آشوريو .. مسيحيو المشرق و(الإرساليات التبشيرية الغربية)

بقلم سليمان يوسف
الموضوع; آشوريو .. مسيحيو المشرق و(الإرساليات التبشيرية الغربية)

03 / 12 / 2022
http://nala4u.com

لعب ومازال يلعب الدين دوراً هاماً في حياة معظم شعوب المشرق. وقد اكتشف الغرب( الأوروبي الأمريكي) هذه الخاصية (البسيكولوجية) باكراً ، على أساسها وضع خططه الاستراتيجية حين قرر التوجه الى الشرق والاحتكاك مع شعوبه . فعندما غزا نابليون مصر عام 1798 بدأ بيانه الموجه للشعب المصري بعبارة ” بسم الله الرحمن الرحيم” . الغرب لم يأت الى الشرق غازياً بـ(السلاح والمدافع) فقط ، ولم يكن استعماراً سياسياً فحسب ، إنما استعماراً (ثقافياً وفكرياً ) ايضاً . لأجل نجاح حملته على الشرق ، وظف الغرب مجموعة كبيرة من الباحثين والمستشرقين والعلماء وأرسل الإرساليات التبشيرية الى المنطقة . الحملات التبشيرية الغربية كانت جزء مكمل لـ (الحملات العسكرية) على الشرق وفي خدمة السياسات و الأجندة الاستعمارية للدول الغربية . التنافس بين الإرساليات التبشيرية الغربية كان يعكس (التنافس السياسي) بين الدول الغربية الأوربية التي أوفدتها ، لكسب المسيحيين المشرقيين الى جانبها في حروبها الاستعمارية ، خاصة بريطانيا ، التي أظهرت اهتماماً خاصاً بـ(الآشوريين) . الاهتمام البريطاني كان يخفي خوفاً بريطانياً من التوسع الروسي والفرنسي في المشرق . كتب وزير خارجية بريطانيا ( اللورد راسل) الى السفير البريطاني في طهران ” على الحكومة الفارسية أن تقدر النتائج الخطيرة لاعتناق الآشوريين للمذهب الأرثوذكسي ووضع أنفسهم تحت الحماية الروسية وهذا سيسفر حتماً إلى تدخل روسيا لصالحهم ، وفي حال اعتناقهم المذهب الكاثوليكي ستدخل فرنسا لصالحهم” . لقد أعقبت الإرساليات البابوية الكاثوليكية الى المنطقة، إرساليات الكنيسة البروتستانتية (الأنكليكانية الإنكليزية). العديد من القادة الغربيين اعترفوا بـ(الأهداف السياسية) الخفية للإرساليات التبشيرية الأوربية . فقد كتب القنصل البريطاني في أرضروم ” ينظر الآشوريون بارتياب شديد الى رجال الدين الأجانب و إرسالياتهم كونهم عملاء يسعى هؤلاء لاستغلال صداقتهم لأجل الكسب السياسي. فقد كانت غايتهم الأساسية كسب هذه الطائفة أو تلك من الشعب الآشوري والأرمني ، والتي يعتقد أنها ستضمن لهم تدخلاً عملياً لمصلحتهم عند الحاجة”.
الغرب لم يكن يوماً حامياً لمسيحيي المشرق أو مدافعاً عن المسيحية المشرقية . لو دققنا في نشاط وعمل الإرساليات التبشيرية الغربية منذ انطلاقها في القرن السادس الميلادي، نجد أنها كانت كارثية ووبالاً على مسيحيي المشرق وبشكل أكثر على الآشوريين . (الإرساليات التبشيرية الغربية) ، ومن خلفها الدول التي أرسلتها ، ساهمت في الماضي ومازالت تساهم في تقسيم (الشعب الآشوري) والشعوب المسيحية المشرقية الى مذاهب وطوائف عديدة تابعة لها. تأتي (الكثلكة والبروتستانتية) في مقدمة هذه الكنائس. ضعف الوعي القومي و غياب الأحزاب والتنظيمات الآشورية آنذاك ، سهل عمل ومهمة الإرساليات التبشيرية في خدمة الأهداف