شذى توما مرقوس
الإِنْسَان في قِمَّةِ الهَرَم ……. !!!
21 / 10 / 2009
http://nala4u.com
بقلم : شذى توما مرقوس
…… نَظْرَةٌ واحِدة إلى أَحْوالِ
الإِنْسَانِيَّة والبّشَرِيَّة ، وإلى كُلِّ الأَذَى الَّذِي لَحِقَ
بالكُرةِ الأَرْضيَّة ، تُعْطِينا فِكْرَة واضِحة إن الإِنْسَانَ كائنٌ
مَغْرُورٌ وأَهْوَجٌ وأَحْمَقٌ ……… إنّ الحيوانات لاتَقْتَرِفُ كُلَّ
الخَطايا والسَّيِّئات الَّتِي يَقْتَرِفها الإِنْسَان بحَقِّ أَخِيه
الإِنْسَان الآخر ، وبحَقِّ هذا الكَوْكَب المُبْتَلَى بالإِنْسَان …….
أَيٌّ من الكائِنات الأُخْرَى أَسَاءَتْ إلى هذا الكَوْكَب بقَدْرِ ما
فَعَلَ الإِنْسَان ، وهل سيَأْتِي يَوْمٌ نَفْهَمُ فيهِ إن الحَياة
لاتُساوِي غَيْر السَّلام والمَحَبَّة ؟ ……
لطَالَمَا قالَ التاريخ
وحُكِيَ في مسالكِ التَّعْليمِ ، أنَّ الجَماعات البَشَرِيَّة قَدِيماً
وعلى مساحةِ الكَوْكَب أَيْنَما وُجِدوا ، كانت تتقاتلُ من أَجْلِ الماء ،
المَرْعَى ، الجاه ، السُلْطَة ، الأَمْوال ، الغَنائِم ، الأَرْض ،
الدِّيْن ، الحُدُود ، المَصالِح بمُخْتَلَفِ أَقْطابِها ……. إلخ ،
والكَثِير من الغَزَواتِ والغاراتِ والحُرُوب بَيْنَ الجَماعات المُتقاتلة
كانت لِواحِدَةٍ من هذهِ الأَسْباب أو بَعْضها مُجْتَمِعة أوما يَتَعَلَّق
بها أو يَتَفَرَّعُ عنها ويَنْضَوِي تَحْتَ خَيْمَتِها ……. فما الَّذِي
تغيَّرَ من النَّوازِعِ الإِنْسَانِيَّة ودَواخِلِ الإِنْسَان ؟ ولَيْسَ
المَقْصُود هُنا التَطوُّر الظَّاهر المَرْئِيّ ، بل التَّحَسُّن والجُنُوح
إيجابياً نَحْوَ السَّلام في النَّوازِعِ والغاياتِ والمَقاصِدِ
والأَهْدافِ والَّتِي تُثِيرُ الإِنْسَان ضِدَّ أَخِيهِ الإِنْسَان
وتُقْسِيهِ عليهِ ، رُبَّما بعِبارةٍ أُخْرَى ” تَحْسِين الإِنْسَان ككائِن
” من خِلالِ تَطْهِيرِ وتَنْقِيَة دَواخِلِهِ من الشَّوائِبِ ،
لوتأَمَّلنا لوَجَدْنا أن لاتَغْيير هُناك ، وإن كان هُناك تَغْيير فهو
طَفِيف وضَعِيف وغَيْر مَلْحُوظ أومُؤَثِّر في الحَياةِ البَشَرِيَّة ،
ونَظْرَة مُكَرَّرة إلى العالَمِ والتاريخِ تَدْفَعُ إِلينا كُلّ الحُرُوبِ
والمآسي والظُّلْمِ والمَظَالِمِ والأَذَى والقَهْر مُنْذُ البَدْء …….
