علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (7)

بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (7)

28 / 06 / 2017
http://nala4u.com

(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمزأرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بها الحجارة والآثار وفن العمران والكتابات المكتشفة على أرضه والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذا الموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشور فخروكنز وزينة مملوء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة)
تحت ” الراية الفسيفسائية للحرب والسلام “
انتهت الحقبة الذهبية للسلام والاستقرار في المنطقة، عندما بدأت تظهر الفروقات الاقتصادية،وبدأ النزاعات وعموماً بسبب المناطق الجغرافية المناسبة، والسعي للسيطرة على المناطق الإستراتيجية الهامة، التي وفر إمكانية الحصول بيسر وسهولة على الموارد الطبيعية، وفرض السيادة عليها،مما أدى إلى انفجار نزاعات وحروب محلية ومن ثم امتدت إلى مناطق الجوار خارج حدود الدولة.في البدء كانت القرى تباغت بعضها البعض بهجوم أو تقوم بعمليات السطو، ويؤدي هذا إلى نشوء قتال بين الأطراف المتنازعة ويسبب اندلاع حرب محلية،ومن ثم كانت النزاعات الداخلية تخرج عن نطاق حدود المنطقة الضيقة لتشمل رقعة اكبر وعدد أكبر من التجمعات والأرياف والمدن. في الملاحم السومرية، أبطال ما قبل التاريخ شهروا أيضاً سلاحهم واستخدموا العنف في مواجهة البعض، مآسي الحروب، خراب المدن، عذاب الأسرى وآلاف القتلى، كل ذلك خيم بظلاله القاتمة على الآداب والفنون في بلاد ما بين النهرين. وبعض الملوك خلد ذكرى انتصاراته الحربية وغزواته بإقامة التماثيل التي تمجد انتصاره على الأعداء.
عثر المنقبون على صندوقين مرصعين بأحجار اللازورد تعود إلى منتصف الألف الثالث ق.م في المقبرة الملكية لـ أور،والتي تذكر عادة في المصادر التاريخية بالراية الفيسفيسائية للحرب والسلام.
وعليها مجموعة من المناظر والجانب الذي يرسم حوادث الحرب في الصف الثالث من الأعلى للصندوق، يبدأ بمشهد مثير عرض عسكري للجيش المنتصر، عربات عسكرية تجرها رتل من أربعة حمير، تسير على جثث الأعداء. وفي الصف الوسط يشاهد قوافل الأسرى، عراة لبُّسوا بمبذل (روب ذو شامبر) أو قفطان من اللباد، وجنود بخوذات جلدية مسلحين يدفعونهم أمامهم. وفي الصف الأعلى أسرى موثوقي اليدين والجنود المنتصرون يقودونهم كل واحد على حدى أمام الملك. ويشاهد الملك في منتصف المنظر يعلو قليلاً عن بقية المشهد، والذي يمثل قمة الإبداع الفني لهذه اللوحة المرسومة. ويقف خلف الملك وزرائه والمسئولين وفي الخلفية عربته الحربية.
والجانب الآخر من الراية الفيسفيسائية يرمز للسلام يجلس الملك المنتصر سعيداً في الوليمة الملكية المقامة بمناسبة سحق الأعداء وتحقيق النصر والغنائم التي تم الاستيلاء عليها. وفي الصف السفلي نوع الغنائم. يتكرر المنظر حيث يقودوا الحمير ويأخذوا من على ظهرها الحمل الثقيل. وفي الوسط يسوقوا قطعان الماشية الثيران – الأغنام الماعز والجدي للذبيحة الإلهية. والصف الأعلى من المنظر يشاهد وليمة الموظفين الذين يرتشفون الخمر ويتناولون الطعام ويستمتعون بسماع أنغام العود.
