انتفاضة الشباب ثورة مجتمعية لتصحيح المسار السياسي في العراق

بقلم فواد الكنجي
انتفاضة الشباب ثورة مجتمعية لتصحيح المسار السياسي في العراق

06 / 12 / 2019
http://nala4u.com

بعد أن استحوذت الأحزاب الحاكمة في (العراق) على سلطات الدولة.. واختطفت الدولة والوطن.. وصادرت حقوق الشعب.. وفرضت على المجتمع سلطة دكتاتورية لتجبره على الانقياد والاستكانة عبر ممارسات قمعية أجبرت تواجد أجهزتها وميلشياتها في كل مؤسسات الدولة لتصبح شبه مقاطعات؛ كل مؤسسة تابعة وخاضعة لجهة حزبية؛ ليتم شراء الذمم عبر الاستحواذ على الوظائف وموارد الدولة والتصرف بها كملكية خاصة، ليستشري الفساد ونهب المال العام على نطاق واسع في مؤوسسات الدولة؛ بغياب أي نشاط تنموي يخدم الشعب وينمي اقتصاد الدولة؛ فساد الكساد وتفشى الفساد ودب العجز في ميزانية الدولة التي تصدر بحدود أربعة ملايين برميل نفط يوميا؛ جل هذه الصادرات تذهب إلى جيوب الأحزاب والميلشيات التي تجوب بأسلحتها في طول وعرض البلاد دون محاسب ورقيب؛ بعد إن أصبحت نفوذها أقوى من نفوذ القوات المسلحة (العراقية)؛ فغيب دور الدولة والمجتمع في التخطيط.. والتعمير.. والبناء.. وأقصى دور الشباب من اخذ مواقعهم في رسم سياسة الدولة وبناء مشاريعها التنموية؛ ليقعوا تحت وطأة ظروف اقتصادية خانقة لدرجة التي لم يتمكنوا من سد رمق معيشتهم في الحياة الكريمة رغم كونهم من حملة شهادات مدرسية ومهنية وخريجي المعاهد والكليات والدراسات العليا؛ فاستشرت البطالة في صفوفهم.. وساد الفقر.. وتدهور أوضاع المعيشية للأسرة العراقية.. وزادت معاناة المجتمع بانقطاع التيار الكهربائي.. والماء.. ومشتقات النفط.. والخدمات الأساسية.. وارتفاع أسعار مواد الغذائية، ليعيش أكثر من خمسة وسبعين في المائة من الشعب العراقي تحت خط الفقر؛ وهذه الأوضاع مع تفاقمها يوما بعد أخر ومنذ 2003 والى يومنا هذا؛ هو الذي فجر الشارع (العراقي)؛ لينتفض (الشباب العراقي) على الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب؛ بعد إن اعترى أعماقهم مشاعر الإحباط من الأوضاع السياسية القائمة في البلاد؛ فهبوا بالاحتجاجات والمظاهرات منتفضين بعد طوال عذاب وانتكاسات مجتمعية خطيرة دمرت واقع الأسر (العراقية) بشكل اثر على مستقل أولادهم وتربيتهم ومسيرتهم في الحياة، ليقف (شباب العراق) وقفة موحدة ترفعوا عن الطائفية والديانة والقومية وتمسكوا بالثوابت الوطنية وحق المواطنة؛ ونددوا بالأحزاب الدينية التي أفسدت البلاد والعباد بفسادهم وتبعيتهم وعمالتهم وأصبحوا عملاء لإرادة دول إقليمية وأجنبية؛ أذلوا أنفسهم وكرامتهم من اجل حفنة من دولارات لا تسمن ولا تغني، فتحرك الشباب لإحداث تغير جوهري في حياة الشعب؛ بعد إن رفعوا صرخاتهم بوجه غطرسة الساسة والأحزاب الغاشمة؛ وبوجه البرلمان والحكومة والرئاسة المغيبة؛ هذه المؤسسات التي لم تعد لها وجود بقدر كونها هياكل كارتونية تصلح لسخرية المواطن منهما، وكان لمخاض الشعب يولد في نفوس الشباب جرأة وقوة وشجاعة أمحت من نفوسهم الخوف والتردد؛ لأنه لم يعد