تاريخ الاشوريين / تعليق

المترجم وليم يوسف ميخايل

تاريخ الاشوريين منذ بداية القرن العشرين ..خاصة في فترة الحربين العالميتين

المؤلف
كورش يعقوب شليمون

ترجمة
وليم ميخايل

طبع في الولايات المتحدة الامريكية
شيكاغو-1995
الطبعة الثانية – 2004

مقدمة المترجم
يكفي الاستاذ كورش شليمون فخراً، أنه كان مديراً للمدرسة الاشورية الوحيدة في بغداد، عاصمة العراق.

في كتابه هذا يمد يده ليصافح كل القوميين الشرفاء، حيث يشرح بألم عميق ومعاناة حقيقية حية، الاوضاع المأساوية التي عاشها شعبنا، يوماً بيوم.

في كتابه هذا لا انحياز الى هذا الجانب او ذاك، بل الى مصلحة الشعب المُعذب، دائماً وأبداً.

في كتابه هذا، نقف مشدوهين اما عظمة شعبنا العنيد، المتشوق للأستقلال والحرية.

ننحني أمام عظمة الشهيد مار بنيامين. ونقف أجلالاً لقيصر روسيا الذي وقف مع شعبنا وقفة الاخ الكبير مع أخيه الاصغر.

لقد كتب تاريخنا اناسٌ كثيرون، هدفهم كان التشفي من شعبنا. خير دليل على ذلك، أسامة نعمان، في ترجمته لكتاب “تاريخ الاشوريين”، تأليف ماتفييف ومار يوحنا. حيث نجد هوامش المترجم العربي، تنضح بما في نفسه من كراهية لشعبنا. فهو يشرح وبراحة عميقة، تفاصيل ذبح الاخرين لنا، ويعتبر ذلك تأديباً لنا، أما عندما نثأر نحن لدماؤنا المهدورة، فنراه يتحسر ويتألم.

في احدى الحكايات القديمة، ان اعرابياً، وكان يملك جملاً شاخ وكبر. فآن اوانه. سأله الاعرابي عن امنيته الاخيرة قبل ان يقتله. اطرق الجمل رأسه، وقد سالت دمعتين من مقلتيه، وقال “ليس لي ما اتمناه في هذه اللحظة، غير ان حدثاً حز في نفسي وددت لو انه لم يحدث. ففي احد الايام وانت مشغول، وَضَعتَ الحمار في مقدمة القافلة، وتركته يسير امامنا، يقودنا في الطريق. تمنيت في ذلك اليوم لو ان الارض انشقت وابتلعتني”. شخصياً، اعتقد ان كرامة الجمل ما اُهدرت، بالقدر الذي اُهدرت فيه كرامتنا، بوضعنا تحت سلطة الحكومات العراقية المتعاقبة. أنها أهانة لشعبنا لاتغتفر.

وانا في صدد كرامتنا المهدورة، اتذكر، والالم يعصر قلبي، احاديث المناضل المرحوم يلدا سبندياري، وهو يتحدث بحماسته المعهودة عن غدر الزمان بنا، وكيف جاء البدو من حيث لا ندري، ليقيموا في وطننا، ثم يستأسدوا علينا، ويسومونا الذل.

تمر في هذه الايام الذكرى السنوية الاولى لرحيل يلدا، رحمه الله، ولأهله العزاء.

ولا يفوتني هنا ان اقدم شكري الجزيل للاستاذ سلمون سلمون الذي قَّدَمَ الصور الوثائقية الجميلة التي يزخر بها هذا الكتاب.

                                  وليم ميخايل  

                                 تشرين الاول-1994

أهداء

أقدم هذا الكتاب، كهدية حب واحترام لـ

زوجتي العزيزة فلورنس: التي كانت شريكتي الصادقة لفترة 51 عاماً، منذ زواجنا الشرعي في 3 – شباط – 1934. ولأبننا البكر إدوين: وزوجته أدلين. ولبناتنا: أديانا وزوجها يوئيل: أدرينا وزوجها سركون. أنيتا وزوجها وليم، وأقاربنا. كل هؤلاء شجعوني لكتابة تاريخ هذه الفترة. ولكل أحبائي، أبناء شعبي، ليتعرفوا على كل الظروف الصعبة التي مر بها شعبنا لفترات طويلة من الزمن.

كورش يعقوب شليمون
تقديم

منذ زمن بعيد، ومن صميم قلبي، تمنيت ان اكتب عن الاحوال التي مر بها شعبي منذ بداية القرن العشرين. خصوصاً في فترة الحربين العالميتين، الاولى في 1914 – 1918، والثانية 1939 – 1944، ولكن ولأسباب كثيرة، تركت هذه الامنية ليومنا هذا.

الآن، وبعد تشجيع الكثير من الأصدقاء والأقارب، لأقدم هذه الخدمة، وأكتب هذا الكراس للتعريف بحوادث متفرقة حدثت في الماضي القريب. والتي هي في جزء كبير منها حوادث مؤسفة، حصلت في فترة الحربين العالميتين، أثناء وجودنا في سهول أورميا، سلامس، تركور، مركور، في أذربيجان الايرانية. ووجود أخوتنا أبناء العشائر الجبلية في هَكَاري وكردستان (آشور – المترجم). وأخيراً هجرتنا لـ بيت-نهرين (العراق). ولحين وصولنا الى هذا البلد الرحب والغني، الولايات الأمريكية المتحدة.

بالطبع ترتيب وكتابة هذا التاريخ، بحيث يجذب انتباه وأهتمام القراء، ليس عملاً سهلاً.

السبب الأول، اللغة المستعملة في الكتابة يجب ان تكون على قدر من الفصاحة. لأفهام القارئ، بتفاصيل الحوادث كما هي.

السبب الثاني، ان يكون في جعبة الكاتب الأدلة التاريخية على الحوادث، التحركات، صور الاشخاص المعروفين والذين لعبوا أدواراً كبيرة في الحرب. وغيرها من الادلة المهمة.

ايضاً، على الكاتب ان يكون على يقين ومتأكد من حقيقة الحوادث التي يكتب عنها، هكذا يكون سرد الحوادث صادقاً، ولا يجد القارئ اخطاءاً تاريخية وحوادثاً كاذبة.

وان كنت لا أدعي المعرفة الكاملة. ولكن كما ذكرت سابقاً، شجعني اهلي واقاربي لتقديم هذه الخدمة. أملي كبير ان يمنحني الرب الفرصة، والوعي، وأن أتغلب على ضعفي الجسدي، لكي استطيع أن أودي هذه الواجب، ليكون صادقاً وجاذباً لأهتمام القارئ.

هكذا، قررت ان أبدأ بكتابة الحوادث المختلفة التي شاركت فيها، اكتبها في فصول، بلغة مفهومة وباللهجة التي يفهمها اكثرية ابناء شعبي.

بالطبع، الكثير من الحوادث عشتها بنفسي، ورأيتها بعيني، حوادث اخرى حصلت بعيداً عن مكان تواجدي، علمت عنها من مصادر مختلفة أُومن بمصداقيتها.

كما، ذكرت أعلاه، أخيراً قررت ان اؤدي هذا الواجب، لتبقى ذكرى للذين تنقصهم المعلومات التاريخية، وللأجيال القادمة، ليتعرفوا على المآسي الحزينة التي عشناها، في دول الشرق الاوسط.

فكرة موجزة

عن حياة ونشاطات مؤلف الكتاب

أعتقد ان من المهم، ان اذكر هنا بأيجاز، عن حياة مؤلف هذا الكتاب، وفيها نجد معلومات موجزة عن احوال شعبنا وامتنا التي مر بها في فترة 90-100 سنة الاخيرة من اقامتنا في الشرق الاوسط. وفي الولايات المتحدة ومناطق اخرى من المهجر.

كورش ابن الاسطى يعقوب دانيال من عائلة شليمون من قرية “ديكاله”، أورمية- ايران، وُلد في القرية المذكورة في 20 – تشرين الاول – 1900 ميلادية.

من سنة 1906 الى سنة 1913 درس في المدرسة الابتدائية والمتوسطة، في قرية “ديكاله”. ومن سنة 1914 الى سنة 1918 في أعدادية “قلعة الصحابة”، كلية اورمية، بأدارة الارسالية البروتستانية الامريكية. بأشراف الدكتور وليم امبروس شيد. واساتذة افاضل من ابناء شعبنا، واساتذة اجانب لتعليم اللغات الاجنبية، التركية، الفارسية، الفرنسية، الروسية، والأنكليزية.

31 تموز 1918 م، تركنا اورمية، مع قسم كبير من شعبنا مع اخوتنا الأرمن، هاجرنا الى القسم الأوسط من ايران، ساين قلعة، همدان. بوصولنا همدان جُندتُ في الجيش المسمى فرقة اورمية، لهدف تحضيرنا للعودة وتحرير اورمية ومناطق اخرى من مقر إقامتنا الأول.

حسب النظام العسكري، في قرية افشينا في همدان، منحوني رتبة عريف (سَرجنت)، في الفرقة الأولى كتيبة جـ.

بعد ترحيلنا إلى مخيم بعقوبة، تم ترفيعي لدرجة ضابط (نجمة واحدة).

ايضاً قبل رحيلنا الى مخيم مندان، الخطوة الأولى الى كردستان (آشور – المترجم)، بتاريخ 27 نيسان 1920 في طريقنا لإسترجاع اورمية، موطننا الأصلي القديم. تم ترفيعي لدرجة ملازم اول (نجمتين). تمت كل الترتيبات الأخرى لعودتنا في مخيم مندان. التى تبعد 40 ميلاً شرق الموصل. في 21 – تشرين الاول – 1920، وصلنا الى عقرة في طريقنا لكردستان (آشور-المترجم)، مع الأسف الكبير، فإن ترتيب عودتنا لم يكن موفقاً. هكذا بعد عودتنا من مندان. تم حل جيشنا (فرقة اورمية). ومع بداية الربيع 1921 تخلت الحكومة العسكرية البريطانية عنا. في مخيم مندان. انا مع اهلي، عدنا لبغداد. بعد فترة قصيرة هناك. بدأت العمل بالسكك الحديدية. القسم الكبير من فترة خدمتي أمضيتها في قسم الحسابات. الى نهاية عام 1962.

في10 – تشرين الأول – 1950، القس خندو يونان. الذي كان راعي الكنيسة الإنجيلية، ومدير المدرسة الآشورية في بغداد، لبى نداء ربه الى الحياة الأبدية، هكذا وبلا توقع تحملت مسؤولية الكنيسة والمدرسة، بالرغم من صعوبتها، لأني كنت اعمل بالسكك الحديدية، لكن بعون الرب، تعاطف معي المسؤولين في الدوائر المختلفة التي كنت اعمل فيها حيث منحوني الفرصة لإدارة المدرسة اثناء الدوام الرسمي والعودة الى الدائرة الحكومية بعد إنتهاء دوام المدرسة.

في سنة 1962 حسب القوانين الرسمية للدولة، وأنا في سن الـ 62 سنة، أُحلتُ الى التقاعد من دائرة السكك الحديدية، حيث منحت كل وقتي للأعمال الكنسية والمدرسية.

منذ سنة 1950 الى سنة 1965، كان لدينا عدد كبير من المبشرين (القساوسة الرسميين) للخدمات الكنسية. ولكن منذ عام 1965 الى عام 1973 أصبحنا بلا قس. هنا وبمساعدة الرب، بضعفي أكملت الخدمتين الكنسية والمدرسية. وبالطبع الخدمات الطقسية الكنسية كالقربان المقدس، المعمودية، الزواج. وأيضاً خدمة الأموات كان يجب ان يقوم بها قس رسمي. حاصل على الرسامة. هذه الخدمات كان يؤديها، وباللغة العربية، قس بروتستانتي مصري راعي الكنيسة الإنجيلية، الذي كنت ادعوه لخدمتنا. لكن الخدمات الاخرى والتبشير ايام الآحاد والأيام الأخرى كنت اقوم بها أنا، مع الواجب الأخر وهو إدارة المدرسة. هاتين الخدمتين بمساعدة الرب قمت بهما بنجاح كامل.

هكذا اديت واجباتي الى نهاية عام 1973. في هذا الوقت أنا مع زوجتي هاجرنا الى هذا البلد بعد ان هاجر ابنائنا وبناتنا قبلنا.

الى اليوم، حيث نعيش مع الآلاف من أبناء شعبنا تحت الرعاية الرحيمة للرب في هذا البلد المبارك والغني. الولايات المتحدة الأمريكية. نصلي للرب ليبارك هذا البلد ويوجه قلوب كل سكانه باتجاه الرب ليقبلوه مخلصاً وسيداً.

الجدير بالذكر، في فترة الـ56 سنة من حياتي في العراق، حصلت على خبرة كبيرة وواسعة في مجالات الحياة المختلفة. حيث كنت، بعد العمل، امضي وقتي في الدراسة ولم ابدد اوقاتي في اعمال تافهة، بل في تعلم الكتاب المقدس. ومجالات الحياة الأخرى. لكل هذا اشكر الرب دائماً وابداً.
كورش يعقوب شليمون

الفصل الأول

بأختصار، من نحن، ومن اين ؟

في البداية، اعتقدت أنه من المهم، تقديم فكرة موجزة، تشرح من نحن ومن أين، وما هو الإسم الحقيقي لشعبنا.

بالطبع، هنا لا أهدفُ لتقديم تاريخ طويل لتلك الإمبراطورية القديمة في حكمها، وأسماء ملوكها، الخ، في فترة السنين الطويلة التي حكمت على جزء كبير من قارة آسيا. خصوصاً لفترة 520 عاماً. من سنة 1228 وإلى 708 ق.م. يمكن ان القارئ يمل من سماع هذه الحوادث القديمة والتي ذكرت في كتب مختلفة. لهذا السبب. فإن قسما كبيرا من المؤلفين المشهورين من أبناء شعبنا مثل ميرزا مالك داويد، إيشايا الشماس داويد، الأستاذ منشى حنا، مالك ياقو مالك إسماعيل (تياري العليا). الشماس كيوركيس بت بنيامين (اشيتا)، الدكتور بيرا سرمس وكرشوم دومان. وغيرهم من الكتاب الذين سبقوني، قدموا معلومات وافية عن التاريخ القديم لتثقيف شعبنا. أما أنا فقد حاولت تقديم تاريخ المئة سنة الأخيرة من حياتنا في موطننا الأصلي خصوصاً في اورمية وحواليها ولذكر تفاصيل اكثر دقة لحوادث الحرب، السلب، التهجير المؤسفة وغيرها، التى حدثت لشعبنا قبل عام 1914 وإلى يومنا هذا.

ولكن، ولتقديم جواب وإن كان قصيراً لهذا السؤال، من نحن، ومن أين؟ يجب ان نبحث بدقة، لنجد الجواب، بقدر المستطاع صادقاً.

لهذا السبب، نأخذ الجواب من الإثباتات الساطعة، من صفحات التاريخ، الذي كتبه الآخرون من أبناء شعبنا او الأجانب، الذين قدموا معلومات كاملة، بأننا آشوريون، من سلالة الآشوريين الأبطال الذين حكموا جزءاً كبيراً من الشرق لفترة طويلة من السنين قبل الميلاد. نحن تعاقبنا من سام أب آشور. (سام إبن نوح، التكوين الفصل العاشر) كما ذكرت. آشور الذي عرف بإسم الفتوحات الأولى وحتى ملكنا سمي إله ذلك الزمن آشور.

كان لآشور اربعة اخوة آخرون. احدهم إسمه َّارفَّكشَّت من سلالته: بعد 330 عاماً بعد آشور او 8 سلالات من بعده ياًتي إبراهيم (التكوين الفصل 11). إبراهيم الذي اصبح أباً لليهود من سلالة إسحاق إبنه الوارث. لكن من سلالة إسماعيل وهو الإبن الثاني لإبراهيم من خادمته هاجر، يأتي العرب. بهذه المعلومة، نحن اولاد عمومة إبراهيم. لكن روحياً، يسمى كل المؤمنين “أبناء إبراهيم”، حيث نقول دائماً أبونا إبراهيم.

الأشوريون، ولألآف السنيين، تحت حكم البعض من ملوكهم المشهورين، مثل شلمنصر، تقلت بلاسر، سركون، سنحاريب، اسورحدون، اشوربانيبال وغيرهم اخرون، كانوا في عز قوتهم ومجدهم، أنتصرت اشور على الكثير من الدول، وهزمت الكثير من الجيوش، وعملت عجائب كبيرة، منحت حضارتها الى الكثير من الامم الاخرى، ولكن هذه الامبراطورية الجبارة والمشهورة، انتهت نهاية مؤسفة في ربيع عام 612 قبل الميلاد. لأنه في هذا الوقت، أعداء مثل البابليين، الميديين واخرين قاموا بهجمات قوية لفتح نينوى، قوى الطبيعة ايضاً تحالفت مع الاعداء لتحطيمها وتخريبها، بعد امطار قوية وذوبان قطع الجليد الكبيرة من على قمم الجبال وسفوحها، فاض النهر الكبير “دجلة”، هكذا حطمت السيول، الأسوار العالية والسميكة للمدينة. عندئذ، تقدم الاعداء بسهولة وبكل شراسة نحو المدينة. حيث سقطت الامبراطورية.

بذلك تمت نبؤة ناحوم النبي كما في الفصل الاول من كتابه، 713 سنة قبل الميلاد. وفي نبؤة صفنيا النبي في الفصل الثاني من كتابه، 630 سنة قبل الميلاد. كليهما يرمزان الى سقوط نينوى، العاصمة الشهيرة لأشور.

بعدسقوط نينوى، أسس الأشوريون لأنفسهم حكماً آخر أصغر بكثير. وهذا بالطبع تم بالاتفاق مع الرومان، الحكام الاقوياء في ذلك الوقت. في هذه السلطنة الصغيرة، حكم الاشوريون لفترة سنين طويلة اخرى، جعلوا عاصمتهم “أديسا”، الآن تسمى أورفا في تركيا. هذا الحكم أستمر الى عام 336 ميلادية. لأنه في هذا الوقت، قامت حرب شعواء بين الروم والفرس، أنهزم الروم، وسقطت مدينة اورهي بيد الفرس المنتصرين. عندئذ، طُرد الاشوريون من مملكتهم، وانتهت المملكة.

في هذه الظروف المؤسفة، كان قسم من الاشوريين ما يزال تحت الحكم الفارسي. مبعثرين في اورهي-تركيا، وفي نصيبين وفي سوريا، توزع قسم منهم في انحاء الموصل وغيرها، أتجه القسم الكبير منهم الى جبال كردستان (آشور-المترجم) المنيعة ووصلوا الى “وان” ومن هناك، نزح قسم الى اذربيجان الايرانية. انتشروا في سهول اورمية، سلامس، سولدوز، وغيرها. هكذا، المقيمون هناك في اذربيجان من ذلك الوقت وللآن، تمتد اقامتهم لفترة 1700 سنة، والبعض ما يزال ولحد الآن يقيم هناك، بالرغم من اضطهادهم في حالات كثيرة من قبل جيرانهم ومن الاخرين، في هذه الفترة الطويلة من اقامتهم، ولكنهم عموماً يحبون موطنهم الأصلي.
ما هو أسم قوميتنا؟

كما اذكر بنفسي، واعتقد ان اخرين ممن بلغوا سن الشيخوخة يشهدون، الى بداية الحرب العالمية الاولى، كلنا، الذين كنا نقيم في الموطن الاصلي، كان يطلق علينا تسمية “سورايا” او “سوريَيا”، مسلمي اورمية ومدن اخرى من اذربيجان كانوا يسموننا “ملة اسوري” يعني الشعب الاشوري، واحياناً “نصراني ملة” اي الشعب النصراني. اتباع المسيح الذي من الناصرة. تحت هذا الاسم، سورايا او سوريَيا او الشعب الذي يتبع المسيح الناصري، عشنا بسلام لقرون طويلة في البلدان الاسلامية. أبائنا كانوا يحكون لنا، عن الفترة قبل عام 1900 م، عندما كان ينادى على المسيحي للقضاء، لم يكن الحاكم يطلب من المسيحي ان يقسم. السبب في ذلك كانوا يقولون ان المسيحي لا يكذب. لكن البعض الاخر بسبب الحقد كانوا يسموننا الكفار. لأننا لم نؤمن بالدين الاسلامي.

في فترة الحرب الاولى، اتى لـ لأورمية بعض اخواننا الاشوريين من ايروان، احدهم كان معروفاً ومثقفا،ً عُرف بأسم الدكتور فريدون اتوريا، انا أذكر بدقة، هذا الدكتور مع الاستاذ بنيامين ارسانس وزملاء لهم بدأوا بتداول وشرح الاسم الاشوري، لأول مرة. في البداية بدا هذا غريباً، والكثير لم يقبلوا الاسم برحابة. بمرور الوقت بدا الاسم بالانتشار الى يومنا هذا.

بدون شك تحريف الاسم “أتورايا” الى “أسورايا” ليس من الصعوبة بمكان. عندما نكتب “أسورايا” فأن أ الحرف الاول لاينطق، اما الحرف الثاني فيغير الى س. هكذا تحولت أتورايا الى اسورايا. لماذا حدث هذا التغيير في ذلك الزمن؟ انا في شك من أمري. إذا كان في إمكاننا تقديم جواب مقنع للقارئ العزيز.

هنا أود أن اقدم رأيي الخاص حول هذا الموضوع، بالطبع الامر متوقف حول قبوله او لا؟

من الممكن، بسبب كون اشور في زمن حكمها، قد اثارت الرعب في بلدان الشرق المجاورة. هكذا شاع صيت الاشوريين في ذلك الزمن. ان حكامهم وجيوشهم كانوا ظالمين، خاصة في معاملة الاسرى.

بعد دخولهم المسيحية، آمنوا بقول الرب “من لَطَمَكَ عََلىََ خَدِكَ الأيمَن، فَحَوَّل لَهُ الآخَرَ أيضاً” لهذا السبب أعتقد أنهم قرروا ادخال التغيير الصغير على اسمهم. على امل ان يُنسى الاسم الاشوري بمرور الزمن من قبل الامم التي كانت عدوة اشور. ولتمحى الكراهية ويعرفون بأسم اسورايا.

دكتور بيرا سرمس في كتابه “من نحن”، قدم ايظاحات من كتاب مار توما اودو، مطرابوليط اورمية وسلامس، يقول “معنى شعب سورايا الشرقي: هو الشعب الذي يعيش على شرق نهر الفرات (الاشوريون) الذي تقبل هذا الاسم. لأن المبشرين كانوا سوريَيِا. من بلاد سوريا. نفس الكاتب في مكان آخر يقول “بسبب كون جميع الرسل من سوريا، وان ابائنا المسيحيين الاوائل كانون مسيحيين من صميم قلوبهم وكانوا يحبون الدين المسيحي جداً جداً. ارادوا ان يطلق عليهم كنية الرسل، تركوا اسمهم القديم، “اتورايا”. واطلق عليهم اسم سورايا او سوريَيِا يعني مسيحيين”.

كان من الممكن ان تكون ملاحظة المؤلف المذكور صحيحة، لكن لماذا في كتاباتنا نزيد في البداية حرف أ في كلمة سورايا او سورييا لتكون أسورايا او أسورييا، لكننا لا نكتب أ في بداية كلمة “سوريا” البلد لكننا نكتبها كما هي “سوريا”.

في العراق كانوا يسموننا آشوريون، مرة اخرى تغيرت ت الى ش.

بلا شك، نحن اشوريو اليوم، من سلالة الاشوريون القدماء، العظماء.

في بعض الروايات، حدث اختلاط بيننا وبين اليهود، والفرس، من الممكن ان نقول اليونانيين ايضاً.

الفصل الثاني

الاشوريون يتقبلون المسيحية.

هنا من الاهمية ان نذكر. إن الاشوريون تقبلوا المسيحية، بعد سنين من صعود سيدنا المسيح، على يد عدد من تلاميذ الرب.

المبشر الاول هو توما. الذي ظل يبشر للآشوريين الى عام 45 ميلادية. وبعد ذهابه الى ميلبار- الهند للتبشير وارساء اسس الكنيسة هناك. حل محله بطرس الذي سمي ايضاً شمعون. الذي اسس كنيسة في بابل ايضاً كما هو مذكور في الفصل الاول من “بطرس14-5.” بعد ذلك ذهب بطرس الى روما، ليحل محله “أدي”، او كما هو معروف بأسم تادوس، واحد من الـ70 رسل الرب. هذا الرسول ارسله الرب الى الملك المريض أبكر الخامس أوكاما بن شينو، ليعالجه من المرض. كما هو معروف من الكتابات. كان ذهاب هذا التلميذ تادوس الى الملك في عام 31 ميلادية، في عهد طبريوس حاكم اورشليم الروماني.

