بقلم شذى توما مرقوس
من قلب الأنسان ……
09/ 02 / 2008
http://nala4u.com
……. ”
لأن من قلب الأنسان تخرجُ الأفكار الشريرة …. قتل ، زنى ، فسق ، سرقة ،
شهادة زور ، تجديف . هذهِ هي التي تُنجسُ الأنسان وأما الأكل بأيدٍ غير
مغسولة فلا يُنجِسُّ الأنسان. متى 15 : 19 “[/color]بهذهِ العبارة فسرّ السيد المسيح لتلاميذهِ ما يُنجِسُّ دواخل الأنسان
……
وفي دواخلِ كُلٍ منّا تعتملُ الكثير من المشاعر الأنسانية الجميلة
والكريهة في آنٍ معاً ……. الحُب ، الخير ، الأمل ، الرجاء
العطف ، الرغبة في خدمة الأخرين ومساعدتهم ، التسامُح ،التّفهُم
مُحاذاةً
مع الكره ، الحقد ، الغيرة ، الحسد ، النميمة ، الكبرياء ، التكبُر ،
الغرور، الأنتقام ، أحتقار الأخرين ……الخ الآف المشاعر
الصالحة والشريرة …..فلماذا كُل هذهِ المشاعر التي تُخالجُنا ؟ …
قد يكون الجواب لأننّا بشر مجبولين على الخير والشر .
هل
من المُشين أن نشعُر بكل هذهِ الأحاسيس الكريهة معاً أو بواحدة منها ؟ هل
من الفخر أن تعترينا كل المشاعر الجميلة أو واحدةً منها ؟ …… هذهِ
المشاعر أياً كانت تحدُثُ بنسبٍ متفاوتة
من العمق الى السطحية …. الحميدة منها والكريهة أو الشريرة
……..المشاعر
الشريرة تكون كريهة ذلك لأنّها تُعطي للأنسان الوجه المُزعج كما تجعلُ
حياتهُ صعبة ومُرّة أن لم تغدو عذاباً متواصلاً ومتراكماً …….
هل تمنحُنا مشاعِرُنا الجميلة الصالحة الوجه الجميل المُشرق ؟
هل تجعلُ حياتنا سعادةً متواصلة ؟ هل كل شئ في حياتنا سيكون
على
مايُرام ويجري كما يستحِقُ أي أنسانٍ صالح وطيب النِعمَ كُلّها؟ أن كانت
الأجابة بنعم فبالتأكيد هي كذِبٌ دامغ ….. وأن قُلنا كلا فذلك ليس كُل
الحقيقة …… الأمرُ الوحيد المؤكد هو أن الأنسان الصالح الطيب خازِنُ
الخير في ذاتهِ بأستطاعتهِ أن يكون مُتصالحاً مع نفسهِ في سلامٍ يُبارِكهُ
الرب رغم أن الصعوبات في حياتهِ كل يوم لا تكادُ تنتهي لتبدأ من جديد
…… أنّها حياة صعبة لكنّ سلام النفس والطُمأنينة الى الرب مع الذات هو
ديدنها فيكون مُمكِناً لهذا الشخص التواصل مع الآخرين مُتفهِماً لهم
مُتسامِحاً معهم مُبتعِداً عن أطلاق الأحكام العشوائية القاسية بحقِهم غير
مُخول نفسهُ حق دينونة الآخرين عالِماً إِنّهُ غير مؤهل لذلك …….
ولقد
أخترتُ هنا الحديث عن الغيرة والحسد بأعتبارهما عاملين واضحين في التأثير
على علاقاتنا مع الأخرين وقد نستطيعُ التحدث عنهُما بصيغة المُفرد لأنّهما
يملُكانِ الجذع ذاتهُ ويسيرانِ متلازمين بالقدمين ذاتهُما …… فالغيرة
والحسد مردّهُما أحتقار الأخرين وناتجٌ عن التكبر المولود من الغرور الدفين
في الطبيعة البشرية وبهذا يكونُ المُحتقرين في نظر الأخرين غيرمؤهلين أو
مستحقين لتلك المزايا التي يتمتعون بها والتي تُثيرُ غيرة وحسد الأخرين
……. الحسد والغيرة هذهِ الشرارة الحساسة عند الحديثِ عنها يُبرأُ
الجميع أنفُسهم منها ويلقي الرجال بالتُهمة على النساء وهلُمّ جرّاً …..
أننّا أمام مشكلة أجتماعية تعيثُ دماراً في علاقاتنا مع الأخرين ……
فلننتبه !! …… ولو بقي الأنسان أسير غيرتهِ وحسدهِ لخسِر هؤلاءِ
الأخرين واحِداً تلو الأخر وبقي في نهايةِ المطاف وحيداً لاأحد حولهُ . لقد
عانى جميعنا من ويلاتِ هذهِ الحياة ما يكفي ….. بدءاً بالأحزان ومروراً
بالحروب ، الدمار ، المرض ، الفُراق ، وانتهاءاً بالموت فلماذا نعمل على
زيادة الآمنا الآماً أُخرى ونُحمِلُّ أنفُسنا عذاباً في حين لدينا الخيار
لنعيش في سلام مع ذواتنا ونتصالح مع أنفُسنا ويدُّ الرب تدُلنّا وتُرشِدنا
…..