حل الخلاف الحدوي بين لاغاس وأوما
الكثير من كتابات السجلات الملكية في الأغلب تتحدث عن الحرب والسلام.ومن بين أكثرها ملفتاً للإانتباه كتابة اللاغاسي –” إن اتيمينا “من أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، سجل الخلاف الحدودي بين مدينتين جارتين” أوما”و ” لاغاس– غيرسو”حدث الجدل بسبب الأراضي الخصبة الواقعة على ضفة القناة، والتي كانت بمثابة مخزن طبيعي للحبوب، ومصدر حياة رئيسي لمن ملك هذه الرقعة من الأرض.
ما يقرأ في الكتابة بأن الإله” إنليل”بنفسه عين لأول مرة حدود سيادة الإله “نينغيرسو” شفيع لاغاس – غيرسو, والإله” شارا” شفيع أوما. وفي العهود المتأخرة إن ذكرى هذا الترتيب الحدودي قد خفت. لذلك لزم تعيين الحدود من جديد بناءً على أوامر” ساترام” إله العدل والحق حاكم كيش ” مي ساليم”. ورتب الحدود من جديد ووضع عواميد حدودية كنقطة استناد للازمنة القادمة. بالرغم من ذلك قام “أوس” حاكم “أوما ” على رأس جيشه بمهاجمة الحدود وقلع عواميد الحدود ودخل أراضي” لاغاس-غيرسو”. إن تسلسل الحدث الزمني للخلاف الحدودي يذكر على الشكل التالي (نينغيرسو من محاربي أنليل الشجعان انصياعاً لكلام ” أنليل” الصادق شن الحرب ضد أوما. وبكلمة انليل نشر عليهم شبكته الكبيرة. وفي ساحة القتال في أماكن مختلفة جمع أكوام الجثث).
“إي-انا – توما” ممثل لاغاس،” إن تيمينا “الأخ الكبير لممثل لاغاس، و”إين-آ – كالا “ممثل أوما رسموا الحدود، حفروا خندق طويل من عند قناة “ايدنون “حتى غويدين، وعند الخندق وضعوا عواميد مكتوبة عليها (نصبوا عواميد مي- ساليم ,في مكانه…
بالرغم من ذلك لم ينتهي الجدال بين الأطراف المتنازعة.إن خسارة الحرب عنت بالنسبة للمهزوم فقدان قسم من أرضه وفرض عليه ضريبة تعويض خسائر الحرب.مدينة ” أوما “التي خسرت الحرب فقدت 12.5 كم2 من أراضيها الخصبة بالإضافة إلى تقديم 40 سيلا كبير من الشعير سنوياً كضريبة. لذلك كانت دوافع الحرب قائمة، ومع تقدم الزمن ودفع الالتزامات ازدادت رغبة الرد.” أور- لوما “حاكم” أوما” بعد مضي أربعين عاماً أوقف دفع الضريبة الإجبارية، وهاجم خطوط الحدود المرسومة ودمر عواميد الحدود، والنصب التذكارية القريبة للألها. ولكن تم طردهم من أراضي لاغاس بواسطة إن-تيمينا ابن” إي-آنا – توما”، وجمعت جثث جيشه المتناثرة في السهول في خمسة أكوام. وبعدما اعتلى إن- تيمينا الحكم صد هجوم” إيلو” مغتصب العرش في أوما. وقررت محكمة نيبور اتخاذ قرار لصالح ان -تيمينا بموافقة أطراف النزاع. بعد ذلك أقام “إن – تيمينا ” المعابد لشفيعي المدينة عرفاناً بالجميل لما حققه من انتصار على خصمه، وألقى اللعنة على كل من يحاول تغيير الحدود القديم.
إن قرار محكمة نيبور لم ينهي عداوة الطرفين لبعضهم ولا الخوف من عقوبة ولعنة الآلهة الرئيسية. المهزوم كانت تدفعه الرغبة دائماً للسيطرة على قناة الماء الحيوية (ماء الحياة) المحاذية للحدود، وإن الصراع بين المدينتين ثم إيقافه وبشكل نهائي في عهد” أور- أنيم –جينا “حاكم لاغاس لصالح” أوما ” التي كان يحكمها “لوغال – زاعني – سي” قال في لعنته المكتشفة على إحدى الألواح الطينية.