اثناء حكم الاشوريين في اورهي، كان المسيح ما يزال على الارض، دعا الملك أبكر الخامس المسيح للذهاب اليه. بأرسال ثلاث رسل مهمين، مرهات، شامين هكرات، وهانن. وصلوا الى المسيح، وطلبوا منه ان يلبي دعوة الملك، وان يذهب لعلاجه، وان يشاركه في حكم مملكته الصغيرة. بالطبع لم يأتي المسيح ليحكم مملكة ارضية زمنية. لهذا السبب، لم يذهب الرب بنفسه، أرسل تلميذه أدي أو تادوس، ليذهب ويعالج الملك. رجال الملك أبكر استقبلوا الرسول تادوس بكل تقدير، بوصوله، بأسم المسيح عالج الملك، وعالج الكثيرين ممن حضروا اليه. هكذا، الكثير منهم آمن بالدين الجديد. اله بثلاث اقانيم، الاب والابن وروح القدس. تعمدوا بأسم المسيح. هكذا انتشرت المسيحية في الشعب الاشوري.

بعد ان ثبتت المسيحية بين الاشوريين. بدأ اباؤنا بالتبشير بين الكفار. في بلاد آسيا البعيدة مثل الصين، ومنغوليا والهند.. الخ، ينشرون الايمان المسيحي.

كما ذكرنا، الرسول الاول كان توما. الكتب القديمة تقول انه تجول في بحيرة اورمية وسار على المياه كما يسير الناس على اليابسة. لذلك، فأن الاشوريون في اورمية، يحتفلون كل عام في 3 – تموز حسب التقويم الشرقي، بهذا اليوم. ويسمونه “شلخا ديَاماته”. في هذا اليوم، يبدأ الناس بالذهاب الى البحيرة للسباحة (موسم السباحة).

كما ذكرنا، بعد نهاية حكم الاشوريين وتشتتهم في الجبال والسهول، في هذه الاثناء، بدأ محمد نبي الاسلام، والدين الاسلامي يقوي. دخلت بعض شعوب المنطقة الاسلام بحد السيف. بمرور الوقت، أصبح عدد المسلمين اكثر من عدد المسيحيين، وأستلموا السلطة في البلاد. هكذا فأن المقيمين في الجبال، أصبحوا تحت حكم الامراء الاكراد، والمقيمين في سهول أذربيجان، وفي أورمية، سلامس، سولدوز وغيرها كرعايا دولة أيران.

عاش المسيحيون والمسلمون، لفترة طويلة من الزمن، مع بعضهم بسلام، كل يراعي حق جاره.

الفصل الثالث

بعض المعلومات عن اورمية

اورمية هي المدينة الثانية بعد توروز في أذربيجان، تقع في غرب أيران. من الشمال تحدها سلامس وخوي، اللتان تقعان بالقرب من اذربيجان الروسية. من الغرب تحدها الجبال الفاصلة بين ايران وتركيا. ومن الشرق بحيرة اورمية. طول البحيرة يبلغ 90 ميلاً. عرض البحيرة يبلغ في بعض الاماكن 30 ميلاً وفي اماكن اخرى 35-40 ميلاً.

حتى الاسم اورمية، مأخوذ من لغتنا. اور-دمية (مكان المياه) لوفرة المياه هناك، تسقي سهلها الجميل.

في اورمية ثلاث انهار، تنبع من الجبال الجليدية العالية في كردستان (اشور-المترجم)، وتصب في بحيرة اورمية. النهر الاول يسمى نهر نزلو جاي، ويقع في القسم الشمالي من اورمية. الثاني يسمى نهر المدينة، ويقع في مركز اورمية، النهر الثالث، يسمى نهر بَرَندوز، ويقع في غرب اورمية.

هذه الانهار الثلاثة، جعلت سهل اورمية جنة جميلة وجذابة للنظر ولسكانها. حيث تزين السهل الكروم. البساتين والحقول الجميلة، مليئة بكل انواع المحاصيل، يكللها جمال الطبيعة.

المدينة نفسها محاطة بقرى جميلة، فيها الابنية الجميلة، كأغلبية القرى التي يعيش فيها المسيحيين. فيها الكنائس للعبادة. في بعض القرى المسيحية الكبيرة، هناك ثلاث او اربعة كنائس، ومدارس ابتدائية للتلاميذ.

بعض القرى مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، لكن بيوتهم بعيدة عن بعضها.

بنوا حول المدن اسواراً عالية وسميكة، مبنية من الطابوق والطين، منذ قرون طويلة. طول الاسوار يبلغ من 5-6 اميال. خلف الاسوار بُنيت الخنادق. اما الآن فكل هذه الخنادق جافة.

في الماضي، عندما حفرت هذه الخنادق، كانت مصممة لتكون مليئة بالمياه، حتى لا يستطيع العدو التسلل.

هذه الاسوار كان لها 7 ابواب كبيرة، مصنوعة من الواخ خشبية، سميكة جداً، مليئة بالمسامير الكبيرة. لتكون قوية ومتينة. الاسوار كانت تغلق في اوقات الخطر، وفيها صنعوا الابواب الصغيرة، حيث يستطيع شخص واحد الدخول الى المدينة.

أكثرية سكان اورمية مسلمون، من طائفة الشيعة (الهوشار) لغتهم تركية، بينما الاشوريون المسيحيون المقيمون في اورمية وقراها اقل عددًا، عموماً من المعتقد. قبل عام 1914، لم يكن عدد الاشوريين يزيد عن 70 الفا، يعيشون في سهل اورمية وقراها. و30 الفا اخرين في سلامس، وسولدوز. بالطبع بعض الالاف من الارمن. قس اسمه يونان شهباز، يقدر عدد الاشوريين في ايران وتركيا قبل سنة 1914 بهذا الشكل، 13 الف بروتستانت، 60 الف ارثودكس، 200 الف نساطرة. ويزيد على ذلك، في سنة 1845 حدثت مذابح للاشوريين.

سمعنا في سنة 1880، ان الشيخ عبدالله سليمان الكردي مع عشيرته، هجموا على اورميا وسلبوها. كما حاولوا تدمير المدينة. لكن الدكتور ككران، من الارسالية الامريكية في ذلك الوقت، انقذ المدينة من الخراب. لأنه ومنذ سنين طويلة كان شيوخ الاكراد وزعمائهم يأتون الى مستشفى الارسالية. ليُعالجوا من أمراضهم.

سكان اورمية الاوائل، كانوا عموماً من المذهب الزرادشتي (عبدة النار).

في بعض القرى توجد تلال من الرماد، انه رماد قديم تجمع بفعل السنين. حيث حافظ عبدة النار، على النار مشتعلة في الليل والنهار، وهم يتعبدون امامها. قريتنا ديكَلَه، فيها تل كبير، وهي رماد النار التي كانت مشتعلة.

كذلك هناك تل في كوكتَفَه. وتل اخرى بين ترمانه وجهركوشا. وكذلك في قرى اخرى كثيرة.

بالطبع، بعد الاسلام، دخل سكان اورمية من عبدة النار الاسلام قسراً. البعض الاخر هرب الى بومباي، الهند.

الطقس في اورمية، منتظم جداً، هناك اربع فصول، وهي الربيع، الصيف، الخريف والشتاء. في الربيع عموماً يبدأ الناس الاعمال في السهول. اصحاب الحقول والبساتين على الاغلب، يستخدمون العمال المسلمين للحرث وتنظيف الحقول. كل الاعواد والاشجار اليابسة تقطع وتجمع للتدفئة في الشتاء، بعد ذلك يحرثون الارض، العادة ان يزرعوا الحقول في الخريف، اما البساتين ففي الربيع للحصول على البطيخ والخيار والخضراوات.

دائماً عيد القيامة يقع في شهر نيسان. بعد الخدمة الروحية، كان الناس يهنئون بعضهم في هذا اليوم الكبير. بعد يوم العيد، ولأسبوع كامل كانوا يخرجون الى السهول للعب والتسلية. على كل الموائد تجد الهريسة. مع الأكلات الاخرى.

بعد الربيع، يكون في اورمية صيف جميل جداً، النوم على السطوح العالية في ليالي الصيف في الهواء النقي، يجعل الجسم في صحة جيدة. الحياة في الصيف تكون جميلة في السهول. بصورة عامة، يذهب الناس الى البساتين لمدة تقرب شهرين ونصف، وهي فترة الصيف. يعيشون في اكواخ او بيوت صغيرة مصنوعة لهذا الغرض، في هذه الأثناء يرتبون حاصل الحقل. عندما ينضج العنب. يجمعون الزبيب لأكل لعائلة في الشتاء. ثم يجففون العنب، ويجمعونه ويخزنوه في بيوتهم. ليبيعوه للتجار. وهؤلاء يصدرونه الى روسيا والمانيا. بعد ذلك، يجمع الناس العنب الجيد (ويسمونه – تلوَّا – اي المُعلق) لتعليقه في البيوت، للاكل في الشتاء، ثم يصنعون القليل من الخمر. ينتقون العنب المتبقي من الكروم وينقعوه (يبللوه)، كما يصنعون منه الدبس. يجمعون الجوز وهكذا المحاصيل الاخرى مثل البطيخ والرقي والسفرجل وانواع اخرى من الفاكهة. ويصنعون المربى، حلاوة بالجوز وغيره. كل ذلك يجمعونه ويرتبونه في بيوتهم. البيوت تمتلئ بكل النعمة التي منحها الرب للانسان.

بالطبع في الخريف، ينشغل الناس بترتيب المحاصيل، وطحن الحنطة، لتحضير القمح بما يكفي لكل السنة. ثم يفرشون البيوت والغرف بالسجاد الايراني الجميل.

للتحضير للشتاء الثلجي القارص، ولفترة ثلاثة او اربعة اشهر. لا يجد قسم كبير من الناس عملا في الشتاء، بل يمضون وقتهم في الاكل والشراب وزيارة بعضهم. قسم اخر من الناس يجدون اعمال بسيطة لتمضية اوقات الفراغ. عموماً هذه القرى تكون قريبة من المدن حيث يعطيهم التجار علب ذات احجام محددة، يملؤنها بالزبيب لتصديره الى الخارج.

كانت الحكومة المركزية في طهران، في وقت ما، ضعيفة جداً في السيطرة على الولايات البعيدة عنها. خصوصا أورمية والمدن الاخرى في أذربيجان. لهدف معرفة كل احوال الشعوب الصغيرة كشعبنا والارمن وغيرهم. في نشاطاتهم الاجتماعية والرسمية. بمساعدة الارساليات في اورمية في السنين الاخيرة، منح نظام طهران حق لكل طائفة في ان يكون لها مجلس خاص بها للقضاء في امورها الداخلية.

اكثر من هذا، كل المذاهب في اورمية (عدا الكاثوليك، لم يشاركوا مع المذاهب الاخرى) منحهم النظام الايراني اجازة تأسيس مجالس شعبية. للنظر في المسائل العائلية والاخلاقية. هذه اللجنة لها صلاحيات لمساعدة الناس لحل مشاكلهم. كل الامور كانت تعالج بحكمة وعدالة، اعضاء هذه اللجان يمكن تشبيههم باعضاء برلمان دولة.

الفصل الرابع

احوال المسيحيين في بداية الحرب العالمية الاولى وخاصة من 1914-1918.

في نهاية الفصل الثاني تكلمنا عن السلام والألفة، الموجودة بين المسيحيين والمسلمين في أماكن عيشهم المشترك. ولكن جاء وقت، وخاصة في جبال كردستان (اشور). عندما كان الشيوخ الاكراد يختلفون مع بعضهم على الزعامة. يحدث قتال بينهم، في هكذا خلاف وقتال، يصبح الاشوريون المساكين ضحايا انحيازهم لزعمائهم الاكراد، لسوء حظ هؤلاء، كانوا يساعدون الامراء او الآغوات الذين يحكمونهم (بالأكراه)، في حروب العشائر الكردية مع بعضها. في هذه الاحوال، كان الاشوريون يقعون في مآسي مروعة. ليس فقط، تصبح اراضيهم بدون زراعة، ولكن حتى املاكهم وقطعان الماشية كانت تُسلب، وبعض الاحيان يُقتل شبابهم.

هذه الظروف، ولدت الحقد والكراهية في قلوب الاشوريين المقيمين في كردستان (اشور). أزدادت هذه الكراهية من وقت الى آخر، ووصلت الى العداوة العلنية. الالفة وحسن الجوار اللذان كانا موجودين ينتهيان، تنتهي الصداقة الخالصة.

ان الحكايات المشهورة والشائعة، والمؤسفة التي حدثت في عام 1843، حيث قُتل الكثير من الاشوريون على يد الاكراد. بتدبير من بدر خان بك امير بوتان، معه نوري بك امير جولامارك. مع زينل بك امير بروار السفلى. عندئذ قررت الحكومة التركية، تحثها الحكومة البريطانية، تأديب الامراء العصاة، ونفيهم الى جزيرة كريت في البحر الابيض المتوسط. بهذا الشكل، أصبحت بلاد كردستان (آشور- المترجم) آمنة بقدر كبير، عاد الاشوريون الى أماكنهم التي طُردوا منها. والى املاكهم المسلوبة بعشائر الاكراد التابعة للامراء العصاة.

زيارة البطريرك مار بنيامين للوالي التركي.

بوادر الحرب العالمية اطلقت شهوة الحكام الأتراك من عنانها

بتاريخ 3 آب سنة 1914، وجه الوالي تحسين باشا دعوة الى البطريرك مار بنيامين لزيارته. في الموعد المحدد ذهب البطريرك وزار الوالي، حيث وعده الوالي بحماية الآشوريين في كردستان (آشور) من كل اخطار الحرب بشرط ان لا يحركوا ساكناً، ولا يساعدوا روسيا في الحرب القادمة. لأن تركيا ستدخل الحرب ضد روسيا، ودول الحلفاء. وافق البطريرك على هذا الطلب وبسبب هذه المواقفة، ارسل عند عودته، رسائل الى كل العشائر لتبليغهم بالوعد الذي قطعه الوالي بحماية المسيحيين. وطلب من كل العشائر ان تخلد الى السكون وتلتزم بواجباتها تجاه الحكومة التركية.

ولكن بعد شهرين من هذه الحادثة، اي في تشرين الأول من سنة 1914 تم إلقاء القبض على خمسين شخصاً مسيحياً من قرية كاور، أقتيدوا الى باش-قلعة التركية. وأعدموا هناك، بعد ان ادينوا بتهم لا اساس لها من الصحة. تركت هذه الحادثة المشؤومة قلقاً كبيراً، وغيرت موقف المسيحيين المقيمين في كردستان.

بالإضافة الى اعمال القتل، فإن الكثير من القرى ُسلبت، والقي القبض على الكثير من الرجال والنساء وعُذبوا، الجنود الأتراك الأوغاد، اغتصبوا الفتيات.

هكذا اصبح معلوماً في بداية الحرب العالمية الأولى، سنة 1914، مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط. شيئاً فشيئاً ازدادت عداوة وكراهية المسلمين تجاه المسيحيين. العدو المذهبي الأصولي المتعطش لدماء المسيحيين، بدأ يظهر جلياً في كل مكان. تركت التأثيرات الأولية للحرب المذكورة ويلات مأساوية في كل مكان يعيش فيه المسيحيون. لكن المصيبة الأكبر، كانت من نصيب إخواننا الأرمن في “وان” وقراها. هكذا أبيد الآلاف بدون رحمة بيد الأتراك القساة.

في هذا الوقت اعلنت تركيا رسمياً دخولها الحرب، وتحالفها مع المانيا، بهذا العمل، قامت تركيا بحملة دعائية قوية مفادها إن إمبراطور المانيا، القيصر ويلهم امر كل ابناء شعبه بدخول الإسلام، هذه الدعاية الكاذبة اثلجت صدور مسلمى الشرق. علماً بأن هذا الخبر كان كاذبا.

في هذه الظروف وصلت الكراهية المذهبية الى مسلمي أورمية، وكل آذربيجان. ولكن الأمر الأكثر خطورة في هذا الوقت، أنسحب الجيش الروسي تحت قيادة شورنازوبوف، الذي كان لسنين طويلة في آذربيجان. في الأول من كانون الثاني سنة 1915م من اورمية وقراها، عاد الى قفقاسيا لتقوية الحدود هناك ضد تركيا، بسبب أن الأتراك قاموا بتحضير وتعبئة قوات كبيرة جداً في سرقاميش. بنية القيام بهجوم كبير على قفقاسيا، لاحتلالها. في هذا الوقت، كانت روسيا مشغولة في حربها مع المانيا.

لذلك سحبت روسيا كل قواتها من آذربيجان، شمال إيران، وضعتها على حدود قفقاسيا في مواجهة القوات التركية.

هذه الظروف، سببت القلق الكبير، حتى لمسيحيى روسيا نفسها المقيمين في القرى القريبة من الحدود التركية. في هذا الوقت، أنسحب هؤلاء الى داخل قفقاسيا. بسبب خشيتهم ان تحتل تركيا المناطق الحدودية الروسية، ويقعوا أسرى بيد الأتراك.

الجيش الروسي ينسحب من اورمية

لجوء المسيحيون الى بيوت الإرساليات الأمريكية البروتستانتية، والبعض الآخر الى بيوت الفرنسيين الكاثوليك.

بعد إنسحاب الجيش الروسي من اورمية وقراها، استغل الأتراك والأكراد الفرصة، وانتشروا في سهل اورمية، بدأ الهوشار مع الأكراد بسلب قرى المسيحيين، بقتل الناس، الصغار والكبار بدون تمييز، بحث المساكين المسيحيين بسرعة عن ملجأ لهم ولعوائلهم. هكذا تركوا بيوتهم المليئة المفروشة تحت رحمة المجرمين. هربوا ودخلوا في بيوت الإرساليات الأمريكية في المدن. والبعض الآخر لدى الإرساليات الفرنسية في كولفة ليخن.

حوالي عشرة آلاف آخرين من أعلى اورمية، يعني السكان المقيمين حول نهر نزلو جاي، هربوا مع الجيش الروسي، بعض الهاربين كانوا من ماوَنا، من تركَور ومَركَور، من سالاماس، وغيرها. كل هؤلاء تجمعوا ووصل عددهم الى ثلاث آلاف. بالرغم من الشتاء، كانت في الطرق ثلوج كثيرة، لكنهم رأوا ذلك افضل لهم من التأخير في القرى. كان من الممكن أن يبادوا عن آخرهم.

بعض هؤلاء الهاربين ماتوا في الطريق، بسبب المرض وصعوبة الطرق. لكن بالطبع، وصل القسم الكبير الى تبليس في قفقاسيا. بعض هؤلاء الهاربين، عادوا بعد ذلك مع الجيش الروسي المنتصر. ولكن الآخرين ظلوا في روسيا وتشتتوا في مدن هذا البلد. هنا الجدير بالذكر، في بداية الحرب العالمية الأولى، لم تكن الولايات المتحدة مشتركة في الحرب. الدكتور وليم إمبروس شيد، الذي كان رئيس الإرسالية الأمريكية الإنجيلية، رفع العلم الأمريكي على بوابة مقر الإرسالية المذكورة، حيث كان المسيحيون محميون تحت حرمة هذا العلم. بالرغم من كون الأتراك أحتجوا كثيراً على هذا العمل (وضع العلم الأمريكي على هذه الأبنية). لأن الدكتور شيد لم يكن قنصلاً أو مبعوثاً رسمياً لدولته. لكن حاكم المدينة مع المسؤولين الكبار الآخرين في الحكومة الإيرانية، دعموا خطوة الدكتور شيد الذي كان هدفه حماية المسيحيين الإيرانيين من الإبادة على يد الأتراك والأكراد. كلاهما غرباء في إيران، بهذا الشكل، ورغماً عنهم، راعى الأتراك بقدر ما حرمة العلم الأمريكي، وكذلك العلم الفرنسي على مقر الإرسالية الكاثوليكية. هكذا الآلاف من الهاربين من المناطق الأخرى من البلاد، مثل تركَور مَركَور، ومن قرى نهر بَرنَدوز. كل هؤلاء الذين اغتنموا فرصة الوصول الى هذا الخلاص أنقذوا حياتهم من القتل والإبادة.

لكن بالطبع في سنة 1918، أصبح الدكتور شيد رسمياً، نائب القنصل الفخري الأمريكي. هكذا أعترفت الدول الأخرى بمنصبه.

عندما بدأت الجيوش الروسية بالإنسحاب من اورمية، ذهب الدكتور شيد، في أحيان كثيرة، واتصل برجال اورمية المسلمين، وطلب منهم ترتيب نوع من الإدارة المحلية، تكون لها سلطة حماية سكان اورمية من مخاطر القتل والسلب. حاول هؤلاء الشيوخ والزعماء ترتيب إدارة اورمية، ولكن الحظ لم يحالفهم. بسبب إنهم لم يتفقوا فيما بينهم للوصول الى هذا الهدف. لوجود جفاء وسوء علاقات بين موظفي الحكومة. في مناطق آذربيجان هذه، كان هناك بعض القوميين الذين يعملون ضد الحكومة الملكية. هؤلاء الزعماء كانت لديهم أفكار مختلفة. هكذا، الأحوال كانت في دوامة قبيحة ومخيفة للمسيحيين، الذين أصبحوا تحت رحمة أعدائهم الأتراك والأكراد العطشى لدماءهم.

في هذا الوقت، في تبروز ايضاً، حصلت أحداث كهذه. بالطبع كان هناك مبعوثون امريكان رسميون، مستر كوردين فادوقي. تحت ظل العلم الأمريكي، تم حماية الآشوريون والأرمن في تبروز مع الشعوب المسيحية الأخرى كالإنكليز، الفرنسيون، الإيطاليون، الألمان، الروس، والإستوريون.

الخلاص الكبير على يد الدكتور ج. ف. فكادر،

لإنقاذ الآلاف من سكان كوكتافه من الإبادة.

خلاصٌ كبير تم للآشوريون سكان كوكتافه، التي تبعد خمسة اميال شرق مدينة اورمية. في هذه المدينة الكبيرة، كان يوجد مسيحييون هاربون من القرى الأخرى في الجوار. أنتشر الأكراد في كوكتافه. ليس فقط يسلبون، ولكن ايضاً كانوا يقتلون كل من يقع نظرهم عليه. في المدينة المذكورة، دخل المسيحيون في إحدى الكنائس الكبيرة هناك، لحماية انفسهم وعوائلهم. حاصر الأكراد الكنيسة، عطشى لدماء المسيحيين. قاموا بالهجوم تلو الهجوم على الناس بالكنيسة، كان المسيحيون يردون على الأكراد بالسلاح البسيط الذي لديهم. كل سلاحهم كان 14 بندقية قديمة. في هذه الظروف الحرجة، وصلت ندائات الإستغاثة الى مقر الإرسالية الأمريكية في المدينة. أرسل الدكتور فكادر الذي كان رئيساً للأطباء في مستشفى الإرسالية التابعة للكلية. المعروفة بإسم قلعة الصحابة (3\4 1 ميلاً شمال المدينة، في منطقة طولها 12 هكتار) بسرعة وبواسطة حيدر علي، احد الإيرانيين الطيبين، رسالة الى كارينا آغا الذي كان رئيس عشيرة كبيرة وقوية للأكراد. الذي وصل لتوه الى اورمية مع عشيرته. دعاه ليأتي للمساعدة وإخراج المسيحيين من مخاطر الإبادة في كولتافيه.

قام الدكتور فكادر في مدة خدمته في المستشفى الأمريكي، كطبيب رحيم بمعالجة الكثير من الزعماء الاكراد الذين كانوا يأتون عنده اثناء مرضهم للتداوي. لهذا كان كارينا آغا صديقاً حميماً للطبيب المذكور. وهكذا كان الاكراد الآخرون، يكنون احتراماً للدكتور فكادر. لانه كان يعالجهم وعوائلهم في المستشفى.

لم يضيع كارينا آغا وقته، اخذ معه بعض الزعماء الآخرين من الأكراد، أتوا على جيادهم عند الدكتور فكادر، اخذوه معهم في التاسعة مساءاً وهو يحمل العلم الأمريكي، أسرعوا بالوصول لـ كوكتافه. فور وصولهم أوقفوا هجوم الأكراد.

بالإتفاق، تم تسليم سلاح الآشوريين. للأكراد. الرجال والنساء، الصغار والكبار أُخرجوا من الكنيسة، في نفس تلك الليلة، وأُخذوا الى مقرات الإرساليات الامريكية. لكن القرية نفسها بقيت تحت رحمة اللصوص الاكراد والمسلمين من القرى المجاورة.