الشباب يخاف من شيء يفقده بعد إن وجدوا بأنهم فقدوا كل شي؛ فقدوا أغلى ما كان يؤمنون به وهو وطنهم، فاندفعوا بكل عنفوان الشباب إلى الشوارع وساحات المدن (العراقية) بعد إن عاضدهم الشعب بكل أطيافه ومكوناته ودياناته وقومياته وهم يصرخون (نريد وطن) بوجه السلطات والأحزاب المتنفذة لدرجة التي أرعبت تكاتفهم وصمودهم هذه الأحزاب والكتل السياسية الفاشية التي جلها تعمل لصالح أجندة إقليمية معروفه؛ وهم يدخلون الشهر الثالث من الاعتصام والتظاهرات وكلهم عزم وقوة وإرادة لا تلين وأكثر إصرار وصمود على إسقاط النظام وكل العملية السياسية القائمة على نفس طائفي مقيت وعلى المحاصصة الحزبية والنظام البرلماني الهش الذي يمهد للأحزاب على إدارة الدولة.

ولهذا فان تكاتف الشباب وصمودهم وإصرارهم بإحداث تغيير شامل في منظومة الحكم في (العراق)، ليدخل المجتمع (العراق) منذ الأول من تشرين الأول ثورته في التغيير هذه المنظومة الفاشية وبشكل شامل؛ في مرحلة تحولات جذرية وكتابة التاريخ بعد طول تزيف وسلب إرادة الشعب وخطف سلطة الدولة باسم الديمقراطية المزيفة للحفاظ عن مصالح حزبية ضيقة وعلى حساب كرامة الأمة والوطن والثوابت الأخلاقية الأصيلة للمجتمع (العراقي) .
إن (انتفاضة تشرين) ما هي إلا (ثورة مجتمعية) و(ثورة فكرية) يقودها (شباب العراق)، ثورة أرعبت كل النخب السياسية والسلطة الحاكمة؛ بما أفرزته هذه الثورة من معطيات وطنية حركت المجتمع ليتعاطف معها ويلتف حولها وبالمشهد الذي رأته كل مجتمعات الأرض، فمن يحمل الغذاء لهؤلاء الشباب الثائر.. ومن يحاول إسعافهم.. ومن يحول تضميد جراحاتهم.. ومن يحاول تنظيف مواقع تواجدهم.. لنجد صورا رائعة تتقدمها (المرأة العراقية) وهي تتقدم مشهد التظاهرات دون خشية أدواة القمع للسلطة الغاشمة؛ بما يستخدم ضد المتظاهرين السلميين من رصاص حي.. والقنابل الدخانية.. ومسيل الدموع؛ ليستشهد منهن أعداد خفيرة مع من استشهد من المتظاهرين الشباب الذين تجاوزا إعدادهم بحدود أربعمائة شهيد وأكثر من عشرين إلف جريح، لنرى (المرأة العراقية) تهتف وتتظاهر وتعمل كمسعفة وتنظف أماكن التظاهرات وتطهي وتخبز لتطعم إخوتها وأبنائها المتظاهرين؛ ليظهروا للعالم اجمع مدى سلمية التظاهرات ومدى رفعة أخلاق (العراقيين) وهم يناضلون شباب وشابات من اجل كرامة أمتهم ووطنهم وحرية شعبهم .
وهذا العمل وهذا التلاحم الجماهيري أرعب ساسة (العراق) المستحوذين على السلطة ومختطفيها وناهبي ثرواتها، كما فاجئ كل المجتمعات الحرة ومراكز القرار الدولي؛ ليتعاطفوا مع مطالب الشعب العادلة؛ بعد إن كان ضنهم بان (العراق) كدولة مستقلة حرة قد انتهت؛ بعد إن تم اختطاف السلطة من قبل (إيران) عبر اذرعها وعملائها؛ ليصبح (العراق) ولاية من ولاياتها، وان دورة الحياة أصبحت آسنة بعد طوال الخمود والعبث ومصادرة القرار الوطني، ليشهدوا – وعلى حين غرة – كيف تنفجر طاقات الشباب والجماهير المتحدة معهم؛ بعد إن انطلقوا في وثبة ثائرة لإحداث تحولات مجتمعية وتحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة (العراقية) .
