بقلم ســامي بلّـو
الانفصاليون الكلدان … البطريرك الكلداني… ومخاض الزمن القادم
19 / 10 / 2009
http://nala4u.com
بعد ان سبتنا قرون عديدة ونسينا حتى من نكون وبعد ان استجدت لنا كنيستنا اسم العروبة لننضوي تحته لسنين طويلة , صحونا الان من نومنا العميق لنزرع الفرقة والشقاق بين ابناء امتنا ، ان تقسيم الامة الذي يدعو له البعض من اتباع الكنيسة الكلدانية ، وانضمام البطريرك اليهم مؤخرا ، هو دعوة للقضاء على ما تبقى لابناء هذه الامة الصغيرة من امال واحلام مشروعة في لملمة شتات طوائفها الكثيرة ، ووضع حد لهذا التشرذم الذي يشجعه الانفصاليون الذين يخدمون مصالح الغرباء ، ولكن هيهات ان يتحقق لهم هذا ، فبالاضافة الى ابتعاد الكنيسة الكلدانية كليا من قضايا الامة لقرون, ومن تشجيع اتباعها في الماضي من التسجيل في التعدادات السكانية التي جرت في العراق تحت حقل القومية العربية ، نراها تصحى الان من هذا السبات لتنشر على يد بعض من رجال الدين الفرقة بين ابناء امتنا. ونرى بان هذا البعض من رجال الدين الكلدان يريدون ان يعيدون عجلة التاريخ الى الوراء, ليعيدوا الى الاذهان مشاهد الكوارث التي حلت بامتنا في الربع الاول من القرن الماضي بسبب استبداد رجال الدين في حينه في القضايا المصيرية لامتنا, وقيامهم بالتاثير على جماهير الامة العميقي الايمان بكنيستهم ، ومن منا لم يقرأ ولم يسمع بالنداءات التي وجهتها القيادة العسكرية والسياسية زمنئذ , والتماساتهم الى رئاسة الكنيسة لفسح المجال امام القيادة العسكرية والسياسية لقيادة الامة, وان تتفرغ الرئاسة الكنسية للشؤن الروحانية والدينية ، وتكون مصدر عون وبركة لانقاذ هذا الشعب من محنته . فبالاضافة الى عدم الاستجابة لتلك النداءات, والتي لو تمت, لربما كانت قد تغيرت معطيات التاريخ, ولم تصل امتنا الى ما وصلت اليه من الاحوال المأساوية المعروف للجميع , لابل ذهبت رئاسة الكنيسة الى تحريض الشعب على الجنرال اغا بطرس القائد الاعلى لقواتنا القومية في حينه, وبدأت الرئاسة الكنسية بزرع بذور الفتنة الطائفية بين ابناء امتنا, وتحريض عامة الناس على هذا القائد المغوار ، الذي كان قد اعاد الاعتبار لامتنا ، بعد الاحباط ، اثر اغتيال البطريرك مار شمعون بنيامين ، مستغلة بذلك النعرة الطائفية ، كون اغا بطرس كاثوليكيا ومن اتباع الكنيسة الكلدانية , ومن اجل احتفاظ واستفراد الكنيسة في قيادة هذه الامة بدون منافسة من العلمانيين. ما اشبه اليوم بالبارحة ، بالرغم من تغير الممثلين الا ان السناريو هو نفسه ويقوم باداء الادوار بعض رجال الكنيسة الكلدانية ، بعد ان لاحظوا بان ابناء الكنيسة الكلدانية قد شقوا شرنقتهم وطاروا عاليا في سماء امتهم ، ولازال هذا البعض من رجال الكنيسة ، ونقول البعض لانهم فعلا قلة قليلة من الذين يعيشون في عقول القرون الماضية ، ولا يمكنهم الاعتراف بمتغيرات الزمن ، اما الاكثرية فنعرف عنهم حرصهم الشديد على وحدة امتنا ، ونقرأ كتاباتهم ونسمع اراؤهم هنا وهناك ، وللامانة والحقيقة والتاريخ نقول بان رئيس الكنيسة الكلدانية مار روفائيل بيداويد هو البطريرك الذي ليس فقط لم يستغل منصبه وكرسيه المقدس لزرع الفتنة بين ابناء هذه الامة ، لابل كان يؤمن ايمانا مطلقا بوحدة الامة ، وكانت مواقفه ايجابية ويشهد لها من ناحية وحدة امتنا قوميا وكنسيا ، ويبدو ان روما لم تكن تريد لتلك المحاولات ان تتمادى اكثر بدون ان تكون النتيجة في النهاية صهر الجزء المتبقي من كنيسة المشرق في بوتقة روما ، لذلك اجهضت عملية وحدة كنيسة المشرق ولا احد من اتباع هذه الكنيسة يعلم الاسباب التي ادت الى ذلك ، وبعيدا عن وحدة الكنيسة فان مار روفائيل بيداويذ اصر على وحدة هذه الامة حتى اخر يوم من حياته ، ولم تسنح له فرصة إلا وأكد فيها على هذه الوحدة . وكم كان غبطته واضحا وصريحا في المقابلات الاعلامية في اصراره على هذه الوحدة مهما اختلفت التسميات ، وعلى الرغم من ان تصريحاته هذه كانت تغيض هذا البعض من الكلدان الذين نسمعهم اليوم ينثرون بذور الشقاق بين ابناء هذه الامة . ولا نعلم لمصلحة من يفعلون هذا ؟ . إلا ان شجاعة البطريرك مار روفائيل بيداويد وثباته على المبادئ وايمانه العميق بوحدة امتنا لم يكن ليتزعزع باراء هذه القلة القليلة التي لاتمثل الرأي العام لابناء الكنيسة الكلدانية .