وكما ذكرنا في بداية هذا الفصل، عند خروج القوات الروسية من اورمية وغيرها. هربنا نحن المسيحيون ولجأنا الى مقرات الإرساليات الامريكية والفرنسية. بالطبع هذه المقرات لم تكن كبيرة، حتى تتسع لـ 15-20 ألفاً للإقامة فيها، الإرساليات الامريكية رَتَبت وأَجَرت 50 مقراً آخر في المناطق المجاورة للإرسالية. وتم فتح الأبواب بين هذه المقرات وجعله ملجاً كبيراً لهؤلاء الهاربين. بالإضافة الى هذه المقرات، تم إسكانهم بالدوائر الحكومية ايضاً. ثانوية الإرسالية، المدرسة الخاصة لأولاد الزعماء المسلمين واولاد اليهود. هذه المدرسة الرسمية تم شرائها لهدف التبشير بين المسلمين واليهود وكذلك بناية إرسالية الكنيسة الأسقفية وإرسالية الأورثودوكس كل هذه كانت تحت حماية العلم الامريكي. وكانت مليئة باللاجئين المسيحيين من ابناء القرى.

نحن المسيحيون بقينا في هذه المقرات طيلة الشتاء والربيع عام 1915، لمدة 5 أشهر. في هذه الفترة، 15-20 ألفاً تم إطعامهم بالخبز يومياً ستة أطنان كان يتم شرائها من مسلمي المدن، ويأتون بها على ظهور الحمالين. هذه الحماية تمت بواسطة حاكم مدينة اورميا. بعد ذلك علمنا بأن المسلمين كانوا يخلطون الكلس (الجبس) في العجين… وهذا سبب انتشار المرض في الناس. في كل يوم كان يموت من 20-30 شخصا.

في ربيع عام 1915، قبل فترة قصيرة، من خروجنا من الأسر في هذه المقرات. في11 نيسان، وصل جيش كبير من الأتراك عددهم 15- 20 ألفاً بقيادة خليل بك الى اورمية. خليل بك هو خال أنور باشا، الذي كان نائباً لرشيد بك قائد الجيش التركي في آذربيجان في الفترة السابقة. هذا الجيش الجديد جاء من سولدوز وغيرها لتقوية الحدود قرب خوي، وسلاماس، مقابل الروس بعد ان بقيت في اورمية لعدة ايام خرج الجيش الى سالاماس وهناك لقي الجيش الروسي الكبير وجهاً لوجه. بعد هذه المعركة الدموية مع الروس، جر الجيش التركي المهزوم في 15 ايار، أذياله الى تركيا.

أرسل في هذا الوقت شوارنازوبوف قائد القوات الروسية المنتصر. الى البطريرك مار بنيامين. (وكانت العشائر ما زالت في مكانها) ليضع جيشاً في مواجهة جيش خليل باشا يقطع طريقه. الان يسيطر الروس مرة اخرى على كل المنطقة (اي سرهد) فرقة: من منطقة سلامس، اورمي، سولدوز، والى ساووج بولخ.

قبل ان ينسحب الاتراك من سلامس، الجيش الذي كان هناك سابقاً تحت قيادة جودت بك. أخرجوا من مقر الارسالية الفرنسية الكاثوليكية في هافتون حوالي 800 شخصا. وكانوا من الارمن، رجالاً ونساءاً، صغاراً وكباراً، قتلوهم بوحشية. هذه الحادثة كانت اثناء معركتهم مع الروس.

هنا الجدير بالذكر ان الضابط جودت بك قائد الجيش النظامي، كان قبل عدة سنوات، قد تعلم في الثانوية الكاثوليكية في بريطانيا.

بعدما انتصر الروس على الاتراك. عندئذ في 24 ايار في عام 1915 عاد الجيش الروسي مرة اخرى الى اورمية. خرجنا نحن المسيحيون من مقر الارسالية. ودخل مكاننا عدد كبير من زعماء مسلمي اورمية. بسبب ان المسيحيين بدأوا يأخذون بثأرهم من المسلمين بقتل بعض الذين كانوا سبب القتل والسلب، وغيره. تمت حماية زعماء المسلمين ورعايتهم لفترة ستة اشهر.

نحن عدنا الى بيوتنا الفارغة والمسلوبة، لقد نهبوا كل شئ. هنا بدأت الامراض المختلفة في الانتشار. الكثير من الناس فقدوا حياتهم. البيوت كانت خالية من الاثاث. كان موسم زراعة ولكن البذور غير موجودة. الارسالية الامريكية بدأت بمساعدة اللاجئين العائدين الى قراهم وبيوتهم بتزويدهم بالبذور للزراعة، والبطانيات وغيرها. كل هذه قدمتها لجنة الشرق الادنى الامريكية للمعونة في تبروز.

عدد الموتى في هذه المقرات وصل الى اربعة الاف في الفترة التي قضيناها هناك، وكثيرين اخرين ماتوا بعد خروجنا من ذلك الاسر.

كما ذكرنا في السابق. عندما رفع الدكتور شيد العلم الامريكي لحماية اللاجئين في المقرات، احترم الاتراك بقدر كبير العلم الامريكي، ولم يهجموا لابادتنا. ولكن بين حين واخر كان يحتجزون احد الاشخاص المهمين لاطلاقه بعد ذلك مقابل مبلغ كبير من المال والا فأنه يُقتل.

لاول مرة في 9-اذار 1915، احتجز الجنود الاتراك بقيادة بدري افندي مار ايليا اسقف كنيسة الارثدوكس. طلب الدكتور شيد فوراً من اعيان المدينة بذل المحاولات لأنقاذ حياة هذا الرجل الجليل. لأن مار ايليا كان رجلاً نجيباً وقوراً وحليما، وله اصدقاء كثيرون، من كبار المسلمون الايرانيون، هكذا فان هؤلاء حاولوا ايضاً مع الدكتور شيد لانقاذ حياة هذا الشخص، واُبقي في الحجز 20 يوماً ثم اُطلق سراحه، وقُدمت فدية الى الاتراك 5000 تومان من اموال الارسالية. هذا المبلغ يساوي اليوم 000،150 دولار، بعد فترة من الزمن تم احتجاز الدكتور اسحق دانيال (الملقب-حكيم لوخمان) وهو يتفقد المرضى، هو ايضاً وبمساعدة الزعماء الايرانيين ومحاولات الارسالية الامريكية، اُطلق سراحه مقابل فدية من اموال الارسالية، وكان له اصدقاء مسلمون كثيرون، ولقبه دكتور لخمان، منحه له حكام دولة ايران لعلمه الواسع في الطب.

في هذه الفترة، قام الاتراك بتكرار خمسة محاولات دنيئة كهذه باحتجاز اشخاص مهمين بهدف بتحصيل مبالغ مالية، بعد ذلك احتجزوا القس نسطورس مالك، الاستاذ يوخنا مار نوخا. خادم الشاهبندر (قنصل تركيا) خطف الشماس لازار من الشارع وأخذه الى القنصلية، الشماس بعبا خُطف من الارسالية الكاثوليكية، هكذا رابي داود دديكاله من مكان اخر.

افلست خزينة الارسالية، مستر هيوكو أ. ميللر، حاول توفير المال من الخارج، لاطلاق سراح المعتقلين عند الاتراك، قدمت الشابات الاشوريات حليهن كرهينة مقابل القروض، لفدية الاسرى.

في احد المرات، كان عدد من قطاع الطرق، امام بوابة الارسالية جيئةً وذهاباً، وعندما سنحت لهم الفرصة، دخلوا الى المقر، بدأ الناس في الداخل يركضون مذعورين نحو الغرف الداخلية، أخيراً ظهر المستر ميللر وفي يده عصاة، وقف امام البوابة، يساعده جندي ايراني، واحياناً جندي تركي. حاول بطريقة مؤدبة جداً أخراجهم من الساحة الداخلية للمقر.

في هذا الوقت الذي وجدنا نحن ملجأً في مقر الارسالية. لكن سكان كولفاشن، القرية التي تبعد ستة أميال شرقي المدينة. تأخروا في قريتهم، لأن القنصل التركي منح قريتهم الامان من ان يسلبها الاكراد او مسلمي أورمية. أرسل مجموعة من الجنود الاتراك لحماية القرية المذكورة. هؤلاء الجنود كانت تدفع رواتبهم من قبل سكان كولفاشن. هذا العمل أستمر لعدة أشهر. رواتب الجنود كانت تدفع بأنتظام، لكن جاء وقت، القى هؤلاء الجنود القساة القبض على 73 شخصاً من سكان القرية المذكورة، (بالطبع كان هناك عدد من ابناء القرى الصغيرة المجاورة الذين وجدوا لهم هنا ملجأً) ربطوهم مع بعضهم وأخذوهم الى مقابر القرية وهناك قتلوهم، ثلاثة منهم وقعوا تحت الجثث كانوا جرحى لم يموتوا، بعد ذهاب الجنود، قام هؤلاء الثلاثة ليلاً وهربوا الى دار الارسالية.

ولم تمضي عدة ايام، حتى كرر الاتراك القساة عملهم البربري. ذهبوا الى دار الارسالية الفرنسية الكاثوليكية والقوا القبض على 50 آخرين. ربطوهم ووضعوهم على جبل اليهود وقتلوهم هناك. (هناك تل قرب المدينة، كانوا يسمونه “جبل اليهود” وهذا المكان هو مقبرة اليهود.)

أيضاً حوالي 60 شخصاً آخرين ممن أستخدمهم الاتراك كحمالين. هؤلاء حَمَّلوهم أحمالاً من كاور الى أورمية. بعد وصولهم الى أورمية، أخذهم الاتراك الى قلعة اسماعيل أغا، وقتلوهم في أحد الوديان. اثنان من الجرحى لم يموتا. في الليل هربا الى دار الارسالية.

من كثرة الناس في هذه الدار، بدأ مرض الحمى يسري بينهم. الشخص الاول الذي مات بهذا المرض، كان الشماس شمؤيل خوشابا ملَّت باشا (رئيس الطائفة). كانت هناك اشاعة بأن الاتراك سيلقون القبض على هذا الشخص الوقور، علمنا بعد ذلك، بأنه مرض من الخوف ومات في 8-أيار-1915، وكذلك زوجة الدكتور ماكدويل مرضت وماتت بنفس الداء. وهكذا فتاة تدعى الانسة مادلين فاروشايت، سويسرية الجنسية، مهمتها تعليم اللغة الفرنسية. والانسة لينور آر. شوبيل، مديرة مدرسة البنات، كلتا الفتاتين ماتتا بمرض الحمى، هكذا سرى هذا المرض بين الناس وأدى الى وفاة الكثيرين.

من القرى كنا نسمع دائماً نداءات الاستغاثة بسبب خطف الاكراد والاتراك للبنات والنساء. كان اعضاء الارسالية ياخذون معهم الجنود الايرانيون ليبحثوا عنهن ويفدوهن بالاموال. في احدى المرات سمعنا استغاثة بسبب خطف الكثير من النساء. دكتور شيد كان في طريقه الى رئيس المدينة، عزيم السلطانة، ذهبوا معاً، بصعوبة كبيرة استطاعوا انقاذ 200 أمراة. وبعد ان دفعوا مبالغ كبيرة، واتوا بهن الى دار الارسالية الامريكية.

رئيس المدينة هذا، كان حاكماً سابقاً في اورمية، وان لم يكن يملك صلاحيات واسعة، الا أنه كان يحاول المساعدة بكل جهده وبمساعدة اخرين.

مسلم معروف، هو ابن حجي وكيل، لبى نداء رئيس المدينة وتبرع بمبلغ 500 تومان، مساعدة لانقاذ الاسرى.

مرة اخرى جاءت سيدة مسلمة، ذات وقار، ومعها خبز كثير على ظهر احد الحمالين، سلمته بيد مستر ميللر امام البوابة، ليوزع على اللاجئيين، كمساعدة خيرية انسانية.

مرة ثانية، بعض التجار تبرع بلحم ثور ليوزع على اللاجئيين المسيحيين.

احد المسلمين جاء بوعد مكتوب، بانه سيرسل 15 طناً من الحنطة كمساعدة الى اللاجئين الاشوريين.

هكذا مساعدات كانت تصل من المسلمين المتدينين، بعضهم كان صديقاً قديماً للمسيحيين.

بين فترة واخرى كان ياتي الاتراك ويطلبون من الارسالية ارسال اللاجئيين الى قراهم. بسبب عدم وجود خطر عليهم، لكن المسيحيون كانوا يخافون العودة.

في احدى المرات، وجه الشاهبندر، قنصل تركيا دعوة لبعض الناس للحضور الى القنصلية، وطلب منهم اعداد 50 الف قميص للجنود الاتراك. أعلن المدعوون استعدادهم لتحضير 10 الاف فقط. هذا العمل كان عبئاً ثقيلاً على الاسرى.

خروج العشائر

ونزوحهم الى اذربيجان.

في تشرين الاول -عام 1915، وقعت حرب مريرة في “كردستان”، بين العشائر المسيحية من جهة، التركية والكردية من جهة اخرى. الاتراك بالسلاح الثقيل والاستعدادات الضخمة. بعد حرب حامية. لم يستطع اخواننا العشائر ان يصمدوا. فكان لابد ان يتركوا بيوتهم واملاكهم. رحلوا الى اورمية، سلامس، وخوي. ولكن في صيف 1916 بمساعدة بعض الجنود الروس، ووسط المعارك الطاحنة، حاولوا العودة الى ديارهم. ولكن مرة اخرى واجهوا قوات الاتراك يساعدهم الاكراد ذوي العدد الكبير والسلاح الوفير وبعد معارك كبيرة، عاد اخواننا ابناء العشائر الى اذربيجان دون ان يحالفهم التوفيق. هذه القلاقل والعداوات بين المسلمين والمسيحيين بين فترة واخرى كانت تزداد بسبب الاختلاف الديني.

ان ظروف انسحاب الجيش الروسي الى قفقاسيا وعودته مرة اخرى الى اذربيجان، ايران. كانت تحدث بسبب ان اياً من الجيشين عندما كان يقوى، كان الجيش الاخر ينسحب الى الخطوط الخلفية.

القوات الروسية تنسحب مرة اخرى من اذربيجان

بالرغم من عودة جزء من الجيش الروسي الى اورمية. وخروجنا من دور الارساليات، وعودتنا الى قرانا، وحيث ان المعارك كانت على اشدها بين روسيا وتركيا، كنا نرى الجيش الروسي ينسحب الى داخل قفقاسيا احياناً واحياناً اخرى ينسحب الاتراك.

في آب-1915 انسحب الجيش الروسي من اورمية. وبخروجه، تركنا نحن المسيحيون املاكنا وهربنا معه. رافق قسماً من شعبنا الجيش الى ان وصلوا الى تفليس.

وصل القسم الاخر منا الى قوججيا، وهي قرية صغيرة تقع بالقرب من قرية كَويلَّن. هناك استرحنا في بستان لوز، حيث أقمنا لمدة 15 يوماً، الى ان انتصر الجيش الروسي على الجيش التركي وعاد الى اورمية، فعدنا معه نحن ايضاً، الى بيوتنا.

البطريرك مار بنيامين يلبي دعوة عم ملك روسيا

في كانون الاول من عام 1915، تلقى البطريرك مار بنيامين دعوة من الامير نيقولاي عم الملك قيصر روسيا، ليذهب الى لقائه في تفليس. وبوصوله هناك، تم استقباله باحترام كبير. وفي نفس الوقت، أرسل اليه الامبراطور قيصر روسيا برقيه، يعده فيها، بأنه سيقدم كل المساعدات الى الاشوريين، ليبقوا في ديارهم بأمان.

هكذا بعد عودة البطريرك، في السنة التالية 1916، في شهر ايلول. ما زال قسماً من الجيش الروسي في اورمية، وفي مناطق اخرى، وبطلب من روسيا يتم لقاء بين احد الجنرالات الروس وبين البطريرك مار بنيامين. هدف اللقاء كان، الاتفاق على أنشاء قوة عسكرية مكونة من فرقتين، أفرادها من العشائر الاشورية لمساعدة الجيش الروسي، وحماية الحدود المتاخمة لتركيا.

هكذا تم تأسيس الفرقتين، تدريبها، وتسليحها، تحت امرة الضباط الروس. وسنجد لاحقاً انها (الفرقتين) أصبحت اداة فعالة في الحروب الدموية، ضد أعدائنا الاكراد والاتراك.

لسوء حظ شعبنا، وكل العالم، وفي هذا الوقت الذي كنا فيه ندعم القوات الروسية، في شهر ايلول من عام 1917، وبينما روسيا منهمكة في الحرب العالمية، حدثت قلاقل في البلاد، ادت الى سيطرة البولشفية. هكذا قُتل كل اعضاء العائلة الملكية، أنسخب الجيش الروسي من كل اذربيجان، ما عدا نفر قليل من الضباط والجنود فضل البقاء في اورمية. لعدم رغبتهم الاشتراك مع البلاشفة اولاً، وثانياً، ارادوا مساعدتنا، من ضمنهم ثلاثة جنرالات (قوزمين، سيمنوف، وقندراتو).

بعض هؤلاء الجنود تركوا الخدمة العسكرية، وقاموا ببعض الاعمال اللاأخلاقية، قاموا بكسر ابواب مخازن السلاح وبيعه للجميع بدون تمييز، حتى للمسلمين، وللاكراد والاشوريين. وحتى سوق مدينة اورمية، بدأوا بسلبه وحرقه بعد ذلك. الى ان تدخل ضباطهم واوقفوهم.

لقاء مهم بين البطريرك مار بنيامين والجنرال الروسي سيمنوف

في شهر كانون الاول 1917 حدث لقاء في اورمية، بين البطريرك (الذي حضر من سلامس) لزيارة الجنرال الروسي سيمنوف، كانوا ينوون وضع خطط الحرب في هذه الزيارة، الموجودون كانوا، الكونت قوزمين، مسؤول الفرقتين الاشوريتيين. والكابتن كريسا المبعوث الانكليزي من البعثة العسكرية في قفقاسيا الروسية. التي كانت تحت قيادة الجنرال اوفلي شور. كان الامل الكبير ان يحضر الكابتن كريسا ليخبرهم بقبول الاشوريين طرفاً مع الحلفاء. ليحاربوا ضد الاعداء. وفي نهاية الحرب يحصلوا على حريتهم.

كذلك حضر الاجتماع قنصل امريكا، وممثل الصليب الاحمر، والدكتور وليام أ. شيد، وآغا بطرس.

أقترح كابتن كريسا على البطريرك ان يزور سيمكو، اسماعيل اغا شكاكي. ليتفقوا معاً على الاتحاد ضد الاتراك. بسبب ان سيمكو وعد الانكليز بأن يكون حليفهم، كان الكابتن كريسا قد زار سيمكو وحصل على الوعد منه.

ما هي شخصية التركي؟

هذه بعض ملاحظات التي اخذت عن مجلة تصدر في لندن اثناء الحرب العالمية الاولى، تتحدث عن شخصية الفرد التركي.

1_ التركي كحاكم، شخص بلا رحمة.

2_ كممثل للسلطة، للاتفاق او وضع الشروط، هو شخص حيال.

3_ كجندي هو محارب شرس وحشي كحيوان.

4_ كمنتصر، هو شخص ظالم، وبلا ضمير وبلا رحمة.

5_ وقد حقق هدفه، يظهر نفسه كشخص مسكين، هكذا من الصعوبة للذين لا يعرفون التركي، ان يصدقوا بانه ظالم وبلا رحمة.

الفصل الخامس

احوال الاشوريون في اذربيجان من بداية سنة 1918.

وحرب الاشوريون مع المسلمين في اورمية.

الحرب العالمية مازالت مستعرة. عداوة بين مسلمي اورمية وبين المسيحيين، الذين ازداد عددهم، وازدادت روح الاخذ بالثأر في قلوب هوشار اورمية.

بالرغم من ان زعماء شعبنا مع زعماء مسلمي اورمية، يلتقون مع بعضهم لحفظ السلام في المنطقة. ولكن بدون نتائج جيدة للسلام. حيث ان الجانبين، الاشوريون والمسلمون، مسلحون وحاقدون على بعضهم.

22 شباط 1918، مسلمي مدينة اورمية، تحت قيادة عشرت هَمَيون الحاكم الرسمي لاورمية في تلك السنة، هجموا على المسيحيين، من كل جوانب المدينة.

اثناء الحرب الشرسة التي دارت ليومين حيث كنا، تحت قيادة الضباط الروس. من داخل ديكالة ومن داخل جهَربَّخش، يعني من هذا وذاك الجانب فتحوا عليهم النيران بغزارة. في هذه الاحوال المقلقة استسلم المسلمون برفع الراية البيضاء (قطع القماش البيضاء)، من فوق السطوح ومن شبابيك البيوت. كانت النتيجة، سقط قتلى وجرحى من الجانبين، واخيرا، أتى الكثير من الملالي واتباعهم، تركوا المدينة تحت رعاية الدكتور شيد. وقعت الان سلطة المدينة بيد الاشوريين بعد استسلام المسلمين، هرب الحاكم اجلال المُلك ووجد له ملجأً عند المونسنيور سنتاك (مطران فرنسي مبعوث البابا)، في دار الارسالية الكاثوليكية. طلب اغا بطرس قائد القوات الاشورية، رسمياً من المونسنيور سنتاك تسليم عشرت هومَيون للجيش لغرض محاكمته، لكن المطران المذكور رفض تسليمه للجيش. كان عشرة هومَيون مع عائلته في حماية الارسالية. في نفس ذلك الوقت الذي كنا نحن نحكم اورمية. الى 18 تموز 1918 التقويم الشرقي، تركنا اورمية في هذا اليوم وهربنا الى ساين قلعة.

هنا الجدير بالذكر، بعد ستة اشهر، عندما تركنا، نحن المسيحيون اورمية، وهربنا الى ساين قلعة. الحاكم المذكور الذي كان يحميه المطران المسكين، ليس لوحده فحسب، ولكن عائلته ايضا. في هذا الوقت بدلاً من تقديم الشكر والامتنان للمطران لخدمته، وحمايته من العقوبة. قام بنفسه بقتل المطران الفرنسي، المونسنيور سنتاك. ايضاً ناكر الجميل هذا، اعطى اوامره بقتل مار توما اودو. مطران الارسالية الكاثوليكية في اورمية وسلامس، مع سبعة كهنة اخريين من الارسالية الفرنسية. ثلاثة مبشرين بروتستانت، مع كثيرين اخرين قتلوا باوامر هذا الظالم.

عندما سقطت اورمية بيدنا، المسيحيون، لم يكن هدفنا ان نكون حكاماً لاورمية. لكننا حاولنا تشكيل لجنة مكونة من مسيحيين ومسلمين لتسيير امور المدينة، هذا المجلس تم تشكيله. سردار المدينة، الحاكم السابق، عزيم السلطانة، تم تعينه حاكما بدلا عن عشرة هومايون الحاكم الغدار والمحتال.

السردار كان الشخص الاكثر تعاطفا مع الاشوريين، وباوامر من اغا بطرس كان في حماية الحراس الاشوريين، حتى لا يتعرض له الاشوريون او الارمن بالاذى. لكن في احد الايام جاء الشماس فرهد من قرية وزيراباد، طلب الاذن من الحراس الاشوريون ليدخل عند السردار. قال لهم “ان السردار كان اغا قريتنا، انا وكيل مسؤولي القرى اريد ان اراه”. وثق الحراس وصدقوا معلومات الشماس فرهد. هكذا منحوه الاذن بالدخول اليه. بعد الدخول في ديوان السردار، سمع الحراس صوت اطلاق نار، دخلوا ووجدوا السردار مع مساعده مقتولين بيد الشماس فرهد. فألقوا القبض عليه ليُحاكمه اغا بطرس. كانت عقوبته الاعدام شنقا امام باب بيت السردار.

في عام 1918 وبعد سيطرتنا على مدينة اورمية، عاد القنصل الروسي، باسيل نكتين مرة اخرى الى المنطقة. وفي نفس الوقت وصل المستشفى الكاثوليكي الفرنسي، تحت أمرة الدكتور فال قوجيل عن طريق البحر الى اورمية لمساعدة المرضى.
مقتل مار بنيامين

بيد سيمكو، أسماعيل آغا.

في الثالث من اذار سنة 1918 وقع حادث مؤسف لشعبنا. البطريرك مار بنيامين، يدعوه سيمكو (اسماعيل اغا) للذهاب اليه والاتفاق معه. لحفظ السلام وترسيخ الصداقة بين الاشوريين والاكراد. كان سيمكو قد وعد الانكليز بان يكون حليفهم ضد الاتراك.