ولولادة هذا الواقع؛ وفي ظل ظرف المرحلة والآليات السياسية القائمة منذ 2003 والى يومنا هذا والملوثة بالفساد.. والإقصاء.. والتهميش.. والتهجير الطائفي والديني والقومي.. والخطف.. والقتل.. والتفجيرات والتفخيخات المتعمدة.. وغياب العدالة الاجتماعية؛ فان مخاض الولادة لا محال سيمر بمراحل الم عسير لطبيعة الأجواء الملوثة القائمة ومصادرة واختطاف السلطة من قبل أحزاب السلطة وميلشياتها العميلة لدول إقليمية وللآخرين؛ ولكن الولادة ستأتي لا محال؛ بولادة (ثورة الشباب) ليتم من خلالها تصحيح المسار السياسي في (العراق) وانطلاق نحو مسيرة البناء والنهضة الشاملة اجتماعيا.. وسياسيا.. واقتصاديا؛ لان الشباب الثائر فرض وسيفرض إرادته وإمكانياته وقدرته على مواجهة مخاطر داخليا.. وإقليميا.. وخارجيا؛ لان المواجهة هي نابعة من خلال إرادة الشباب بان يكونوا؛ وسيكونوا بمستوى المسؤولية؛ وهذا ما يجلدهم على الصبر.. والنضال.. والكفاح.. وخوض معارك التحرير.. وانتزاع السلطة من يد العملاء والخونة ليتم استرداد قيم المجتمع (العراقي) الأصيلة والمغيبة بفعل زمر من أحزاب فاشية دمرت المجتمع وسلبت حرية المواطن والوطن .
فـ(ثورة الشباب) ليست بصدد مطالب بالعمل ولقمة خبز فحسب؛ بل هي ثورة لاستعادة كرامة الشعب والوطن، وكل يوم يمض من مخاض هذه الثورة.. وكل شهيد يسقط في ساحات وميادين وشوارع المدن.. سيزيد من عزيمة الشباب الثائر؛ صمودا.. وتحديا من اجل استعادة كرامة الوطن والإنسان؛ مهما استبدت الأحزاب المسيطرة على السلطة في (العراق) ومارسوا بطشهم وحاولوا قمع تظاهرات الشباب؛ فان واقع الحال ما بعد الأول من تشرين الأول لن يتراجع – مهما قدم الشعب من تضحيات – إلى ما قبل هذا التاريخ .
فحالة غليان الشارع (العراقي).. ورغبة في استرداد الكرامة.. وتحشد الجماهير لمعاضدة تطلعات الشباب وتعبئتها؛ تشكل ظاهرة تجاوزت الوسائل التقليدية في تاريخ الحركات السياسية؛ ليكتب (شباب العراق) تاريخا جديدا عبر قدرتهم في صناعة التحولات مجتمعية؛ لبلورة مفهوم التحرر من القمع.. والقهر.. والإذلال.. وليتم من خلال ثورتهم استرداد الكرامة، فالأحداث القائمة على الساحة (العراقية) تتجه بتسارع الأحداث وبتعبئة وحشد طاقات الجماهير؛ وكل مواطن (عراقي) أينما كان في داخل الوطن.. أو إذ كان نازحا في دول الجوار.. أو مهجر في دول الشتات.. يسعى الالتحاق بركب المظاهرات والاحتجاجات؛ ليعيش لحظة ولادة (الفجر العراقي) بعد طول الغياب وظلام الحياة، ليتم تجدد دماء الحياة بطاقات الشباب الوثابة التي تتوق إلى بذل مزيد من العطاء لصناعة الحياة ومستقبل الأمة، لكي يكون تعبير (ثورة الشباب) قد استردت كرامة الإنسان والوطن لنهوض بالمجتمع وبناء حضارته؛ بهمة.. وحماس.. وإصرار على تجاوز كل معرقلات النهوض، فـ(الشباب العراقي) لقادر