كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني (31) ــ القِسم ( 2 )

بقلم شذى توما مرقوس
كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 31 ) ــ القِسم ( 2 ) ( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْ

02 / 09 / 2017
http://nala4u.com

كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 31 ) ــ القِسم ( 2 )
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ  ، وأَدَب الطِفْل )     
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إِعْداد وتَقْديم : شذى توما مرقوس 
الخميس 1 / 5 / 2014  ــ والعَمَل مُسْتَمِّر                 

 طَابِع المَوْضُوع :                                                                             
 بِطاقَة تَعْرِيفِيَّة بِكُتَّاب وكاتِباتِ القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً ، والفنُون المَسْرَحِيَّة ، وأَدب الطِفْل مِنْ الوَسَطِ المَسِيحيّ العِراقيّ .                             

عزِيزَاتي ، أَعِزَّائي مِنْ القَارِئاتِ والقُرَّاء ، سنُواصِلُ هنا القِراءَة في مَسْرَحِيَّة ( غُفْران الأَمير ) لِلخُوري حنا رحماني ، وأَتَقَدَّمُ بِخالِص شُكْرِي وتَقْديري للأَخ باسم روفائيل ، والَّذِي لَوْلا تَعاونَهُ المُخْلِص ، الدَؤوب والمُسْتَمِّر ، لَما رَأَى هذَا المَوْضُوع  النُور على هيْئَتِهِ هذهِ ، تَمنِّياتي لَهُ بِكُلِّ الخَيْر والتَوْفيق .               
   كُلّ الشُكْر لِلمُتَابِعاتِ والمُتَابِعين .                                                         

د ــ كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً  والفنُون المَسْرَحِيَّة وأَدب الطِفْل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حنا رحماني ( 1891 م ــ 1969 م ) 

 الرَابِط الثَاني
مَسْرَحِيَّة ( غُفْرَانُ الأَمير ) ــ حنا رحماني  ( التَتِمَة الأُولَى لِلمَسْرَحِيَّة )
مَنْشُورَة في مَجَلَّة المَشْرِق اللُبْنَانِيَّة
مِنْ صَفْحَة 280 إِلى صَفْحَة 290
العدَد رَقم 4
في 1 / أَبْريل / 1923 م
الرَابِط :

http://archive.sakhrit.co/newPreview.aspx?PID=2244535&ISSUEID=8686&AID=177938

غفران الأمير
مأساة نثرية ذات أربعة فصول يتخللها شعر قديم
بقلم :
مدير مدرسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في الموصل القس حنا رحماني ( تابع )
ـــــــــــ

الفصل الأول ( تتبع )

( المشهد التاسع )
النُعمان وثعلبة

ثعلبة : ( بلى …. ! ) إنه غارق في تفكراته …لأوقعنه في حبل مكري ، سأعرض عليه الفتك بالاسود فإذا وافقني وأخذت منه البينات الكافية كشفتُها للاسود فقتلهُ  ، ( للنُعمان ) أهكذا يقعد النُعمان على حجر بعد أن كان العرش مقرّه

النُعمان : من أنتَ يا أخا العرب ؟
ثعلبة : أنسيني النُعمان ؟

النُعمان : وكيف يعرفك وقد حجبت وجهك باللثام ؟

ثعلبة : ( يرفع اللثام ) أذكر ثعلبة أبا أُذينة

النُعمان : بلْ ثعلباً أبا براقش

ثعلبة : يشتمني النُعمان كأنَّهُ بعد في قصره وعلى دست ملكهِ كما فعلَ يومَ جئتهُ ناصحاً فرفض نصحي وطردني

النُعمان : النُعمان لا يتقلب مع صروف الدهر فالأيام لا تغرّهُ إن أقبلتْ ولا تُنكيهِ إن أدبرت ، كُسر النُعمان لكنْ عزمهُ لم يُكْسر