في 16-اذار، ذهب البطريرك مع مجموعة مسلحة من الشباب، لزيارة سيمكو في كوهنشهر_سلامس. البطريرك مع بعض الزعماء الذين معه، كـ شمويل خان واخيه ايشاي، واربعة ضباط روس، أستقبلهم سيمكو باحترام كبير ورافقهم الى داخل الديوان، حيث يجلسون.

بدأوا ببعض الاحاديث الودية وشرب الشاي، انتهت الزيارة، قام البطريرك ومرافقيه للخروج، مرة اخرى، يودعونهم بكل تقدير واحترام، وخاصة سيمكو، هذا المجرم قاسي القلب، الذي يقبل يد البطريرك عند الوداع.

عند عودة سيمكو الى غرفته والموكب ما زال واقفاً في محله، فجاة اُطلقت رصاصة من شباك باتجاه البطريرك، وكانت هذه اشارة للاخرين، كان الكثير من الاكراد المسلحون على السطوح، بداوا باطلاق النار على البطريرك وعلى مرافقيه، هكذا قُتل البطريرك مع 47 مسلحاً، من ضمنهم اربعة ضباط روس، شمويل خان واخيه ايشا كانوا من المقتولين، 46 اخرين جرحى، كل هذا على يد قوات سيمكو، هذا المجرم الوحشي. 48 مقاتلاً اخرين، قتلوا بعد ذلك، اثناء احتلال “جاره” مقر سيمكو وقلعته الحصينه.

بعد معركة حامية في جاره، هرب سيمكو مع عشيرته باتجاه خوي، كان هناك عدد كبير من الاشوريين، ابناء عشيرة (تخوما)، وبعض التياريين، وعدد من ابناء عشيرة مار بيشو. كل الهاربين من كردستان (آشور-المترجم)، وصل عددهم الى اربعة الاف، بوصول العشيرة الكردية لخوي، قام اكراد وهوشار خوي بقتل كل الاشوريون هناك، بالرغم من عدم معرفة العدد الحقيقي للقتلى، في المدينة، لعدم وجود مصادر موثوقة، لكن من المعتقد ان عدد القتلى وصل الى 3800 شخصاً.

ومن الجدير بالذكر هنا، كما احتال سيمكو ليقتل البطريرك مع 47 من حاشيته، هكذا احتال الجيش الايراني على سيمكو وقتله اثناء ضيافته في مدينة اوشنوق في كردستان.

حرب الاشوريون

مع مسلمي اورمية في القلاع خلف اورمية.

كما ذكرنا سابقاً، الان سقطت السلطة في مدينة اورمية بيد المسيحيين. لكن في جوار المدينة كان هناك قلاع محتلة من قبل العدو، الجنود الايرانيين.

بالقرب من المدينة، هناك قلعة ناصر داولة (هذا الشخص كان من رجالات اورمية المحترمين)، كان بعض الجنود الايرانيون قد اعتصموا في قلعته. ارسل اغا بطرس مجموعة اشورية عسكرية، حاصروا القلعة، مما ادى الى استسلام الجنود الايرانيين.

كذلك قلعة اخرى تعود الى سيدة تدعى قيسر خانم، هناك ايضاً، كان عدد من الجنود الايرانيون قد اعتصموا، ولكن بعد قتال عدة ساعات، استسلموا هم ايضاً، للقوات الاشورية.

بعد هذه الانتصارات، أرسل جيشنا الى قرية قاسملوا على حدود اورمية. في وادي قريب من اوشنوق. قرية كبيرة، بلغ عدد بيوتها ما يقرب من الالف، كانت محتلة من قبل الاكراد والاتراك، بعد معركة دموية سقطت بيد قواتنا، وكانت ضحايانا، ستة شباب، وقد اُسر عدد كبير من الاتراك مع كمية كبيرة من السلاح.

في الايام التالية، 23 – 28 من شهر نيسان، من نفس عام 1918، وقعت معركة اخرى حامية لاحتلال قلعة في قرية عسكراباد، ليست ببعيدة من اورمية. القلعة كانت مليئة بالمقاتلين الهوشار والاكراد، مدججين بالسلاح، كانوا يسمون المقاتلين الهوشار بـ”القبعات السود”. بعد معركة حامية استمرت عدة ايام، تم احتلال القرية من قبل المسيحيين، واسر بعض الجنود، ولكن اغلبيتهم هرب الى جبال كردستان. قُتل عدد من شبابنا، جُرح اخرين.

معارك كثيرة حامية بين الاشوريين والاتراك.

في شهر نيسان من عام 1918، أُرسلت قوة اخرى من جيشنا الى اوشنوق، لتقوية قواتنا هناك. استعداداً للحرب ضد الفرقة السادسة من الجيش التركي، بدأت معركة قوية، كسرت قواتنا شوكة العدو. كانت النتيجة، 31 أسيراً، والغنائم سلاحاً كثيرا.

فور انتهاء معركة اوشنوق، وصلت قوات جديدة للعدو من الشمال، وصلت قرب قرية سيرا، على بعد عشرة اميال من مدينة اورمية. بعد معركة استمرت ثمانية ايام اندحر العدو بعد ان قدم 350 أسيراً. من ضمنهم، جنرالان، 24 ضابط، مع كمية كبيرة من السلاح بأنواعه المختلفة.

في ختام شهر نيسان هذا، عاد المستشفى الفرنسي بأدارة الدكتور فال قوجول، الموجود في اورمية منذ شهر شباط، مرة اخرى الى تبروز. وعاد ايضاً القنصل الروسي باسيل نيكتين.

وقبل ان تلتقط قواتنا انفاسها من المعارك السابقة، جاءت قوة اخرى، الفرقة الخامسة، بقيادة علي حسن باشا من اتجاه خوي وهجمت على سلامس. ولكن مرة اخرى وبعون الرب، اندحر العدو وقدم اسرى كثيرين، حيث غنمت قواتنا سلاحهم. لكن في 15-حزيران، عاود نفس هذا الجيش المندحر بقيادة علي حسن باشا، وبمساعدة الفرقة السابعة، ومن جانب باش قلعة، الهجوم مرة اخرى على سلامس، وصلت فوراً مساعدة من اورمية، لتقوية جيشنا في سلامس، مقابل الجيش التركي الكبير، بالرغم من كون جيشنا اقل عدداً بكثير من جيش العدو (الاتراك والاكراد)، لكن بعون الرب، تم دحر العدو حيث كبدناه 25 جندياً اسيراً، طبيب الجيش، مع عدد كبير من الرشاشات وانواع الاسلحة المختلفة.

بعد هذا الانتصار، ترك سكان سلامس بيوتهم ومتاعهم وهربوا الى اورمية.

من ضمن الاسرى الاتراك، كان هناك جندي اسمه علي جاووش. استعمل رشاشه بكفائه عالية. وبسبب ان هؤلاء الاسرى كانوا يحصلون على الرعاية الجيدة من مأكل وطبابة وغيره، جاء علي جاووش الى اغا بطرس قائلاً “اغا، لقد حاربت بكل اخلاص لمصلحة بلدي، الان، وبعد ان عرفتكم شعباً شجاعاً ورحيماً، لهذا فأنا أُقسم بشرفي والهي، اذا وافقت انت، ان انظم الى قواتكم، واحارب بأخلاص الى جانبكم، كما كنت مخلصاً لبلادي، بشرط ان تسلموني رشاشي.”

وافق اغا بطرس على طلب علي جاووش، وامر ان يعاد له رشاشه، هكذا وَفَى علي جاووش بوعده وحارب، الى النهاية، الى جانب الاشوريين.

بعد الوصول الى بعقوبة، انضم علي جاووش الى الشرطة، واُرسل الى عقرة، وهناك تزوج من فتاة عقراوية، هي ابنت او اخت عثمان يوسف، بعد ذلك دعته الحكومة التركية، حيث اخذ زوجته ورحل، ليعمل برتبة ضابط في اقليم ديار بكر، كما ذكر في رسائله الى حموه عثمان يوسف.

الكثير من الاسرى الاتراك، والاكراد، والهوشار من الذين أُسروا في المعارك وغيرها، كانوا يقيمون في مقرات الارساليات الامريكية. حيث المأكل والطبابة، في احد الاوقات وصل عدد الاسرى الاتراك اكثر من 400 اسيراً. مع الملالي ورجال الدين وصل عددهم الى اكثر من 700 شخصاً. في اوقات اخرى من عام 1918 قل الطعام في اورمية. اصبحت حصة كل أسير نصف باوند من الزبيب، مع كمية من الخبز، في نفس الوقت الذي كان فيه مسلمين اخرين يموتون من الجوع.

اندرانيك باشا

يرسل موفديه الى اورمية.

في هذا الوقت العصيب والحرج، في شهر نيسان من عام 1918، اندرانيك باشا، الجنرال الارمني المشهور والمقيم في يرفان، ارمينيا، معه جيش بلغ 60 الف جندي مسلحين جيداً، ارسل رسالة مع ثلاثة موفدين ارمن الى قيادة القوات الارمنية والاشورية في سلامس واورمية. ليتحدوا مع بعضهم في خوي، لكن الوفد لم يصل لدى الاشوريين، وقد قيل ان الوفد التقى مع ليون باك، بعد معركة دموية سقطت بيد قواتنا، وكانت ضحايانا، ستة شباب، وقد اُسر عدد كبير من الاتراك مع كمية كبيرة من السلاح.

في الايام التالية، 23 – 28 من شهر نيسان، من نفس عام 1918، وقعت معركة اخرى حامية لاحتلال قلعة في قرية عسكراباد، ليست ببعيدة من اورمية. القلعة كانت مليئة بالمقاتلين الهوشار والاكراد، مدججين بالسلاح، كانوا يسمون المقاتلين الهوشار بـ”القبعات السود”. بعد معركة حامية استمرت عدة ايام، تم احتلال القرية من قبل المسيحيين، واسر بعض الجنود، ولكن اغلبيتهم هرب الى جبال كردستان. قُتل عدد من شبابنا، جُرح اخرين.

معارك كثيرة حامية بين الاشوريين والاتراك.

في شهر نيسان من عام 1918، أُرسلت قوة اخرى من جيشنا الى اوشنوق، لتقوية قواتنا هناك. استعداداً للحرب ضد الفرقة السادسة من الجيش التركي، بدأت معركة قوية، كسرت قواتنا شوكة العدو. كانت النتيجة، 31 أسيراً، والغنائم سلاحاً كثيرا.

فور انتهاء معركة اوشنوق، وصلت قوات جديدة للعدو من الشمال، وصلت قرب قرية سيرا، على بعد عشرة اميال من مدينة اورمية. بعد معركة استمرت ثمانية ايام اندحر العدو بعد ان قدم 350 أسيراً. من ضمنهم، جنرالان، 24 ضابط، مع كمية كبيرة من السلاح بأنواعه المختلفة.

في ختام شهر نيسان هذا، عاد المستشفى الفرنسي بأدارة الدكتور فال قوجول، الموجود في اورمية منذ شهر شباط، مرة اخرى الى تبروز. وعاد ايضاً القنصل الروسي باسيل نيكتين.

وقبل ان تلتقط قواتنا انفاسها من المعارك السابقة، جاءت قوة اخرى، الفرقة الخامسة، بقيادة علي حسن باشا من اتجاه خوي وهجمت على سلامس. ولكن مرة اخرى وبعون الرب، اندحر العدو وقدم اسرى كثيرين، حيث غنمت قواتنا سلاحهم. لكن في 15-حزيران، عاود نفس هذا الجيش المندحر بقيادة علي حسن باشا، وبمساعدة الفرقة السابعة، ومن جانب باش قلعة، الهجوم مرة اخرى على سلامس، وصلت فوراً مساعدة من اورمية، لتقوية جيشنا في سلامس، مقابل الجيش التركي الكبير، بالرغم من كون جيشنا اقل عدداً بكثير من جيش العدو (الاتراك والاكراد)، لكن بعون الرب، تم دحر العدو حيث كبدناه 25 جندياً اسيراً، طبيب الجيش، مع عدد كبير من الرشاشات وانواع الاسلحة المختلفة.

بعد هذا الانتصار، ترك سكان سلامس بيوتهم ومتاعهم وهربوا الى اورمية.

من ضمن الاسرى الاتراك، كان هناك جندي اسمه علي جاووش. استعمل رشاشه بكفائه عالية. وبسبب ان هؤلاء الاسرى كانوا يحصلون على الرعاية الجيدة من مأكل وطبابة وغيره، جاء علي جاووش الى اغا بطرس قائلاً “اغا، لقد حاربت بكل اخلاص لمصلحة بلدي، الان، وبعد ان عرفتكم شعباً شجاعاً ورحيماً، لهذا فأنا أُقسم بشرفي والهي، اذا وافقت انت، ان انظم الى قواتكم، واحارب بأخلاص الى جانبكم، كما كنت مخلصاً لبلادي، بشرط ان تسلموني رشاشي.”

وافق اغا بطرس على طلب علي جاووش، وامر ان يعاد له رشاشه، هكذا وَفَى علي جاووش بوعده وحارب، الى النهاية، الى جانب الاشوريين.

بعد الوصول الى بعقوبة، انضم علي جاووش الى الشرطة، واُرسل الى عقرة، وهناك تزوج من فتاة عقراوية، هي ابنت او اخت عثمان يوسف، بعد ذلك دعته الحكومة التركية، حيث اخذ زوجته ورحل، ليعمل برتبة ضابط في اقليم ديار بكر، كما ذكر في رسائله الى حموه عثمان يوسف.

الكثير من الاسرى الاتراك، والاكراد، والهوشار من الذين أُسروا في المعارك وغيرها، كانوا يقيمون في مقرات الارساليات الامريكية. حيث المأكل والطبابة، في احد الاوقات وصل عدد الاسرى الاتراك اكثر من 400 اسيراً. مع الملالي ورجال الدين وصل عددهم الى اكثر من 700 شخصاً. في اوقات اخرى من عام 1918 قل الطعام في اورمية. اصبحت حصة كل أسير نصف باوند من الزبيب، مع كمية من الخبز، في نفس الوقت الذي كان فيه مسلمين اخرين يموتون من الجوع.

اندرانيك باشا

يرسل موفديه الى اورمية.

في هذا الوقت العصيب والحرج، في شهر نيسان من عام 1918، اندرانيك باشا، الجنرال الارمني المشهور والمقيم في يرفان، ارمينيا، معه جيش بلغ 60 الف جندي مسلحين جيداً، ارسل رسالة مع ثلاثة موفدين ارمن الى قيادة القوات الارمنية والاشورية في سلامس واورمية. ليتحدوا مع بعضهم في خوي، لكن الوفد لم يصل لدى الاشوريين، وقد قيل ان الوفد التقى مع ليون باشا قائد الجيش الارمني في وان، لكنه الان في اورمية، ما الذي حدث للوفد، هذا امر غير معروف، لكن عندما كنا ما نزال في اورمية، في عام 1918 سمعنا يقولون، ان الوفد وصل عند ليون باشا، وهناك كان يصد هجمات الاتراك، اندرانيك باشا كان يحاول ارسال المساعدات الى ليون باشا، في حربه مع الاتراك في وان. لكن ليون باشا رفض قبول مساعدة اندرانيك باشا، لذلك، كان اندرانيك باشا غاضباً عليه لغروره. هكذا اندحر جيشه وانهزم امام الاتراك، وحتى لا يحاكم ليون باشا على اخطائه، اغتال الموفدون الارمن الثلاث. مدعياً بأنه لم يكن يعرف بأنهم ارمن. بل اتراك، بهذه الطريقة يُنقذ نفسه من المحاكمة امام اندرانيك باشا. في حال حصول اتحاد القوات.

لسؤ حظ شعبنا، هذا الاتحاد لم يحصل، هكذا حتى جيش اندرانيك الكبير، شتته الاتراك، بالطبع لحد الان لا احد يعرف حقيقة ما حدث للوفد، سوى الارمن أنفسهم.

بعد الانتصار الاول لقواتنا على الاتراك في الحدود الجنوبية (خاصة على الفرقة السادسة بقيادة حاج ابراهيم افندي). عادت هذه الفرقة وبمساعدة من جهة الغرب، من الفرقة 12 بقيادة حيدر بك. قاموا بهجوم اخر على قواتنا، ولكون الرب معنا، فقد كانت النتيجة هزيمتهم واندحارهم، حيث تكبدوا الاسرى والسلاح.

ازدادت الظروف تعاسة، بسبب كثرة قوات العدو، عندئذ قرر اغا بطرس، بالاتفاق مع قادة قواتنا وزعماء الارمن. سحب قواتنا الى قرب المدينة. بسبب استحالة صمود الاشوريين ومعهم الارمن امام جحافل العدو، بالرغم من كون المسيحيين يحاربون بشجاعة والنصر حليفهم.

الان تم سحب قواتنا بالقرب من المدينة، ولكن قادة الجيش ما زالوا قلقين، كيف يمكنهم الاستمرار في ظروف حرجة كهذه؟.

بسبب المعاملة الانسانية التي قدمتها قواتنا للاسرى الاتراك من مأكل وطبابة وغيره. شعر الضباط الاتراك بالرحمة التي تملأ قلوب الاشوريين، تقربوا من اغا بطرس والقادة الاخرين ونصحوهم بالتالي “انتم شعب صغير، لكنكم حاربتم ببسالة. ننصحكم، بأنكم لا تستطيعون الصمود الى النهاية بوجه القوات التركية، ستُهزمون ان عاجلاً او آجلاً، اما وعود اصدقائكم الحلفاء فهي باطلة، فمن الافضل لكم الاستسلام لتركيا. نحن نعدكم بالمساعدة، بأن نكون وسطاء. ونمثلكم لدى السلطات التركية. بأن يحترموا استسلامكم. لكونكم شعب عزيز النفس، رحيم وشجاع. فلا يلحق بكم ضرر عند الاستسلام، تخلصوا من حليفكم الانكليزي والروسي، لأن هؤلاء لديهم مشاكلهم التي لا يجدون لها حلولاً. فكلما اسرعتم بالأستسلام، بقيتم في دياركم آمنين، وتعيشون بسلام.

لكن اغا بطرس مع قادة شعبنا الاخرين ردوا عليهم قائلين “من المستحيل ان نستسلم، حتى ولو تعرضنا الى الابادة، فالموت افضل لنا من خيانة حلفائنا”.

في نهاية حزيران شن، الاتراك والاكراد، هجمات كثيرة وقوية علينا، وإن كنا قد فقدنا الكثير من شبابنا. الا إن الله كان معنا، والنصر حليفنا، عدونا كان مهزوم دائماً، وجنوده اسرى لدينا، وسلاحه غنيمتنا، وأسراهم كانوا يَسرون بأستسلامهم. لأن ذلك يعني خلاصهم من القتل، بالاضافة الى توفر الاكل، بعد ان وُجد في حقائبهم القرع المجفف فقط.

في فترة 1917 – 1918 بلغ عدد الهجمات علينا اربعة عشر، من ثلاث جهات اورمية، لكن بعون الرب كنا نحن دائماً المنتصرين، نشكر الرب لخلاصنا.

مقتل 180 جندي اشوري في صحن الشرفخانة قرب تبروز.

مأساة اخرى وقعت لنا عندما بدأ سلاحنا وعتادنا بالنفاذ. حيث اصبح واضحاً ان القوات الروسية تركت الكثير من السلاح في الشرفخانة، في ميناء على الجانب الاخر من بحيرة اورمية، لجهة تبروز. أعد الاشوريون 180 من المقاتلين المسلحين في سفينة، بقيادة قبطان الماني، اسمه نرمان خان، هذا الالماني كان نسيب الاشوريين. متزوج من راحيل خانم أخت الشماس ابراهيم من مدينة اورمية. وصل الاشوريون الى صحن الشرفخانة. لكن كما علمنا، بأنه من الممكن ان نرمان خان غدر بالاشوريين. حيث قاد السفينة في المياه الضحلة، أو أنها أنساقت الى المياه بدون علم القبطان، ولم يستطيعوا اخراجها من الطين بعد ذلك. هنا تجمهر ابناء تبروز، وهم مسلحين، القوا القبض على الاشوريين، نزعوا سلاحهم، ساروا بهم في شوارع تبروز، ثم قادوهم الى صحن الشرفخانة، وهناك قتلوهم.

ان حادثة مقتل 180 مقاتلاً لم تكن واضحة لدينا، يا رب! ان هؤلاء الـ 180 مسلحاً الذين أُلقي القبض عليهم وقُتلوا، هل حاربوا مسلمي تبروز، أم انهم لم يحاربوا؟ بسبب انهم لم يكونوا مستعدين للقتال، لقلة العتاد. الحادثة لم تكن واضحة حينئذٍ. كل المسيحيين أعلنوا الحداد على مقتل الشباب.

الفصل السادس

احوال المسيحيين في اورمية.

في شهر تموز 1918 ظهرت طيارة في سماء اورمية

بعد كل هذه الحوادث المؤسفة التي وقعت لنا في سنين الحرب في اورمية، وفي الجبال. وبالحادثة التي سأذكرها اخيراً، اعتقدنا ان خلاصنا قريب، حيث مقابل هذه، وقعت ماساة قلع جذورنا من ديارنا، ومحو وجودنا، ففي 8 – تموز (بالتقويم الغربي)، 26-حزيران (التقويم الشرقي) من عام 1918، ظهرت فجاة طائرة في سماء اورمية، أعتقد الاشوريون انها طائرة تركية، لهذا صاروا يطلقون النار عليها من كل الاتجاهات، رفع قائد الطائرة الراية البيضاء، أستمر في التحليق، حتى وجد الفرصة المناسبة، للهبوط في مروج قرية سنكر. وجد الاشوريون ان الطيار هو انكليزي (الكابتن فينكتن). برؤية هذا البريطاني، فرحوا جداً، وأخذوا الطيار الى المسؤولين الاشوريين. حيث عقد زعمائنا اجتماعاً بقيادة اغا بطرس، حضرته سورما خانم، أخت البطريرك مار بنيامين، دكتور شيد، مدير الارسالية الامريكية البروتستانتية، وبعض زعماء الارمن، وعدد من الضباط الروس الذين كانوا معنا لمساعدتنا، (كما ذكرنا في السابق).

قال الطيار للجنة المجتمعة حوله: ايها الحلفاء، ان بريطانيا تتعاطف معكم جداً، لمساعدتكم بالقتال ببسالة، وبسبب هذه المساعدة، فأنهم سوف يمنحونكم كمية كبيرة من السلاح، الملبس، والمأكل، وكل المساعدات التي تحتاجونها، ولكننا نطلب منكم ارسال الفي مقاتل مسلحين من الفرسان، ليصلوا خلال عدة ايام الى ساين قلعة، التي تقع على بعد 150 ميلاً جنوب شرقي اورمية. عندئذ، وبسرعة تعودون مع الجيش البريطاني الى اورمية.

بعض اعضاء هذه اللجنة لم يتفق مع هذا الراي، خاصة الدكتور شيد، الذي كان دائما يقول “يجب ان تحافظوا على اورمية، لان نهاية الحرب قريبة، وستحصلون على حقوق في اذربيجان لأنكم ساعدتم الحلفاء، كما وعدتكم”. (هنا اكد الوعود التي قطعها الكابتن كريسا، عند قدومه من تفليس الى اورمية في3 – كانون الاول – 1917).

كان كابتن كريسا مبعوثاً او ممثلاً للسلطات البريطانية، قادماً من السفارة البريطانية في قفقاسيا، الذي نقل عن حكومته، بحضور البطريرك، عندما عاد لتوه من سلامس، وكذلك بحضور باسيل نيكيتين، القنصل الروسي في اورمية. وايضاً دكتور بول قوجول القائم بالأعمال الفرنسي، رئيس مستشفى العازاريين، حيث كرر الوعد المقطوع للاشوريين، بانهم سيُمنحون موطناً، تحت ادارتهم الذاتية، في اذربيجان، وفي هيكاري في كردستان (اشور-المترجم).

ولكن للأسف، القرار الاخير كان ان نذهب للاتصال بالقوات البريطانية، الموجودة في ساين قلعة، حيث صدق الاشوريون وبسرعة كلام الطيار، كابتن فينكتن، بأنهم عندما يصلوا الى هناك سيعودون بسرعة الى اورمية مع القوات الانكليزية.

هنا يجدر بالذكر، بوصولنا الى همدان، عندما بدأت اللجنة الاشورية بحث قضيتنا مع البريطانيين، وذكروا فيه وعود الكابتن كريسا لنا، فأن الأنكليز نكروا وعودهم لنا، وقالوا بأنه لايوجد شخص اسمه الكابتن كريسا يعمل لديهم، وان الاشوريين حاربوا لحماية انفسهم من اعدائهم،

بهذا الخبر وقع الاشوريون في شك، بأن هناك مؤامرة، لقلع جذورنا من اذربيجان، وابعادنا عن صديقنا الاول الروس، حتى لانتحالف معهم، او يقوموا هم بحمايتنا ويأتوا لأحتلال اذربيجان. بسبب ان سحب قوة عسكرية مكونة من الفي جندي من اورمية، حيث يحاربون الجيوش القوية للاتراك والاكراد والايرانيين، هو صدمة قوية للاشوريين والارمن.

