نحو إعادة ترتيب البيت الآشوري

بقلم سامي هاويل
نحو إعادة ترتيب البيت الآشوري

04/ 10 / 2017
http://nala4u.com

ليس بخافٍ على المثقف الآشوري، ولاسيما القريب منهم، والمتابع لما تفرزه الساحة القومية من مواقف متذبذبة، واصطفافات هزيلة، وتصريحات أقل ما نقول عنها خجولة وكسيفة، وفي بعض الأحيان معادية لأدنى مستويات الطموح الآشوري المشروع. لا شك أن جميعها تُصنّف ضمن إطار النتيجة لذا، ومن هذا المنطلق أصبحت من الضرورة القصوى لكي نبحث عن الأسباب التي أدّت الى هذه النتيجة المخيبة للآمال، رغم أننا أشرنا إليها في أكثر من مقال ومناسبة، ولكن نعود مجدداً للتذكير والإضافة علها تكون بادرة تلفت انتباه المعنيين لكي يباشروا بوضع برامج عمل رصينة من شأنها قطع الطريق على من يستغل معاناة شعبه ويقتات من مآسيه والتهيئة للغد القريب.

بغية الوصول الى الهدف كقاعدة سواءً كان على مستوى الفرد أو على صعيد الحزب والمؤسسة، وصولاً الى أهداف الشعوب والأمم، لابُد من العمل الحثيث والتضحية. ولكي يكمن الأستعداد لذلك يشترط وجود عامل الإيمان، الإيمان بالهدف باعتباره حق مشروع، خاصة على صعيد الشعوب والذي هو موضوع المقال. ولن يولد ويترعرع الشعور الصادق ليصبح ايماناً حقيقياً إن لم يكن مرهوناً بعامل الإدراك، فبدون فهم وإدراك الحق، والبحث بشكل دقيق وجاد في كل تفاصيله بعيدا عن العاطفة والخنوع والخضوع للواقع لن يرى الإيمان الحقيقي النور.إذن، أصبحت لدينا قاعدة تتكون من عوامل متسلسلة ( التضحية، الإيمان، الإدراك )، هذه العوامل المهمة يجب ومن ثم يتحتم علينا إيلاء الأهمية لها.

إن الأهمية القصوى لهذه العوامل باعتبارها حاجة مُلِحة يبررها واقع البيت القومي الآشوري حاضراً. فعلى صعيد الفرد الآشوري نرى بأن الغالبية القصوى تفتقر الى الوعي القومي، ما يؤكد بأن هذه الغالبية تفتقر الى عامل الإدراك، وعليه يكونوا ضعيفي الأيمان الى درجة تجعلهم غير مستعدين للعمل والتضحية من أجل الهدف القومي. بل نراهم مجرد أناسٍ يحملون مشاعر سطحية نابعة من العاطفة لا يمكنها الصمود أمام أخف الصدمات التي تواجهها، وهناك العديد من الأمثلة الحية تؤكد ما ذهبنا إليه لا يمكننا الخوض في تفاصيلها في هذا المقال.

أما على صعيد المؤسسات القومية الآشورية فهي الأُخرى ليست حالها أفضل من الفرد الآشوري البسيط. فالسياسية منها ينقسم أعضاؤها الى فئتين، الأولى قيادية تتأثر بمحيطها وما يحمله من ضغوطات ومغريات ما يجعلها تميل بحسب رغباتها مما يدل على افتقارها الى الإيمان المطلق بالحق القومي. وهذا ما يجعلها تبدأ بتسخير القاعدة من أجل تنفيد أجتهاداتها وأجنداتها الحزبية والفردية بعد أن تمكنت من إخفائها وقولبتها في إطار قومي، والنتائج تؤكد بشكل صارخ هذه الحقيقة. أما الفئة الثانية والتي تتكون من الكادر الوسط والقاعدة فهي مُسيّرة كليا، وتُسخر كل طاقتها لتحقيق مشاريع قياداتها، وهي الأُخرى تفتقر الى عامل الإدراك الحقيقي للمسألة القومية والعمل المشروع في إطارها، لذلك تتولد وتترعرع التناحرات الحزبية المُختلقة لأسباب أقل ما يقال عنها ” تافهة” واصطفافات غريبة عجيبة بعيدة كل البعد عن العمل القومي الجبهوي الموحد. يضاف الى ذلك تعدد الخطابات الحزبية واختلاف وجهات النظر في أمور واضحة بينما، بات الخطاب القومي غائباً.

