خاطرة ادبية بعنوان (موعدنا بعد منتصف الليل)

بقلم مال اللــه فــرج
faraj@yahoo.comMalalah
الموضوع; خاطرة ادبية بعنوان (موعدنا بعد منتصف الليل)

27 / 08 / 2021
http://nala4u.com

موعـدنا بعــد منتصـف الليـل

………………………

علـى الرغــم مـن اننـا الاقـرب الى بعضنا مـن كـل اثنيـن ، وايماننـا بـان لاحيـاة لاحدنـا دون الاخـر ، وعلـى الرغـم مـن شـوقنا المتقـد ولهفتنـا للقـاء بعضنـا ، الا اننـا لـم نلتـق منـذ زمـن رغـم كثرة المواعيـد التي كنا نضربها لبعضنا ، فقـد كانـت دومـا تخلـف مواعيدهـا ، وتتركنـي اذهـب اليها متلهفـا متـرعا شـوقا وانـا احمـل آلاف الاسـئلة والوعـود والرغبـة فـي تجـاوز خلافاتنـا لكنني فـي كـل مـرة كنـت اعـود خائبـا وكأنني انتظر السراب، والامـر نفسـه كنـت افعله معهـا ، اضـرب لهـا المواعيـد الكثيرة واشدد الحاحي عليها بالحضور ، لكنني انا ايضا كنت ادعهـا تنتظـر لتعـود خائبـة باكية مكسورة.

حدث ذلك عشرات المرات رغـم حاجتنـا الماسـة للقـاء عاصف ملتهب يختصـر المسـافات بيننـا ويجعلنـا ننصـهر باحضـان بعضنا ونتبادل مشاكلنا ومعاناتنا ومتاعبنا.

لكـن خـلال لقـاء عاصـف بيننـا لانـدري كيـف دبـره القـدر لنا، احسست بانني امـام كتلـة هائلـة مـن ثـورة غضـب بركانيـة عاتية وهـي تهاجمنـي بعنـف وبـدل ان تعانقنـي بولـه وتضمنـي الـى صدرهـا بلهفـة اخذت تصـرخ بوجهـي قائلـة :

(ايـن انـت ايهـا المتعـب الشقي الضائـع فـي متاهـات الحيـاة ؟ لمـاذا كنـت تتهـرب دائما مـن مواعيـدي ومـن لقائـي ؟ وتفتعـل المبـررات الواهيـة التـي لا تقنع احـدا لتتهرب مني رغم انك تهمس لي دائما بانني اروع واثمن واصدق وانقى شيئ في حياتك ، لقـد ضربـت لك المواعيـد فـي كـل سـاعات النهـار وفـي انصـاف الليالـي وانتظرتك على احر من الجمر لكنـك كنـت تتهـرب منـي وتديـر ظهـرك لمواعيـدي وتخشـى مصارحتـي بالامك واحزانك وجراحاتك والاسـتماع لنبضـات قلبـي الـذي

يحتويــك بمحبتـه رغم انني اتلمس معاناتك وجراحاتك ونزفك دون ان تضعها امامي لانني الاقـرب اليك مـن دفـق دمائـك ومـن نبـض قلبك).

احنيـت رأسـي خجـلا ، فقـد كـان كـل ما ذكرتـه واقعـا لا اسـتطيع نكرانـه او تبريره، بينمـا واصـلت ثـورة غضبهـا :

(لقــد اهملتنــي كثيــرا وآلمتنــي كثيــرا وفضلــت الغيــر وحتى الغرباء علــي وكنــت انانيــا معــي وكريمــا مــع الاخريــن تكفكــف دمــوع الغيــر وتتركنـي الملــم جراحــات الحــزن فــي اعماقــي بصمت، تخفــف اوجــاع الغيــر وتتركنــي اغــرق فــي اوجاعــي ، تطفئ حرائق الغير وتتركني احترق بمعاناتي ،وكــم مــن مــرة احتضنتــك ومســحت دمعــك واحتويــت اوجاعــك حتــى لا يشــمت الاخــرون بـــك وحتــى لا تبـــدو ضعيفـــا او مهـــزوزا او منكسرا امامهــم بســبب تراكمـــات مشـــاكلك ، وكــم مــن مــرة تواعــدنا ولكنــك اخلفــت كل المواعيــد ولــم تحضــر وكــم مــن مــرة ادعيــت انــك تحبنــي لكنـك اهملتنــي وكــم مــن مــرة اتفقنــا ان نســهر ســوية لكنــك تركتنــي رغــم حاجتــي لك وســهرت مــع الاخريــن وانت تقاسمهم اوجاعهم وتتركني غارقة باوجاعي ، وكــم ؟ وكــم ؟ وكــم؟ ومــع ذلك كنــت اغفــر لك واســتقبلك باحضانــي واعانقــك بحنـــان مجنــون وامســح الحـــزن والتعــب عــن جبينــك واداوي جراحاتــك لاننــي احبــك ، وســابقى احبــك وملتصقة بك ابــدا رغـــم كــل مــا ذكرتــه ورغــم كــل مشـــاكساتك ومتاعبك ومآسيك واحتراقك وصمتك وسعيك لصنع السعادة للاخرين رغم انك الاحوج لقطرة واحدة منها تعال لاسعدك ولو للحظات باحضاني لانــك قـــدري).

ثـم اسـتطردت :

(سـأنتظرك اليـوم بعـد منتصـف الليـل فهـل سـتأتي ؟ عسـى ان لا تنشـغل بسـواي كمـا فـي كـل مـرة وتتركنـي احصـد الخيبـة وانتظر السراب، آه لـو تـدرك كـم انـا حزينـة لاجـلك لاننـي وحـدي اعلـم كـم ثقليـة عليـك احمـالك وكـم قاسـية عليـك اقـدارك وكـم مـن شـلالات الحـزن تتفجـر فـي اعماقـك ، لكنـك يا حبيبـي تكـابر ،

وانـت تتـحمل كـل ذلك بصمـت وبابتسـامة تجعـل كـل مـن يقـابلك يظـن بانـك الاسـعد فـي هـذه الحيـاة ، بينما انت ربما قد اصبحت بحرا من الاحزان والالام والمصائب والنكبات لكنك تعرف كيف تخفي ذلك كله وراء ابتسامتك وانت تسعد كل من حولك وتمد يديك المتعبتين لكل من يحتاجك ، تعـال ايها المتعب الحزين كفاك مكابرة وتحملا لنزف جراحاتك وجراحات الاخرين ولاثقالك واثقال غيرك .. تعال ايها العنيد المشاكس وارم بعـض احمـالك الثقيلـة علـي فانـا ما خلقـت الا لاجـلك).

اطــرقت برأســي خجلا ، فقد كان كـــل ما ذكرتــه صحيحــا ، فقــد اهملتهــا وتناسيتها وخذلتها وانشغلــت بامآسي وجراحات الاخريــن عنهـــا واهملت مآسيها واحزانها ومتاعبها وجراحاتها ، لذا قــررت ان اذهــب اليهــا فـي المـوعد الـذي حددتـه بعـد منتصـف الليـل لاسـتمع اليهـا ولاخفــف بعضــا مــن احزانهــا واحــاول ان احتــوي ولــو جـــزءا بسيطا مــن اوجاعهـــا.

هــي ليســت زوجتــي ولا حبيبتــي ولا صديقتــي او زميلتــي ، هــي خليــط مــن كــل هـــؤلاء،
انهـــا نفســــي.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, ثقافة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.