كَمْ من الحُرُوبِ خاضَها الإِنْسَان ضِدَّ أَخِيهِ الإِنْسَان وضِدَّ
الطَّبِيعة …… إن الكَوْكَب الأَرْض أَعْطَى للإِنْسَانِ كُلَّ أَسْبابِ
الحَياةِ والرَّاحَةِ ، فهل وَفَّى الإِنْسَان بالتِزاماتِهِ تِجاه هذا
الكَوْكَب ؟ !! …… لقَدْ ابْتُلِي هذا الكَوْكَب بالإِنْسَانِ وشُرُورِهِ
…… إن الحُرُوب تَخْرِيبٌ حَقِيقيّ وتَدْمِيرٌ كَبِير لمُقَدِّراتِ
الكَوْكَب الأَرْض وللإنْسَانِ ذاته وعلى المَدى الأَبْعَد رُبَّما
للكَوْنِ برُمَّتِهِ ……
أبداً لن يَحُلَّ السَّلام في هذا الكَوْكَب طَالَمَا
إن الإِنْسَان لايَحْتَرِمُ الكائِنات الأُخْرَى ويَعْتَبِرُها أَدْنَى
منه مَنْزِلة ولايَعْتَرِف بمُقاسَمتِها إيَّاه هذا الكَوْكَب ، إنّما ذلك
نابِع عن الغُرورِ والتَّكَبُّر الإِنْسَانِيّ ، فبَعْدَ أن فَرِغَ
الإِنْسَان من إِقْناعِ نَفْسِهِ بأنّه في قِمَّةِ الهَرَمِ للكائِنَات
قَاطِبَةً وسَيِّد المَخْلُوقات وأوْجَدَ لنَفْسِهِ الأَدِلَّة والبراهِين (
بغَضِّ النَّظَرِ عن كَوْنِها لا يَقِين ) وإنّهُ أَفْضَل المَخْلُوقات
قَاطِبَةً وإن البَارِيّ أَجَلَّه وأَكْرَمَه ، أَقْنَعَ نَفْسَه إن
العالَم وكُلَّ مافيهِ قَدْ خُلِقَ لخِدْمَتِهِ ، فسَخَّرَ كُلَّ
إِمْكانيات الكَوْكَب وحيواناتهِ لمَصْلَحَتِهِ ( وهذا مَحْض أَوْهام
حِيْنَ نَعْلَم أن هُناك مَجَرَّات أُخْرَى ورُبَّما أَنْواع حَياة أُخْرَى
وإننّا لَسْنَا الوحِيدين في الكَوْنِ ) ، فاسْتَبَاحَ لنَفْسِهِ فَصْل
الحيوانات عن بِيئتِها الطَّبِيعيَّة وإيداعها في حَدائِقِ الحَيَوان
ليتَسَلَّى بزِيارَتِها ويُنَصِّبُ من نَفْسِهِ مَسْؤُولاً عنها مُتناسياً
إِنّهُ ككائن يَنْتَمِي إلى الفَصِيلَةِ ذاتها ، وسَمَحَ لنَفْسِهِ
بحَبْسِ الطُّيُورِ في أَقْفاصٍ وهي الَّتِي تَمْتَلِكُ الفَضاء عالَماً
لها ، وصَارَ يُقَرِّرُ لها وعنها ما تَشَاءه لحَياتِها وَفْقاً
لمَصْلَحتِهِ ( طَرِيقة المَعِيشة ، المَكان ، طُول العُمْرِ ، الوِلادَة ،
المَوْت ، التَّكاثُر …… إلخ وكُلّ مايَخُصُّ الحيوانات من أُمُورٍ
كَثِيرة مُتَشَعِّبة ) ، واسْتَعَان بالتكنولوجيا لإِرْضاخِ كُلِّ
الحيوانات وتَحَوَّلَ إلى أَكْبَر مُفْتَرِس لأَنْواعِ الحيوانات الأُخْرَى
( بل وحَتَّى الحَشَرات ) ، وأَجازَ لنَفْسِهِ الكَثِير والكَثِير ، ولم
يَكْتَفِ بذلك بل أَذِنَ لنَفْسِهِ بتَخْرِيبِ بِيئة الحيوانات