أما على مستوى المؤسسة المدنية الآشورية فغالبيتها، وبحسب قناعات ذوي القرار والقائمين على مقدراتها أصبحت تابعة وأسيرة أجندات حزبية وكنسية وحتى عشائرية. هكذا أثبتت عقمها وقد أُصيبت بالشلل المزمن، فرغم أهميتها لكن دورها المؤثر قد غاب عن الشارع القومي الآشوري عدا بعض النشاطات المتفرقة هنا وهناك.

طالما ما زال الحديث في إطار المؤسسة الآشورية بات من الواجب علينا الإشارة الى افتقارنا الى مؤسسات حقيقية ذات دور فعال والتي لم تظهر للوجود الى يومنا هذا رغم الحاجة الملحة إليها. كما أن تأسيسها يعتبر واجب أخلاقي وقومي يمليه حاضرنا المأساوي على أصحاب الشأن في مختلف المجالات التي سنذكر بعضها وغيرها من التي لم نُشر إليها لما سيكون لها من دور قوي ومؤثر في الشأن الآشوري. ففي كل بلد مهجري لدينا عشرات الأطباء والأختصاصيين في مجال الطب، ولكننا لم نشهد لحد الآن على سبيل المثال، تأسيس نقابة أطباء آشوريين، أو لنقل منظمة الصليب الأحمر الآشوري. هكذا لدينا الكثير من الفنانين ولكن دون أن ترى النور ” نقابة الفنانين الآشوريين”. كذلك بالنسبة الى نقابة المهندسين الآشوريين، غرفة تجارة لرجال الأعمال الآشوريين، أو اتحاد الطلبة الآشوريين، بينما لدينا الآلاف من الطلاب الجامعات في مختلف دول العالم.

لو تمعنا جيدا في هذه الأمور لوجدنا أنها تُشكل طاقة كبيرة جدا من شأنها أن تُحدث تغييراً إيجابيا كبيرا على واقعنا القومي. وهنا، أود التأكيد على ضرورة أن تكون هذه المؤسسات مستقلة وتعمل ضمن إطار مجالها المهني وترفض بشكل قطعي إملاءات أية مؤسسة سواءً كانت سياسية أو كنسية. وإلا لن تختلف عن سابقاتها من التي بات قسم منها هياكل وأسماء فقط، والقسم الآخر بقرة حلوب يستغلها ذوي المنفعة من الحيتان السياسية والكنسية. إن القيام بهذا العمل ليس بالأمر الهيّن، بل يتطلب جهداً مصحوباً بالصبر والهدوء حتى لو كانت المبادرة بداية من قبل بضعة أشخاص في مجال عملهم. وهنا نعود الى موضوع الإيمان والإدراك الكافي لكي يُمَكن القائمين على هذه الخطوة من تحقيق النجاح المؤكد.

عندما نتحدث عن مؤسسات فالقصد منها أن تكون مؤسسات ذات طابع رسمي في بلدانها، أي تكون مسجلة لتكون ذات طابع رسمي. فعلى سبيل المثال نرى بأن العديد من الفنانين قد تراجعوا بسبب محدودية إمكانياتهم وغياب الدعم المادي لهم. وهناك في مجال الفن والأغنية الكثير ممن أصابهم الإحباط ويشكون من قلة بيع نتاجاتهم، وأعتماد نسخها وبيعها، دون أن تكون لهؤلاء مؤسسة رسمية تدعمهم وتدافع عن حقوقهم. ويسري هذا الواقع على جميع المجالات الأخرى. لذلك نجد تراجعاً في مجمل مفاصل هذه الأمة.
في إطار حديثنا عن الإنهيار والتراجع، فمن الضرورة بمكان أن نشير الى العامل الأهم والذي يتمثل في الخطاب القومي الآشوري الموحد. هذا الخطاب المغيّب في حاضرنا لابُد من إعادة صياغته في إطار مفهومه القومي الآشوري بعيدا عن العواطف والأنتماءات سياسية كانت أم كنسية. لا شك أن هذا يتطلب الكثير من الجهد والخبرة والقراءة الصحيحة للأحداث والمتغيرات لكي يتم إعادة صياغته بما يخدم الفرد والمؤسسة وصولا الى قيمته العليا في خدمة القضية الآشورية في هذه المرحلة. ومن أجل تسهيل عملية صياغة الخطاب الآشوري يتطلب ذلك عقد مؤتمر آشوري عام وشامل تحضرة الشخصيات والمؤسسات القومية المؤمنة بالهوية القومية الآشورية الجامعة. هذا ما دعت إليه وتعمل لتحقيقه هيئة التنسيق لمؤتمر آشور العالمي. حيث هناك، في المؤتمر المذكور، سيتم إقرار المبادئ الأساسية للمسألة الآشورية والعمل القومي، والتي ستكون بمثابة معيار ثابت يتم به تقييم العمل القومي وتسهل في ظله عملية فرز الغث من السمين، وبالأستناد على تلك المبادئ الأساسية سوف يتم صياغة الخطاب القومي الآشوري وهو ما سيسهل تحديد سقف المطاليب القومية الآشورية، وتوضع آلية العمل من أجل تحقيقها من خلال التنسيق وتوزيع الأدوار بين المؤسسات.