(عدوي، من غزا هذا المكان ودمره، هكذا ليجد بالمقابل في مدينته، كعش للأفاعي السامة، ولتتحول قلاع مدينته إلى رماد, وأن يصيب ألم الأسنان الخصم حاكم البلاط المحلي).
االجيش الدائم والاحتياط
المرحلة الأولى الكبرى للخدمة العسكرية الإجبارية في بلاد ما بين النهرين بدأت في عهد” شاروكين الاكادي” (سرجون) وحسب بعض المختصين بعلم الأشوريات يعتبرونه صاحب النزعة التوسعية الأولى في التاريخ العالمي, الذي قام بغزو بلاد الفرس وسوريا وقبرص وآسيا الصغرى.كان شاروكين يملك جيش دائم، ويفتخر به.وفي إحدى كتاباته يذكر بأنه كان يومياً يتناول الغداء برفقة 5400 رجل وأثناء الحاجة كان يدعوا الاحتياط.
بالطبع لم يكن الوضع هكذا في كل العهود. في عهد السلالة الثالثة ل” أور” توقفت الحروب الخارجية لمائة عام – وسمي هذا العصر من الزمن بالسلام السومري خلال مائة عام من عهود حكم السلالة الثالثة لـ أور. إن التنظيم البيروقراطي للإمبراطورية بني على أساس الدفاع عن النفس. وهذا التكتيك انعكس في تسمية السنين – يقرأ من معطيات الوثائق المؤرخة عن تلك الحقبة (بعد عام من بناء الملك سو- سين لحائط الامورو أي بناء حائط دفاعي لصد هجوم البدو الأمورييين).
وفي تلك العصر أيضاً استعمل السلاح في فترة حكم “سولغي “الطويلة انطلقت حملة عسكرية ضد عيلام ولكن في هذه المرة أيضاً كان الدور الرئيسي للتجار والبنائين والأدباء.لقد دفعت “آور” كثيراً بسبب سياستها السلمية, وقوتها العسكرية ضعفت ولم تكن كافية لصد هجمات قبائل الامورو السامية القادمة من الغرب. والمغنين السومريين عوض عن أغاني النصر,بدأوا بغناء تراتيل الرثاء المشهور لتدمير مدينة أور,سأتي على ذكرها في احدى الأجزاء القادمة).
حمورابي أعظم ملوك سلالة الامورو وضع نصب عينه تنظيم جيش قوي لتحقيق أهدافه السياسية الهجومية. بما أنه كان القائد العالم للجيش تم بناء وتنظيم الجيش وتدريبه وتسليحه حسب التعليمات والمبادئ التي يصدرها ويعطي التوجيهات التنظيمية، وخاصة لحكام الولايات الريفية, وشريعته تضم توجيهات تنظيمية والعديد من القوانين شروط الخدمة، والتي تعد نواة أقدم نظام عسكري.
الخدمة الإجبارية للجيش بالأساس كانت عامة، ولمراقبة ذلك أعدوا قوائم بأسماء المطلوبين للخدمة العسكرية، والاستثناء كان من صلاحيات الملك فقط.سأل الحاكم المحلي من حمورابي هل بإمكانه إعطاء استثناء لأشخاص مطلوبين من الخدمة العسكرية لأربعة فرانين في المدينة ,كان جواب حمورابي يستثنى واحد (يذكر اسمه) بشرط أن يضع أحد في مكانه.
حمورابي قسم الجيش إلى قسمين كبيرين: المشاة ووحدات متدربة على القتال المائي، ما يشبه القوات البحرية.
شريعته لا تذكر الخيالة ووحدات العربات، تلك التي لعبت دورهام لدى ملوك الآشوريين العظماء بألف عام بعد ذلك.بطاقة إبلاغ للخدمة الإلزامية كانت موجهة للشخص المكلف، ولم يحق له نقلها إلى شخص آخر، كان يعرض حياته للخطر أن لم يلبي تنفيذ التكليف أو أن يرسل مرتزق عوض عن نفسه، يحرم نفسه من الحصول على حصة من ورثة العائلة، ولكن تنقل لذلك الشخص، الذي أراد إرساله بدل نفسه إلى ساحة القتال.