الاستعمارية التي جاءت لأجلها . كثيراُ ما كانت الإرساليات التبشيرية الغربية تستغل ضعف الشعب الآشوري وظروفه الصعبة والاعتداءات التي كانت تحصل عليه للتقرب منه وكسبه الى جانبها ، من خلال إعطاء الوعود باسم حكوماتها الغربية بتقديم الدعم والمساندة له . لا بل، المبشرين الغربيين أحياناً كثيرة كانوا يقومون بتأليب وتحريض المسلمين على الآشوريين المسيحيين للضغط عليهم وإجبارهم على اللجوء اليهم والاستنجاد بهم وطلب المساعدة منهم .. جاء في كتاب ( الآشوريون في التاريخ) للمؤرخ (مالك ايشو) ” بعد زيارة د. غرانت للآشوريين في تموز 1841 لإقناعهم بمدى الفائدة التي تؤديها لهم الإرساليات في حال انضمامهم للكنيسة الانكليكانية الانكليزية وعندما لم يبد الآشوريون تحمساً لكلام غرانت قام الأخير بتحريض رجال العشائر الكردية للهجوم على المقر البطريركي وتدميره وقتل من فيه”.
بدورها ، المدارس التي أقامتها البعثات التبشيرية ، ساهمت في تزييف الوعي القومي والوطني لدى الآشوريين والمسيحيين المشرقيين ، الذين تبعوا الكنائس الغربية( الكاثوليكية و البروتستانتية ). ليس من المبالغة القول: أن الإرساليات التبشيرية المسيحية الغربية هي بمثابة ” غزو ثقافي فكري” بموازاة (الغزوات العسكرية) للدول الغربية الاستعمارية . الإرساليات التبشيرية، سلخت من تبع الكنائس الغربية ، من الآشوريين (سرياناً كلداناً) ومن الشعوب الأخرى، عن تاريخها وهويتها وعن ثقافتها الخاصة الأصيلة ونجحت الى حد ما في إبعاد أتباعها الآشوريين والمسيحيين المشرقيين عن قضاياها الأساسية، من خلال تضليلها بقضايا لاهوتية وتلقينها ثقافة غربية غريبة عن ثقافتها وعن تراثها الأصيل . هذا يفسر ضعف الانتماء (القومي والوطني) لدى الآشوريين (سرياناً كلداناً) ولدى المسيحيين المشرقيين عامة ،الذين تخلوا عن كنائسهم المشرقية الأم وتبعوا الكنائس الغربية( الكاثوليكية – البروتستانتية – الإنجيلية) . تغلغل البعثات التبشيرية الغربية في المجتمعات المسيحية المشرقية، دفع بالكثير من المسلمين للقول عن مسيحيي المشرق بأنهم ” بقايا الصليبين ” واتهامهم بـ”مساعدة المستعمرين الأوربيين الغربيين والتعامل معهم”.. طبعاً، هذا تضليل مقصود و متعمد من قبل هؤلاء المسلمين بهدف تشويه صورة مسيحيي المشرق و للتشكيك بولائهم الوطني و للنيل من ( مكانتهم الوطنية) و للتحريض عليهم. بالفعل ،على خلفية هذه التهم ، نفذت المجموعات الإسلامية المتشددة بتواطؤ مفضوح من الحكومات العربية والإسلامية الكثير من الاعتداءات المنظمة و الممنهجة على الآشوريين وعلى مسيحيي المشرق عامة في (بلاد ما بين النهرين وسوريا والأردن ولبنان وتركيا ومصر ودول أخرى )، بعضها يرتقي الى “جرائم ضد الإنسانية”. عقود مضت على رحيل المستعمر الأوربي عن المنطقة وانحسار نشاط الإرساليات التبشيرية الغربية ، لكن التهم التي لصقت بمسيحيي المشرق لم ترفع عنهم ولن ترفع عنهم حتى بقاء آخر مسيحي مشرقي في المنطقة.

********************

https://www.youtube.com/@Nala4uTv

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.