سواي يهابُ الموت أو يرهبُ الردى …… وغيري يهوى أن يعيش مُخلدا
ولكنّني لا أرهب الدهر إن سطا …… ولا أحذرُ الموت الزؤام إذا عدا
ولو مدَّ نحوي حادثُ الدهر كفّهُ …… لحدثتُ نفسي أن أمدّ لهُ يدا ( 1 )

ثعلبة : ( بتهكُم ) ، تفاخرٌ وتباهٍ …. هذا كلهُ قد عبر …. نحنُ أيناء اليوم ، واليوم أنتَ أسيرنا وفي قبضتنا

النُعمان : كلامك هذا يوغر والله صدري غيظاً ، ايُقهرُ النعمان ويعيرهُ بذلك صعلوك ، لو لم تكنْ خسيس النفس وضيع الهمَّة لما بخست حقوق من خانه الدهر ، فيا لك من نذل لئيم !

ثعلبة : ( على حِدة ) فار دمي في عروقي …. ولكن مهلاً ، ( للنعمان ) ، قلْ ما تشاء عن أبي أُذينة ، فأبو أُذينة لا يحمل حقداً فإنَّ قلبه أصفى من الماء الزلال … وها هوذا قد أتاك ثانية ناصحاً …. ( يقتربُ منهُ ) أيها النُعمان بن الحارث هلْ قعدتْ همتُّك ، أو نامَ بأسك …. إلى متى تبقى في الأسر …. ( بصوتٍ منخفض ) سمعتُ أن الاسود عوَّل على الفتك بك

النُعمان : على الفتك بي ! ولِمَ لم يصنع ذلك حالاً بعد انتصارهِ ؟

ثعلبة : أراد أن يُذيقك (  …..؟….  ) ويوسعك ذُلاً
النُعمان : افتكٌ ومكرٌ ، ليست هذهِ شيمة نفسٍ أبيَّة

ثعلبة : يحسبُ النُعمان أن الكلَّ مثلهُ ، إيَّاك أن تنخدع بالظواهر

النُعمان : كيف وهو عزّني وأكرمً مثواي

ثعلبة : يُعطيك من طرف اللسان حلاوة ……. ويروغ منك كما يروغُ الثعلبُ

النُعمان : ليس لمن ليست لهُ حيلة ……. موجودة خيرٌ من الصبرِ

ثعلبة : الصبر ضعفٌ على من فُتحت أمامهُ أبوابُ الخلاص

النُعمان : زدني ايضاحاً ويحك

ثعلبة : ( يقتربُ منهُ ويكلمهُ بصوتٍ منخفض ) إن الاسود آمنٌ على نفسهِ لا يتحذر ولا يخاف ، فإن أحببت اتفقنا على الفتك به فيُصبحُ المُلك في يدي وتعودُ أنتَ إلى عرشِك مُنعماً

النُعمان : صه ، أَاكيدُ رجلاً أنا في دارهِ ، هذا ما لم يُسمع عند العرب

ثعلبة : إن لم تقتلهُ قتلك
ومنْ لم يُصانِعْ في أمورٍ كثيرةٍ …… يُضَرَّسْ بأنيابٍ ويُوْطأْ بِمَنْسِمِ ( 2 )

النُعمان : أنا لا أغدرُ بهِ فإن أراد الاسود أن يَخْفرَ بذمّتهِ فلهُ ربٌ يدينهُ

ثعلبة : هذهِ مبادئ أكل عليها الدهر وشرب ، أما اليوم :
فمَنْ لا يَذْد عن حوضهِ بسلاحهِ …… يُهدَّم ، ومَنْ لا يَظْلِمُ الناس يُظْلَمِ

النُعمان : كفى ، أنا لا أفعل هذا

ثعلبة : ( على حِدة ) ، يا للرجل ! إنّهُ من صوان ، لنطرق باباً آخر لهُ لنرْ هل من ذريعةٍ لايقاعه في شراكي ، ( للنعمان ) حُبي لك يا نُعمان يدفعني على بذل كل ما لديّ لخلاصك … ( يفتكر ) ما قولك لو سهَّلتُ لكَ أسبابَ الهربِ ليلاً … هل في ذلك على أحد ظلم ؟