المُخْتَلِفَة الطَّبِيعيَّة واسْتَوْلى عليها وكُلَّما زادَتْ مساحة
سَيْطَرَة الإِنْسَان تَقَلَّصَ الحَيَوان مُنْحَسِراً في زَوايا صَغِيرة
ضَيِّقة طَبِيعيَّة مُحاوِلاً المُقاومة دُوْنَ فائِدَة ، الإِنْسَان
اسْتَعْبَدَ الحيوانات لدَرَجَةِ إنَّهُ صارَ يُرْسِلُ الكِلاب مثلاً
لأَداءِ مهام انتِحاريَّة نِيابَةً عنهُ وهذهِ قِمَّة الأنانية وأَبْشَع
أَنْواع الاسْتِغْلال ، وأَيضاً مُحاوَلة إِحْدَى الدُّوَل المُتَقَدِّمة
إِجْراء تَحْسِينات على جين وِراثيّ مُعيَّن في الخَنازِير بَعْدَ
الاكْتِشاف الَّذِي أَحْرَزَتْه في إن إِجْراء هذا التَّحْسِين على هذا
الجين المَعْنِيّ يَجْعَلُ لَحْمَ الخِنْزِير ( بَعْدَ ذَبْحِهِ وسَلْخِهِ
وتَعْلِيقِهِ من عُرْقُوبِهِ في المَجْزَرَة ثُمَّ عُبورِهِ إلى مِنْقَلةِ
الشَّوِيّ ليَصِل مَوائِدنا الجَشِعة ) أَكْثَر طَراوَةً ولَذَّةً عِنْدَ
الشَّوِيّ ، أي إِن الإِنْسَان يُفْكِّرُ في إِرْضاءِ حَواسِّ تَذَوُّقِهِ
وتَلَذُّذِهِ بالطَّعامِ وبشَهْواتِهِ فَقَطْ أَكْثَر من تَفْكِيرِهِ
بأَبْسَطِ حُقوقِ هذا الحَيَوان ، كَمْ من الأنانيةِ تَطُولُ نَفْسَ
الإِنْسَان وكَمْ من القَسْوَةِ تَسْكُنُ ذاتَهُ تِجَاه الكائِنَات
الأُخْرَى ، هل إن الافْتِقار لوُجودِ وَسِيلة تَواصُل أوتَفاهُم
مُشْتَرَكَة من أي نَوْع ( كاللُّغَة مثلاً وغَيْرِها ) بَيْنَ الحيوانات
المُخْتَلِفَة والإِنْسَان تُبِيحُ لهذا الأَخِير التَّقْرِير عنها أَوْ
تُبرِّر مايَفْعَلهُ بحَقِّها من عَبَثٍ وتَغْييرٍ في الجينات وتَحْسِينها (
مع تَحَفُّظِي الشَّدِيد على كَلِمةِ ــ تَحْسِينها ــ لأنّ التَّحْسِين
هُنا هو من وُجْهَةِ نَظَرٍ إِنْسَانِيَّة خالِصة تُقاس على مدى مايُعْطِي
ذلك من المَنْفَعَةِ الأَكْثَر للإِنْسَان ولَيْس الحَيَوان صاحِبُ
الشَّأْن المُتَغَاضَى عن حُقُوقِهِ ) ، اسْتِعْبادِ الحيوانات لم يُشْبِعْ
غُرور الإِنْسَان وتَكَبُّره ، فالْتَفَتَ إلى مُجْتَمَعِهِ فصَعُب عليهِ
تقاسُم الاحْتِرام بَيْنَ كائنين بَشَرِيين مُتكافِئين كرَجُلٍ وامْرَأة ،
فاسْتَأْثَرَ الرَّجُل لنَفْسِهِ بالسُلْطَةِ ، واسْتَضْعَفَ شرِيكته
المَرْأَة واعْتَبَرها كائِناً أقَلَّ وأَدْنى منه مَنْزِلة وهَضَمَ
حُقوقَها دُوْنَ حَرَجٍ أو خَجَلٍ ، وعَمِلَ على تَثْبِيتِ أَرْكانِ
سُلْطَتِهِ فالمُساواة لاتَتَّفِقُ والغُرور البَشَرِيّ والتَّكَبُّر ….