حسب الاتفاق مع زعمائنا، والطيار، كابتن فانيكتن، ما يقرب من 1800 جندي مسلح من الفرسان، تحت قيادة اغا بطرس ومعه شليمون مالك اسماعيل، ابن شمويل خان، مار يوسف، مار سركيس، واخرين، في الاول من تموز بالتقويم الشرقي، عام 1918، شقوا طريقهم وسط معارك حامية، مخترقين صفوف الاعداء وصولوا الى ساين قلعة، متأخرين يومين عن الموعد المتفق عليه، بسبب المعارك التي خاضوها في الطريق، وجدوا ان الأنكليز قد أنسحبوا من ساين قلعة، ولكن بعد وصولهم، اتصلوا تلفونياً بالانكليز، حيث عاد هؤلاء الى ساين قلعة، وهناك التقوا مع جيشنا.

ماليك خوشابا

يسافر الى الموصل عن طريق كردستان

قبل وقت قصير من خروجنا الجماعي من اورمية الى ساين قلعة، أخذ مالك خوشابا معه 12 شاباً مسلحاً من التياريين، شق طريقه وسط جبال كردستان (جبال اشور-المترجم)، بهدف الوصول الى الموصل، ليطلب المساعدة من الانكليز. لمدة ايام طويلة من السفر الشاق، ينامون في النهار، ويسيرون في الليل وسط صفوف العدو، حتى وصلوا اخيراً الى دير الربان هرمزد، قرب القوش، عدة اميال شمال الموصل، وهناك عندما سمعوا ان الموصل ما زالت تحت السيطرة التركية، وان كانوا في حالة تعب شديد، جوعى وعطشى. مرة اخرى، عادوا من نفس الطريق الشاق والصعب، وصولاً الى اورمية. لكن عند وصولهم وجدوا ان شعبنا قد رحل من هناك، هكذا وبمساعدة دليل (حيث هددوه بالقتل ان لم يرشدهم) وصلوا الى همدان. هناك ألتقوا بالشعب، ومن همدان الى بعقوبة، هذه الرحلة بلغت الف ميل.

الفصل السابع

الارساليات الاجنبية

تتمركز في اورمية ومناطق اخرى

في سنة 1829، مبشر امريكي من المذهب البروتستانتي، تفقد اورمية وجبال كردستان (جبال اشور-المترجم)، ليجد ان الاشوريين القاطنين في هذين الاقليمين تنقصهم المعرفة والعلم، وكذلك هم بحاجة الى الكتاب المقدس، لهذا وبواسطة هذا المبشر، استقر عدد كبير من المبشرين الامريكيين البروتستانت في اورمية.

في سنة 1835، أفتتحوا الارسالية الاولى تحت ادارة القس جستن فركنس، والطبيب اشايل كرانت. وفي سنة 1836 أفتتحوا المدرسة الثانوية الاولى للبنين في قرية سيرا. على بعد ستة اميال من مدينة اورمية. بعد فترة قصيرة، تم رفع مستوى الثانوية الى جامعة، وقُربت الى المدينة. سُميت، “قلعة الصحابة” في منطقة واسعة بلغت 15 هكتاراً، على بعد ميلين من اورمية. من هذه المدرسة الراقية التعليم، تخرج تلاميذٌ نجباء، على معرفة بعلم اللاهوت، ليصبحوا قساوسة في كنائس القرى، وكذلك معلمين للتلاميذ. واطباء لمعالجة المرضى. في سنة 1838 أفتتحوا مدرسة للبنات “فسك سيمنار” وفي هذه المدرسة لم يكن التعليم مقتصراً على العلم فقط بل والاخلاق الحميدة ايضاً، في مدرسة البنات هذه، كانت هناك فتيات يهوديات ومسلمات.

في سنة 1839، تم تأسيس مطبعة الكتب المدرسية، في الجزء الاخير من القرن التاسع عشر، حيث طبعت 58 كتاباً مختلفاً، باللهجتين، العامية والفصحى، العهد القديم تم طبعه في نيويورك سنة 1851 ويحوي قوانين الكنيسة الأنجيلية. في سنة 1855 تم نشر جريدة شهرية بأسم “شعاع النور”. في سنة 1880 بُني مستشفى كبير بأدارة الطبيب الاقدم، الدكتور ككران. الى نهاية القرن التاسع عشر، أسسوا 100 مدرسة في الكثير من قرى المسيحيين في اورمية. بالرغم من ان الارسالية بدأت وعملت بين العشائر الاخرى في جبال كردستان، الا ان عملهم لم يتوسع، كما في اورمية. بأستثناء مدرسة في باز. في سنة 1872 بدأت الارسالية في طهران. في سنة 1873 في تبروز. بعد ذلك عملت الارساليات في همدان، قزوين، رشت وفي كرمنشاه.

الارسالية الفرنسية الكاثوليكية، بعد تأسيسها في بيت نهرين، الموصل وغيرها. تأسست 1839 في اورمية وسلامس. وهؤلاء ايضاً اسسوا مطبعة لطبع الكتب. وثانويات للبنين والبنات، خاصة في سلامس، مدرسة لاهوتية لتنشئة الكهنة. ولم يحالفهم التوفيق في نشر مذهبهم بين ابناء العشائر. وفي اواخر القرن التاسع عشر اسسوا لهم نشرة شهرية بأسم “صوت الحق”.

بعد هؤلاء تأتي الارسالية الارثودوكسية الروسية. وأسسوا ارسالية في اورمية سنة 1894. في فترة قصيرة تقدر بـ 23 سنة انتشر مذهبهم بنجاح. واصبح لهم وجود سياسي قوي، في بعض الاحيان حاولوا الاندفاع بالقوة في قرى اورمية. اسسوا نشرة شهرية بأسم “اورمية الاورثودكسية” واخرى “نور من الشرق”. وهؤلاء ايضاً أسسوا مدرسة ثانوية للبنين اسمها “مِسيَا”. وأمتلكوا عدة كنائس تابعة للكنيسة الشرقية، وبطرق غير قانونية، أجمالاً عملهم لم يكن يُرضي الله.

الارسالية الاخرى (بالطبع قبل الارثودكسية) كانت للكنيسة الاسقفية (الانكليزية)، هذه الارسالية، تأسست في اورمية، وفي الجبال سنة 1884. وعملت لنشر مذهب الكنيسة الشرقية. الكنيسة الشرقية وبمساعدة الارسالية الاسقفية، عملوا على تقوية اللغة الارامية (اللغة الاشورية الفصحى-المترجم)، وتركوا اللهجة العامية للكلام اي الاستعمال اليومي.

كذلك الارساليات الكاثوليكية عملت على تقوية اللهجة الفصحى (اللغة الارامية). اما البروتستانت، فقد دََّرَسوا في البداية اللهجة الفصحى، لكن في السنين اللاحقة وجدوا بعض الصعوبة في تعليم اللغات الاخرى في الثانويات. الا انهم استمروا يُدَّرِسون اللهجة الاشورية العامية، الانكليزية، الفرنسية، الروسية، الفارسية والتركية. (الفرنسية والعربية كانوا يُدَّرِسونها في المدرسة الحكومية فقط، وقد كان تلاميذها في اغلبهم من اليهود والمسلمين)، هكذا تقلص نفوذ اللهجة الفصحى في السنين الاخيرة.

الفصل الثامن

خروجنا من اورمية الى ساين قلعة.

كما ذكرنا في الفصل السادس، فأن قوة عسكرية مكونة من 1800 جندي مسلح خرجت من اورميةا، بهدف لقاء الانكليز في ساين قلعة، هكذا، بخروج هذه القوة العسكرية من اورمية، في هذه الفترة الحرجة، حيث كانت اورمية محاصرة بالعدو. في نفس الوقت ماليك خوشابا مع 12 مقاتلاً في الطريق الى كردستان (آشور-المترجم)، على امل الوصول الى الانكليز. هجمات الاتراك والاكراد من ثلاث جهات. اصبح من المتعذر علينا الاحتفاظ باورمية. وعتادنا بدأ يقل شيئاً فشيئاً، ولم يكن هناك مصدر مساعدة، لم يكن لنا معين الا الرب.

هكذا كان حظ شعبنا سيئاً، حيث اضطررنا نحن والارمن في 18 تموز (التقويم الشرقي) الى ترك بيوتنا، وموطننا القديم اورمية وقراها، واتجهنا الى ساين قلعة، للوصول الى الانكليز. حتى ننقذ أنفسنا من الأبادة، حيث يكمن لنا عدو شرس متعطش لدماء المسيحيين.

هنا سأذكر حادثة حقيقية، عشتها بنفسي اثناء رحيلنا من اورمية.

عندما كنت نائماً على سطح بيتنا في”ديكاله”، في اورمية. سمعنا صوت عربات وصهيل خيل وضوضاء رجال ونساء من جهة المدينة ومن القرى القريبة منها. اتجهت انظاري الى نهر بَرَندوز وسولدوز، نَقَدا، حيث ساين قلعة والطريق اليها تمر من قريتنا “ديكاله”.

في الصباح الباكر، 18-تموز (التقويم الشرقي). أعددنا عربة يجرها ثوران، حَمَلَّناها بالطعام والحاجات الاساسية، تركنا القرية مع باقي الاهالي تحت رحمة اللصوص، كان عددنا 70 الف مهاجر نبحث عن الخلاص. بعد ظهر اليوم الاول وصلنا الى كولتَفَه، على بعد ثلاثة اميال من ديكاله. حيث الطرق مزدحمة بالناس والعربات المُحَمَلة. أنتظرنا الساعات الطويلة، حتى جاء دورنا لنعبر جسر بَرَندوز، على بعد 16 ميلاً من مدينة اورمية.

أثناء انتظارنا، فجاة سمعنا خلفنا، صوت اطلاق رصاص في محاولة من عدونا لأرهابنا، في هذا الوقت فكرنا في ترك بعض متاعنا، ليسهل علينا الهروب، والنجاة من ذلك الموقف المرعب، قسم كبير من متاعنا القيناه على جانب الطريق، في الساقية، هكذا استطعنا ان نزيد من سرعة العربة التي يجرها الثوران.

بعد منتصف الليل، وصلنا الى جسر بين بَبَرود ودَربَرود. لكن بسبب ان هذا الجسر كان قد تهدم، من ثقل العربات التي كانت تمر عليه. في الصباح وجدنا منطقة مياه ضحلة من أعرض نقطة في النهر، ومن هناك عبرنا النهر. بعد ظهر اليوم الثاني وصلنا الى حيدراباد، في معسكر قديم استخدمه الجيش الروسي، موقعهِ الى جنوب بحيرة اورمية.

هنا بدأنا الاستراحة، ولكن بعد فترة قصيرة، فوجئنا بصوت اطلاق رصاص العدو. مرة اخرى ولليوم الثالث، بدأنا المسير الى ان وصلنا الى قرية كردية “ميهمَّتكر”. هناك استرحنا قليلاً، ثم واصلنا مسيرنا الى “ميَندَو”.

ومن هناك، في اليوم الرابع، وصلنا الى قرية كبيرة “قَرَا وَيرَن”. واثناء استراحتنا في شوارع وحقول القرية، فجأةً شنوا علينا هجوم من الجانب الغربي، على الذين كانوا في المؤخرة. المهاجمين كانوا اكراداً وهوشار، اما الفرسان فمن جماعة مجيد السلطَنَا، أحد كبار العصاة في اورمية. لكن رماة الاشوريين والارمن بقيادة اغا ايزريا وابراهم خان (مقاتل ارمني شجاع)، بعد قتال ساعتين ردوا عدونا على اعقابه.

عدد من النساء والاطفال الصغار قُتلوا في هذه الهجمات. وبالطبع كمية كبيرة من متاعنا تركناه خلفنا، من ضمنها عربات مثقلة بالاحمال، سلبها عدونا. الى حد ما اصبحت طريقنا سالكة اكثر، وجماهيرنا كانت تسير بلا توقف. من هنا وهناك، كانوا يطلقون الرصاص علينا.

قبل ان نصل الى ساين قلعة، في الصباح، حوالي الساعة العاشرة، التقينا 9 أنكليز، معهم ضابط اسمه الكابتن ساويك، في ايديهم بنادق “ليوس” وهم متجهين الى الجماهير في مؤخرة القافلة.

برؤية هؤلاء الجنود فرحنا كثيراً، ولكننا لم نتوقف، بل كنا مسرعين للوصول الى قواتنا، ومعهم الانكليز في ساين قلعة.

في اليوم السادس، ظهراً، وصلنا الى ساين قلعة، هناك أيضاً رأينا بعض الجنود الانكليز، ومعهم ضابط، أسمه الكابتن نيكولس. في هذا الوقت أعتقدنا اننا في امان من هجمات العدو والظروف المرعبة.

بعض اللاجئين كانوا قد وصلوا قبلنا بيوم واحد او يومين، والبعض الاخر لم يصل بعد. شيئاً فشيئاً كانوا يصلون.

سبعة ايام قبل وصولنا، قواتنا المكونة من 1800 مقاتل بقيادة اغا بطرس، كانوا قد وصلوا الى ساين قلعة. فوجئوا بوصولنا، لكن الظروف كانت قد تغيرت لغير صالحنا.

حيث بدأنا نرتاح، أعتقدنا ان اقامتنا ستكون لعدة ايام، الى ان تتم ترتيبات عودتنا الى اورمية، بمساعدة الجيش الانكليزي، وجيشنا، بدأ اللاجئون الاستراحة في الحقول، وأعداد الطعام. بدأت أمي هي الاخرى اعداد طعامنا لنأكل وجبة غداء هنيئة، في هذه المروج الجميلة، في ساين قلعة، طعامنا كان اللحم المقدد، الذي استطعنا ان نجلبه معنا، اثناء التحضير، وقبل ان نبدأ بتناوله، فجاة انهمر الرصاص علينا كالمطر. مرة اخرى، كانوا اتباع مجيد السَلطَنَا. الهجوم كان من الجانب الشمالي، من خلف الجبل، المجرمين بانوا على ظهور الخيل وهم يطلقون النار على شعبنا. لكن مقاتلينا الشجعان من امثال رفايل خان ابن شمويل خان، اغا ايزريا، ابراهم خان، واخرين، امتطوا جيادهم، وبدأوا بمطاردة العدو المتعطش لدماء المسيحيين.

هكذا، وفي فترة قصيرة، ابعدوهم عنا. مرة اخرى ودون ان نتناول غدائنا، بدأنا رحلة اخرى الى منطقة اخرى، ديكَن تَفَا. ومن هناك لـ بيجر، ثم همدان.

الجيش الانكليزي، هنا في ساين قلعة، بقيادة العقيد مَكََرثي. لم يكن قوياً لدرجة يمكنه اعادتنا الى وطننا الحبيب اورمية.

  • * * * * *

الدكتور شيد رئيس الارسالية البروتستانتية، ينتقل الى الحياة الابدية.

هنا سمعنا ان الكابتن ريد، موجود في ساين قلعة، مع القوات الانكليزية. هذا الشخص كان ضمن الارسالية الاسقفية في اورمية، وكذلك كان في جبال كردستان (جبال اشور-المترجم).

الدكتور شيد مع زوجته ميرا لوويس شيد، هربوا معنا ووصلوا الى ساين قلعة. هذا الرجل كان منهكاً من التعب خلال سنوات الحرب الاربعة التي قضاها في اورمية. خصوصاً في الفترة التي قضاها شعبنا في مقرات الارسالية. بوصوله الى ساين قلعة، مَرَضَ. كان الدكتور ايشاي يونان (من كوتَفَه) يعالجه، بعد يومين، تدهورت صحته، طبيب الجيش الانكليزي بيتر ستون، بعد ان فحصه مرتين وثلاث، قرر حقنهِ بمصل ضد الكوليرا، بعد الحقنة الاولى، غاب عن وعيهِ، بعد ساعات لفظ انفاسه في يوم 26 – تموز (التقويم الشرقي) 1918، كان من مواليد سيرِا – اورمية في كانون الثاني- 1865. وُضعت جثته في حفرة وغطيت بالتراب، الى جانب صخرة نُقش عليها الصليب، في اشارة لتمييزه في المستقبل.

كما ذكرت سابقاً، بعد الهجوم الاخير علينا من قبل رجال مجيد السلطنا، حملنا امتعتنا وتوجهنا الى همدان، بدون اي امل في العودة من ساين قلعة الى اورمية. من الان فصاعداً لم نعد نخشى هجمات العدو علينا، لأننا كنا نجد في هذه المناطق مخيمات الجيوش الانكليزية والهندية، مقاتلينا ايضاً كانوا معهم، هكذا كنا نسير متمهلين، وفي الليل نرتاح، هنا وهناك في البراري وفي الحقول. بعد عدة ايام وصلنا الى دِكَن تَفَا، ثم المحطة الاخيرة “بيجر”.

في نهاية اليوم العشرين، بعد خروجنا من اورمية وصلنا الى تَزَا كند، قرية الى الغرب من همدان. لأن الشرطة الانكليزية لم تسمح لنا بالدخول الى همدان. خاصة نحن الذين كنا نملك العربات التي تجرها الثيران. بعض اللاجئين جاؤا من الجانب الاخر من المدينة ودخلوا همدان، بدون علم الانكليز.

الفصل التاسع

بعد خروج شعبنا من اورمية

ظروف واحوال الفين من ابناء شعبنا بقوا في اورمية

هنا ننظر الى احوال ابناء شعبنا الذين بقوا في اورمية. بعد خروجنا من هناك. حيث علمنا بعد هروبنا من اورمية ان الفي اشوري قد بقوا في القرى، لأسباب مختلفة، بعضهم كانوا مرضى، والبعض الاخر لم يكن مستعداً، واخرين كانوا في حماية جيرانهم المسلمين. بعضهم قُتل على ايدي الاتراك او الاكراد وبالطبع هوشار اورمية، ما يقارب الالف منهم رُحِلَ الى سلامس بأوامر من الاتراك. سبب الترحيل غير معروف الى يومنا هذا. على اية حال، 300 منهم فقط بقوا على قيد الحياة، حيث عادوا بعد عدة اشهر الى اورمية.

كان ما يقرب من 600 شخص اخرين في حماية الارسالية الكاثوليكية الفرنسية في كولفَتَليخن في اورمية. عدد قليل منهم نجا من الابادة والهلاك. والبقية قُتلوا. كذلك المونسنيور سَنتُك الفرنسي، المبعوث البابوي، قُتل معهم. على يد عشرت هومَيون، كما ذكرت سابقاً في هذا الكتيب.

في شهر تشرين الاول، يعني بعد 3 أشهر من خروجنا من اورمية. جودت خانم، زوجة القس يعقوب داود (من سيرا) بمساعدة المعلمة صوريا زوجة المعلم يوخنا موشي (جان موشي مفتش المدارس). هؤلاء معاً جمعوا 500 شخصاً من القرى ومن المدن، وضعوهم أيضاً في دور الارساليات الامريكية. حيث شاركوا الاخرين الذين كانوا هناك في الطعام وغيره. كانت المساعدات تأتي من تبروز، بواسطة اللجنة الخيرية التابعة للأرسالية الامريكية. كل هذه الترتيبات كانت تتم بمساعدة بعض الزعماء الايرانيين، الذين كانوا اصدقاء القس يعقوب داويد.

هنا يجدر بالذكر، ان القس يعقوب داويد كان ولعدة سنوات مديراً للثانوية الرسمية في المدينة. في هذه المدرسة أجمالاً كان التلاميذ ينحدرون من العوائل المسلمة الغنية. وبعض اولاد اليهود، كانت المدرسة تُدار على نفقة الارسالية الامريكية.

اما بالنسبة للأشوريين، فبالرغم من كون العلم الامريكي يرفرف عليهم، الا انهم كانوا يتلقون المساعدات من الزعماء الايرانيين، أصدقاء القس يعقوب داويد.

24-ايار-1919، في هذا الوقت، كان الاتراك قد انسحبوا من كل اذربيجان، بسبب انتهاء الحرب العالمية. لكن معركة حامية دارت بين المسلمين الايرانيين والاكراد.

في هذا الوقت، أقتحم بعض العصاة دور الارساليات، قتلوا 250 شخصاً، والجرحى 100، مزقوا العلم الامريكي وداسوا عليه.

بعض اعضاء الارسالية الامريكية الذين لم يخرجوا من اورمية، ويهربوا معنا، أكثريتهم بقوا في “قلعة الصحابة” القريبة من المدينة، وكان هؤلاء يرعون المرضى في المستشفى، ودار الايتام.

مباشرة بعد خروجنا، قام الجنود الاتراك بتحديد مهمات اعضاء الارسالية، ثم وضعوهم تحت الحماية، واكثريتهم كانوا مرضى من قلة الاكل والرعاية. القس هيرمَن فلومير، الذي كان مدير دار الايتام، قتلوه في اليوم الاول من خروجنا، والاخرين تفرقوا هنا وهناك.

الدكتور ج. ف. فكَرد، ذهب مع عائلته الى تبروز، قبل عدة ايام من خروجنا من اورمية. وصل الى اسماعه ان الاتراك قد تركوا اورمية، فأعتقد ان الوضع هناك مريح، لهذا، في 6 – ايار – 1919 عاد الى اورمية، لكن الوضع يعود الى سابق عهده، كما ذكرت سابقاً، حيث اندلعت معركة شديدة بين المسلمين الايرانيين والاكراد، ودق ناقوس الخطر مرة اخرى.

عندئذٍ كل اعضاء الارساليات، مع المتبقين من ابناء شعبنا، لجأوا الى ملاجئ الحكومة الايرانية. تلقوا المساعدة لمدة ثلاثة اسابيع، لكن حياتهم كانت دائماً في خطر.

عندما وصل الخبر الى تبروز، القنصل الامريكي هناك جوردن فددَك، مع القس ج. أ. مولير، مع الدكتور أ. م. دَد. معهم شخصية ايرانية معروفة، من المسؤولين الرسميين، وسائق سيارة انكليزي، غادروا تبروز في سيارتين، وصلوا الى سيمكو في سلامس، حيث ترك هذا 100 فارس كردي في صحبتهم الى اورمية. هناك أخذوا الدكتور فَكَرد وزوجته و600 أشوري. وأتوا عن طريق بحيرة اورمية، وبالمراكب البحرية عبروا الى الجهة الاخرى من البحيرة بأتجاه تبروز. حيث ترعاهم اللجنة الخيرية الامريكية للشرق الاوسط.

800 شخص ارمني من الذين كتبت لهم النجاة من مذابح الاتراك، لجأوا الى وان وغيرها. يقيمون في مناطق مختلفة من اذربيجان، هؤلاء ايضاً وصلوا الى تبروز، ويتلقون مساعدات اللجنة الخيرية المذكورة.

الفصل العاشر

رحيلنا من همدان ال بعقوبة -بيت نهرين-

بوصول شعبنا الى همدان، مرة اخرى، قُدمت الوعود الينا، من قبل المسؤولين العسكريين في بريطانيا العظمى، لاعادتنا الى مناطقنا في اورمية، هكذا اتفق قادتنا مع الكولونيل جَي. جَي. مكارثي على تأسيس قوة عسكرية اشورية، يتم تدريبها لتقوم بتحرير موطننا الاصلي.

في هذا الوقت، كنا نقيم مع قسم كبير من ابناء شعبنا في تَزَا كَّند، سهل رحب قرب هَمَدان، بقينا هناك يومين، بعد ظهر اليوم الثالث، جاء شخصان من البوليس العسكري البريطاني، كان هؤلاء يجمعون الشباب الاشوري للجيش المذكور. لتدريبهم حسب الاصول العسكرية، ليقوموا بتحرير اورمية، وبقية مناطق موطننا الاصلي، وانا ايضاً كنت ضمن مجموعة كبيرة من الشباب، لنفس الغرض (في ذلك الوقت كان عمري 18 سنة)، أخذونا الى قرية اسمها أفشينا، جنوب همدان. على بعد ساعتين، سيراً على الاقدام. بوصولنا الى هناك، التقينا بعدد كبير من شبابنا يقدر عددهم بالالف، لنفس الغرض العسكري. أستدعونا في صباح اليوم التالي للأصطفاف العسكري. في هذا الوقت رأينا اغا بطرس، مع بعض الضباط العسكريين الانكليز، بدأوا بكتابة اسمائنا. كان اغا بطرس يسأل كل شخص على حدة عن اسمه وعن اسم ابيه وغير ذلك. لكن قبل تسجيل الاسماء، القى اغا بطرس خطاب قال فيه: “أحبائي شباب شعبنا، لقد وضعناكم هنا لندربكم حسب الاصول العسكرية، لنقوم وبمساعدة الانكليز بتحرير مناطقنا السابقة، اورمية وغيرها.”