النُعمان : ( يفتكرُ هنيهة ) ، هذا أيضاً لا أفعلهُ ، إعلمْ يا ثعلبة إن النُعمان ابيَّ النفس ، لا يخرجُ من هنا مُنهزماً مُتنكراً … ثُم هبني هربتُ أنا فماذا يحلُّ بولدي وبالذين هم رفقتي في الأَسر …لا … لا … الوسائل التي تقترحها عليّ يا ثعلبة تمسُّ بشرفي ، وشرفي أعزُّ عليّ من نفسي
المنايا ولا الدنايا ، وخيرُ ……. من ركوب الخنى ركوب الجنازة

ــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني

الغدر والخيانة
( المشهد الأول )
جليل وحدهُ

جليل : ( عند فتح الستارة يكون جالساً على صخرة وهو كئيب ) ، حتى متى يا ربَّاه نتجرعُ كأس الذل ! أَنشربها حتى قعرها ! لقد عيل صبري وضعُفتْ همتي …. حتى متى أرى أبي ذليلاً أسيراً بعد أن كانت تخضع لهُ الملوك ؟ إلى متى يدوم أسرنا هذا ؟
كم أُمنّى بغدٍ بعد غدِ …… ينفذُ العمرُ ولا ألقى غدا ( 3 )   
حتى متى أراني بعيداً عن أمي وقلبي يتلظى شوقاً إلى رؤيتها ، إنها الآن تذرف الدموع على ولدها ولا تدري ما حلّ بهِ وبأبيهِ … ألا متى نلتقي يا أمّاه ، قد ذبتُ لألمكِ حزناً وإليك اشتياقاً ، فسلام عليك سلامٌ ينقله منّي إليكٍ هذا النسيم :
ريح النسيم بحقِ من أَنشاك ِ …… رُدّي السلامَ وحيّي من حيَّاكِ
هبِّي عسى وجدي يخفُّ وتنطفي …… نيرانُ أشواقي ببرْدِ هواكِ
ياريحُ لولا أن فيك بقية …… من طيبِ أمّي مُتُ قبل لقاكِ
كيف السلوّ وما سمعتُ حمائماً  …… يَنْدُبْنَ إِلاّ كنتُ أوّل باكٍ
يا أمّ ما أخشى الحِمامَ وإنّما …… أخشى على عينيك وقت بكاكِ  ( 4 )
( يقف هنيهة ) ، أه ! يا ربّاه ! يا محيي العظم الرميم ويا جامع رُفات العباد اجمعْ شملنا ، ( يُسمع من الداخل عتابة وصوتاً يتغنّى بهذهِ الأقوال ) :
فعسى الذي أهدى ليوسف أهله …… وأعزَّهُ بالسجن وهو أسير
أن يستجيب لنا ويجمع شملنا …… والله ربُّ العالمين قديرُ ( 5 ) 
( هنا يدخلُ ثعلبة دون أن يشعرَ بهِ جليل ) ، على أن قلبي ينبئني بخطبٍ جسيم ويناجيني بمصابٍ  قريب ، وأشعرُ بوجبانهِ كلَّما وقعت انظاري على رجل متحيّل يسكن هذا القصر اسمهُ ثعلبة ، إنني أخافهُ خوفي من لسعة الأفعى ، المكر يسيلُ من لسانهِ والحيلة تبدو من عينيه ، دأبه التملُّق والتجسس والتختُّل والخداع … فلقد بغتّهُ وهو يسعى ليلاً في القصر أو يتنصت على الأبواب ، فلا أشكُ إنه يُضمِرُ لنا السوء …. نجنا يارب من خبث ثعلبة . ( هنا يظهر ثعلبة )

( المشهد الثاني )
جليل وثعلبة

ثعلبة : هاءنذا ياجليل ماذا تريدُ مني ؟

جليل : ( يرتعش خوفاً ) ثعلبة  ! يالله ! أين كنت ؟

ثعلبة : كنتُ راجعاً من عند الاسود ، فلمَّا مررتُ بهذهِ الطريق سمعتك تناديني فاجبتُك