وتَغَصَّن غُروره وتَكَبُّره فباتَ يُقَسِّمُ المُجْتَمَعَ الإِنْسَانيّ
على أَساسِ الدِّيْن فقالَ بـ : ” السَماوِيّ !! وغَيْر السَماوِيّ !! ”
للتَّصْنِيْفِ فكانت تَسْمِيَة ” الأَديان السَماوِيَّة وغَيْر
السَماوِيَّة ” وحَقَنَ مَعْنَاها حدّ الاسْتِفاضةِ بالتَّعالِي
والأَفْضَليَّة على إِخْوتِهِ من أَتْباعِ المَذاهِبِ والدياناتِ الأُخْرَى
وحَمَّلَ كَلِمَة ” السَماوِيّ ” أَكْثَرَ مما تَحْتَمِل ومَضَى أَبْعَد
فحَقَنَها بِجُرَعٍ مُضاعَفَة من التَّعالِي لتَقُوم بَعْض الأَديان ”
السَماوِيَّة !! ” بالتَّنافُسِ فيما بَيْنَها وكُلٌّ يَدَّعِي
الأَفْضَلِيَّة على الأُخْرَى منها باخْتِيارِ الله لها شَعْباً أو أُمَّةً
….. إلخ ، لم يَقْتَصِرْ الغُرور الإِنْسَانيّ على مامَرَّ بل شَمَلَ
اللَّوْن أيضاً ، ذو البَشَرَةِ البَيْضاء أَفْضَل من ذي البَشَرَةِ
السَّوْداء أوالداكِنة أو المُلوّنة ، فعانَى السُّود كعَبِيد قُرُوناً ،
وفاضَ جُنونَاً فشَمَلَ كُلَّ تفاصيل ودَقائِقَ الحَياةِ بلا اسْتِثْناء ،
ناهيك عن الاعْتِداءاتِ على الطَّبِيعةِ والبِيئةِ وتَخْرِيبِها فلَوَّثَ
المِياه بالنفاياتِ الخطِرة دُوْنَ أَيّ خَجَل من قاطنِيها ” الأَحْياء
المائيَّة ” وساهَمَ باضْطِرادٍ في تَصْعِيدِ حَرارَةِ الكَوْكَب وفي
تَقْلِيصِ مساحات الغابات وأَضْرار أُخْرَى لا تُعَدّ …….
من
أَيْنَ يَأْتِي السَّلام وكَيْفَ يُحْصَد والدَواخِل البَشَرِيَّة
مُثْقَلة بالغُرورِ والكِبْرِياءِ والتَّكَبُّر ، وإن كان الإِنْسَان
لايُقِرُّ بحُقوقِ الآخرين مِمَّنْ يُقاسِمُونه الحَياة على هذا الكَوْكَب
ابْتِداءً من المَرْأَة الرفِيقة شرِيكة الحَياةِ للرَجُلِ وانْتِهاءً
عِنْدَ الكائِنَات الحَيَّة الأُخْرَى من حيواناتٍ ونَباتاتٍ وحَشَراتٍ
….. إلخ ؟ من أيْنَ يَأْتِي السَّلام والدَواخِل البَشَرِيَّة طافِحة
بالأَحْقادِ وعَدَمِ المُرُونة ، المُرُونة كَلِمَة لم يَعْرِفْ البَشَر
الاسْتِفادة من مَعْناها الجَمِيل ، بل إنَّها تَقْتَرِنُ في وَعْي البَعْض
ولا وَعْيهم بالتَسَيُّبِ وعَدَم الاكْتِراث وتُحْسبُ في نَظَرِ البَعْضِ
الآخر خَطِيْئَة من الخَطايا الَّتِي يَجِبُ تَجَنُّبها بَيْنَما
التَّزَمُّت والتَّعصُّب مُبَارَكٌ ومَطْلُوب ، من أَيْنَ يَأْتِي
