رُبَ ضارةٍ نافعة: الكنيسة ,الكرازة وفايروس كورونا

بقلم سامي هويل
رُبَ ضارةٍ نافعة: الكنيسة ,الكرازة وفايروس كورونا

27 / 12/ 2020
http://nala4u.com

لطالما ذكرتني بالأستعداد أيام مركز التدريب وقفتي لأكثر من ساعة أمام الكنيسة في ايام قداديس أعياد الميلاد والقيامة، كانت هذه الواقعة منذ سنوات مضت، وتوالت، حيث كانت أبنتي البالغة من العمر سبعة سنوات تجلس على قدمي من شدة التعب، بينما احمل أبني ذو السنة الواحدة، وسط تلك الحشود الكبيرة التي تحيط بنا وأنا أعاني من آلام الظهر، في الكثير من الأحيان تأملت هذه الظاهرة الغريبة عن الصلاة بخشوع وبعيدة عن جوهر المناسبة وطقوسها، فبين هؤلاء الحضور هناك من يستشيطك غضبا بتصرفاته ويجعلك تنسى ما أنت حاضر للأحتفال به، بالكاد تسمع الصلوات التي تُبث عبر مكبرات الصوت من شدة ( اللغاوي) وسوالف المجاميع المحيقة بك، وما ان ينتابهم الصمت ( ربما بقدرة السماء ) حتى يفقد الأطفال صبرهم وينتفضوا، فنتهمك في أيجاد الوسيلة لتهدئتهم وإقناعهم على التحمل، حتى بلغ بهم الأمر ليكرهوا حضور القداديس، لست ضليعا في أهمية أو لنقل حتمية وجوب صلوات وتراتيل القداديس وترتيبها، ولكنني على يقين أن المجامع الكنسية يمكنها النظر في إمكانية إلغاء ما يمكن إلغائه أو أختصاره ليتناسب مع متطلبات الحاضر وضروفه، مع تحتم العمل على أدائها باللغة ( السوادايا ) المفهومة لكي يتواصل معهم الحاضرين. ربما لو جعلوا مدة القداس نصف ساعة أو أكثر بقليل سوف تساعد على إزالة الملل من نفوس المؤمنين. مهما كان الأمر! فبالنهاية يمكن أن تحول الأعذار لعدم إمكانية إلغاء أو أختصار الصلوات ولكن؟ الظاهرة السيئة جدا، والتي لطالما تثير الأشمئزاز لتصل حد القرف، هي الكرازة بعد أنتهاء القداس ( مع شديد أحترامي للعديد من المطارنة والكهنة الضالعين والمتمكنين ممن يعكسون مدى قدراتهم من خلال كرازاتهم ومواعظهم)، فهذه الكرازة تكون مخصصة بالدرجة الأولى لشرح وتوضيح ما تم قراءته في الأنجيل المقدس ليربطها الكاهن ببعض النصح لخدمة المؤمنين، وهذا من المفروض أن لا يستغرق أكثر من خمسة الى سبعة دقائق ولكن!! للأسف لا يحدث هذا إلا عندما يكون القمر أزرقا، حيث كثيرا ما كانت الكرازة أطول من القداس ( أربعين دقيقة وأحيانا كثيرة ساعة بأكملها )، هذه الكرازة التي تعكس مدى جهل بعض الكهنة بالكثير من أمور الأيمان المسيحي وتعبر عن مدى ضعف شخصيتهم وقدراتهم الخطابية وإمكانياتهم الفكرية وثقافتهم العامة، حتى يبلغ الحال بالكثير منهم للخروج عن جوهر الكرازة والدخول في بعض التفاصيل التي لا قيمة لها وليست من أختصاصهم، لا بل سأذهب ابعد من هذا لأقول أنني سمعت كرازات لكهنة لا تتلاقى مع المفاهيم المسيحية، لست أدري ما الذي يمنعهم من صرف بعض الوقت خلال أيام الأسبوع السابقة للقداديس لترتيب كرازتهم وجعلها نافعة ومختصرة يتلقاها المؤمنين على أختلاف إمكانياتهم الثقافية وقدراتهم الذهنية!!. هل يا تُرى سينظر الآباء الأجلاء بأمر هذه الظاهرة أم ليس بعد! إن الخطاب الطويل الممل وبقدرات وإمكانيات ضعيفة لن يرفع من شأن صاحبه، بل على العكس من ذلك تماما، سيقلل من شأنه امام الحضور. جميعنا على دراية تامة بهذه الظاهرة وأنا على يقين بأن غالبية القراء الكرام عاشوا هذه التفاصيل المتعبة للجالسين داخل مبنى الكنيسة، فكيف هو حال الجموع المحتشدة أمام المداخل والساحات المحيطة بها!. هذه السنة أرغم فايروس كورونا اللعين ( مشكورا ) الكنائس على إبلاغ المؤمنين للأتصال بالطرق التي وفروها للتسجيل لحضور القداديس المتتالية التي ستقام، حيث شهدنا نظاما ونسقا جميلا ومرتبا لم نألفه من قبل على الإطلاق، وصلنا البارحة مساءً الى مبنى الكنيسة في الوقت المحدد، وكانت مجموعة من اللجان الشبابية واقفين في المدخل ليتحققوا من أسماء المسجلين لحضور القداس، ثم دخلنا الى مبنى الكنيسة بهدوء وبدون مدافعة في طوابير تشبه تلك التي ألفناها في الماضي امام مباني المصلحة والوكلاء للحصول على الدجاج واللحم والبيض، وكانت أماكن الجلوس متوفرة تجعل الحاضر لا ينشغل إلا بتفاصيل القداس، بحسب تعليمات الجهات الرسمية فقد كان قد تحدد عدد الحاضرين للقداس (300) شخص، ولكن! يمكن في المستقبل الأستفادة من هذه التجربة، فالكنائس تسع لما يقارب (1000) شخص يمكنهم المشاركة والأماكن متوفرة لهم داخل الهيكل، لتتوالى القداديس ويشارك الكهنة جميعهم في أداء المراسيم عبر إقامة أربعة الى خمسة قداديس بدأ بالمساء والى ما قبل منتصف الليل وصباح اليوم التالي، بدلا من أن نشاهد في بعض الأحيان الأسقف أو المطران يقدس ومعه كاهن أو أثنين في المذبح، وأثنين آخرين داخل الهيكل. هكذا بأعتقادي سوف يتم إزالة عقبة متعبة ومزعجة من طريق المؤمنين. لن أطيل في سرد العديد من التفاصيل الأخرى وسأختم هذه السطور بتقديم التهاني والتبريكات بمناسبة ميلاد المسيح المجيدة للشعب الآشوري ولجميع المسيحيين قاطبة، متمنيا من الرب أن يجعل العالم أجمع يعيش في سلام ومحبة وطمأنينة وينعم على الجميع بدوام الصحة والسعادة…. شكرا لك أيها اللعين كورونا، فرغم الرعب الذي جعلته يغيم على هذه المدورة، أرغمتنا لكي نصحح بعض التقاليد المُهمَلة والمُرهقة ونزيل بعض القشور البالية، لربما تدفع هذه التجربة المعنيين للتأمل والشروع لوضع حد لهذه الظاهرة وغيرها من التفاصيل الأُخرى التي باتت تؤرق الجميع.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, دين. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.