حمورابي دافع عن أفراد عامة الجيش، وفي وجه قسوة أصحاب الرتب العالية، وكان الجيش يصنف إلى قسمين – واستخدمت التعابير السومرية الرتبة العالية” با.با” والرتبة الدنيا” أنو- باندا”.بالاكادي (لابوتوم).
إذا ارتكب آمر ما، جريمة إختلاس أموال أو سرقة واتهم بها أحد مرؤوسيه أو عامله معاملة قاسية، أو أعطاه مقابل رشوة بإيجار لشخص ثالث، أو لم يقم بحمايته، مقابل خصم أقوى، وإذا أثبتت التهمة بهذه الحالات ضد الضابط كانت عقوبته الموت (34). بالنسبة لحمورابي كان الجيش في المقام الأول يعني بناء الإمبراطورية، لذلك عمل ليس لتقوية الانضباط فقط،وإنما الاعتناء بأفراد الجيش والاهتمام بهم، ليس في حالات الحرب فقط، وإنما في الحياة العامة أثناء مزاولة أعمالهم .لأن الجيش كان يقوم بعملية الإنتاج في الأراضي الزراعية، التي كانت تمنح كهبة، وهذه الأرض ملكيتها غير قابلة للتحويل إلى شخص آخر، من اشترى مثل هذه الأرض فقدا نقوده، وعادت ملكية الأرض إلى صاحبها الأصلي. ومالك الأرض لم يكن مسموحاً له تقديم الأرض رهينة أو هدية لزوجته أو برسم الأمانة لبناته. ابن المالك فقط كان يحق له استخدام الأرض، أما إذا كان الولد قاصر، كان من واجب الأم تربيته، لذلك كان ثلث ملكية الأرض للأم (29). حمورابي منع الجيش من بيع الماشية المقدمة له برسم الأمانة (غنم – ماعز – بقر – خنزير) وكان بيعها ممنوعاً، ومن اشترى من هذه الماشية خسر نقوده (35) والذي سلم الأرض له وتركها لفترة عام، ولم يعد إليها لقد فقدها نهائياً. إذا عمل شخص ما في الأرض لثلاثة سنوات متواصلة، وكان صاحبها قد غادرها أصبحت ملكية الأرض للمستخدم الجديد (31.30).
حمورابي اهتم بهؤلاء الذين وقعوا في الأسر أيضاً. إذا استطاع الأسير الفرار من الأسر أعيدت له الأرض، حتى ولو كان يستخدمها شخص آخر. بغض النظر عن أن المالك الحقيقي كم من الزمن لم يكن يستخدم الأرض (27). إذا حرر تاجر ما الأسير من الأسر بدفع الفدية، وجلبه إلى البيت، التكاليف يدفعها سكان القرية وإذا لم يكن بإمكانهم، كان على معبد القرية بدفع التكاليف. وإذا لم يكن بمقدوره حصل التاجر على تكاليفه من خزينة البلاط. ولم تمس الأرض التي كان ينتج عليها العسكري قبل وقوعه في الأسر.اعتبر الوقوع في الأسر كعمل وقع حدوثه بدون إرادة المفقود لحريته وأعدى كحادث وشريعة حمورابي ضمنها بفقرتها المتعلقة بالزواج.
(إذا وقع شخص ما في الأسر،( وكان متزوج) ويوجد في بيته (الزوجة) أثناء وغياب زوجها (لتحافظ) على جسمها و (لا تنتقل) إلى (بيت إنسان آخر) إذا كانت المرأة المعنية لم تحافظ على جسمها وانتقلت إلى بين إنسان آخر وثبت على المرأة، بعد ذلك ترمى في الماء.
عندما يقع شخص ما في الأسر، ولا يوجد طعام في بيته وزوجته انتقلت إلى بيت آخر هذه المرأة غير مذنبة.