بعد بقائنا هناك ثلاثة اشهر، تحت التدريب البريطاني، وجهونا جميعاً الى بعقوبة في بيت نهرين. على بعد 300 ميلاً غرب همدان و35 ميلاً شمال بغداد. قالوا لنا، بأن علينا ان نذهب الى بيت نهرين اولاً للمزيد من التحضيرات، بعد ذلك نعود الى مناطقنا الاصلية.

من أفشينا بدأنا مسيرة سفرة طويلة، عشرين يوماً الى بعقوبة. نحن العسكريين كنا نسير من 15-20 ميلاً في كل يوم. كذلك الشعب، بدأ المسير الى مخيم بعقوبة، سيراً على الاقدام، باستثناء الشيوخ والمرضى، حيث حملتهم العربات مسحوبة بالبغال يقودها الهنود. عند وصولنا الى كرمنشاه، استرحنا لمدة يوم واحد قرب احد الانهار، قرب جبل بِسِتون العالي. هناك التقينا بحشد كبير من ابناء شعبنا، يستخدمهم العسكريين الانكليز في تكسير الصخور لتعبيد الطرق، حيث وجدت عائلتي، وهم يعملون في تكسير الصخور ايضاً، بالطبع السلطة العسكرية كانت تدفع لهم في اليوم قِرَن واحد، ما يساوي ريال واحد في يومنا هذا. هناك أستأذنت الضابط المسؤول عني، أن يأتي والديَّ معي، لأني كنت برتبة سَرجنت. وقد جاءوا معي الى بعقوبة، ليس سيراً على الاقدام مثلنا بل في العربات العسكرية.

كما ذكرت سابقاً؛ في اليوم العشرين وصلنا الى بعقوبة، مدينة كبيرة من الخيام. مخيم كبير جداً بأدارة عسكرية بريطانية، أعد لثمانية الاف لاجئ من الاشوريين والارمن، هذا المخيم يتكون من 60 قاطع، كل قاطع يشمل 50 خيمة كبيرة. في كل خيمة مالا يقل عن 25 شخصاً، وقاطع كبير يحوي على خيمات كبيرة اُستعمل كمستشفى، وقاطع آخر لتحضير الطعام. هكذا، الاستعدادات الاخرى كدكاكين الاسواق وغيره.

بعد عدة اشهر من استقرارنا في مخيم بعقوبة الكبير. اعتقد في الشهر الاول من عام 1919. اغا بطرس الذي كان جنرالاً في الجيش مسؤولاً عن حماية شعبنا في اذربيجان. هو واخوه اغا مرزا، طردوهم وابعدوهم عن الشعب، أرسلوهم الى بغداد، سبب أبعادهم كان انهم اصبحوا رموزاً وطنية مناضلة. هكذا تشتت فرقة اورمية. كلنا عدنا الى المخيم، لنعيش مع اهلنا. بالطبع الفرقة الاخرى التي تأسست من اخواننا ابناء العشائر، من جبال هيكاري، كانوا يسمون هذه الفرقة بالفرقة الاشورية، بقيت على حالها، لأن فرقتنا كما ذكرت سابقاً كان هدفها اعادتنا الى موطننا اورمية، سلامس وغيرها. بينما الفرقة الاشورية كان الهدف منها التوطين في شمال العراق.

  • * * * * *

الفصل الحادي العاشر

الاشوريين في مخيم بعقوبة، ثم في مندان.

حادثة ابعاد اغا بطرس عن الشعب، كانت ثقيلة علينا، وقطعت املنا في العودة الى موطننا الاول. خاصة بالنسبة لنا ابناء اورمية. لأننا كنا مشتاقين للعودة الى موطننا. بعض الرجال ذوي العقول الراجحة، وكانوا اعضاءاً في المجلس الملي في اورمية، قدموا طلباً الى الانكليز تحت قيادة العقيد اووِن كَنليف. الذي كان نائباً للجنرال اوستن. قائد القوات البريطانية في العراق، قالوا: اغا بطرس هو قائدٌ صادق لشعبنا. وهو الذي انقذ شعبنا بجهوده، في حروبنا مع اعدائنا، الذين حاصرونا لأبادتنا. لهذا نطلب منك ان تنظروا بعين الرحمة في موضوعه، واعادة هذا الشخص مع اخيه؛ الى هنا ليكونا مع الشعب. نأمل بلقاءاتكم معه ان تجدوا حلاً لموضوع عودتنا الى موطننا الاصلي.

قبل اعادة اغا بطرس واخوه الى الشعب، العقيد اووين، جاء ليخطب في الشعب، ويقول التالي: نحن الانكليز لانستطيع اعادتكم الى اورمية، كما لايستطيع الولد الصغير الصعود الى القمر، كذلك يستحيل علينا اعادتكم الى اورمية. بسبب ان الحرب العالمية انتهت. نحن الانكليز لدينا اتفاقيات مع الايرانيين، علينا ان نسحب كل قواتنا من كل ايران. خطب كهذه (خاصة من العقيد اووين) كانت تسبب غضب النساء، مما حدا بالأنكليز اعادة مار طيماتيوس من مَلَبَر في الهند، لتهدئة نفوس القادمين من اورمية، حتى لايستبد بهم الحنين الى الوطن ويقرروا العودة. هكذا بدأ مار طيماتيوس يلقي خطبه في المخيمات قائلاً “هل تتذكرون العنب في كرومكم، أبسبب ذلك العنب الحامض، تريدون العودة الى اورمية. أنصتوا الى الانكليز وهم سيجدون لكم الحلول المناسبة، وسيجدون لكم وطناً أفضل من اورمية”. هكذا تستبد فورة الغضب في النساء فيلعنون العقيد اووين.

هنا اقترح الانكليز علينا عدة دول نلجأ اليها، وكانون يذكرون اسماء بعض الاشوريين الذين هاجروا الى قبرص، برازيل، ارجنتين، كندا، جنوب افريقيا، وغيرها ولكنا كنا نرفض ونقول لهم بأننا نريد العودة الى موطننا الاصلي، ثانياً، اذا كان الانكليز على اتصال مع حكومات هذه الدول حول موضوع قبولنا، فقد يكون من المحتمل ان هذه الدول لم تقبلنا. هكذا أنتهت هذه الفكرة بدون ان تؤدي الى اية نتيجة.

أخيراً، لبى الانكليز مطلبنا، بأعادة اغا بطرس، وعودتنا الى اورمية. في نهاية عام 1919 اعادوا اغا بطرس واخيه اغا ميرزا الى مخيم بعقوبة، بهدف اعادة تشكيل فرقة اورمية (التي كانت منحلة لعدة اشهر) تدريبها واعادة تسليحها، استعداداً للخطوات القادمة، وهي تحرير موطننا الاصلي، وموطن اباءنا واجدادنا.

بوصول اغا بطرس واتفاقه مع الانكليز، ومع لجنة اهالي اورمية، وبعض رؤساء العشائر، كـ مالك خمو (باز)، مالك خوشابا (تياري السفلى)، مالك خنَنَو (تخوما)، اهالي تَركَوَر مَركَوَر؛ واهالي مَربيشوع. هكذا تم بحث موضوع تدريب واعداد الفرقة العسكرية لأستعادة اورمية. لكن بشرط ان يكون ذلك على مسؤليتنا، بمعنى ان يساعدنا الانكليز بالتسليح، وان يرافقنا منهم ضابطيين، كمرافقين يكتبون التقارير ولكن بدون مساعدة الجيش البريطاني.

هذا الاتفاق سبب الشقاق في شعبنا. تياري العليا بزعامة ماليك اسماعيل مع زعماء اخرين مع اثنين من العائلة البطريركية، رفضوا هذه القرارات، بأنتظار نتائج زيارة سورما خانم (السيدة سورما بت مار شمعون جليلة الاحترام-المترجم) لعصبة الامم في جنيف، حول مستقبل شعبنا.

هنا لست متاكداً من التاريخ الحقيقي لذهاب سورما خانم الى عصبة الامم في جنيف، لكني اذكر ان سورما خانم كانت تحاول الذهاب الى جنيف، اثناء التصويت على وضع الموصل تحت السيطرة البريطانية لا التركية. لأن الاتراك كانوا يدعون، بأن الانكليز سلبوا الموصل منهم بعد انتهاء الحرب العالمية، لذلك يجب اعادتها اليهم، إضافةً الى ذلك فأن معظم سكانها من الاتراك. ادعاء الاتراك هذا لم يكن موفقاً.

الامر الثاني، ان اغا بطرس اراد اقامة نصب تذكاري في سهل بعقوبة، لفقدان 14 الف شخصاً ماتوا في مدة سنتين من اقامتنا هنا، تحت سلطة جيش بريطانيا العظمى.

عند اكتمال بناء النصب، وفي يوم الافتتاح، حيث كانت الجماهير محتشدة لسماع كلمة اغا بطرس والانكليز، حول معنى النصب، وعن عودتنا الى موطننا الاصلي، اورمية لتحريرها.

بعد تركنا المخيم، جاء عرب المنطقة وهدموا النصب.

لقاء اخر تم بين اغا بطرس والعقيد اووين حول ترحيلنا من مخيم بعقوبة الى مخيم مَّندَن على بعد اربعة اميال شرق الموصل، في سهل يقع بين جبال غير عالية، قرب نهر يسمى خَزَل.

هكذا في 27 – نيسان – 1920، قواتنا، فرقة اورمية، وقد تم تسليحها نوعاً ما، وضعونا في القطار من مخيم بعقوبة الى بغداد. من محطة بغداد الشرقية سرنا مشياً على الاقدام في شوارع بغداد الى محطة الموصل على الجانب الاخر من النهر، ومن هناك في قطار الى شرقاط، ثم، ولمدة ستة ايام مشينا حتى وصلنا الى مَّندَن.

بعد اسبوعين، حتى الجنود غير النظاميين من اهالي تَّركَور مَركَور وآخرين. ما يقرب من 1500 مقاتل وصلوا الى مَّندَن. بعد ذلك، عشائر باز، تياري السفلى، وتخوما، وصلوا الى المخيم، بعد عدة اسابيع، حتى العوائل بدأوا بالوصول الى مخيم مَّندَن.

ايضاح حول معلومات سرية

اليوم اعتقد، انه آن الاوان للكتابة حول موضوع ما زال مخفي عن شعبنا الى يومنا هذا.

عندما ركبنا القطار، نحن فرقة اورمية، من مخيم بعقوبة، كان الوقت العاشرة مساءاً. عندما اسرع القطار في المسير، بعض الشباب بدأ يغني من فرحته. لأنهم كانوا في الطريق لتحرير موطنهم الاصلي. الاغنية كانت نشيد عسكري من مقطعين، تاليف السرجنت اوشالم ابكَّر (قرية مريم العذراء في اورمية)!!. بصوته العذب، وكان يملك موهبة تأليف الاناشيد العسكرية.

بعد اسبوع من وصولنا الى مخيم مَّندَن، سمعنا بأن العائلة البطريركية قد آلمها غنائنا في القطار، اثناء خروجنا من مخيم بعقوبة، مما قالوه “ان اهالي اورمية كانوا مسرورين لموت البطريرك مار بولس، لذلك بدأوا الغناء وهم لم يبتعدوا بعد من مخيم بعقوبة”.

هذا الأعتقاد كان خاطئاً. أني أقسم امام الله، بأننا لم نكن قد سمعنا بعد بوفاة البطريرك مار بولس، يبدو انه توفى قبل ساعات من تركنا مخيم بعقوبة. لأن البطريرك توفى في نفس يوم خروجنا من المخيم بتاريخ 27 – نيسان.

لو كنا قد سمعنا بوفاة البطريرك، فأنه من الدناءة ان لا نلتزم الهدوء احتراماً للعائلة البطريركية، التي كنا نحترمها دائماً، كعائلة ذات مكانة رفيعة في شعبنا.

عرب العراق. . يقومون بقلاقل ضد الانكليز.

بعد خروجنا من مخيم بعقوبة، بدأ العرب من مناطق كثيرة في العراق بأحداث قلاقل ضد الانكليز، تخريب سكك القطار، هدم الجسور، وقتل الجنود الهنود وغيره.

من جوانب بعقوبة، بدأوا بأطلاق الرصاص بأتجاه الناس، بعض العرب تسلقوا على النخيل، ومن هناك بدأوا يطلقون الرصاص على الناس، في الجانب الاخر من النهر. حدث ذلك عندما تحركت الفرقة الاشورية المكونة من ابناء العشائر بأتجاه ابو سيف قرب الموصل. عندها وزع الانكليز السلاح على بعض الشباب الذين تأخروا في مخيم بعقوبة مع بعض الجنود الهنود، شيئاً فشيئاً، خلال عدة ايام، استطاعوا اخماد المشاكل.

في احدى المرات وبينما كان القطار ينقل السلاح من بغداد الى المقاتلين في المخيم، قام العرب بتخريب سكة القطار، حيث انقلبت بعض العربات، وبدأوا بسرقة السلاح، شاهد المقاتلون الاشوريون من بعيد، العرب وهم يسلبون القطار، فقاموا بمطاردتهم ونزع السلاح منهم، جمعوا كل السلاح في عربة واحدة دفعوها بأتجاه مخيم بعقوبة، أوصلوها سالمة.

بعد فترة من الوقت، تم ترحيل ما تبقى من الاهالي في مخيم بعقوبة الى مخيم مَّندَن. حيث تمت عملية اسكان العشائر، خاصة تياري العليا، في جنوب كردستان (آشور)، خاصة قرى نَفكور في العراق.

بعد بقائنا شهرين في مندن. احدى كتائبنا، تضم 200 جندي نظامي، ومئة اخرين غير نظاميين، ارسلوا الى جوجار، منطقة بين مندن وعقرة. بعد بقائنا شهرين شنت عشيرتين كرديتين بعدد كبير من مقاتليها هجوماً شديداً في احد الليالي، بقيادة الشيخ رجب عبيدالله مع محمد رئيس السورج، معركة حامية بدأت ظهر 17 ايلول انتهت الساعة الخامسة صباح 18 ايلول 1920، حارب جيشنا ببسالة لانقاذ نفسه. اخيراً هرب الاكراد وتركوا ورائهم قتلى وجرحى. الكثير من قطعان الغنم، اخذناها وسلمناها الى الانكليز. معنا كان سَرجنت ميجر انكليزي ضخم الجسم اسمه أو لقبه بَجو. في هذا الوقت حيث المعركة مع الاكراد، كان هذا المسكين ينام وهو في حمى من خوفه.

قسم صغير من جيشنا كان في عقرة، والقسم الاكبر في مندن. الكل في انتظار الاوامر لنتقدم في طريقنا الى كردستان (اشور).

الفصل الثاني عشر

بداية سفرنا الى كردستان (آشور)، وعودتنا غير الموفقة الى مندن

21 تشرين الاول – 1920، فرقتنا، فرقة اورمية، مع 1500 جندي غير نظامي، تضم بعض ابناء تركور ومركور وابناء مار بيشو مع بعض اتباع مالك خوشابا (تياري السفلى). مالك خمو وبعض البازيين. مالك خنانو مع بعض التخوميين، عدد من أبناء اشيتا وجيلو. مجموعنا خمسة الاف مقاتل تقدمنا الى كردستان (آشور).

بالطبع هذا التقدم، كان الهدف منه، الوصول الى اورمية تحت قيادة أغا بطرس، قائد القوات، معه كان اخاه أغا مرزا، مالك خوشابا، شمويل خان، رفايل خان، أغا ايزريا، وعدد من الزعماء الاخرين، ونحن ضباط فرقة اورمية. معنا كان ضابطين انكليزيين كمراقبين، كابتن كبسن، كابتن هوميزد.

من عقرة فصاعداً، عمت الفوضى في الجيش المنظم كل الجنود النظاميين وغير النظاميين تشتتوا، كلٌ ذهبَ في طريقه.

أنا كضابط جيش برتبة ملازم اول، عندما وصلنا الى نهر الزاب الكبير لنعبره، رأينا 7 اشخاص يغرقون فيه، ماء الزاب كان يجري بسرعة كبيرة الى درجة ان الشباب مع سلاحهم، سقطوا بين الحجارة الملساء، لانهم لم يستطيعوا الوقوف، فجرفتهم المياه بقوة، وغرقوا في النهر.

نحن الضباط، منحنا الانكليز البغال وخيمة لكل منا مع جنديين من فرقتنا ليخدمونا. الان، ونحن ننظر الى المياه الجارية، خفنا من عبور النهر، اخيراً قررنا العبور فربطنا ملابسنا وسلاحنا على بغل وامسكنا به، ثلاثة اشخاص، وبمساعدة الرب استطعنا عبور النهر. أما الاخرون فكان يمسكون ايادي بعضهم، حتى عبروا النهر بسلام.

بعد ان عبرنا الى الجانب الاخر من النهر، بدأنا المسير في طريق طويلة وضيقة لفترة طويلة من الزمن نسير خلف الأدلاء. في وقت متأخر بعد الظهر، وصلنا الى قرية كردية، بلا سكان، في بيوتهم تركوا قليلاً من الدبس مع رقائق التين والتوت. اشترينا هذا الطعام من اللذين وصلوا قبلنا وجمعوه وباعوه لنا. لعدة أيام كان غذائنا هذه الرقائق. في بعض الاحيان كنا نطبخ الفاصولية السوداء بلا لحم ولا دهن ولا ملح.

في صباح اليوم التالي، بدأنا المسير على الجبال والتلال، الى ان وصلنا قريباً من قرية الزيباريين. هناك التقينا الكثير من الاكراد اللذين كانوا يطلقون الرصاص على الذين وصلوا قبلنا. نحن أيضا شاركنا مع مقاتلينا، فأصبحت المعركة حامية. عندئذ انهزم الاكراد. لكن في اليوم التالي، بدأت معركة اخرى بيننا وبين عشيرة ارطوش. وهذه المعركة كانت شديدة جداً. أنهزم الاكراد مرة اخرة وهربوا. بعد يومين عادوا وشنوا هجوماً علينا، ونحن بدورنا اطلقنا الرصاص من خلف الصخور. على سفح هذا الجبل، قرية نروا (عشيرة سوتو)، مجموعة من الاكراد، وجدوا فرصة لهم وانسلوا الى جانبنا، وقتلوا الضابط كوركيس مرقص (من مَوَنَا) طعناً بالخناجر، ثم هربوا.

حيث انتصرنا على الكثير من العشائر الكردية وهزمناهم، بدأت الامطار القوية تهطل علينا، نصبنا خيمتنا على احد التلال، سريتنا المكونة من 50 شخصاً، ظلت طوال الليل، محتمية بالخيمة، حيث الامطار تهطل بغزارة.

بعد بقائنا يومين في اورمر للراحة. كنا نأمل ان نبدأ في صباح اليوم التالي مسيرنا ونعبر نهر الزاب الكبير. من الجانب الاخر من النهر، ومن على قمة الجبل كنا نرى سهول تَّركَوَّر ومَركَوَّر. التي ليست بعيدة من اورمية، لكن هنا في اورمر، في المساء، دعى اغا بطرس، كل الضباط، للأجتماع به في خيمته، حيث قال لنا: “في الصباح، يجب ان نعود يا شباب، الى مَّندَن.” فوجئنا بهذا الخبر المؤسف الذي قاله لنا. ثم أضاف “السبب هو ان اخواننا عشائر تخوما، وتياري السفلى، لا يرغبون في الذهاب معنا لتحرير اورمية، لقد تركونا ورحلوا شمالاً الى مواطنهم الاصلية. لذلك لا نجد ان من المنطق ان نذهب لوحدنا لتحرير مناطقنا، وفي مواجهتنا القوات الكبيرة للعدو. والشتاء القارص على الابواب. اني آسف معكم، فلا يوجد حلاً آخر غير عودتنا.”

آسفنا جداً لسماع هذا الخبر، فبالرغم من المشاق الكبيرة التي واجهناها، في الطرق الصعبة، المرض، الموت، المجاعة، العطش، وغير ذلك، لكن املنا كان كبيراً في ان نصل الى وطننا الاصلي.

كل الضباط، قمنا منكسي الرأس الى جنودنا نخبرهم بما حدث، هم ايضاً، آسفوا جداًً للخبر.

أحد الضباط الانكليز الذي كان معنا، كابتن كبسون، انتحر اثناء العودة، عندما وصلنا قرية جوجر، لأنه وجد ان الكثير من البغال والسلاح قد فُقد. أما الضابط الاخر كابتن هوميزد، ذهب الى الموصل ليقدم تقريره الى العقيد اووين، الذي كان مسؤولاً عن رحلة التحرير. نحن العسكريين، سلمنا ما تبقى من بغالنا وسلاحنا وخيمنا الى الانكليز، وتم حل فرقة اورمية. بقينا مع أهلنا في مندن الى نهاية الشتاء.

أغا بطرس

ينفيه الانكليز من العراق الى فرنسا

بعد عودتنا من كردستان (آشور)، من مهمتنا غير الموفقة، اغا بطرس عاد الى الموصل. مُدمى القلب، وفي حالة احباط ويأس. بعد فترة قصيرة، نفاه الانكليز الى خارج العراق. فذهب الى فرنسا مع عائلته، عاش في مدينة تولوس، جنوب فرنسا، الى وفاته عام 1932 بالسكتة القلبية.

اما اخوه اغا مرزا فقد ذهب الى تولوس لزيارة صديقه، في طريق عودته، كان يحمل بندقية معبأة بالرصاص، أنطلقت رصاصة اصابته، فمات من فوره.

اهالي اورمية يطلبون من الحكومة الايرانية

السماح لهم بالعودة الى اراضيهم

في شهر ايار-1921، ارسل اهالي اورمية، برقية الى الحكومة الايرانية، معنونة الى رضا شاه (الذي كان وزيراً للدفاع، وملكاً بالوكالة. أحمد شاه، كان مريضاً في مستشفى في فرنسا). يقولون فيها “نحن نطلب من الحكومة الايرانية الرحيمة، ان تسمح لنا بالعودة، الى وطننا الاصلي، لنعيش فيه كمواطنين مخلصين لبلادنا.” وجاء الرد من رضا شاه “انتم ابناء هذا الوطن، نرحب بكم في اي وقت ترغبون العودة الى بيوتكم واملاككم.”

هنا طلب مجلس اهالي اورمية، من الانكليز ان يفكوا ارتباطهم بهم. بعد عدة اشهر، قرر الانكليز، فك ارتباط كل من يرغب في ذلك من الاشوريين، كل على مسؤوليته الخاصة، مع منحهم مبلغاً من المال لنفقات الطريق.

وقد سُرَ كل الاشوريين، من قرار الانكليز، الذين منحوا كل شخص مبلغاً قدره 5.122 روبية. وقد وقع كلٌ إمضائه على انه يفك نفسه من ارتباطه ببريطانيا العظمى، ويتحمل مسؤوليته بنفسه، (انتهى ارتباطنا مع الانكليز بتاريخ 7 – 11 – 1921).

أخواننا العشائر، الذين افترقوا عنا في كردستان (آشور)، اكثريتهم ذهبوا الى القرى، بهدف العودة الى ديارهم، اما اهالي اورمية، فأن اكثريتهم ذهبوا الى بغداد، ومن هناك عاد بعضهم الى ايران، اما البقية، فقد ذهبنا من الموصل الى بغداد عن طريق النهر، بواسطة الكلكات، بعد ستة ايام وصلنا الى بغداد.

الكلك، مجموعة اخشاب مربوطة مع بعضها، موضوعة على اطارات هوائية، تندفع مع تيار المياه.

الفصل الثالث عشر

الاشوريين في الخدمة العسكرية للأنكليز واحوالنا في العراق

قبل ان نغادر مخيم مَّندَن، في بداية نيسان 1921، جاء الدكتور كَنَن وليام أ. وكرام. من الارسالية الاسقفية الانكليزية الى مخيم مَّندَن، في زيارة للقرى الاشورية، في جنوب كردستان (آشور). يحثهم على الخدمة العسكرية لمصلحة بريطانيا. اخواننا العشائر، بكل استعداد، وتحت قيادة داويد افندي، أب البطريرك مار ايشاي، سجلوا اسمائهم، حيث بلغ عددهم اربعة الاف. من ضباط هذا الجيش، زيا ماليك شَّمِزدين (تياري السفلى) يوسف يوخانن خيو (رومتا)، دانيال وياقو اولاد ماليك اسماعيل (تياري العليا)، اغا ايزريا (عَلي كومِا)، واخرين.