وعلى ذكر مسألة مؤتمر آشور العالمي، فينبغي أن لا يُعقد لمرة واحدة فقط، بل يبدأ بمؤتمر أول ، فيه توضع المبادئ الأساسية ويُعاد صياغة الخطاب القومي، وتقسم المهام للعمل لفترة معينة، ومن بعدها ينبغي العودة لعقد مؤتمر آشور العالمي الثاني لتقييم المرحلة السابقة ووضع خطة عمل للمرحلة المقبلة، وهكذا.

ستبقى هذه الأمور مجرد كتابة على صفحات الأنترنت الى أن يباشر الخيرين العمل من أجل تحقيقها. ولكن، الى أن يحين ذلك الوقت، يبقى إيلاء الأهمية القصوى لنشر الوعي القومي من خلال استغلال جميع السبل المتاحة في مقدمة الأمور التي يمكن تحقيقها في الوقت الحاضر. فلن نتمكن من تعبئة الشارع الآشوري طالما بقي يعاني من شحّة الوعي القومي. هكذا، ستبقى احتجاجاتنا، ومظاهراتنا تفتقر الى العامل العددي الذي له الدور الفعّال فيها. وبدون صياغة الخطاب القومي الآشوري ووضع سقف المطاليب القومية ستظل المنابر المحلية والدولية في حيرة من أمرها، ولن تتمكن من معرفة ما نصبو إليه كما يحدث في أيامنا العصيبة هذه.

إن الحركات القومية التي تكون لها القدرة على تحقيق النجاحات هي تلك التي يتفاعل الشعب بشكل واسع ومتناسق مع مؤسساته وفق خطط وآليات مدروسة وممنهجة. ونحن الآشوريين نفتقد الى هذا التفاعل بسبب غياب الوعي والخطاب القومي الموحد. إن ضعف المؤسسات “السياسية، بشكل خاص، وإخفاقها في تحديد سقف المطاليب القومية وافتقارها الى إثبات وجودها على الساحة السياسية كممثلة شرعية قادرة على تخطي العقبات. واحتياجها الى خطاب سياسي واضح وصريح قد أبعدها عن الشارع القومي. وهي، بغالبيتها، ماضية الى فقدان مصداقيتها بالكامل إذا لم تُعِد النظر في مواقفها وتعيد قراءة وصياغة خطابها السياسي، وهو الأمر العسير في ظل غياب الخطاب القومي الآشوري. وسوف تتبعها الطوائف الكنسية التي أغرتها هي الأخرى فرص المنافع فحطت على الساحة السياسية بعد أن وجدت فيها المساحة الكافية لتحقق مكاسب طائفية وكنسية مستغلة بساطة الفرد ومستندة على أستفحال الخلاف الطائفي والتسموي الذي يعاني منه الشعب الآشوري. فعلى رجال الدين في كافة كنائسنا الكف عن تسخير وتوظيف الخلافات الداخلية، واستغلال مراتبهم الدينية وعطف الشعب تجاههم، والانجرار وراء مكاسب آنية، لأنها مسؤولية تاريخية في هذا الظرف المصيري الذي يعصف بالمسألة القومية. فبالنهاية سوف يتحملون مسؤولية مقاطعة الشعب للكنيسة وهجره لأيمانه مما له من تداعيات خطيرة على المستويين القومي والمسيحاني.

أخيراً نختم بالقول، إن كان الهدوء يسود الشارع القومي ويطمئنهم لكي يمضوا صوب أجنداتهم فهذا لا يعني بأن موجات العواصف والزوبعات الغاضبة لن تحل فجأة في وقت لن يكون لهم فيه أية فرصة لإصلاح الهفوات وطيّ صفحات المتاجرة العلنية.

سامي هاويل
سدني/ 4 – 10 – 2017

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.