السَّلام أن لم تَكُنْ الدَواخِل البَشَرِيَّة عامِرة ببذراتِ المَحَبَّة
الَّتِي تَقُودُ للتَواضُعِ والَّذِي يُنْجِبُ الاحْتِرام للآخر
والاعْتِراف بهِ وعَدَمِ التَّقْلِيل من شَأْنِهِ ، التَّواضُع الَّذِي
يَسْلُكُ المَحَبَّة طَرِيقاً نَحْوَ الآخر إِنْسَاناً كان أَوْ حَيَواناً
أَوْ نَباتاً أَوْ حَشَرَة ….. إلخ ، فالإِنْسَان قَدْ تَدَرَّجَ في
تَكَبُّرِهِ واحْتِقارِهِ للأَشْياءِ من حَوْلِهِ وخُطْوة قَادَتهُ إلى
أُخْرَى ، فمن احْتِقارِهِ لكُلِّ ما أَفْتَى بشَأْنِهِ كجماد نافِياً عنه
صِفة الحَياة حَسْبما يَعْتَقِدُ وكما صَوَّرَ لهُ غُرورُه وتَكَبُّره
كالجِبالِ والتِّلالِ ….. إلخ ، والَّتِي شاءَ أم أَبى تَلْعَبُ دَوْراً
في الحَياةِ والبِيئة والتوازُن الطَّبِيعيّ البِيئي وتُؤَثِّرُ وَثِيقاً
في حَياتهِ وتَتَّصِل بها وتتداخَل معها ، إلى النَّباتاتِ ، إلى الحيوانات
ثُمَّ إلى المَرْأَة الَّتِي شاءَ أم أَبى فهي تَتَكافَأُ معهُ في كُلِّ
المزايا ، إن التَّكَبُّر طَرِيقٌ إلى احْتِقارِ الآخرين ويَدْفَع
بصاحِبِهِ إلى الغُرورِ ( صانِعُ القَسْوَة والكَراهِيَة والأَحْقاد
والأَكاذِيب….. إلخ ) والغُرور يُوَلِّدُ الأَوْهام الَّتِي تَزُجُّ بهِ
إلى الحُرُوبِ والتَّطاحُنِ ، التَّواضُع يُعْطِي نَتائِج عَكْسية فهو
يَجْعَلُ الإِنْسَان يَنْظُرُ باحْتِرامٍ إلى كُلِّ ما حَوْالَيْه
ويَتَعَلَّم منه ويُدرِك حاجَته إِليه وإلى السَّلام …….
”
فَزَّاعُ الطُّيُور ” هو صُوْرَة مُؤثِرة تَشِي بِخَوْفِ الحَيَوانِ وعَدَم
ثِقَتِهِ بالإِنْسَان ، فالخَشَبَة الَّتِي تُنْصَبُ في وَسَطِ الحُقولِ
مُتَوَشِّحة بثِيابِ إِنْسَان ومُتمثِّلةً برأْسِهِ ، تُقْلِقُ الطُّيُور
وتُفْزِعُها تَماماً كالبندقية ، لاأَدْرِي هل كانَ مُصادَفة أن يُمَثَّلَ ”
فَزَّاع الطُيُور ” بهَيْئَةِ إِنْسَان ، أم كانَ اخْتِياراً مَقْصُوداً
من الإِنْسَانِ ذاته ليَتَباهَى بقُدراتِهِ وسُلْطَاتِهِ الوَهْميَّة ،
فلَوْ افْتَرَضنا طُلُوع يَوْمٍ على هذا الكَوْكَب وأَصْبَحَ على سبيلِ
المِثالِ أَيّ حَيَوان سَيِّده وطَوَّرَ قابلياته فالوَضْع سيكُونُ
مَعْكُوساً بالنِسْبَةِ للإِنْسَان الكائِنُ المُتَغَطْرِس ، إِذْ يُصْبِحُ
مَوْقِعِ المُسْتَضْعَف له نَصِيباً لامَفَرَّ مِنهُ ……
اخْتارَ
الإِنْسَان لنَفْسِهِ قِمَّة الهَرَم عَرْشاً ، وزَكَّى نَفْسَه مَلِكاً
