مُنحنية

شذى توما مرقوس
مُنحنية

15 / 05 / 2008
http://nala4u.com

لماذا أنتِ مُنحنية يانفسي
ولماذا تئنين فيّ ؟       
أرتجي الله لأنّي بعد أحمُده
لأجلِ خلاصِ وجهه     
                    مزمور 42 :5

وانْحَنيتِ كثيراً
حتى الوجعِ
فيّ
تئنين …… تصرُخين
فلماذا أنتِ مُنحنية ؟
فاتكِ إِله ايوب
” يداك جبلتاني وصورتاني ….. آوَ الآن تمحقُني “
واحْتَذَاكِ إِله ايليا 
” يكفي هذا ياربّ ….. خُذْ نفسي ”
واقْتَنَى الصمت إِله ارميا 
” لقد خدعتني أيّها الربُ …… فأنخدعت ”
وها أنتِ من بدءِ تكويني في المَجَرّة
مُذْ ولدني الكون كوكباً
مُذْ سُمِّيتُ  ” الأرض “
خيباتي تتوالى
ومع كُلِ خيبة
وفي كُل عصرٍ ….. وكل زمان
وككُلِ مرة
تئنين …… تنحنين
فيّ
ماعاد  جوفي يتسِعُ لنزيفكِ
وفي  رحمي
أوطانٌ لا تلبثُ أن تُجهَضَ أو تضيع
وكأنّ الجراح لأجلكِ
خطت فوقي خارطتها
وأجازت البُكاء على أَبوابِ المدى
كُلُ تضاريسي مؤلمة ….. حدّ الفجيعة
قتلٌ وحروبٌ ودمار
ظلمٌ وجوعٌ وقهرٌ
أَمْراضٌ وانْحِلال
قنت أرصفتي وساحاتي 
في أَحْضاني يُذبحُ الأَبْرِياء
ويُمنعُ عن المعلولِ قرص الشفاء
كم تمنّى الشفاء !!!
ولُقمةُ الجائعين مصادرة ومسروقة
ما ذنبُ الراعي ….. ما ذنبُ الشاة !
والأماني بسيطة
أَمانٌ ولُقمةُ عيشٍ وسلام
وموتٌ عزيزٌ بلا ذُلٍّ …. بلا انكِسار
فلماذا لاتُطال ؟ !!
” ان شِئتَ ياربُّ ……. تقدِر “
أَلا تشاء ؟!
عتبتك برجاءِ المُعذَّبين فيك مفروشة
ومن الُصراعِ مع الموتِ
استُنبِطت الآمال بالخلودِ والبقاء
وفوق رصيف الانتِظار
بذرَ البُسطاءُ  آمالهم
أ لّلاجدوى كُل هذا ؟!!!
من هضمِ الظُلم تقرحت معِدتي
وعواصِفُ الدمارِ والخرابِ
أَتْلَفت رئتيّ  وخنقت قصبتي
والحروبُ كوت جوفي
وشلت كتفي
فإِلى فناءٍ ابعثْ بي
” يكفي هذا ياربّ …. خُذْ نفسي ”
آهٍ  يا ….. نفسي
انْحَنيتِ كثيراً فيّ 
فلماذا أنتِ مُنحنية ؟
طردكِ إِله ايوب
وخذلكِ إِله ايليا                                     
ما أَنصَفكِ إِله ارميا  ……. ؟ !                   
حتى انْحَنيتِ كثيراً فيّ
كوجعِ الفُقراء
وآلام المرضى
وأمنيات المحرومين
وشوق الضائعين للقاء
انْحَنيتِ كثيراً فيّ
كشقاءِ الإِنسان
واحتِجاج الطبيعة
والتجني على الحيوان
انْحَنيتِ كثيراً فيّ
كــ ….. عراق
كــ ….. لُبنان
ونعيقُ المآسي في شَتَّى البُلدان
شوَّهت الحروب ملامحي وكياني
وأَحرقت جوفي بأَتُونِ النار
” يا نفسي أرتجي الله لأنّي بعد أحمدهُ ”
قد ينظُرني …… سينظُرني
أماً …. وأباً ….. وأبْناء
شيخاً ….. وطفلاً ….. ونساء
رجُلاً ….. وعجوزاً ….. وأَبْرِياء
طبيعةً ….. وحيواناً …… وكائِنات
مُمزقةٌ أنا
مطعونةٌ أنا
مُثخنةٌ بالجراح
فيا إِله ايوب ….. انهضْ
ففوق تُرابي
دمٌ غزيرٌ بأسمِك يُسال
وبأسمِك يُظلمُ ويُذبحُ الأَبْرِياء
يا إِله ايليا ….. انهضْ
المرضى يموتون برُعبِ الانتِظار
يا إِله ارميا ….. تَبيَّن
إِنّك مجانيناً خلقت
بجُبتك اعْتَمروا
وسفكوا الدماء والديار خربوا
ثُمّ بإِرادتِك حلفوا
لا تصمت واجِرني
أَنْهَكني جورهم وجنونهم
صار السلامُ مُحالاً
وكُل شيء غُلِف بأسمِ الله
وخُتِم بأسمِ الله
ومباحٌ بأسمِ الله
حولوا أسمك ماركةً تجارية
لتسويقِ الظُلمِ والعُنفِ والقتلِ والحروب
وكُل البشاعات
مجنونٌ هو الإِنسان
مجنونٌ هو هذا الذي خلقت
من بين الكائنات
مجنونٌ هذا الإِنسان
أَلا من نجاة
وبك الرجاء
2000 ــ 2008

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المُتعلقات :                                                                     
( 1 )   قنت : احمرّت ــ أصطبغت باللون الأحمر القاني { هنا في هذا النص دلالة على أن الساحات والأرصفة تلونت بالدماء في أشارة الى القتل والحرب والظلم . }                                                 
( 2 ) أختبر النبي أيليا الألم في نحو سنة 850 وذلك في أصقاع شبه جزيزة سيناء بينما كان هارباً من غضب ايزابيل   ” والتمس لنفسهِ الموت وقال : حسبي الآن ياربّ فخُذْ نفسي فأنّي لستُ خيراً من آبائي. ”
3 ملوك : 19 / 4
( 3 )  دعا الرب النبي ارميا فقبل دعوته ولكنّ النبي بعد حين يمعنُّ الفكر فيما حدث لهُ فيظهر وكأنّ الله قد ” خدعهُ ” وقادهُ قسراً :           
” قد خدعتني أيّها الرب فأنخدعت                                     
ألححتَ عليّ فغلبت                                                     
فقلتُ لا أذكره ولا أتكلم بأسمهِ من بعد ،                           
ولكنّهُ كان في قلبي كنار مُحرِقة قد حبست في عظامي           
فجهدني إمساكه ولم أقوَ على ذلك ”                                 
ارميا 20 / 7 ــ 9
( 4 ) ناجى أيوب البار ربّهُ : ــ                                                   
” يداكَ جبلتاني وصورتاني بجملتي أجمع ، آوَ الآن تمحقُني !     
أُذكُرْ إِنّك قد صورتني مثل الطين ، أفتُعيدني الى التُراب ”       
ايوب 10 / 8 ــ 9

المُلاحظات ( 2 ) ( 3 ) ( 4 ) مُستقاة عن كتاب ( في يد الله ) تأليف الأب شاليكس وترجمة الأب البير أبونا .     

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, ثقافة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.