إذا وقع شخص ما في الأسر، ولا يوجد طعام في بيته وانتقلت زوجته لبيت إنسان آخر وولدت أطفال عند عودة زوجها (الأول) عليها أن تعود إليه إلى بيتها، والأطفال المولودين يتبعون أبوهم الحقيقي( 135-133).
السلاح والتكنيك الحربي لحصار المدن
التجمعات القروية البدائية للسومريين القدماء أيضاً استخدموا السلاح. أثناء ظهور أزمة كانت تبدأ عملية سباق التسلح.” إي– أنا – توما” بسلاحه وتكنيكه الحربي الأفضل يحقق النصر على أعدائه، كما يشاهد في تمثال مسلة النسر.كان لمقاتلي لاغاس حظاً أوفر، بالانتصار لتسلحه الجيد حيث استخدم الدروع والخوذ، وترتيب وحدات القتال المغلق.إن مناظر التماثيل المرسومة على” الراية الفسيفسائية للحرب والسلام” وأن صورة إحدى المعارك الشهيرة، كان الوصول إلى هذه الدرجة العالية من التقنية الحربية احتاج الأمر إلى محطات كثيرة خلال ألفين عام.إن فن القتال الحربي الأشوري مرّ بمراحل تطور طويلة للوصول إلى القمة. سنتطرق باختصار إلى موضوع علم حصار المدن المذكورة في القواميس والموسوعات الاختصاصية.
الهدف الرئيسي من العمليات العسكرية كانت السيطرة أو احتلال مدينة الأعداء، بقيت إحدى الكتابات التي عثرعليها في وثيقة مكتشفة في خرائب ماري، والتي فيها” إسمي – داغان” – حاكم إكالا يخبر فيها أخيه ” ياسماح – أداد” نائب ملك ماري
(بعدما سيطرت على مدن تارام ,هاتكا, وسونهام، تقدمت إلى مدينة هورار. وحاصرتها من كل الجهات ونصبت أبراج الحصار وكباش تحطيم الجدران، وخلال سبعة أيام سيطرت عليها . إبتهج !).
الأداتين الأساسيتين المستخدمتين في التكنيك الحربي للجيش المهاجم برج الحصار ديمتو (أكادي)كلمة رديفة لديمتوأي ” القرية المحصنة”، وكبش محطم الجدار” ساشيبو”. ويعتقد أن هاتين الأداتين تم تجهيزهما في ماري.كان البرج يسير على عجلات، وفي القمة مقاتلين محميين بشكل جيد ضد القوات المهاجمة من خلف دفاعات العدو.وكان كبش تحطيم السور في الجزء التحتي من البرج يوجه رأسه بواسطة مقاتلين مخفيين تحت، لتحدث ثقب في سورالعدو. وكأداة مساعدة استعملت السلالم واحتاج الأمر لإيقافها تسوية سطح الأرض، لذلك استخدموا مصطبات صناعية، بالإضافة تم حفر خنادق وممرات تحت أسوار العدو.
وفي الجيش الأشوري كان يخدم عناصر المتفجرات نعلم من مذكرات أشور – أهيدينا، بهدف الاستيلاء السريع على المدينة (تحت جنح سكون الليل تم إملاء الخندق المحفور حول السور بالزيت وأشعلت بها النار). لا نعلم ما إذا كان الأشوريين لديهم طرق أخرى مشابهة غير ذلك باستخدام المتفجرات النارية، كالتي عثر عليها أثناء حملاتهم على بني إسرائيل بقايا رمح لم يكن حاد الرأس، وإنما على شكل بيضوي محاط بغطاء معدني بثقوب، ويحشى بقماش مبلل بالزيت، وقبل رمي الرمح كان يشعل به النار.وهذا ما يتأكد من مناظر المنحوتات الأشورية حيث تشاهد مدن تحترق مما يدل على استخدام هذا النوع من السلاح.