جليل : وماذا أردت من الاسود ؟

ثعلبة : وأيم الحق يا جليل منذ نُكبتم ما أردتُ من الاسود إلاّ أمراً واحداً فكلمّا اجتمعتُ بهِ جدَّدتُ عليهِ طلبي ، وزدتُ في الالحاح … وما ذاك سوى أن يطلق سراح آل غسّان ويرجعهم آمنين إلى الشام

جليل : بلْ قلْ أن يقتل آل غسّان عن آخرهم

ثعلبة : لِمَ هذا الافتراء يا جليل ، أهذا جزاء سعيي في انقاذكم ؟

جليل : يكفيك يا ثعلبة تختُلاً ومداهنةً ، يكفيك غشاً وخداعاً ، يكفيك نفاقاً ، إن حيلك هذهِ آخرتها وبالاً عليك
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها …… عند التقلُّبِ في أنيابها العطبُ  ( 6 )
( يخرج )

( المشهد الثالث )
ثعلبة وحدهُ

ثعلبة : ينشأ الجرو الصغير على وتيرة أبيهِ ….. ولكنْ هيهات يا نُعمان أن ترى ابنك خلفاً على عرشك ، إن ثعلبة ثعلبٌ خبيث خبير تصعب عليكما النجاة من حبائلهِ ، فسينصبُ المكايد للابن بعد أن تنفذ سهامهُ في الأب على أن خُبثي لم يتوصّل بعد إلى ايجاد وسيلة لأوقع بالنعمان ، قد أفرغتُ كنانة حيلتي تارةً لأُقنع الاسود بقتلهِ وأخرى لاصطاد النُعمان فرجعتُ من عند الأثنين بخُفّي حنين … ما العمل ؟ ( يتطلع ) ها إن الاسود قادم ومعه الشاعر النابغة الذبياني صديقُ الغساسنة ، إنّي أمكثُ هنا لأرى ما سيجري بينهما

( المشهد الرابع )
ثعلبة والاسود والنابغة

الاسود : ما تقولُ يا أبا امامة في ملوك غسّان بعد كسرتهم هذهِ ، ألا تزال متحزباً لهم وقد قتلتُ بيدي ولي نعمتك عمراً أخا النُعمان الذي شخصت إليه يوم التجأت بآل غسّان هارباً من غضب أبي

النابغة : ملوكٌ عضَّهم الدهرُ بنابهِ

الاسود : او هلْ يُجبَّرُ كسرهم هذا ؟

النابغة : ألي منك الأمان إن كشفتُ لك عن مكنونات صدري

الاسود : قل لا بأس عليك

النابغة :
عليّ لِعَمْرٍ نعمةٌ ، بعد نعمةٍ …… لوالدِهِ ، ليست بذاتِ عقاربِ
ومن بعده النُعمان رأس الكتائبِ …… أولئك قومٌ بأسُهُم غيرُ كاذبِ
إذا ما غزوا بالجيشِ ، حلَقَّ فوقهم …… عصائبُ طيرٍ ،  تَهتدي بعصائبِ
ولا عيبَ فيهم غيرَ أَنَّ سُيُوفَهُم …… بهنّ فلولٌ من قِراعِ الكتائبِ
لهم شيمةٌ ، لم يُعطها الله غيرهم …… مِنْ الجودِ ،  والأَحلامُ غيرُ عوازِبِ 
محلتهمْ ذاتُ الإِلهِ ،  ودينهمْ …… قويمٌ فما يرجونَ غيرَ العواقبِ
ولا يحسِبُونَ الخيرَ لا شرَّ بعدهُ …… ولا يحسِبُونَ الشرَّ ضربةَ لازِبِ
ألا يا بني غسّان مني إِليكمُ …… سلامٌ بهِ حبٌّ …… ( 7 )

الاسود : ( يقاطعهُ بغضب ) كفى يا أبا امامة ، ما كنتُ لاظنكَ تجسرُ على مدح آل غسّان أمامي

النابغة : ما قلتُ إلا بعد أن اذن لي بذلك الأمير ولا لوم على من أخلص في حبّهِ وصدقَ في قولهِ