على الكَوْكَبِ وكائِنَاتهِ دُوْنَما اسْتِيعاب إن المَلِك إنَّما هو
المُرادِفُ الآخر للحارِسِ أو الخادِم ، فعلى المَلِك رِعَايَة
مَمْلَكَتِهِ وخِدْمَتها وحِراسَتها وتسييرِ شُؤُونها بيَقَظةٍ وتَدَبُّرٍ
وعِنايَةٍ وحِكْمَة والحِفاظ على خَيْراتِها ورَوْعَتِها وصِيانَتها وهذا
مايَفْعَلُه الحارِس ( وأيضاً الخادِم ) القَيِّم المُؤْتَمَن على
الأَرْواحِ والمُمتلكات ، ولأَنَّهُ لم يَسْتَوعِب المَعْنَى الآخر
للَفْظَةِ مَلِك تَحَوَّلَ أنانياً مُتَبجِّحاً ، وكُلّ تَبَجُّحٍ إلى
زَوَالٍ وفَناءٍ مُؤكَّدين …….. قَدْ يَكْمن الفَرْق بَيْنَ
التَّسْمِيَتين إن ” مَلِك ” مُبَهْرَجة ، بَرَّاقة ورَنَّانة ، مُجَلَّلة
بالبَهاءِ والعَظَمَة والرِّفْعَة في خاطِرِ البَشَرِ ، بَيْنَما ” حارِس ”
مُتواضِعة ، مَحْفُوفة بالبساطةِ من غَيْرِ طَنِينٍ ورَنِين ، وهذا
يَنْسَحِبُ أَيضاً على ” خادِم ” ……
عُيُوب البَشَرِيَّة
لاتُحْصَى ، فهل هو من الذَّكَاءِ الإِنْسَانيّ في شَيْءٍ كُلّ الشَّرِّ
الَّذِي فَعَلَه بهذا الكَوْكَب المُبْتَلَى ، هل من الذَّكَاءِ في شَيْءٍ
سَحْق الدُّوَل الغَنِيَّة لزَمِيلاتِها الفَقِيرة ، هل من الذَّكَاءِ في
شَيْءٍ إِشْعال فِتَن الحُرُوبِ بَيْنَ الدُّوَلِ والأَفْرادِ والطَّوائِفِ
والمَذاهِبِ ، هل من الذَّكَاءِ في شَيْءٍ قَتْل الإِنْسَان لأَخِيهِ
الإِنْسَان أَوْ تَعْذِيبِهِ أَوْ التَّمْثِيل بالجُثَثِ بَعْدَ المَوْت
أَوْ التَّفَنُّن في اخْتِراعِ وسائِلِ التَّعْذِيب وتَصْعِيدِ كَفَاءاتِها
إلى أَعْلَى حدٍّ مُمْكِن حَتَّى تُفْعِلَ أَقْصَى وأَشَدَّ الأَلَم
والقَسْوَة والأَذَى للإِنْسَان ، هل من الذَّكَاءِ في شَيْءٍ تنامِي
العَدَاء والكَراهِيَة في العالَمِ ، أَوْ أن يُصْبِحَ اللاجِئين لُعْبة في
يَدِ السِياساتِ الخَبِيثة ، و ….. و….. و …… إلخ
إن
شَتَمَ أَحدٌ مِنَّا آخر نَعَتَه بحَيَوانٍ ما ، وإن كان الحَدِيث عن
تَجاوُزات ومُضادات للقِيَمِ والأَخْلاق لأُشِيرَ إلى أن ذلك من طِباعِ
الحيواناتِ وصِفاتِها ولَيْسَ من الإِنْسَانِيَّة في شَيْءٍ ، لكِنَّ
الحَقائق تَخْذُلنا فالإِنْسَان بكُلِّ البَشَاعَات الَّتِي اقْتَرَفَها
ولا زالَ يَقْتَرِفها يكُون الحَيَوان بَرِيئاً من كُلِّ مايُنْسَبُ إِليهِ
من مَخازِي …….