على صناعة المستقبل المشرق للوطن؛ لأنهم هم العماد أي نهضة في إدارة وتشغيل المشاريع الخدمية والمشاريع التنموية صناعيا.. وزراعيا باعتبارهم عنصرا فعال في قوة الوطن والمجتمع لأي تنمية ونهوض؛ باعتبارهم حصن ودرع المنيع للوطن والدفاع عنه وتصحيح المسارات العبثية التي قادتها الأحزاب (العراقية) الفاشية؛ والتي انتهت مخارجها إلى مهالك مدمرة والى الاستلاب؛ فهم اليوم قادة التغيير.. وهم قوة الدعم والتكاتف في وحدة المجتمع ونهضته، لان مستقبل الوطن والشعب مرهون بقوة وفكر ونضوج الشباب؛ وهم السواعد القوية لبناء حاضر ومستقبل ونهضة الوطن؛ وعليهم يعول المجتمع في استحداث التغيير المنشود في (عراقنا)؛ لان يقيننا إن التغيير لن يدق أبوابنا ما لم نسعى بالعمل.. والعلم.. وأداء الواجب.. كي يتم تحصيله، والدور الذي يقوم به (شباب العراقي) وما يتم تنفيذه بجد.. وجهد.. وصبر.. وتحمل آلة القمع التي تمارسها أحزاب السلطة الغاشمة ضدهم في ساحات الوطن؛ وهم يواجهون الأحزاب والكتل السياسية ممتهنة بممارسة أبشع وسائل القمع بما يمتلكونه من سلاح ومال ويعملن لصالح أجندة إقليمية وأجنبية تدعمهم بالذخائر والسلاح وكل وسائل القتل والتدمير، فإننا سندرك حجم قوة الشباب وكفاحهم وصمودهم في مواجهة هذه الآلة القمعية الوحشية المتغطرسة؛ وهم لا يملكون سوى إيمانهم بحب الوطن ورغبة في استرداده؛ بعد إن تم خطفه من قبل أعداء الشعب والوطن من قوى الأجنبية وعبر اذرعها العميلة .
ولهذا فان عظمة المسؤولية الملقاة على (شباب العراق) المرابط في ساحات الوطن هي مسؤولية عظيمة؛ ولهذا السبب التف الشعب بكل مكوناته وأطيافه حولهم لنصرتهم، لان الشعب أدرك قيمة نضالهم في استرداد الوطن المختطف؛ والذي لن يعود إلى أحضان الشعب (العراقي) إلا من خلال سواعد الشباب.. وعلى أكتافكم.. من اجل تغيير واقع لمجتمع (العراقي) الأليم الذي عاشه خلال ستة عشر عاما الماضية، ليتم أعمار ما تم أفساده من قبل الأحزاب الشوفينية العاملة وميلشياتهم في (العراق)؛ وليتم القضاء على الفساد والمفسدين، وليتم مواصلة العمل والبناء ليل – نهار لنهضة (العراق)، وهذا ما اخذ على عاتقة (شباب العراق) لتحقيقه من خلال هذه الثورة المجتمعي على ارض الواقع لتحقيق أمال المجتمع في بناء الوطن والرقي بحضارته؛ حضارة (سومر) و(أكد) و(أشور) حضارة وادي الرافدين العظيمة؛ وفي مختلف المجالات الحياة الثقافية.. والتربوية.. والعلمية.. والصحية.. والزراعية.. والصناعية.. والاقتصادية.. والسياسية.. والاجتماعية.. أنها ثورة التغيير والبناء، أنها (ثورة الشباب) التي تدور رحاها في هذه الأيام الخالدة من تاريخ (العراق) المعاصر في كل ساحات الوطن ومدن (العراق) .

فواد الكنجي
December 6, 2019

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.