الكنيسة، والأنخراط في الشأن القومي أو السياسي كنيسة المشرق الآشورية نموذجاً (الجزء الثاني)

بقلم سامي هاويل
الموضوع; االكنيسة، والأنخراط في الشأن القومي أو السياسي كنيسة المشرق الآشورية نموذجاً (الجزء الثاني)

30 / 09 / 2021
http://nala4u.com

بعد سقوط كيانه العسكري والسياسي في 612 ق.م، توالت محاولات الشعب الآشوري لأستعادة حريته، وبسط سلطته من جديد، (حران – ܚܪܢ) عاصمة الآشوريين الغربية لم تستطيع الصمود أكثر من ثلاثة سنوات بعد سقوط نينوى، ولكن لم تهدأ رغبة الشعب الآشوري العارمة في أستعادة أمجاده، فبحكم أستمرار وجوده على أرضه،  نقرأ للبروفيسور سيمو باربولا يشير الى ولايتين ذات خصوصية آشورية أسسها الأخمينيين تحت أسم (آثورا – ܐܬܘܪܐ) غرب دجلة وصولا الى بابل، و (مادا – ܡܕܐ) في قلب آشور، حيث يصف المؤرخ الكبير هيرودوتس الأزياء الخاصة بالجنود الآشوريين، الذين أشتركوا في حملة الملك أحشويرش ضد الأغريق سنة 480 ق.م،  ويضيف قائلاً، أن الولايتين في إحدى الفترات وحدتا جهودهما وأعلنتا ثورة ضد الملك داريوس، في محاولة لنيل الحرية والأستقلال. وفي إشارة الى مملكة أُخرى يسترسل قائلاً، بأن ترايانس السلوقي بعد حملته ضد الفرثيين عام 116 ميلادية، أسس مقاطعة أُخرى تحت أسم (آشور – ܐܫܘܪ)، الى الشرق من مقاطعة “سوريا- ܐܣܘܪܝܐ حينها”، ولكي لا نطيل الحديث أكثر، فإننا فقط سنكتفي بالإشارة الى ممالك آشورية أخرى مثل (حدياب – ܚܕܝܒ ) التي كانت عاصمتها مدينة أربيل، وممكلة الأباجرة في (أورهي – ܐܘܪܗܝ ).

ما يبعث على الأستغراب، ويثير التساؤل!، هو الأسباب التي حالت فجأة، لأختفاء آخر هذه الممالك، وتخلي الآشوريين عن طموحهم، وانعدام محاولاتهم المستمرة لنيل حريتهم وتأسيس كيانهم من جديد؟.

 إن أعتماد كبار رجالات كنيسة المشرق منذ نشأتها، على القراءة، والتطبيق الحرفي لأيات الكتاب المقدس، كان السبب الأول، والمؤثر جداً على شخصية الإنسان الآشوري كفرد، وعلى المجتمع الآشوري بشكل عام،  وإن كانوا قد أجتهدوا وأبدعوا في مجال اللاهوت، إلا أنهم وضعوه بالشكل الذي يُسَخّر فيه الإنسان، ويقدم حياته ومستقبله ووجوده، ذبيحة في سبيل أيمانه وتعاليمه الروحية الجديدة (على عكس ما قام به  اليهود، مثلما أستشهدنا في الجزء الأول من المقال بما ذهب إليه الراباي رامي شابيرو)، هكذا وأعتماداً على تناول الآيات بصورتها الحرفية، قاد رجال الدين الى ممارسة دور وعاظ السلاطين، وتوارثوها لتستمر الى يومنا هذا، في الجانب الآخر،  دفع الآشوريين لينبذوا تاريخهم، ويمقتوا أصولهم، وإرثهم، وحضارتهم، وعاداتهم، وينظروا إليها يقرف وأشمئزاز، وما لم يتمكنوا التخلص منه، قولبوه ليتلائم وتعاليم المسيحية، أما الباقي فقد حَرّموه، ووضعوه في مصاف الوثنية، وعبادة الأصنام، ولازالت هذه الظاهرة أيضاً سائدة الى اليوم في الوسط الآشوري، في ظل غياب الوعي القومي، وأمتنعوا حتى عن تسمية أبنائهم على مر الأجيال بأسماء أسلافهم وملوكهم، وأعتمدوا بالدرجة الأولى على أسماء يهودية مستمدة من الكتاب المقدس، وأخرى دخيلة لغرباء تسلطوا عليهم في حقب زمنية مختلفة، إن هذه تعتبر ظاهرة خطيرة جداً، أنعكس مردودها على مستقبل الآشوريين على مر السنين.   

في مستهل حديثنا هنا عن كنيسة المشرق الآشورية،  وفي هذه الأيام التي صادفت رسامة بطريرك جديد لها، أثار قداسته في خطابه عقب رسامته ما يلفت الأنتباه، ويستحق الوقوف عنده، تحديداً، عند إشارته الى مسألة الخضوع للسلطة والقوانين، أعتماداً على ما ورد في رسالة الرسول بولس لأهل رومية ” لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مُرَتَبة من الله ” (رو 1:13)”، حيث أضاف مباشرة إليها قائلاً “وفي نفس الوقت، يجب، أن تكون القوانين عادلة، وإنسانية، لإرساء المساواة، وأحترام الإنسان دون أي تمييز ديني أو قومي”، إن هذه الإضافة المهمة، التي تندرج ضمن التأويل، وقراءة (النار البيضاء)، تاتي في صلب موضوع هذا المقال بجزأيه، هكذا فقد وضع الخطوة الأولى، ليمهد الطريق أمام الأكليروس، لكي يقفوا عندها بروية وأهتمام، حرصاً على أستمرارية الشعب الآشوري، وتمسكه بأصوله وإرثة وإيمانه، ويجعلوا هذا التصريح نقطة أنطلاقة جديدة لهم، فقداسة البطريرك بإضافته النوعية هذه، يرى أن الآية المذكورة التي كانت ملائمة وطيبعة الحياة والظروف في ذلك الزمن، الذي كان الأمبراطور نيرون يهاجم المسيحيين بوحشية، دون أية رحمة، لا تتناسب مع الحاضر بطبيعته، وظروفه الراهنة.

من هذا المنطلق، وحفاضاً على الأجيال القادمة من الضياع، نرى من الأهمية بمكان، وقبل أي شيء آخر، أن تولي الكنيسة أهتماما كبيراً بإعادة تقييم، وقراءة التاريخ الكنسي، والشروع في قراءة الكتاب المقدس بعهديه قراءة موضوعية، والتركيز على المستوى اللاهوتي، التخيلي والمجازي، وتأويل الآيات، وأستخلاص منها ما يخدم الإنسان الآشوري، ويدفعه للتمسك بخصائصه القومية، لأن ضياع خصوصية الإنسان الآشوري، وأنصهار ثقافته وهويته في ثقافات الشعوب الكبيرة في مختلف بلدان المهجر، يعني أنتهاء دور الكنسية كمؤسسة دون أدنى شك. 

ختاماً أعتقد أن إقدام كنيسة المشرق الآشورية على هذه الخطوة هو الأنسب، قبل أن تطأ أقدامها ساحة العمل القومي والسياسي، أما ما ينتظرها من تركة قومية وسياسية هائلة، وما رافق رسامة البطريرك مار آوا الثالث من تصريحات إعلامية ولقاءات ميدانية، فتجنباً للإطالة وخلط الأمور ببعضها، ربما سنضطر لعرضها في مقال منفصل لاحق أذا أقتضت الضرورة.

سامي هاويل
30-9-2021

لمتابعة الجزءالاول; لطفا, انقر على الرابط ادناه

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.