الأشوريون لم يكونوا متفوقين في تكنيك الحصار فحسب وإنما، بهذه المتانة المتفوقة شيدوا حصونهم أيضا.استندوا في هذا المجال إلى تقاليد قديمة. تذكر إلى حد بعيد بأسوار حصون أوروك الشهيرة التي أنشدت في ملحمة جلجامش أو حصن مدينة ماري الضخمة. ومن الإمبراطورية الأشورية آشور,بابل نينوى إضافة لذلك نذكر مثال مميز بالمرتبة الأولى دور شاروكين (قلعة شاروكين) التي شيدت، من القرميد وكانت سماكة الجدران 24م كما بنيت على أساس صلب من الحجر بقياس 1.5م وعلى أسوار القلعة أقيمت أبراج على بعد مسافات منتظمة. ومدخل الحصن شيدا بالأصل تحسباً لوقوع الحصار، وفي ساحة مدخل الحصن من الجانبين تم بناء قلاع محصنة لتأمين الحماية الخاصة للمدخل. ولم يكن أقل عظمة حصن بابل، الذي شيده نبوخذ نصر، حيث بني سور حول المدينة واعتبرمن عجائب العصور القديمة.
كل هذه الإجراءات مفهومة، إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن أشور وبابل، كانت خلال قرون طويلة تتعرض لهجمات لامتناهية التي كانت تقوم بها شعوب مجاورة بربرية, ولصد هذه الهجمات شيدت القلاع الحصينة.
الجيش الآشوري وسياسة الردع العسكري
كان التوراة المصدر الرئيسي لزمن طويل عن الأمبراطورية الآشورية,حيث كان القارىء المهتم يجد في ” كتاب الملوك الثاني”يخصص إصحاحين كاملين (,19,18) لحصار آورشليم من قبل الآشوريين , ونجد الرواية أيضا في سفر إشعيا (37,36) وبعض المقاطع من الإصحاحات الأخرى تتحدث عن الهجمات الآشورية على دولة اسرائيل الشمالية.وكان هذا هو المصدر الوحيد للمعلومات حول بلاد آشور ولكن الحقائق الفعلية والصورة الصحيحة بدأت تظهر مع بدأ أعمال التنقيب والكشف عن الكنوز الثقافية والحضارية وكافة مجالات الحياة الإجتماعية في المجتمع الآشوري,وسلط الضوء بصورة مغايرة على الحقائق التاريخية .كانت الدولة الآشورية قادرة على نشر جيوش يصل قوامها إلى مئات الآلاف من الجنود,لكن العمليات العسكرية الآشورية لم تكن فقط على شكل حملات بهذه الضخامة.بل كانت تنظم عمليات عسكرية بقوى محدودة العدد او بواسطة حاميات كانت تسيطر على تقاطع طرق رئيسية .وفي كلا الحالتين كان الأستخدام الفعال لهذه القوى يرتكز على عاملين أساسيين ألا وهما التنظم والإنضباط.لم يكن الجيش الآشوري مجموعة من الفلاحين المتعطشين للدماء والبطش والنهب والدمار,بل في الواقع العملي كان الجيش الآشوري قوة عسكرية معقدة التكوين جيدة التنظيم تضم وحدات عسكرية متنوعة تناط بها مهام مختلفة.كان قوام الجيش الآشوري يتكون من الجيش الدائم ويستدعى الإحتياط في حالات ظهور الخطر على الأمبراطورية.الجيش الدائم كان يقوم بإنجاز مهام مختلفة ومنها في المقام الأول ضمان الأمن الشخصي للملك, وكان ذلك يتطلب الحارس الشخصي المرافق الدائم.وكانت هناك حاميات عسكرية دائمة الإنتشار في نقاط رئيسية في أراضي الأميراطورية,وكانت هذه الحاميات تتألف من الجنود المحترفين القادرين على مواجهة المخاطر التي تواجههم من الخارج.(كانت إحدى قطع الجيش الدائم التي كثيراً ما نسمع عنها في المصادر هي مجموعة ذات منشأ قبلي”قبيلة إتوعا” تتكون عرقيا من أناس ليسوا آشوريين.