الهدف الأساسي لهذا الجيش، كان حفظ الامن والسلام في كردستان (آشور)، واخراج الاتراك من هناك.

في سنة 1922، عاد اهالي تياري العليا والسفلى الى مناطقهم الاولية، بعد سنتين، الاتراك ارسلوا الوالي مع بعض الجنود ليسأل الاشوريين عن سبب عودتهم بدون أذن الحكومة التركية، بالرغم من كون هذه الاراضي كانت تعود ملكيتها سابقاً الى الاشوريين، لكنها اصبحت من نصيب الحكومة التركية، لذلك فأن العودة للأقامة فيها مرة اخرى تعتبر غير منطقية.

قبل ان يصل الوالي وجماعته الى تياري، تصدى له اهالي تخوما، جرحوه وقتلوا عدداً من مرافقيه، أخذوا الوالي ومرافقيه ليسلموهم الى الانكليز في الموصل. في الطريق ألتقى بهم ماليك خوشابا، فأطلق سراح الوالي ورفاقه، هؤلاء ذهبوا ليخبروا السلطة.

عندئذ، عام 1924، ارسل الاتراك جيشهم الى العشائر، ليقلعوهم من مناطقهم، ويعود هؤلاء الى العراق.

في بغداد وجد بعض الاشوريين اعمالاً ففضلوا البقاء هناك، اما البقية فقد ذهبوا الى ايران، بقي بعضهم في كرمنشاه، هَمَدَان، قزوين، تبروز، عدد كبير منهم وصل شيئاً فشيئاً الى اورمية وسلامس.

نحن الذين بقينا في بغداد، بدأنا العمل، بعضنا في سكك الحديد، والبعض الاخر في حقول النفط، حيث بدأ، ولأول مرة ينبع هذا الذهب الاسود.

الان بدأت القوات البريطانية بالأنسحاب من ايران، الكثير من الاشوريين من الذين كان يقيمون في ايران منذ زمن طويل، جاء بعضهم الى بغداد، بعضهم في طريقه الى امريكا وفرنسا. والبعض الاخر، جاء الى بغداد لفترة قصيرة. هكذا اصبح الذهاب الى ايران والعودة الى العراق، أمراً عادياً.

  • * * * * *

معركة دموية بين الجنود الاشوريين والمسلمين

في كركوك

في شهر ايار_الرابع منه-1924، وقعت حادثة في كركوك بين عدد من جنود الليفي الاشوريون، وبعض اصحاب الدكاكين. النتيجة كانت 178 قتيلاً من المسلمين وثلاثة من الاشوريين، عدا الجرحى.

امرأة اسمها ربقة، زوجة السرجنت كِنَا شمعون (قودشَنيس)، اشترت قبل يومين كيلو سكر، والان جاءت به لترجعه الى صاحب الدكان، كونه وسخ ولا تريده. بعد جدال طويل، أخذ السكر وبصق عليه قائلاً “لعنة عليك يا شيطان” والقى بالسكر في الشارع. كان مع هذه المرأة ثلاثة جنود اشوريين وجندي اخر يزيدي (من عبدة الشيطان)، غضب اليزيدي وضرب صاحب الدكان، لأن هذا لعن نبيه، عندما رأى اصحاب الدكاكين الاخرى، ما حدث لزميلهم هبوا لنجدته، جاءت الشرطة العراقية لنجدة المسلمين، جلب الجنود الاشوريون بنادقهم وبدأوا بأطلاق النار على المسلمين، النتيجة كانت 178 قتيلا مسلما، ثلاثة اشوريين.

في نفس اليوم، تم اخراج القوات الاشورية مع عوائلهم من كركوك، اخذوهم الى جمجمال على بعد اربعة كيلومترات من كركوك، ومن هناك الى مدينة كويسنجق. بعد ذلك، الاشخاص الذين تورطوا في هذا الحادث، من امثال، ايزريا تمرز، مقسوت نيخو (تخوما)، آمر خمسين افريم شاول دقليتا (مار بيشوع)، كورفل كيوركيس زكريا، هؤلاء أُدينوا، وتم حبسهم في بغداد لمدة سنة، اكثر من هذا، كل ما تبقى من املاك الكتيبة في كركوك بِيعَ، هذا المبلغ، مع راتب يوم واحد لكل افراد الكتيبة، دفعوه فدية لأهالي القتلى من المسلمين. اما بالنسبة لـ كيوركيس زكريا، أحد الذين أُدينوا وسُجنوا، فقد قُتل بعد ذلك على جسر الفلوجة، سنة 1941 اثناء الحرب العالمية الثانية.

تسريح جيش الليفي الاشوري من الخدمة

في سنة 1931 بعد تطهير كل كردستان (آشور) من الاتراك والاكراد، من قبل الجيش الاشوري. لمدة عشر سنين من عام 1921 – 1931. الاماكن المُطَهَرة من قضاء زاخو الى راوندوز، والسليمانية. في هذا الوقت حصل العراق على استقلاله الكامل. الا ان الانكليز نَسوا حقوق الاشوريين، كما وعدوهم في السابق، لذلك قرر الاشوريون ترك الخدمة العسكرية. لكن يبدو ان وعوداً جديدة قد قطعت لنا، وبعد استشارة البطريرك، قرروا تمديد بقائهم في الخدمة العسكرية لمدة سنة اخرى. في سنة 1932 تم تسريح الفرقتين المتبقية من القوات الاشورية في خدمة بريطانيا. بأستثناء عدد صغير بقي في هَنَيدِا لحراسة الطيارين الانكليز، الجيش العراقي العربي حل محل الجيش الاشوري المُسَرَح.

  • * * * * *

البطريرك مار ايشاي شمعون يدعو رؤساء العشائر للأجتماع.

في شهر ايار – 1932، دعى البطريرك مار ايشاي شمعون، الزعماء ورؤساء العشائر للأجتماع، في سر العمادية، موضوع الاجتماع، كما علمنا، كان عن مستقبل شعبنا. في شهر حزيران، عُقد الاجتماع الثاني. القرار النهائي كان ان يطلب الاشوريون المساعدة من الحكومة العراقية والأنكليزية للأقامة في جبال هيكاري، وان تكون دهوك، المركز. وكذلك قرروا، ان يذهب البطريرك بنفسه الى جنيف. لتقديم هذا الطلب الى عصبة الامم، بعد عدة اشهر، في تشرين الاول – 1932. ذهب البطريرك الى جنيف لتقديم المطلب الاشوري كما تقرر في اجتماع الزعماء ورؤساء العشائر. بعد فترة عاد البطريرك خاوي اليدين وبلا امل.

ماليك ياقو يذكر في كتابه “الاشوريون وحربين عالميتين” في الصفحات 203-214، بعد ذهاب البطريرك الى عصبة الامم، جماعة اخرى من الاشوريين، ارسلت الى العصبة، مطلباً اشورياً مختلفاً عن المطلب الذي يحمله البطريرك. الاشخاص الذين وقعوا على هذا المطلب، ادناه اسمائهم:

1- مار سركيس، اسقف جيلو.

2- مار يوألهَا، اسقف بروار السفلى.

3- ماليك زيا ماليك شمزدين، تياري السفلى.

4- زَدوق شمعونَيا، وكيل بروار العليا.

5- ماليك خمو البازي.

6- القس كبريل البازي.

7- ماليك جيكو كيو، تياري العليا.

8- ماليك عوديشو، تياري العليا.

عندئذ، في الرابع من شهر ايار 1933، عاد البطريرك الى الموصل خالي الوفاض.

في هذا الصيف وأحوال العراق غير مستقرة، كان هناك خلاف بين الاشوريين والحكومة العراقية التي كانت تحت ادارة المستشارين البريطانين كـ الميجور تومفسن، ممثل الانكليز في مؤتمر السلام. والعقيد ستَفورد، الذي كان مفتش الادارة المحلية العراقية. في هذا الوقت كان شعبنا منقسماً على نفسه في نظرته الى وضعه. ففي متصرفية الموصل، وبرعاية متصرف اللواء، خليل عزمي، تم اجتماع بين الجانبين المختلفين، بنية التفاهم، لكن حدث نقاش حاد بينهم، كُلٌ حاول ان يثبت انه الأحق، وان رأيه هو الاكثر صواباً.

من ناحية اخرى سمعنا ان بعض المقاتلين الاشوريين، من الذين سُرحوا من الخدمة العسكرية (الليفي). والبالغ عددهم 900 شخص مسلحين بقيادة ماليك ياقو، في 14 – حزيران – 1933. شقوا طريقهم الى سوريا (تحت الانتداب الفرنسي)، في ذلك الوقت كانت فرنسا تحكم سوريا ولبنان. بوصولهم هناك، قامت القوات الفرنسية بنزع سلاحهم، ومنحهم الاقامة المؤقتة، الى ان يتم الاتفاق بشأنهم مع الحكومة العراقية، بواسطة أصدقائهم الانكليز.

حين رأى الاشوريون ان الفرنسيين لا يرحبون بهم، كما كانوا يتوقعون، قرر أغلبيتهم العودة الى العراق، ليلتحقوا بعوائلهم التي تركوها في القرى، قسماً منهم فضل الانتظار.

على أية حال، الاغلبية العائدة، في 5-آب، تسلموا سلاحهم، وبدأوا العودة عبوراً على نهر دجلة. على الجانب الاخر من النهر، يوجد معسكر عراقي (دَيرَابون) كبير، بالقرب من زاخو، على الحدود العراقية. بعض الذين عبروا النهر شقوا طريقهم بين الجبال والتلال، هنا وهناك تبادلوا النار مع الاكراد الى ان وصلوا الى بيوتهم وعوائلهم. اما القسم الاكبر منهم، فكان نصيبه ان يدخل معركة دموية مع الجيش العراقي. الموجود في معسكر دَيرَابون، لحد الان ما زالت الجهة التي بدأت باطلاق النار مجهولة، النتيجة كانت 45 قتيلا من الجانب العراقي، وعدد من الاشوريين، بلا شك، لأن المعركة استمرت يومين.

الذين بقوا مع الفرنسيين كانوا اربعة اشخاص، ماليك ياقو، وأخوه شليمون، لوكو شليمون، ايشو دقليتا، هؤلاء الاربعة طلبوا اللجوء تحت الحماية الفرنسية في سوريا. عوائل الذين ذهبوا الى سوريا كانوا تحت حماية الشرطة العراقية. (يذكر ماليك ياقو في مكان اخر من كتابه، ان 550 مقاتلاً ظلوا في سوريا ولم يعودوا الى العراق.) يبدو ان هؤلاء عادوا بعد الحرب الى سوريا.

  • * * * *

بعض الاشوريين يُعاقبون بالنفي الى الناصرية.

بأوامر من الحكومة المركزية العراقية، في 6 – آب -1933ُ نفى الاشخاص التالية اسمائهم ادناه من الموصل الى الناصرية في جنوب العراق، أٌُبعدوأ عن بيوتهم وعن شعبهم، عقاباً لهم، وكأنهم مسببي الفتنة والقلاقل في الناس.

1- ماليك اندريوس وردا (جيلو).

2- زكريا القس ايشاي دقليتا.

3- الكسندروس دشتو دقليتا.

4- ملكيزدق شليمون ماليك اسماعيل.

5- ماليك ساوا وردا (طال).

6- كيوركيس هَجي (جال).

7- القس اسحق القس رِهَنَا.

8- القس ابلحد (نُفي بعد ذلك).

بالرغم من نفي خيرة رجالنا واعتبارهم مسببي المشاكل ونفيهم الى الناصرية، الا ان حقد الجيش وكراهيته لنا ازدادت.

في هذا الوقت الحرج، كان الملك فيصل الاول يرقد في المستشفى في سويسرا مريضاً. وكان ولي العهد، أبنه غازي يتولى زمام الامور، شاب يفور حماسةً، لايملك الخبرة، غير مكتمل العقل. اما قائد القوات المسلحة انذاك، فهو الكردي بكر صدقي، شخص متعاطف مع النازيين الالمان، يكره الاشوريين، وقد شاع حينها ان الامير غازي كان واقعاً تحت تأثير هذا القائد العسكري. بعض اعضاء الوزارة الحاكمة كانوا من الاكراد ايضاً. هكذا يبدو ان اتفاقاً قد توصلوا اليه بأخذ الثأر من الاشوريين لقتلهم عدد من الشباب العراقي على الحدود العراقية-السورية. بأن يقتلوا عوائلهم صغاراً وكباراً، من الذين هم تحت حماية الشرطة العراقية في قرية سميل، والقرى الاخرى المجاورة.

في11 – آب، عاد الجيش العراقي، المجروحه كرامته، بقيادة حجي رمضان، قائد قوات الشمال، من الحدود السورية، وهو يفور غضباً وحقداً، للثأر مِن كل مَن يجده في طريقه من المسيحيين. هكذا مر الجيش في قرية سميل، وقتل بلا رحمة، بين 400 الى 450 شخصاً بلا تمييز. فدب الرعب بين الاهالي المتفرقين في القرى المجاورة. لكن جيرانهم الأكراد والعرب حموهم بعد ذلك.

يذكر الشماس كيوركيس بيت بنيامين (أشيتا) في كتابه “الحياة في تياري” ان عدد القتلى بلغ بين 250-300 شخصاً، أكثريتهم كانوا من التياريين والبازيين.

  • * * * * *

نفي البطريرك مع اهله الى قبرص.

بعد هذه الحوادث المؤسفة التي حدثت في الشمال، شعر شعبنا وكل المسيحيين في العراق بالقلق وعدم الاطمئنان. ففي هذا الوقت الحرج، بتاريخ 18 – أب – 1933. نُفي البطريرك الذي كان يقيم في واي. م. س. أ. في بغداد، الى جزيرة قبرص، في البحر الابيض المتوسط. وبعد عدة ايام، نَقلوا كل افراد عائلة البطريرك المقيمين في الموصل الى قبرص، مروراً ببغداد. بعد فترة، قرر البطريرك الذهاب الى عصبة الامم في جنيف، لينتقل بعدها مع أهله الى انكلترا، ثم الولايات المتحدة الامريكية.

نتيجة هذه الحادثة المؤسفة. عَلَمَ العالم الخارجي بما حدث عن طريق الصحف وغيرها. صحف بيروت أولاً، ثم الاخرين، حيث القت اللوم على الحكومة العراقية والأنكليز، ووصمتهم بالعار. ادى الى ان تُبحث القضية في عصبة الامم بالتفصيل. من القرارات الاخرى، هو ان تُرسل عوائل اللاجئين الى سوريا، ليلحقوا بذويهم، على نفقة الحكومة العراقية.

الميجور تمفسون ممثل الانكليز لدى عصبة الامم في جنيف، أفتتح له مكتباً في الموصل، ثم في بغداد، لتسجيل اسماء عوائل اللاجئين الى سوريا. ثم شمل التسجيل كل من يرغب في الذهاب الى هناك.

أكثرية الذين سجلوا اسمائهم كانوا من تياري العليا وتخوما، اما الذين من تياري السفلى فأنهم أقاموا في العمادية ولم يذهبوا. اهالي منطقة دَدوش من تياري العليا وبزعامة ماليك جكو لم يذهبوا. سكنوا في كورِا كَوَنَا، في دهوك على طريق العمادية.

هنا حدث خلاف آخر في شعبنا، بين الذاهبين والمقيمين، وقد وصل تأثير الخلاف الى كل الاشوريين حتى المقيمين في بغداد، القادمين من اورمية، ايضاً دب التردد في قلوبهم. من المؤسف ان هذا الخلاف أثر على كل الناس.

اعضاء الكنيسة الانجيلية الاشورية في بغداد، بدأوا يفكرون في الذهاب الى سوريا. القس خندو يونان (تخوما)، راعي الكنيسة المذكورة، أجمالاً، رعيته كانوا من اورمية، كان يرى ان بقائنا في العراق افضل لنا، هكذا قدم رأيه لأعضاء كنيسته: “هجرتنا الى بلد آخر ليست لمصلحتنا، هذا البلد هو عربي أيضاً، أنا لا أرى فائدة في ذهابنا لنبدأ حياة جديدة هناك. ولكن كلٌ حرٌ في رأيه.”

بعد ذلك، بدأ بعض الذين يسمون أنفسهم بالقوميين الاشوريين، وقد كانوا ضد فكرة القس خندو، بشن حملة دعاية ضد القس المذكور، مما ادى الى حالة خصام بين هؤلاء والجماعة التي كانت في تفاهم وانسجام مع فكرة راعي الكنيسة.

كل ذلك، ادى الى ان تتعرض حياة القس خندو للخطر. ففي احدى المرات القوا عليه طابوقة من خلف احد الحيطان لكسر رأسه. وفي مرة ثانية، جادلوه بحدة، بهدف اثارته وضربه. وفي مرة ثالثة، أتهموه في قضية أخلاقية، حيث دبروا له مؤامرة بواسطة أمرأة ساقطة أخلاقياً، مطلقة من أنكليزي، حيث اشتكت في المحاكم، قائلة: في المساء عندما كان القس في طريقه الى الكنيسة لصلاة العشاء، وبينما انا جالسة في (حديقة غازي) أمسكني من ذراعي ودفعني الى الارض.

الحاكم، القاضي العربي، لم يصدق هذه المرأة الساقطة، بل طلب من القس خندو ان يرفع دعوى عليها، بسبب شهادة الزور التي قدمتها ضده، بهدف الاساءة الى سمعته.

بالطبع ان احداً لم يصدق هذه المرأة حتى الذين كانوا على خلاف مع القس.

رفض القس اقامة الدعوى على المراة الساقطة قائلاً: “الهي سيحاسب هذه المرأة، اما انا فلن انحدر الى مستواها.”

اثناء تسجيل الاسماء، سجل ثلاثة او اربعة عوائل من اهالي اورمية اسمائهم كذباً كأبناء العشائر. قُبِلَ طلبهم وذهبوا الى سوريا. بعد فترة عادوا، بطرق غير قانونية، الى العراق، اثناء العودة لقوا صعوبات جمة من الشرطة العراقية.

الفصل الرابع عشر

الرأي العام العالمي، حول الحوادث المؤسفة، خاصة الرأي العام البريطاني.

الكثير من صحف العالم وضعوا اللوم على الانكليز، لأنهم منحوا العراق الاستقلال دون ان يكون مستعداً لذلك. كل الصحف البريطانية وجهت نقداً شديداً لحكومتها.

الدكتور كَنَن وليم أ. وكرام. في حديثه الشهري امام اللجنة الملكية لشؤون آسيا الوسطى، في انكلترا، بتاريخ 23 – تشرين الاول – 1933 تكلم بحماسة عن اعمال الاشوريين ومساعدتهم للحلفاء، منذ الحرب العالمية الاولى والى الان. الاشوريون شعب صغير، ولكنهم ساعدوا الحلفاء، “وساعدونا اكثر مما كنا نتوقع منهم. نحن مديونون لهم، لقد وعدنا ان نساعدهم في العودة الى ديارهم الاصلية. ولكننا بأتفاقنا مع الاتراك، منحناهم مناطق الاشوريين وبيوتهم. لقد نسينا حقوق هذا الشعب الصغير الشجاع، الذي وعدناه (بواسطة مبعوثنا الكابتن جَي. ف. كرَيسِا. وضباط اخرين) بأن نمنحه الاستقلال، مقابل مساعدتنا اثناء الحرب.”. . .”كل الضباط الذين عملوا معهم يشهدون بشجاعتهم، أنضباطهم، قدراتهم. لقد دعموا وساندوا الحلفاء وخاصة لنا الانكليز، لذلك”، يضيف قائلاً “نحن الانكليز مُطالَبين، بأن نجد لهذا الشعب حلاً، ليعيش في منطقة آمنة. علينا ان نلح على عصبة الامم بأن تجد وطناً لهم.

هكذا كان رأي الجنرال دَّنستِرويل الذي كان قائداً للقوات البريطانية في ايران. مؤيداً لرأي الدكتور وِكرام. بأيجاد وطناً للأشوريين. لقد أقترح، إذا كان بالأمكان، ان نطلب من الحكومة التركية اعادة القسم الجنوبي من جبال هيكاري للأشوريين، حيث شملته الحدود التركية خطأً. من قبل لجنة رسم الحدود عام 1925 بين تركيا والعراق، تحت رعاية عصبة الامم، وان تدفع الحكومة البريطانية مبلغاً من المال مقابل ذلك.

هكذا يكتب العقيد أر. أس. ستَفورد، في كتابه “التراجيديا الاشورية”، الذي كان مبعوثاً بريطانياً، ومفتش الشرطة في الحكومة العراقية. والذي عُين باحثاً ليقدم رأيه في القضية الاشورية.

يقول: عندما قصفت طيارات رَكونس العراقية بالقنابل، الجنود الاشوريين في فيشخابور، غرب سوريا. الاشوريون لم يطلقوا النار بأتجاهها معتقدين انها طائرات أنكليزية. العقيد ستَفورد يضيف قائلاً: في 4 – آب_1933. عندما عبر الاشوريون الى الجانب الاخر من النهر، من سوريا الى العراق. بنية الاستسلام للجيش العراقي الموجود في معسكر ديرَبون، لكن من المؤسف ان بعض الجنود الاشوريين غير المنضبطين، أسرعوا بفتح النار على معسكر الجيش.

لقد كانت فترة دقيقة بالنسبة للحكومة العراقية. من جهة، المسلمين الشيعة في جنوب الديوانية انتفضوا ضد الحكومة السنية، بالرغم من كون الشيعة اكثر عدداً من السنة. الملك فيصل عاد من سويسرا، وهولم يشفى بعد من مرضه. ولم يكن راضياً من الاوضاع، ومن تصرفات عدد من وزرائه.

مذبحة الاشوريين كانت السبب الاهم الذي أدى الى الخلاف بين الحكام. بعد هجوم الاشوريين غير الموفق على الجيش العراقي في معسكر ديرَبون، قسم كبير منهم عاد وعبر النهر الى سوريا، البعض الاخر حاصرهم الجيش العراقي وقتلهم في معسكر ديرَبون. قسم منهم يقدر عدده بـ200 شخصاً تسلقوا الجبل ووصلوا الى عوائلهم وقراهم، هناك سلموا انفسهم الى الشرطة التي اطلقت سراحهم.

العقيد ستَفورد يستمر قائلاً: في الفترة من 5 الى 9 – آب – 1933، بدأ الجيش العراقي بشن حملة دعائية كاذبة، بأن الاشوريين قد تجمعوا في بعض القرى جنوب كردستان، في شكل مجموعات مسلحة، يستعدون لشن هجوم على الجيش العراقي. بهذا الشكل تم تعبئة الجيش العراقي بحقدٍ مرير وكراهية شديدة للأشوريين. لقد قرر الجيش محو الاشوريين من الوجود ليستريح منهم الى الابد. اهالي القرى كانوا يساعدون الجيش، في قتل الاشوريين، هكذا من 7 – آب فصاعداً بدأ الجيش يقتل الاشوريين بوحشية، هنا وهناك في مناطق دهوك، بلا جريمة ارتكبها الاشوريون او ذنبٍ اقترفوه. وبدون ان يقدموهم الى المحاكمة.

عدد القتلى في دهوك، وضواحيها وصل الى 80 شخصاً، لكن المأساة المرعبة كانت بتاريخ 11 – آب، المذبحة في قرية سميل. وفي 13 – آب كانت هناك خطة للهجوم على القوش، لأن الحقد كان يزداد شيئاً فشيئاً ليشمل كل المسيحيين. لكن الأهالي كانوا مسلحين جيداً ومستعدين للدفاع عن انفسهم.

في هذا الوقت كان حكمت بك سليمان وزيراً للداخلية، وهو اخ شوكت بك سليمان. هذا الشخص كان تركياً أكثر منه عربياً، وكان افضل من الوزراء الاخرين عرباً وأكراداً. حكمت بك وصل من بغداد الى الموصل في 11 – آب، أجتمع مع رؤساء العشائر الاشورية، حثهم على الطلب من كل الاشوريين المسلحين، تسليم سلاحهم الى الجيش العراقي بهدف اسكات الفتنة، كذلك رتب نشر الخبر بواسطة مناشير تلقى من الطائرات على القرى حول تسليم السلاح وتهدئة الاوضاع، وهو لم يكن يعرف شيئاً عن مذبحة سميل، لأن الخبر لم يكن قد انتشر بعد.

في اليوم التالي، ذهب حكمت بك الى دهوك، والعمادية، حيث هدَّأ الاوضاع هناك. ثم اكمل مسيره الى سميل وغيرها.