الاسود : إذاً تحبهم

النابغة : كيف لا وقد أكرموا مثواي وأحلوني محل الضيف العزيز ، او تلومني على ذلك أيها الملك

الاسود : لا …. دعني وثعلبة يا أبا امامة

( المشهد الخامس )
الاسود وثعلبة

الاسود : أراكَ تسكتُ يا ابن العم

ثعلبة : ماذا أقول ؟

الاسود : ما هذهِ الجرأة التي تجرَّأ بها النابغة ؟

ثعلبة : لا لوم لعمري على النابغة ، ما قالَ إلا الحقّ
هُم أهلةُ غسانٍ ومجدُهُم …… عالٍ فإن حاولوا مُلكاً فلا عجبا ( 8 )

الاسود : ما العمل إذاً ؟

ثعلبة : وهل تجهل ما العمل ؟

الاسود : لقد ضقتُ ذرعاً ولم يبقِ لي رأي ، ترى يا ثعلبة أن أقتلهم وأنا لا أرى باباً يُسوِّغُ لي ذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها … ليتهم لم يقعوا في الأسر ولا وقعتُ أنا في هذهِ الحيرة، ( يخرج من جهة ، ويدخل كليب مُسرعاً من جهة أخرى )

( المشهد السادس )
ثعلبة وكليب

كليب : سيدي ، رجلٌ متنكر ٌ دخل القصر وهو يسألُ عن النُعمان

ثعلبة : وهل أخذتَهُ إليه ؟

كليب : كلا ، بلْ أوقفتُهُ ريثما آتي فأخبرك

ثعلبة : نِعماً وماذا أخبرتهُ عن النُعمان ؟

كليب : شبّهتُ عليهِ الأمر بأجوبةٍ ملتبسة فلم يقف على حقيقة ، أنا وصفتك بهِ وأشرتُ عليه أن ينقاد إلى أمرك

ثعلبة : نعماً نعماً ، ائتني بهِ عاجلاً وأمكث بالقرب من هنا علّنا نحتاج إلى سعيك

( المشهد السابع )
ثعلبة وحده

ثعلبة : من هو يا تُرى هذا الوافد ، أعدوٌ أم صديق للنُعمان ؟ لا بلْ صديقٌ وإلا لما تنكَّر وسأل عنهُ … لعلها رمية من غير رامٍ بها أُصيب مرامي … ولتكُن مهما يكن من أمرهِ فالمداهنة والتملق أولى لي من غيرهما

( المشهد الثامن )
ثعلبة ، تُبّع

ثعلبة : ( على حِدة ) عليه شمائل الملوك ، ( لِتُبّع ) أهلاً بضيفٍ كريمٍ وطئ حمانا ، انزل على الرحب والسعة

تُبّع : أراك تستقبلني كصاحب الدار فمن تكون ؟

ثعلبة : إني أحد أعوان جلالة الملك الاسود وقد كلفني بمراقبة من أسرناهم من بني غسّان

تُبّع : ( على حِدة ) لقد حظيتُ بالمرام

ثعلبة : وأنتَ من تكون وما وراءك ؟

تُبّع : اعرابي من بطن البادية

ثعلبة : ( على حِدة ) كذبت ، ( لهُ ) هل لك من حاجة تريدُ قضاءها

تُبّع : لا حاجة لي ، إنّما كنتُ سائراً ونفذَ زادي فدخلتُ القصر مطالباً بسنّةِ الضيافة

ثعلبة : ( على حِدة ) كذبت ، ( لهُ )
وما أُخْمِدت نارٌ لنا دونَ طارقٍ …… ولا ذمَّنا في النازِلينَ نزِيلُ ( 9 )

تُبّع : ( على حِدة ) ، يا لهُ من رجلٍ كريم ، ( لثعلبة ) …. هؤلاء الغساسنة في أي حالٍ هم ؟