كان ال “إتوعا” قبيلة آرامية من أقصى جنوب البلاد الآشورية, وقد كانوا في فترة من الفترات مزعجين جداً للسلطات الآشورية. فيما بعد تم أخضاع ال “إتوعا” تماما, وحين نجد لهم ذكراً في المراسلات الملكية ابتداء من أواخر القرن الثامن, نجدهم وحدة عسكرية متميزة,يتم استدعاءها للمهام الخاصة.فنجد ال “إتوعا” مثلاً,يجلبون إلى منطقة لبنان لفرض النظام هناك بعد تمرد شعب صيدا ضد الضرائب وقتل مفتش للضرائب هناك.إن ظاهرة ال”إتوعا” تبين أن الجيش الآشوري لم يكن يتكون فقط من الآشوريين. لم يكن لدى الآشوريين تحامل عرقي وكانوا يجندون أفراد الشعوب الخاضعة لهمفي قواتهم المسلحة على قدم المساواة مع الآشوريين الأصليين.كانت كل مجموعة عرقية تحافظ على هويتها في شؤون القتال وتشكل – تبعا لعدد المجندين- أفواجا أو وحدات أصغر وتبقى على نمازج السلاح وشكل الثياب العسكرية المميزة للموطن الأصلي.هكذا نرى على اللوحات المجسمة تصويراً لمجموعات مثل رماة النبال ورماة المقاليع والسيافين والرماحين وفرق المشاة الخفيفة وفصائل المشاة الثقيلة وكلها تتميز من حيث الأحذية واللباس وأغطية الرأس,عدا عن تميزها من حيث الأحذية.ولكن هؤلاء المقاتلين كانو بحاجة إلى دعم تقني, ولذ نجد معلومات عن وحدات تقنية وعربات لنقل التجهيزات اللازمة,التي كانت تشمل ليس فقط الأشياء الضرورية كالطعام والخيام بل وكذلك مواد خاصة مثل التجهيزات الهندسية للحصار والمنجنيقات.وعندما كان مرور العربات والمراكب في الدروب الوعرة يصبح صعبا كان لا بد من تعبيدها, وتلك مهمة جنود الاستطلاع المزودين بفؤوس ومعاول من البرونز والنحاس والحديد. أحيانا كان الجيش يصل إلى نهر يتوجب عبورها مما يجعل ضروريا إشادة الجسور او تصميم الأطواف).وكانت قوات الأستطلاع تسهل امام الوحدات القتالية تنفيذ الخطة العسكرية مثلا عندما كان الجيش الآشوري يصل إلى المدينة المعادية ويحاصرها,كانت قوات الأستطلاع تقوم ببناء السلالم وحفر الخنادق.وكان يرافق الجيش مجموعة من النساخين الذين يدونون أحداث المعركة والغنائم التي حصلوا عليها, وكان هناك مترجمون وضباط إستخبارات, وكذلك ممثلي رجال الكهنوت الذين كانوا يقومون بتفسير العلائم ويقوون المعنويات القتالية للجنود, ويشدون من أزر المقاتلين في الظروف الصعبة.هكذا نجد أن أسرحدون – بعد إغتيال سنحريب على يد أَخويه – تحرك لملاقاة جيش القاتلين بإيعازمن الألهة لتأديب القتلة وزرع الرعب والذعر في صفوف المولين للأخوين قاتلي أبيهما.وكذلك يذكر آشوربانيبال آية زوده بها كاهن أثناء حملته ضد اخيه المتمرد الذي كان ملكا على بابلو كانت مكتوبة على قاعدة تمثال إله القمر: “على كل ال1ين يتآمرون ضد آشور بانيبال ويضمرون له العداء سوف أنزل موتا بغيضاً,بخناجر الحديد اللامعة وباضرام الحرائق وبالمجاعة والطاعون, سوف أنهي حياتهم”. ويذكر في وثيقة أخرى بينما كان الجيش يتقدم كان عليه ان يقطع نهراً في لحظة الفيضان ولكن المنظر أرعبهم, فما كان من خادم الطقوس أن يقدم رؤية سماوية لتشجيع وتطمين الجنود:”شاهد الجنود نهر –إيدايد_ وهو سيل عارم فخافوا من العبور,لكن الإلهة عشتار التي تسكن في آربيل أرت جنودي رؤية أثناء الليل, وقالت لهم “سوف أسير بنفسي أمام آشور بانيبال, الملك الذي خاقته يداي”هكذا أطمئن جنودي لهذه الرؤية وعبروا نهر –إيدايد-بأمان”.