ولو نظرنا الى الموضوع من الناحية الدينية ، اليس هذا ما تدعو اليه المبادئ المسيحية من تسامح ومحبة وتعاون مع بني البشر ، فما بالنا لو كان هؤلاء البشر ابناء امتنا ، اليست المسيحية الان في العراق على كف عفريت التطرف الاسلامي ، اليس هذا سببا مهما ايضا يدعونا الى التكاتف ، لو كنا فعلا مخلصين لمسيحيتنا كحد ادنى . ولو استثنينا الفوائد التي سيجنيها اهلنا من هذه الوحدة ، هل يتفضل احدهم ويفيدنا بالاضرار التي ستلحق بنا لو توحدنا ، فاين يقف بطريرك الكلدان من هذه المبادئ المسيحية التي ذكرناه ؟ (لانه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم …. متى 20 ،18) .
ان معركة التسمية قد اختلقها الانفصاليون ومعهم الذين لا يريدون الخير لهذه الامة واخرون من ذوي النظرة الضيقة ، لان التسمية في الوقت الراهن لانعتقد بانها تمثل المحور الرئيسي في مطالبتنا في تثبيت حقوقنا في الدستور الجديد للعراق ، وقد اكد الجميع بان موضوع التسمية يمكن حله بعد ان نكون ضمنا حقوقنا . وقد قلنا سابقا ونكرره هنا بان تقسيم الامة تحت ذريعة التسميات هو خيانة .
لماذا لا نراجع انفسنا نحن الكلدان, ونسأل , مالذي قدمناه لامتنا ؟ . واين كنا عندما كان غيرنا من الابناء البررة لهذه الامة يضحون بالغالي والنفيس في سبيلها ، من اجل الاقرار بحقوقنا القومية في بلد ابائنا ، وعدم تهميشنا كشعب اصيل عندما تحين الفرصة, ومن يستطيع ان ينكر المكاسب التي حققها هؤلاء الابطال من خلال تنظيماتهم السياسة والاجتماعية المختلفة والتي تضم جميع طوائف امتنا من الكلدان والسريان والاثوريين ، تلك المكاسب التي تمثلت في تمثيلنا في حكومة الكردية في شمال العراق ، والاقرار بوجودنا القومي على تراب الوطن ، وتجربة التعليم رسميا بلغتنا الام التي حققت نجاحها ، في الوقت الذي رذلها بعض الكلدان ولازالوا ، لابل دعوا وعملوا بكل جهدهم لافشال التجربة , وما نذهب اليه من موقف هذا البعض من الكلدان بشأن التعليم بلغتنا القومية ، مثبت بوثائق ، حتى ان سنهادس الكنيسة الكلدانية المنعقد في روما اواخر تشرين الثاني2001, تنكر لهذه التجربة ، وجاء رد اباء الكنيسة الكلدانية سلبيا على الرسالة التي وجهتها لهم نخبة مثقفة من ابناء الكنيسة الكلدانية ، والتي طالبوا بها من اباء الكنيسة باصدار قرار رسمي ، واضحا وصريحا ، يقر باهمية التعليم بلغتنا القومية ، هكذا خابت امال هذه النخبة الطيبة والمخلصة من ابناء امتنا ، ولا نعلم ان كان هذا هو رأي الاغلبية من اباء الكنيسة ام كان رأيا فرض على المجلس كما يحدث الان ، حيث خيب البطريرك اليوم امل الغالبية العظمى من ابناء الكنيسة الكلدانية باصطفافه مع الانفصاليين ، وباعتقادنا ان دعوة البطريرك الى الانسلاخ من جسد الامة سوف يكون صداه دعوة ابناء الكنيسة الكلدانية المؤمنين بوحدة الامة بكثرتهم الى الانفصال من سلطة البطريرك ، ولا نعلم ان كان البطريرك قد قدر بصورة دقيقة خطورة النتائج التي سوف تتمخض عن قراره هذا .