صدقَ الشافعي حِيْنَ قالَ :
نُعِيبُ زَمَانَنَا والعَيْبُ فِينَا
وما لزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
ونَهْجُوا ذا الزَّمَان بغَيْرِ ذَنْبٍ
ولو نَطَقَ الزَّمَانُ لنَا هَجَانَا
ولَيْسَ الذِئْبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ
ويَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضاً عَيَانَا
علينا
أن نَتَقَبَّلَ إن بَعْض الكائِنات لم تُطوِّر تقنياتها ولم تَتَطوَّر
لأنّها وَجَدَتْ ذلك لَيْسَ مُهِمَّاً وأن حَياتَها على سياقِها تَكْفِيها ،
أو رُبَّما حاولَتْ وفَشَلَتْ لأنّ الظُّرُوف المُحِيطة بها خذَلَتها
وعارَضَتها ، أو أَسْباب واعْتِبارات أُخْرَى عَدِيدة أَحْبَطَت مُحاولاتها
ومَساعِيها ، أما الكائِنَات الأُخْرَى الَّتِي تَطوَّرت وطوَّرَت
نَفْسَها أَكْثَر وأَكْثَر فتَحَوَّلَتْ وتَبَدَّلَتْ ، إنّما فلأنَّها
أرادَتْ ذلك وسَعَتْ إِليهِ واحْتَاجَتْ إِليه حَتَّى تتَكَيَّف مع
الظُّرُوف البِيئيَّة والطَّبِيعيَّة المُحِيطة بها أَوْ اسْتِجابةً لطارِئ
جَدِيد في المُحِيط الَّذِي تَعِيشُ فيهِ ، هكذا نَرَى إن هُناك حيوانات
أُخْرَى انْقَرَضَت لأنّها لم تُطوِّر أَوْ تُغَيِّر إِمْكانِياتها كما
طَالَبَتها الظُّرُوف والطَّبِيعة والبِيئة ، أي كانَ لها مَوْقِفها الخاصّ
واخْتِيارها ، على الإِنْسَان وهو وحَسْبما يَعْتَقِدُ إنّهُ أَرْقَى
الكائِنَات وأَفْضَلَها أن يَتَذَكَّر إن الحَياةَ لَيْسَت جامِدة ، إنّما
سَائِرة مُنْدفِعة وتُغَيِّرُ قُدراتها وقابلِياتها وكذلك الكائِنَات
الأُخْرَى ، ورُبَّما عليه أن يَتَوَقَّعَ يَوْماً تَتَغَيَّر فيهِ
المُجريات ليَرَى إن نَوْعاً من الحيواناتِ والَّتِي يَنْظُرُ إِليها
ككائِنَات أَدْنى مَنْزِلة منهُ وأَقَلّ ، قَدْ تُطوِّر إِمْكانِياتها
ودِفاعاتها وتقنياتها فتَسْبُق الإِنْسَان وقَدْ تُسْيطر على الكَوْكَبِ
وعلى الإِنْسَانِ ، إن هذا لَيْسَ بمُسْتبعد ولا بمُسْتَحِيل ……
رُبَّما يَنْبَرِي قائِل ليَقُول إن الأَجْدَى الحَدِيث عن
وُجوبِ تَعلُّم الإِنْسَان احْتِرام قَرِينه الإِنْسَان الآخر ثُمَّ
التَّحَدُّث عن لُزومِ احْتِرامِ الحيوانات والكائِنَات الأُخْرَى ، لِكنّ
ياقائِلاً بهذا ، الحَياة تَدُلُّنا على قِراءةِ القَوْل من آخِرِهِ
ابْتِداءً لنَنْتَهِي عِنْدَ أَوَّلِهِ أي مَعْكُوساً ، فإِن لم يَتَعَلَّم
الإِنْسَان احْتِرام وتَقَبُّل الحيوانات والكائِنَات الأُخْرَى على
اخْتِلافِها فلن يَتَعَلَّم أَبداً تَقَبُّل نَفْسِه واحْتِرامها ككائِن
راقِي مُتطوِّر لأنَّ الكُلّ سَوِيَّة يُشَكِّلُون وَحْدة واحِدَة
مُتكامِلة ومُتَنَاهِيَة في ذات الكَوْن الواسِع ، فالإِنْسَان بمُفْردِهِ
لايُشَكِّلُ زَخْماً شاسِعاً مدوِّيَّاً أَمامَ هذهِ الذات ، أي إن
الطَّرِيق إلى نَفْسِ الإِنْسَان وذاتهِ تَبْدَأ من الكائِنَاتِ الأُخْرَى
المُشارِكة لهُ في هذا الكَوْكَب وتَقُودُ إِليه ولَيْسَ العَكْس …….