ثعلبة : في حالةٍ يُرثى لها ؟ …. أما أحد يسمعنا ( يتطلع ، ثم يقترب من تُبّع ويخفض صوته ) ، إن قلبي يتحرق كمداً على هؤلاء الذين عُنيت بمراقبتهم …. ملوكٌ أشراف ذلُوا … أبطالٌ يُغلّلون بالسلاسل ، يا لهُ من ظلم

تُبّع : إذنْ لا توافق الملك أنتَ على فعلهِ هذا

ثعلبة : وكيف أوافقهُ على البغي والجور

تُبّع : إن مهَّدتُ لك سبيل إنقاذهم ماذا تقول ؟

ثعلبة : هذا جلّ مأربي … ولكن لماذا تتنكّر وتكتمني نفسك إنك لقيت صديقاً فانزعْ اللثام وقلْ لي من أنت، ( تُبّع ينزع اللثام )

( يتعجب ثعلبة ويقول ) : أنت تُبّع ملك حمير مُعاهد الغساسنة !

تُبّع : نعم وأتيتُ لأنقذ حلفائي يا ثعلبة ، إن كان لك رغبةً في المالِ فإنّي أصبّهُ عليك كالسيل ، إنما واحدة أريد إنقاذ ملك غسّان وأشرافهم

ثعلبة : لا تذكر المال أيها الملك ، إنّي أساعدك على انجاز مهمتك بطيب الخاطر …. إنما ….

تُبّع : إنّما …. أراك تنكفِئ على الأعقاب بعد أن تقدمت شوطاً بعيداً في سبيل انقاذ هؤلاء المظلومين

ثعلبة : حاشا لثعلبة أن يرجع عما قال أو أن يخلف بوعدهِ ، إنّما علينا أن نُعمل الفكرة في ايجاد وسيلة تُنقذهم دون أن تمسّ بشرفنا ، فشرفي أعزُّ عليّ من نفسي

تُبّع : ( على حِدة ) يا للرجل الشريف ! ، ( لهُ ) وكيف ذلك ؟

ثعلبة : اسمعْ ، إن للاسود إبناً يعزُّه كل الإعزاز … أُمكنك من القبض عليه ، فإذا تمّ ذلك عرضنا على الاسود تسريح الغساسنة أو قتل ابنه

تُبّع : نِعْم الوسيلة …. إنّما لي كلامٌ خطير مع النُعمان ، أمكِني من الاجتماع بهِ !

ثعلبة : ( على حِدة ) لا ، ( لهُ ) وأاسفاه ! ويا حرقة قلباه !!

تُبّع : ما الذي طرأ عليك ؟ ما معنى تلهُّفك

ثعلبة : أسفاً عليك يا نُعمان ! ذهبتَ ضحية الجور

تُبّع : ( بدهشة وحزن ) أوَ مات النعمان ؟

ثعلبة : ( بتأْثر ) قتله الاسود

تُبّع : ( يبكي ) أواه ! لقد حرقت قلبي يا ثعلبة …. وا لهفي عليك يا نُعمان يا بن الملوك

ثعلبة : وماذا ينفعك البكاء … إن النُعمان قد خلّف إبناً أسيراً لا يزال هنا مع أمراء آخرين ودمهُ يطلب منك أن تخلصهم وأن تأخذ بثأره ولِذا عرضتُ عليك ما عرضت

تُبّع : إنك لأَمِرُ الناس يا ثعلبة ، أنا صانعٌ بمشورتك ، قلْ كيف تسلمني ابن الأسود ؟

ثعلبة : أين جنودك وحاشيتك

تُبّع : قد أنزلتهم بالقربِ من هنا وراء هذهِ الاكمة حيث لم يشعر بهم أحد

ثعلبة : طبق المرام ، اخرجْ حالاً من القصر ، وابق مثلهما قدّام الاكمة ريثما أبعثُ بهِ إليك ، فإذا أتاكَ لاطفهُ بالكلام أوّل الأمر ولا تُفاتحنَّهُ بسرّك ثُم سرْ بهِ مُتلطفاً إلى أعوانك ، فإذا قربت منهم كاشفهُ العداوة وضيّق عليهِ بالأغلال ولا تطلق سبيله حتى أُعلمك بذلك ، وأنا أُبلِّغُ الاسود أن ابنه مأسور عندك وإنك لا تُطلقهُ أو يُسرِّح بني غسّان