يحزّ في انفسنا ويعترينا شعور من المرارة نحن ابناء الكنيسة الكلدانية المؤمنون بوحدة امتنا ، من قلة الوعي القومي بسبب اللامبالات والاهمال التي تلقاه القضية القومية من لدن كنيستنا , ولدى استعراضنا ما قدمته الكنيسة الكلدانية لخدمة القضية القومية , وخاصة خلال القرنين المنصرمين, تلك الفترة التي نما فيها الشعور القومي لدى شعوب المنطقة , نرى بان ما قدمه الكلدان مخجل ومجحف بحق امتنا ، لابل كنا دائما بعيدين عن محور القضية ، ولكي لا نجانب الحقيقة نقول بانه برز بين الكلدان اشخاص سَـنَت عقولهم وتشبعت ارواحهم بالشعور القومي , ولكنهم لقوا ردود فعل سلبية من قبل الكنيسة ، فكان مصيرهم اما الضياع , او اتهامهم بالجنون , ولسنا هنا بحاجة الى ذكر اسماء محددة . انه حقا لشئ مؤسف ! .
إن الغالبية العظمى من الكلدان, وحتى يومنا هذا, لايستطيعون ان يميّزوا بين انتمائهم القومي والديني ، فعند الفرد الكلداني يستوي ابن تياري , وعينكاوا, وبغديدا , وارادن, مع الفرنسي, والانكليزي, فكلهم في تصوره هم ” سورايي” . ان من بقي محتفظا بشعوره القومي من اتباع الكنيسة الكلدانية, هم قلة من العوائل التي اهتمت بزرع بذور التربية القومية بين ابنائها, وعلمتهم بان السريان والاثوريين هم اخوة لهم في الامة, وان اختلاف انتماؤهم الكنسي, لايغير شيئا من هذه الاخوّة. ولهذا بقي الشعور بالانتماء القومي يجري في دمائهم, ووديعة حافظوا عليها وسلموها لابنائهم, وبقي هذا الشعور بالانتماء القومي, كالجمر تحت رماد الزمن, ما ان هبت رياح النهضة, حتى ازالت الرماد, وبدى وهج الجمر, ساطعا وجليا.ً هؤلاء الاخيار كانوا يترددون من الاجهار بهذا الشعور, خوفا من ان يفسر بالتمرد, ومحاولة الانشقاق من الكنيسة الكاثوليكية, والعودة الى النسطورية , التي صورتها الكنيسة, ولاجيال طويلة, بانها زندقة وانحراف عن ايمانها القويم ، وليس خافيا على احد ، ما كان ينتظر المتمرد من عواقب وخيمة , يوم كانت الكنيسة متسلطة على رقاب اتباعها. واليوم هو غير البارحة .
الجميع يتوقعون وينتظرون من البطريرك ان يصحح المسار الذي سلكه مؤخرا ، ويعيد الامور الى نصابها كما كانت في السابق والعودة الى تبني الوحدة القومية كما عرفناه عنه قبل سفره الى امريكا ووقوعه تحت تاثير قادة الانفصاليين الكلدان ، في الوقت الذي لا نستغرب استعمال كافة الاساليب غير اللائقة من قبل الانفصاليين للتأثير على القرار البطريركي ، والتي لا يخلوا منها تايخ هذه الكنيسة ، في ذات الوقت ندعوا البطريرك الى اعادة النظر في تقييم النتائج وعدم الاستهان بثقل الاغلبية من ابناء الكنيسة الكلدانية ، وقد يأتي وقت لا يفيد فيه النوح والندم ، وكفانا تشتتا .
ســامي بلّـو