انسانية.
المصدر: المذابح في أرمينيا ,تأليف فائز الغصين ,طبعة حلب 1991

د. جميل حنا

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.