ولو سألنا أنفُسنا لماذا علاقاتنا الأجتماعية هي في أندحار متزايد
وألقينا نظرة مُتروية على ما يجري لوجدنا ذيلاً طويلاً من الغيرة والحسد
ينبعُ من دواخلنا ليمتدُ خلفنا الى مالانهاية . لاعيب من الأعتراف بذلك
وليس مُشيناً أن نشعُر بذلك فالأنسان كائنٌ حي تقذفُ بهِ دوافع الخير الى
المرمى لتتسلمهُ دوافعُ الشر فترمي بهِ الى المنحى الآخر والعكس ….. لكنّ
الله حبا الأنسان بالأرادة تلك التي تُقرِرُ العتبة التي يقفُ عليها
الأنسان وفي الكتاب المُقدس ــ الجامعة 4/ 4 نقرأ : ــ ” ورأيتُ أن كل التعب وكل نجاح العمل أنّما هو حسدُ الأنسان لقريبهِ …… هذا أيضاً باطِلٌ وسعيٌ وراء الريح ”
……. فأن باغتكَ شعور الغيرة والحسد فلاتستسلم لهُ بلْ قِفْ وجهاً
لوجه معهُ بشجاعة دون خوفٍ ووجل ودونما خجل وتأمل ماأنت فيهِ ….. كُنْ
شُجاعاً وأعترف لنفسِك بأنّ مايعتريك أنّما هو شعورٌ بالغيرة والحسد من
الآخر ولاتُحاول أن تُعطي لمشاعِرك هذهِ أسماء أُخرى فتسميةُ الأشياء
بأسمائِها الصحيحة مهمٌ جداً وضروري ويحميك من خداعِ نفسك فتكسبُ الفُرصة
لفهم نفسِك وذاتك أكثر …. سميّ المشاعر بأسمائها دون مراوغة ….. كُنْ
صريحاً مع نفسِك وذاتِك وهذهِ شجاعةٌ تخولُك الحق لأمتلاك خطوة أكيدة
وناجحة نحو الحل والأنتصار على عوامل الشر داخل ذاتك….. ساعدْ نفسك أكثر
بمنحِها فرصة للهدوء والسكينة ودعْ الرب يمسِكُ يدك ….. لاترد يدهُ
الممدودة نحوك في صلاةٍ عميقة اليهِ كما التأمُل في الكتاب المقدس ……
أن النوم لبعض الوقت يمنحُك فرصةٍ أضافية للأسترخاء والراحة والقُدرة على
المواجهة ……. تأملْ كُل النِعم التي وهبك الرب أياها وكل المزايا التي
خصّكَ بها دون غيرك …… فميزةُ الشخص الآخر والتي أثارت حسدك وغيرتك
تقعُ قبالتها ميزةً أُخرى فيك هي لك وليست لذلك الآخر ….. وهذا التأمُل
يمنحُك الفُرصة لتغيير مسار الحدث في موقِفِك فبدلاً من أن تزدادُ غيرتك
ويكبرُ حسدك تنحسِرُ مساحتهماويتراجعان ليحُلَّ محلهما الشعور بالأعجاب
والتقدير لميزة ذلك الشخص ثُم الأجتهاد لأكتساب هذهِ الميزة أو على الأقل
تقديرها وفهمها والأستفادة منها وتدريب النفس على تحويل الذات نحو الأحسن
والأفضل من المزايا والصفات ….. هكذا نبني أنفُسنا وذواتنا الى طريق
الفرح وكُلّما أنحسرت مساحةُ الحقد والغيرة فرشت المحبة أجنحتها الجميلة
وظلالها الرائعة ….. فأنظروا كم هي رائعةٌ المحبة …… تأمُلنا لمحاسنِ
ذواتنا وعيوبها وفهمها وتقديرها تقديراً صحيحاً يجعلُ تفكيرنا أنضج
وحُكمنا على الأمورِ أدق وأصح وتعامُلنا مع المشاكل الحياتية اليومية أفضل
فنُصبِحُ بذلك المُسيطرين على مشاعٍرنا والمُسيّرين لها وليس العكس …..
من المهم والضروري أن نعرِف أن شعور الغيرة والحسد ليس مُوجهاً لصاحب
الميزة ( وأن بدا الأمرُ كذلك ) بلْ موجهاً للمِيزةِ ذاتِها …… أن
الغيرة والحسد هي بعضٌ من صليبنا الذي علينا أن نحمِلهُ فنموتُ عنها
ليُقيمنا المسيح بقلوبٍ نقية مغسولة من الشرور والآثام فنكون مُستحقين
للمسيح الذي فدانا بدمهِ وبذل ذاتهُ عنّا بموتهِ وأقامنا معهُ وآهلنا لنكون
لهُ أخوةً في الرب وكان لنا الخلاص فيهِ وبهِ …… وأخيراً لتنبعث عن
قلوبنا كل الروائح الطيبة للحُب والخير والأيمان والرجاء والمحبة وكل
الفضائلِ
الأُخرى ولنُطلِق من قلوبنا بأتجاه الآخرين وروداً يُنعِشهم شذاها وتقوي أيمانهم فنلتقي مع الأخرين في المسيح مُخلِصنا ….
بقلم شذى توما مرقوس
2003