تُبّع : أقسمُ بالله إنّك أحزم الناس …. لكن أواه لو كان النُعمان حيّاً ! … ( يبكي )

ثعلبة : لا تبكِ على ما فات ، كنْ على حذرٍ من بهتان نُمير بن الاسود الذي سأرسلهُ إليك ، إيّاك أن تسرِّحهُ قبل أن تأتيك إشارةٌ مني

تُبّع : سأكون على حذر ( يمشي للخروج )

ثعلبة : كبّلهُ بالسلاسل وضيّق عليهِ ما استطعت ولا تتركهُ حتى أُشعِرك

تُبّع : فهِمتُ ، فهِمتُ ( يمشي للخروج )

ثعلبة : إيّاك أيها الأمير أن تذكر لهُ شيئاً ممَّا دار بيننا أو تفوهُ باسم ثعلبة

تُبّع : وهل من حاجةٍ إلى هذهِ التوصية ( يخرج )

( المشهد التاسع )
ثعلبة وحده

ثعلبة : عصفورانِ بحجرٍ واحِد ، أُبْعِدُ نُميراً وأُغري الاسود على قتل النُعمان ، أحسنت لعمري يا ثعلبة ، إنّي لمتعجب كيف تيسَّرت لي كل هذهِ الأمور ، الآن ثبُت قتلك يا نُعمان ، الآن بدأ فرحي أن يتمّ ، لِندعُ نُميراً ، ( يتقدَّم للخروج ثُم يراهُ مُقبِلاً ) ها إنّهُ أتٍ ، نعماً …..

( المشهد العاشر )
ثعلبة ونُمير

ثعلبة : كنتُ في انتظارك يا نُمير

نُمير : ولِمَ ؟

ثعلبة : قد عيل صبري من تقاعس أبيك الاسود عن تسريح النُعمان ، وبدأتُ أتخوَّفُ سوء العاقبة ، وإذْ رأيتُ أنَّ الأمر قد استفحل فكَّرتُ في ايجادِ دواء ناجعٍ لنفوز بالمرام

نُمير : وما هو ؟

ثعلبة : أتحبُّ النُعمان حقَّاً يا نُمير ؟

نُمير : اوَ تشًكُّ في ذلك ؟

ثعلبة : وإنْ كلفك خلاص النُعمان بعض العناء ، أمستعدٌّ أنت لِمُقاساتهِ ؟

نُمير : لو كلفني ذلك سفكُ دمي لسفكتهُ ، وكما أطلقني النُعمان بعد أن أسرني لابدّ أن أبذل كل ما في وسعي لاطلاقهِ

ثعلبة : ( يقترب منهُ ويسِرُّ إليهِ بعد أن نظرَ من كل الجهاتِ ) بالقرب من هنا صديقٌ للنعمان التُبّع ملك حمير قد أتى لِيُخلِّصه قسراً ….. فمنعتهُ حسماً لحربِ هائلة أخافُ أن تُلحِقَ بأبيك أذَى وقد انهكتهُ هذهِ الحرب مع الغساسنة … فإن وافقتني لا أرى أحسن من أن أبعثك إليه وأنا أبلغُ أباك إنه قَبضَ عليك ولا يُطلِقُك إلا بتسريحِ الغساسنة ، فإذا فعلَ أبوك ذلك أنا أتكفلُ بإرجاعك إلينا سالماً

نُمير : ومن أين بلغكَ خبرُ هذا الملك ؟

ثعلبة : أطلعني أحد جواسيسنا عليهِ … فماذا تقول ؟ … إنّما لابدّ من العجلة قبل أن يقترب هذهِ الليلة من القصر ، فإن اعتمدتْ على ما أقول أرسلتك إليهِ الآن مع كليب وافهمتهُ الأمر