بلاد آشور كانت مستعدة للحرب ولكن ليس منذ القدم,حيث كان أهتمامها ينصب على التجارة منذ أوائل الألف الثانية قبل الميلاد بفضل الموقع الأستراتيجي لمدينة آشور كموقع تجاري ترتبط به مستعمرات تجارية في المناطق البعيدة حتى أواسط الأناضول.ومع ذلك نجد الحوليات تتحدث عن الحروب,وليس التجارة.ونلاحظ هذا التغيير بعد نهاية السيطرة الميتانية على بلاد آشور في القرن الخامس عشر قبل البلاد, فما كان على الآشوريين إلا أن يقاتلوا من أجل استعادة استقلالهم. وبعد تحقيقهم الاستقلال كان لا بد من حماية حدودهم المتاخمة لشعوب وقبائل كثيرة لها أطماع في السيطرة على المناطق الزراعية الخصبة والمواقع الأستراتجية الهامة لبلاد آشور.ومن أجل ذلك وضعوا الحاميات العسكرية لضمان أمن وسلامة الأرض لكنها لم تكن كافية لردع الأعداء مما دفع ببلاد آشور للقيام بحملات عسكرية وتوسيع رقعة الأرض المسيطرة عليها لضمان أمنها, وتأمين بعض الخامات الغير متوفرة واليد العاملة .وبطبيعة الحال كان العامل الأقتصادي وضمان الأمن لبلاد آشور هما العاملان الرئيسيان لدى ملوك آشور.وكان هناك عامل آخر ليس أقل أهمية ألا وهو الأعتبار الديني –مشيئة الإله آشور- “الذي يهزم جميع المتمردين” والذي ” يبعثر الأشرار” و “الذي يعمل ضد الذين لا يخشون كلمته” والذي” لا يفلت من شباكه مقترفوا الآثام” ونلاحظ في الكثير من الكتابات أن الملوك الآشوريون يؤكدون على رسالتهم السماوية.حيث نجد تغلات بلاصر حوالي عام يتوجه إلى الآلهة1100 متحدثا عن نفسه بضمير الغائب؛”لقد ألقيتم عليه قدره العظيم”الجليل”لامتلاك السلطة وقررتم أن ذريته ككاهن رفيع ستبقى إلى الأبد في المعبد(معبد الإله آشور), وبعد مضي ما يقارب من أربعة قرون نجد أسر حدون يقول 🙁 الآلهة ,فوضتني ضد أي بلد يخطىء بحق ألإله آشور) ويضيف أيضا “آشور, أب الآلهة منحني سلطة إجلاء سكان وإعادة توطين سكان آخرين لكي تتوسع حدود الأرض الآشورية”كما نقرأ في حوليات الملك سرغون وإعتقاده بأن بلاد آشور تحمل رسالة سماوية بأن تحكم ,” في السنة الخامسة من عهدي نكث-بيسيري- ملك كلاكميش بعهد الآلهة العظام وراح يرسل إلى ميتا ملك الموشكي رسائل ملؤها العداء لبلاد آشور.فرفعت يدي إلى سيدي الإله آشور, وبذلك أخذت – بيسيري – وعائلته كأسرى”.وأصبح هذا التوجه أحدى الركائز ومحاولات المحافظة على التطور والأمن في بلاد أشور,وليس فقط من أجل الظروف الفعلية الخارجية والداخلية التي فرضت,بل هي المشيئة الإلهية.تتمة هذا الموضوع في الجزء القادم.
28-06-2017

د.جميل حنا

للمزيد; انقر على الرابط ادناه

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.