وقَدْ يَعْتَرِضُ آخر ويَقُول إن هذا يَنْسِفُ مَقُولَة ” إن الإِنْسَان
هو الكائِن الَّذِي عَمَّرَ الأَرْض ” ، لو تَأَمَّلْنا لوَجَدْنا إن
الإِنْسَان عَمَّرَّ الأَرْضَ ولكِنْ لِنَفْسِهِ أَي بما يتَماشَى مع
فائِدَتِهِ ومَصْلَحتِهِ مُتَجاهِلاً حُقُوق الكائِنَات الأُخْرَى قاطِبَةً
، فهو لم يُدَّجِن الحيوانات مثلاً لأَجْلِ مَنْفَعَتِها بَلْ
لِمَنْفَعَتِهِ في الاسْتِفادةِ من مُنْتَجاتِها وجُلُودِها ولُحُومِها ،
فالتَعْمِير هو من وُجْهَةِ نَظَرٍ إِنْسَانِيَّة بَحتَة …….
الإِشادَة
بجَمْهَرَةِ الساعِين إلى خَيْرِ هذا الكَوْن والكَوْكَب بوَعْيهم
ومساعِيهم شَخْصيات ومُنَظَّمات ( الأُمّ تريزا ، مُنَظَّمات حِمايَة
الحَيَوان ، حِمايَة البِيئة ، مَجْمُوعات الأَطِبَّاء العاملين في مشارِيع
خَيْرِيَّة وتَقْدِيم خدماتِهم الطُّبِّية في رُقَعِ العالَم المُحْتاجَة
إِليه ، مُناهِضي الظُّلْم ، مُحَرِّري العَبِيد …… إلخ ) هو أُصْبُع
نَحْوَ منابِع الضَّوْء ، لكِنْ من المُؤسف إن كَمَّ خيرهم ومَساعِيهم
يَظَلُّ ضَئِيلاً قبالَة الكَمّ الهائل من الشُرُور والآثامِ
الإِنْسَانِيَّة ……
”
الإِنْسَان في قِمَّةِ الهَرَم ” بمقاسات بني الإِنْسَان الَّذِي يَجْهَلُ
أَمْرَ مقاسات بني الحَيَوان ولرُبَّما يَضْحَكُ الحَيَوان في سرِّهِ من
أَمْرِ الإِنْسَان ويسْتَعْجِبه ….. ماذا سيكُون مَوْقِف الإِنْسَان لَوْ
أُكتُشِفَ ذات يَوْمٍ كائنات أَرْقَى بكَثِيرٍ من البَشَرِ في كَواكِب
ومَجَرَّات أُخْرَى ، إِذْ من السُّخْفِ والسَّذَاجةِ التَّصَوُّر والجَزْم
إِننّا نَعِيشُ وحِيدين في هذا الكَوْن الواسِع الفَسِيح المُترامِي
الأَطْراف وإن كَوْكَبَ الأَرْض فَقَطْ فيه أَشْكال الحَياةِ المُتَنَوِّعة
وإن هذا الكَوْن لا يَحْتَوِي غَيْرنا …..
”
الإِنْسَان في قِمَّةِ الهَرَم ” تَصَدَّعَت عُقولنا وكُلّ حَواسّنا مذْ
كُنّا صِغاراً بهذهِ المَعْلُومة الوَهْم ، تَعَلَّمناها في المَدْرَسَةِ ،
سَرَتْ إِلينا عِبْرَ الأَحادِيث ، ووَزَّعناها عِبْرَ أَحادِيثنا ،
وتَناقلناها ، وطَبَعَتها لنا الأَديان بخَتْمِ التَّأْكِيدِ ، أَبداً لم
نَتوَقَّفْ لَحْظة لنَسْأَل عن مَدَى الحَقِيقَةِ فيها ……
فليَنْزِل الإِنْسَان عن
قِمَّةِ هَرَمٍ اعْتَلاه عَنْوَةً واحْتِيالاً ، وإن أرادَ أن يَعْتَلِيهِ
عن جَدارَةٍ فليَسْتَوْعِب ويسْتَشْعِر مُفْردات هذا الكَوْن وهذا
الكَوْكَب ، ويَتَّخِذ لهُ من التَّواضُعِ مَسْلَكاً …….
التَّواضُع هو الطَّرِيق إلى المَعْرِفَة ……..
بقلم شذى توما مرقوس
الثلاثاء 9 ـ 9 ـ 2008 ــ الجمعة 10 ــ 4 ـ 2009