نُمير : أني أخشى عاقبة ذلك

ثعلبة : إذاً لا تُحب النُعمان ، الحب بالعمل لا بالقول

نُمير : ( يفتكر قليلاً ثم يقول ) ، أنا رهين أمرك

ثعلبة : ليس ما أريدُ أنا بلْ ما تقتضيه الظروف …. على كل حال ليست غايتي إجبارك على فعلٍ تتخوفُ منهُ ، أنت مُخيّر

نُمير : قد رضيتُ بهذا التدبير وأنا فاعلهُ باختياري

( لها بقية )

//////////////////////////

الحواشِي وبَعْض المَعاني  :
( مِنْ تَهْيئَة وبَحْث : شذى توما مرقوس )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الأَبْيَات الشِعْرِيَّة لِلشَاعِر ابن سناء الملك .                                       

( 2 ) الأَبْيَات الشِعْرِيَّة لِلشَاعِر زهير بن أبي سلمى .                                 

( 3 ) البَيْت الشِعْرِيّ لأَبو العتاهية .                                                     

( 4 ) الأَبْيَات الشِعْرِيَّة لِعنترة بن شداد .                                               

( 5 ) البَيْتَان الشِعْرِيَان لِلشَاعِر ابراهيم بن المهدي .                                 

( 6 ) البَيْت الشِعْرِيّ لِلشَاعِر عنترة بن شداد .                                         

( 7 ) الأَبْيَات الشِعْرِيَّة  لِلنابغة الذبياني .                                                 

( 8 ) البَيْت الشِعْرِيّ لأَبو أُذينة .                                                           

( 9 ) البَيْت الشِعْرِيّ  لِلسمؤال بن عادياء .                                             

 بَعْضُ المَعاني :

تُنكِيهِ الأيام : تُوقِعَ بهِ وتَهزِمَهُ وتَغْلِبَهُ ، نكى يُنكي نكايةً ، نكى العدو : أَوْقَعَ بهِ وهزَمهُ وغلبَهُ .

راغَ الثعلبُ وغَيْره : ذَهبَ يمْنَةً ويسْرَةً في سُرْعةٍ وخفَاء .
راغَ الصَيْدُ أَوْ نَحْوه : ذَهبَ هُنا وهُناك في سُرْعةٍ وخِداع .
راغَ رَوغانَ الثَعْلبِ : لجأَ إِلى المَكْرِ والخَدِيعة .

صانَعَ ، يُصانِعُ :
صانَعَ الرجُل : داهنَهُ ولاينَهُ ، داراهُ وخادَعَهُ .

ضَرَّسَ ، يُضَرَّسُ :
ضَرَّسَهُ الزَّمان : اشْتَدَّ عليهِ .

المَنْسِم : وجَمْعُها مَناسِم وهي طرَفُ خُفّ البعير والنُعامة والفيل ، أَوْ هو لِلإِبل كالظفر للإنْسَان ، يُقال : ضربَ الأرْضَ بِمَنْسِمِهِ .

أَخْفَرَ ، يَخْفَرُ :
أَخْفَرَهُ : نقضَ عهدهُ وغَدَرَ بِهِ .

الخَنَى :  الفُحْشُ في الكلام ، المصائب ، الآفات ، النوائب .
خَنَا ، أَفْحشَ : خنِيَ على صاحبِهِ بالقَوْل .

الوَجبان : صَوْتُ خفَقانِ القَلْبِ بِاضْطِرابٍ ورَجْفَة .
وجَبَ ، يَجِبُ ، وجِيباً . 

لازِب : ثَابِت ، ضَرُورِي ، لازِم .

العصائب : الجَمَاعةُ مِنْ النَّاسِ أَو الخَيْلِ أَو الطَيْرِ . 

الأَكمَة : التّلُّ ، مكانٌ مُرْتَفِع .

///////////////////

نَتَواصل عزِيزَاتي ، أَعِزَّائي مِنْ القَارِئاتِ والقُرَّاء في المَرَّةِ القَادِمَة .
طابَتْ كُلَّ أَيَامكم بِالخَيْرِ والأَفْرَاح ، مَعَ الود .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, الفن الآشوري, ثقافة, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.