لا بيت .. لا وطن

بقلم نشوان جورج
Nashwan.george@yahoo.com
لا بيت .. لا وطن

21 / 10 / 2008
http://nala4u.com

عندما تسأل احد الاصدقاء او الاقرباء الذين ينوون الهجرة وترك البلاد عن سبب تفكيره بالهجرة سيقول لك إن هذه البلاد ليست لنا، وإن كان احدهم موظفاً خدم في دوائر الدولة سيقول انا خدمتُ الدولة والوطن ثلاثون عاما ولم أملك قطعة ارض صغيرة او مسكناً صغيراً لأحتمي تحت سقفه مع عائلتي، كيف يكون وطني وانا ليس لي شيء فيه. وعندما تسأل احدهم ممن هاجروا منذ عدة سنوات الى بلاد المهجر لماذا لا تعود الى الوطن؟ سيقول لك هل يوفرون لي بيتا لأعيش فيه كيف يمكنني العودة وانا هنا املك بيتا وعملاً؟، هل سيوفرون لي بيتا على الاقل لأعود مثلما توفر لي هنا وبكل سهولة عندما هاجرت؟.
يقف المرء حائرا امام الحالتين فالأثنين على حق ولا تستطيع اقناعهم بشيء حيث اننا في العراق منذ ان يبدأ الشاب العراقي بدخول معترك الحياة يكون هاجسه وهمه الاول توفير المسكن ومن ثم السيارة ويسعى طوال حياته من اجل هذا المبتغى وفي النهاية لا يملك حتى شقة صغيرة، بينما هذا الامر في دول عديدة من ابسط الامور وخاصة تلك الدول التي توازي العراق في امكاناته وقدراته وموارده الطبيعية.
ترى ما هو السبب؟!
اولا/ المشكلة في الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة فلم نشهد حكومة استطاعت ان تقدم خدمة للمواطن العراقي.
ثانيا/ اغلب الدول التي تهتم بمواطنيها تتبع نظاماً للتأمين الاجتماعي تقدم من خلاله خدماتها لمواطنيها بحيث لا يحير الشاب او اي مواطن بسيط بالمسكن لان ذلك مأمون له من خلال النظام الاجتماعي المتبع في دولته.
في استراليا وخلال عامي 2002 _ 2003 قدمت إدارة خدمات العائلة والمجتمع التابعة للحكومة المركزية في استراليا حوالي 2.5 مليار دولار استرالي الى حكومات الولايات والمقاطعات ومنظمات المجتمع لتوفير وإدارة خدمات مثل الإسكان العام والرعاية والدعم والتوظيف للأفراد المعاقين ولرعاية الطفولة ولتحسين العلاقات الاسرية ومعالجة مشكلة التشرد وعدم وجود مسكن. وفي الايام القليلة الماضية خلال الازمة المالية التي ضربت العديد من الدول ومن ضمنها استراليا التي شهدت ارتفاعا كبيرا في اسواقها بلغ ستة بالمئة بزيادة واحد بالمئة عن سوق هونغ كونغ، اعلن رئيس الوزراء الاسترالي ان بلاده ستخص مبلغ 7.4 مليار دولار امريكي لتعزيز اقتصاد البلاد، وقال إن المبالغ المالية ستنفق على مدى العامين المقبلين لزيادة الرواتب والضمان الاجتماعي للأسر وزيادة المنح للساعين لشراء اول مسكن لهم ولمشاريع البنية التحتية ايضاً.
اما نحن في العراق فإننا وبحسب التقرير الاقتصادي العربي لعام 2008 الصادر في بيروت مؤخراً فإن بلادنا تمتلك مخزوناً من النفط والغاز يوازي في مجموعه اكثر البلدان غنى بالنفط في العالم والمواطن العراقي ينتظر مساعدة مالية او إعانة من دول هي اقل اموالا من بلدنا العراق!!
في التاسع من آب الماضي وفي حديث للمرشح الديمقراطي باراك اوباما قال: “إن الولايات المتحدة تواجه عجزا ماليا هائلا بينما لدى العراق فائض في ميزانيته (79) مليار دولار”. وفي بلدنا اصحاب الشهادات العليا يعملون في الكازينوهات والمطاعم يقدمون الطعام والمشروبات وفي احسن الاحيان يجلسون في بيوتهم بدون اي عمل.
لماذا؟ ما هو السبب؟، أليس من حق المواطن العراقي ان يفكر في هجرة بلده؟ أليس من حقه ان يقول بأن هذا ليس بلدي؟. إن لم يدفع الوطن من اموال شعبه حفاظاً على حياة وكرامة ابنائه فمتى تصرف هذه الاموال واين؟!
حكومتنا تدعو الى عدم الهجرة وتلوم من يهاجر وهي لا تهتم بأقل شأن من شؤنهم، كيف سيستجيب المواطن الى دعوتها وهي لا توفر له ابسط سبل العيش الكريم؟
كان الامام علي بن ابي طالب يزور بيت المال بين الفينة والأخرى فيحسب المال حساباً دقيقاً بمساعدة خزان المال ومن ثم يأمر بتوزيعه على المسلمين والمسلمات فرداً فرداً، وعلى اهل الذمة من غير المسلمين بأعتبارهم مواطنين في الدولة الاسلامية. كل مواطن ثلاثة دنانير، وبعد ان ينتهي من توزيع المال يكنس المكان كي يطمئن من عدم بقاء درهم ولا دينار في بيت المال، ثم يأخذ نصيبه مثل باقي افراد الدولة بدون زيادة او نقصان. والطريف انه في احد الايام وبعد ان انتهى الامام علي من توزيع الأموال اخذ حصته وهي ثلاثة دنانير، وجاء اعرابي لم يحضر وقت التقسيم فاخذ يصيح متذمراً وشاكياً، فقام الامام علي بتقديم حصته الى هذا الأعرابي ومضى لحال سبيله.
حبذا لو تقتدي حكوماتنا بهذا الامام العادل ويكون همها شعبها قبل نفسها ليبقى الشعب في بلده معززا مكرما وكي يغدو العراق نموذجا ديمقراطيا يحتذى به.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.