في 15 – آب يعود الى الموصل ليحكي لي (العقيد ستَفورد) عن هذا الحادث البشع والشاذ الذي حصل في سميل بتاريخ 11 – آب. حيث لم يبلغ بها. حكمت بك كان متأثراً جداً وهو يروى ما حدث.

شخص اسمه كوريال يونان، مختار المنطقة، كان يقول لجماعته بأن لا يخافوا لأن الحكومة العراقية ستحميهم من كل خطر. الجنسية معلقة على صدره، والعلم العراقي يرفرف على بابه، ولكن الجنود وقد عميت ابصارهم من dir=”RTL” style=”text-align: justify; text-justify: kashida; text-kashida: 0%; line-height: 18.0pt”> في 1 – أيلول – 1939، شنت المانيا هجوماً على فنلندا. مما حدا بأنكلترا وفرنسا ان يوجها انذاراً الى المانيا بضرورة وقف الهجوم، “والا سنتدخل في الحرب ضد المانيا”. من الجانب الاخر، روسيا ايضاً شنت هجوماً على فنلندا. بعد ذلك تحالفت ايطاليا مع الالمان. وامريكا تحالفت مع انكلترا وفرنسا. في 7 – كانون الاول – 1941، شنت اليابان غارات جوية على السفن الامريكية في ميناء بيريل هاربر، في محيط الباسفيك. ضمت الصين صوتها الى الحلفاء، امريكا، انكلترا، فرنسا (في ذلك الوقت لم تكن الصين قد اصبحت شيوعية بعد.) هكذا انتشرت الحرب العالمية الثانية في كل العالم.

في هذه الظروف، احتاج الانكليز الى المزيد من المقاتلين، لذلك طلبوا، مرةً اخرى، من اشوريي العراق وسوريا التطوع في الجيش. الاشوريون لبوا الدعوة، تطوعوا في الجيش الى جانب الانكليز بدون قيد او شرط. خدموا الحلفاء في العراق وايران، في فلسطين وسوريا وقبرص، بعض شبابنا دُربوا كمظليين وأُنزلوا خلف خطوط العدو في اليونان، هكذا فاجأوا القوات الالمانية في ذلك البلد. في تلك المعركة الدموية أسروا 90 المانياً. الملك اليوناني “فال” منح مقاتلينا وسام الشجاعة. وقد تكبدنا 14 قتيلاً.

في 2 – أيار – 1941، عدد من المعارضين بقيادة رشيد عالي الكيلاني، من المتعاطفين مع النازيين الالمان. ثاروا على العائلة المالكة (وكانت تضم الملك الطفل، فيصل، وخاله عبد الاله، الوصي على العرش، مع باقي افراد العائلة). طاروا مؤقتاً الى البصرة، وهناك ركبوا احدى البواخر في البحر. بأنتظار ما سيحدث داخل العراق.

رشيد عالي الكيلاني ازدادت قوته، فبعث بقوة كبيرة من الجيش العراقي الى الحبانية لأحتلالها. هناك كان للأنكليز قوة ضعيفة، مكونة من عدد صغير من الطائرات والمقاتلين. وكان معهم عدد من مقاتلي الليفي، أكثريتهم من الاشوريين، ومعهم عدد من الاكراد واليزيديين. معركة شديدة حدثت بين الجانبين، في البداية تَمَلَّكَ الانكليز اليأس، فقرروا الاستسلام الى العرب، لكن الاشوريين رفضوا قائلين “نحن سنحارب الى اخر رجل، ولن نستسلم ابداً” هكذا حاربوا بشجاعة، حتى أنهزم الجيش العراقي امام القوة الصغيرة في الحبانية. فبدأ الجنود بالفرار، وطاردهم الاشوريون الى مدينة الفلوجة، ودخلوها. بعد ذلك سمعنا ان اهالي الفلوجة أشتكوا من ان الاشوريين دخلوا بيوتهم (لقتل الجنود العراقيين) وسلبوا ممتلكاتهم. لا نعرف مدى صحة ادعائاتهم.

رشيد عالي هرب الى ايران، قبل ان تعود العائلة المالكة الى بغداد. لأنه كان سيتعرض للعقوبة. في سنة 1945 أنتهت الحرب العالمية الثانية، وتنفس العالم الصعداء. الدول الاوربية وغيرها تحملوا الكثير من الويلات، الجوع، العطش، الموت، خراب البيوت، دمار المدن، بدأت الشعوب تلتقط أنفاسها، بدأوا شيئاً فشيئاً بتثبيت اسس السلام والامن كل في وطنه.

نحن أشوريو العراق، بدأنا بنسيان المآسي التي تعرضنا لها، بسبب الظروف الداخلية الصعبة التي مر بها العراق، اثناء زمن الحروب والمشاكل الداخلية. فأنشغلنا بأعمالنا وحياتنا اليومية. وكذلك عرب العراق، تناسوا المشاكل التي حدثت بيننا اثناء الحرب العالمية. وعشنا معاً بسلام وألفة كأبناء وطن واحد بلا تمييز.

في هذا الوقت، ايران أيضاً كغيرها من دول العالم لم تكن ظروفها جيدة.

جيش الحلفاء، كان ما يزال هناك، الانكليز والامريكان أحترموا الاتفاق المعقود مع ايران اثناء الحرب، فسحبوا قواتهم من هناك. ولكن في القسم الشمالي والغربي، كأذربيجان وغيرها التي أحتلها الروس، هؤلاء تماطلوا في الخروج لوقت طويل. لم يسحبوا قواتهم كما فعل حلفائهم، في هذه الفترة زرعوا روح الخصام ومبادئ الشيوعية بين سكان هذه المناطق. لذلك ارادوا ان يروا ثمار اعمالهم، تنمو تزدهر.

وقد واجهوا الحاح الحلفاء بضرورة الأنسحاب الفوري، لعدم وجود اسباب تأخير ذلك. لكن بعد ان تركوا خلفهم بذور الشقاق في كل اذربيجان، ضد الحكم الملكي المتسلط انذاك.

قبل ان يخرج الروس من اذربيجان، قام شخص في تبروز، عاصمة اذربيجان، اسمه فيشووَرِا، من الهوشار التركمان، هو واتباعه فصلوا اذربيجان من ايران. أكثرية سكان اذربيجان هم من التركمان الهوشار، وليسوا فُرساً. فيشووَرِا اعلن خطوته بمساعدة الروس، الذين كانوا يهدفون الى اقامة حكومات محلية صغيرة، بأسم الديمقراطية، ليضموها بعد ذلك الى اذربيجان الروسية، التي هي الاخرى ايرانية الى ان ضموها الى اراضيهم قبل عدة سنوات. اي في زمن الامبراطور الروسي قيصر نيقولاي.

وفي غرب اذربيجان، اعلن الاكراد المقيمون بين ايران وتركيا، قيام دولتهم، بأسم “جمهورية كردستان الديمقراطية.”

هنا اشوريو اورمية وسلامس وقعوا بين نارين، من جانب يخافون من جيرانهم المسلمين، الذين انقسموا على انفسهم. فبعضهم يدين بالولاء للحكومة المركزية في طهران. والبعض الاخر يريد الانفصال والانضمام الى الجمهورية الجديدة. لقد تأثر شعبنا بالأوضاع الجديدة، حيث ما زالت مكانة روسيا في قلوبهم لم تتزعزع بعد، بالرغم من ان روس اليوم هم غيرهم روس الامس.

بعض القرويين اعتقدوا بأنهم سيتحررون من دفع الاتاوات الى الاغوات، الملاكين، الذين يملكون القرى، فهذه املاكهم. لِمَ يدفعون الاتاوات للأغا؟ في كل يوم كانوا يسمعون الاحاديث حول هذا الموضوع، بعضهم وبسبب بساطة تفكيره أنضم الى الحزب المسمى “حزب تودة” ولم يكونوا على علم بحقيقة الحزب، وان الاسم الجديد يعني الشيوعية.

في هذا الوقت وُجد شخص من اهالي عَدَا!!! اسمه يوأش فيرلِه. أعتقد أنه قدم من روسيا، رجل عادي متوسط السن.

هذا الشخص بدأ دعاية واسعة ضد دفع الضريبة (الخرج) وغيرها. وبعد ان اقنع عدد من القرويين، خاصة القرى الواقعة على سفح الجبل بجوار الاكراد. جمع هؤلاء وسار بهم، مدججين بالسلاح، لتفقد القرى الاخرى، ثم تفقد الاشوريين المقيمين في المدينة، يفرض عليهم الضريبة، ويهددهم في بعض الاحيان. بعد ذلك، بدأ يجلب معه من 15 الى 20 كردياً مسلحاً، ويفرض على العائلة الفلانية في المدينة، لتحضير العشاء لكل هؤلاء الاكراد، وتحضير سرير نوم لكل على حدة، وكذلك يعطونهم مصاريف السفر وباقي الحاجات.

ثم وضع قائمة بأسماء الاشوريين المعروفين، والذين يعتقد أنهم لا يوافقونه على أعماله، بل هم متعاطفون مع العائلة المالكة. ليقوم بأغتيالهم الواحد تلو الاخر، بهدف الاستمرار في خطته الشيطانية.

بدأ في تنفيذ الخطة الشيطانية، بالضرب المبرح للشاب شمشون من قرية جهَربَّخش، الذي مات بعد وقت قليل. الشخص الثاني الذي قُتل امام بيته، يوئيل أوشعنا من قرية سَرَلَن، والذي عُرِفَ بأسم ميرزا يوئيل من جهَربَّخش. وهو شخص متعاطف مع السلطة في اورمية. ومعروف من قبل الجميع، الاشوريون والمسلمون. بعدها اغتالوا الطبيب الكسن، ابن نزارخان. احد الاشوريين المشهورين، معروف ومُحترم، ليس من قبل شعبنا فقط، بل من قبل رجال السلطة ايضاً. وكان له اصدقاء من الايرانيون، بعده قتلوا شخص مُسن يصنع السلاح، هو الاخر كان من جهَربَّخش. تلاه مدير شرطة المدينة، والي زادَيه. أطلقوا الرصاص عليه وهو في مكتبه، حيث مات في الحال.

هذه الحوادث اثارت الرعب في كل اورمية، بسبب ان قائمة القتلى كانت طويلة. الروس كانوا ما يزالون في اورمية، في ظروف كهذه، اعتقدوا ان خططهم لن تتحقق. في احد الايام، خطفوا يوأش فيرله، أخفوه عن انظار الناس. الى يومنا هذا لم يعرف ما الذي حدث لهذا الشخص.

في عام 1945، الجيش الايراني المنظم، حديث التسليح، بقوات كبيرة العدد، شن هجوماً واسع النطاق على تبروز، هزم قوات الفيشووَرِا، التي لم تستطع الصمود. فتشتت جيشه. وهرب الى قوقاسيا – روسيا. بعد فترة سمعنا انه مات في حادثة سيارة.

ثم جاء الجيش الايراني، لتأديب الذين أشتركوا في القلاقل التي حدثت في الآونة الاخيرة.

في رواية لأحد سكان جهَربَّخش، ان دبابات الجيش الايراني سحقت العصاة. ابراهم (من يَنكيجا)، اَرم فَّرهَدَ، خِسرو، مَّندو، واخرين. من المعروف عن اهالي جهَربَّخش انهم اكثر تعاطفاً مع الروس. مرة اخرى في عام 1946، سُلبت قرية جهَربَّخش (كما روى لي نفس الشخص)، معلم اسمه الاستاذ يوشيا أُلقي القبض عليه وأُدين، ثم شُنق في ساحة المدينة، في نفس الوقت الذي كان فيه الجيش النظامي يؤدب العصاة.

كان هناك جماعة من الاشوريين الذين اشتركوا في قضايا الديمقراطية. هربوا الى بغداد، عن طريق جبال كردستان، خوفاً من عقاب الجيش. وظلوا في العراق. الى ان اصدر ملك ايران عفواً عن كل المشاركين في تلك الحوادث، فعاد بعضهم الى اورمية، وأعلنوا برائتهم، قسماً منهم عاد الى بغداد، ليصبحوا عراقيين، ويبقوا في العراق.

كما ذكرت سابقاً، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت ظروفنا تتحسن شيئاً فشيئاً في العراق. في 14 – تموز سنة 1958. فجأة حدث انقلاب غير مألوف أدى الى تغيير كبير في الحياة السياسية للبلد. بعض قادة الجيش تمردوا على الحكم الملكي. قُتل الملك الشاب فيصل مع خاله عبد الاله، مع بعض افراد اسرتهم. الكثير من المسئولين، امثال نوري باشا، رئيس الوزراء، الذين كان معروفاً لسنين طويلة بخبرته في ادارة شؤون البلد، اُلقي القبض عليه وقُتل، بعد ذلك سُحل في شوارع بغداد بوحشية. كذلك عدد من رفاقه المسئولين، أُلقي القبض عليهم، حيث قُدموا للمحاكمة وأُدينوا، ثم سُجنوا.

لفترة 7-8 سنوات بعد ذلك. قادة اخرين استلموا السلطة، بين حينٍ واخر تنقلب جماعة على اخرى.

هكذا منذ الستينات فصاعداً. بدأ شعبنا يفكر في ايجاد موطناً اكثر استقراراً للمستقبل. فكانت امريكا مشرعةٌ ابوابها امامنا، فهاجرنا بمساعدة مجلس الكنائس العالمي. اكثر من50,000 اشوري قَدِمَ الى هنا والكل ينعم بخيرات هذا البلد.

بالطبع، هناك مئات الالاف من ابناء شعبنا مشتتين في مناطق اخرى من العالم. كـ أستراليا، أنكلترا، كندا، فرنسا، السويد، وبقاع اخرى من العالم. وفي العراق هناك ما لايقل عن 200,000 شخص، وعدة الاف في أيران، والاف اخرى في سوريا ولبنان.

هذا كان قَدر شعبنا ان يتشتت قي اربعة جهات العالم. نوعاًما ظروفنا تشبه ظروف بني اسرائيل، الذين ولأكثر من عشرين قرناً، عاقبهم الرب بتشتيتهم في بلدان العالم المختلفة، ثم كان الخلاص.

الآن، الشئ الاهم لنا كشعب، ان نعود الى الرب، نصلي وننشد المساعدة في العودة الى الايمان الاصيل الذي كان لدى ابائنا العظام. وان يكون الرب راعينا، وان يُقيم بيننا الاشخاص الذين يقودوننا الى المستقبل المشرق، بعد التضحيات الكبيرة التي قدمناها على مذبح الايمان، والعذاب الذي عشناه لقرون طويلة.

هنا أختتم هذا الكتاب ” التاريخ الموجز” لشعبنا. هذا الشعب الذي عاش الويلات، المشاق، الحسرات، رحلة طويلة من العذاب. آمـيــــــــن

أحمد الرب واشكره، وقد أعانني في شيخوختي، أن أكتب هذا التاريخ، وأقدمه هدية الى ابناء شعبي.

أمتنان

هذا الكتاب للأستاذ كورش، يُنير سبيلنا في فهم الحوادث التي وقعت في هذا القرن، والتي كانت الأشد مرارة في حياة شعبنا الاشوري.

لقد عاش الاستاذ كورش معظم الأحداث ورأها بعينه، بعكس الكُتَّاب الذين يعتمدون على نقل الحوادث عن الاخرين اما مضخمة او مصغرة، فلا يمكننا تمييز الحقيقية عن الزيف. اما ما يكتبه الاستاذ فهو الحقيقة المجردة.

لهذه الخدمة التي قدمها الاستاذ، نشعر جميعاً بالأمتنان، للفائدة التي جنيناها من عمله هذا، منه نتعلم دروساً جديدة لاتنسى، لبناء المستقبل، لجيلنا وللأجيال القادمة.

الشماس كيوركيس بيت بنيامين.

****************************

By Michael Giwargis Zakaria
Book and comment
كتاب وتعليق
http://nala4u.com

اقتباس

ماليك خوشابا

يسافر الى الموصل عن طريق كردستان

قبل وقت قصير من خروجنا الجماعي من اورمية الى ساين قلعة، أخذ مالك خوشابا معه 12 شاباً مسلحاً من التياريين، شق طريقه وسط جبال كردستان (جبال اشور-المترجم)، بهدف الوصول الى الموصل، ليطلب المساعدة من الانكليز. لمدة ايام طويلة من السفر الشاق، ينامون في النهار، ويسيرون في الليل وسط صفوف العدو، حتى وصلوا اخيراً الى دير الربان هرمزد، قرب القوش، عدة اميال شمال الموصل، وهناك عندما سمعوا ان الموصل ما زالت تحت السيطرة التركية، وان كانوا في حالة تعب شديد، جوعى وعطشى. مرة اخرى، عادوا من نفس الطريق الشاق والصعب، وصولاً الى اورمية. لكن عند وصولهم وجدوا ان شعبنا قد رحل من هناك، هكذا وبمساعدة دليل (حيث هددوه بالقتل ان لم يرشدهم) وصلوا الى همدان. هناك ألتقوا بالشعب، ومن همدان الى بعقوبة، هذه الرحلة بلغت الف ميل.

ايضاح حول معلومات سرية

اليوم اعتقد، انه آن الاوان للكتابة حول موضوع ما زال مخفي عن شعبنا الى يومنا هذا.

عندما ركبنا القطار، نحن فرقة اورمية، من مخيم بعقوبة، كان الوقت العاشرة مساءاً. عندما اسرع القطار في المسير، بعض الشباب بدأ يغني من فرحته. لأنهم كانوا في الطريق لتحرير موطنهم الاصلي. الاغنية كانت نشيد عسكري من مقطعين، تاليف السرجنت اوشالم ابكَّر (قرية مريم العذراء في اورمية)!!. بصوته العذب، وكان يملك موهبة تأليف الاناشيد العسكرية.

بعد اسبوع من وصولنا الى مخيم مَّندَن، سمعنا بأن العائلة البطريركية قد آلمها غنائنا في القطار، اثناء خروجنا من مخيم بعقوبة، مما قالوه “ان اهالي اورمية كانوا مسرورين لموت البطريرك مار بولس، لذلك بدأوا الغناء وهم لم يبتعدوا بعد من مخيم بعقوبة”.

هذا الأعتقاد كان خاطئاً. أني أقسم امام الله، بأننا لم نكن قد سمعنا بعد بوفاة البطريرك مار بولس، يبدو انه توفى قبل ساعات من تركنا مخيم بعقوبة. لأن البطريرك توفى في نفس يوم خروجنا من المخيم بتاريخ 27 – نيسان.

لو كنا قد سمعنا بوفاة البطريرك، فأنه من الدناءة ان لا نلتزم الهدوء احتراماً للعائلة البطريركية، التي كنا نحترمها دائماً، كعائلة ذات مكانة رفيعة في شعبنا.

بعد بقائنا يومين في اورمر للراحة. كنا نأمل ان نبدأ في صباح اليوم التالي مسيرنا ونعبر نهر الزاب الكبير. من الجانب الاخر من النهر، ومن على قمة الجبل كنا نرى سهول تَّركَوَّر ومَركَوَّر. التي ليست بعيدة من اورمية، لكن هنا في اورمر، في المساء، دعى اغا بطرس، كل الضباط، للأجتماع به في خيمته، حيث قال لنا: “في الصباح، يجب ان نعود يا شباب، الى مَّندَن.” فوجئنا بهذا الخبر المؤسف الذي قاله لنا. ثم أضاف “السبب هو ان اخواننا عشائر تخوما، وتياري السفلى، لا يرغبون في الذهاب معنا لتحرير اورمية، لقد تركونا ورحلوا شمالاً الى مواطنهم الاصلية. لذلك لا نجد ان من المنطق ان نذهب لوحدنا لتحرير مناطقنا، وفي مواجهتنا القوات الكبيرة للعدو. والشتاء القارص على الابواب. اني آسف معكم، فلا يوجد حلاً آخر غير عودتنا.”

آسفنا جداً لسماع هذا الخبر، فبالرغم من المشاق الكبيرة التي واجهناها، في الطرق الصعبة، المرض، الموت، المجاعة، العطش، وغير ذلك، لكن املنا كان كبيراً في ان نصل الى وطننا الاصلي.

كل الضباط، قمنا منكسي الرأس الى جنودنا نخبرهم بما حدث، هم ايضاً، آسفوا جداًً للخبر.

أحد الضباط الانكليز الذي كان معنا، كابتن كبسون، انتحر اثناء العودة، عندما وصلنا قرية جوجر، لأنه وجد ان الكثير من البغال والسلاح قد فُقد. أما الضابط الاخر كابتن هوميزد، ذهب الى الموصل ليقدم تقريره الى العقيد اووين، الذي كان مسؤولاً عن رحلة التحرير. نحن العسكريين، سلمنا ما تبقى من بغالنا وسلاحنا وخيمنا الى الانكليز، وتم حل فرقة اورمية. بقينا مع أهلنا في مندن الى نهاية الشتاء.

البطريرك مار ايشاي شمعون يدعو رؤساء العشائر للأجتماع.

في شهر ايار – 1932، دعى البطريرك مار ايشاي شمعون، الزعماء ورؤساء العشائر للأجتماع، في سر العمادية، موضوع الاجتماع، كما علمنا، كان عن مستقبل شعبنا. في شهر حزيران، عُقد الاجتماع الثاني. القرار النهائي كان ان يطلب الاشوريون المساعدة من الحكومة العراقية والأنكليزية للأقامة في جبال هيكاري، وان تكون دهوك، المركز. وكذلك قرروا، ان يذهب البطريرك بنفسه الى جنيف. لتقديم هذا الطلب الى عصبة الامم، بعد عدة اشهر، في تشرين الاول – 1932. ذهب البطريرك الى جنيف لتقديم المطلب الاشوري كما تقرر في اجتماع الزعماء ورؤساء العشائر. بعد فترة عاد البطريرك خاوي اليدين وبلا امل.

ماليك ياقو يذكر في كتابه “الاشوريون وحربين عالميتين” في الصفحات 203-214، بعد ذهاب البطريرك الى عصبة الامم، جماعة اخرى من الاشوريين، ارسلت الى العصبة، مطلباً اشورياً مختلفاً عن المطلب الذي يحمله البطريرك. الاشخاص الذين وقعوا على هذا المطلب، ادناه اسمائهم:

1- مار سركيس، اسقف جيلو.

2- مار يوألهَا، اسقف بروار السفلى.

3- ماليك زيا ماليك شمزدين، تياري السفلى.

4- زَدوق شمعونَيا، وكيل بروار العليا.

5- ماليك خمو البازي.

6- القس كبريل البازي.

7- ماليك جيكو كيو، تياري العليا.

8- ماليك عوديشو، تياري العليا.

عندئذ، في الرابع من شهر ايار 1933، عاد البطريرك الى الموصل خالي الوفاض…. انتهى الاقتباس

نكتفي بهذا القدر من الاقتباس لتوضيح ما يلي;
خير الكلام ما قل ودل
اعزائي القراء

التعليق

اولا; ان هذه الشهادة التاريخية من قبل المؤلف والمترجم بمثابة دليل دامغ ورد صاعق على البعض ممن يتبجح بهروب مالك خوشابا ورفاقه الاثنى عشرمن المعركة والذين كانوا في مهمة وطنية وقومية لانقاذ الاشوريين والمسيحيين.

ثانيا; بعد ذهاب البطريرك مار ايشاي شمعون الى عصبة الامم , ادعى المرحوم مالك ياقو بان جماعة اخرى من الاشوريين، ارسلت الى العصبة، مطلباً اشورياً مختلفاً عن المطلب الذي يحمله البطريرك.
من خلال هذه المعلومة التاريخية .. فان مالك ياقو يؤكد ويقطع الشك والاكاذيب باليقين من عدم وجود اسم مالك خوشابا في هذه القائمة ..

وهذا لا يعني اطلاق اللوم والنعت بصفات غير لائقة على الجماعة الاخرى من الاشوريين، ..قد كانوا ينظرون في نفس الوقت بمنظار اخر يصب في مصلحة الاشوريين والمسيحيين ولتجنب الويلات والماسي على امتهم..نعمة يسوع له المجد معكم جميعا.

ويتقدم موقع نالافوريو بجزيل الشكر والامتنان الى موقع بت نهرين نت الالكتروني وبالاخص للكاتب والمترجم لجهدهما المبذول لنشر هذه الكتب التاريخية والمتعلقة بقضية الاشوريين والارمن والمسيحيين والاقوام الاخرى..ان هذاالتعليق القصير على هذا الكتاب لا يشكل سوى جزءا يسيرا..على معاناة الاشوريين والمسيحيين في تلك الحقبة التاريخية وما زالت المعاناة مستمرة…….موقع نالافوريو يتبنى التسمية الآشورية كأمة وتاريخ ولغة وليس ملزماً بما يسمى ((كردستان)) .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.