كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً/الجزْء الثَاني(26)

بقلم شذى توما مرقوس
كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 26 )
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل )

22 / 03 / 2017
http://nala4u.com

كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 26 )         
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ  ، وأَدَب الطِفْل )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إِعْداد وتَقْديم : شذى توما مرقوس 
الخميس 1 / 5 / 2014  ــ والعَمَل مُسْتَمِّر                 

 طَابِع المَوْضُوع :                                                                             
 بِطاقَة تَعْرِيفِيَّة بِكُتَّاب وكاتِباتِ القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً ، والفنُون المَسْرَحِيَّة ، وأَدب الطِفْل مِنْ الوَسَطِ المَسِيحيّ العِراقيّ .                             

عزِيزَاتي ، أَعِزَّائي مِنْ القَارِئاتِ والقُرَّاء ، سنَقْرأُ هُنا في نِتَاجاتِ الكاتِب سليم بطي  لِنَتَعَرَّفَ على عطَائهِ .                                                                             

   كُلّ الشُكْر لِلمُتَابِعاتِ والمُتَابِعين .                                                         

د ــ كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً والفنُون المَسْرَحِيَّة وأَدب الطِفْل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سليم بطي ( 1911 م ــ 1955 م ) :

هو سليم بطرس عيسى بطي  ، و ( بطي ) أصله ( بطرس ) .
ولِدَ سليم بطي في المَوْصِل عام 1911 م ، في كنَفِ عائلَةٍ مُتَواضِعة مَسِيحِيَّة سرْيَانِيَّة أرثوذكسِيَّة عِراقِيَّة ، وكانَ والِدَهُ يَعْمَلُ في الحِيَاكة ، وهو شَقِيقُ كُلٍّ مِنْ الصُحفِيّ المَعْرُوف ( رفائيل بطي ) صَاحِب جَرِيدَةِ البِلاد  ، والقَاصّ ( فؤاد بطي ) صَاحِبُ المَجْمُوعَةِ القِصَصِيَّة ( صَيْحاتُ الفُؤاد ) والَّتِي صَدَرَتْ عام 1939 م  ،  وهو عمُّ الصُحفِيّ المَعْرُوف فائق رفائيل بطي .
تُوُفِّيَ عام 1955 م . 
اهْتَّمَ خِلال فَتْرَة حيَاتِهِ القَصِيرَة بِمَجَالاتِ النَقْد والتَأْلِيف والتَمْثِيل ، إِذْ بَدَأَتْ هِوايَاتُهُ الفَنِيَّة والأَدَبِيَّة  تَتَمَيَّزُ مُنْذُ صِغَرِهِ ، ثُمَّ صُقِلَتْ وتَبَلوَّرَتْ بِمرُورِ السنِين .
ظَهَرَ على المَسْرَح لأَوَّلِ مَرَّة عام 1927 م حَيْثُ شَارَكَ بِدَوْرِ ( الكونت الجَمِيل ) في مَسْرَحِيَّة ( لويس الحادِي عشَر ) مَعَ فُرْقَةِ جورج بك ابيض ، وقُدِّمَتْ المَسْرَحِيَّة على خَشَبَةِ مَسْرَحِ سِينما الوَطنِي ، بَعْدَها انْتَمَى إِلى ( الفُرْقَةِ الوَطنِيَّة ) الَّتِي أَسَّسَها حقي الشبلي عام 1927 م ، واسْتَمَّر فيها حَتَّى سَافرَ حقي الشبلي إِلى مِصْر عام 1930 م لِدِرَاسَةِ فَنِّ التَمْثِيل ، وتَوَلَّى عزيز علي مُتَابَعة الفُرْقَة في غِيابِهِ .
بَعْدَها تَرَك فَنَّ التَمْثِيلِ ومَالَ لِلإِخْرَاجِ المَسْرَحِيّ ، فشَكَّلَ مَعَ بَعْضٍ مِنْ زُملائِهِ : فوزي محسن الأمين ، زكي السلامي وعبد الحافظ الدروبي وآخَرِين فَرِيقاً بَارِزاً نَشِطاً في فُرْقَةِ ( أَنْصَار التَمْثِيل ) الَّتِي أَسَّسَها عبد الله العزاوي سَنَة 1934 م  ، والَّتِي قَدَّمَتْ وفْرَةً مِنْ المَسْرَحِيَّاتِ الجيّدَة ، مِنْها : المَسْرَحِيَّة الاجْتِمَاعِيَّة ( وحيدة ) لِمُؤَلِّفِها موسى الشابندر ــ وكانَ قَدْ قَدَّمَها بِإِسْمِهِ المُسْتَعار : علوان أبو شرارة ــ  ، مَسْرَحِيَّة ( عبد الرحمن الناصر ) ، مَسْرَحِيَّة ( المَسَاكِين ) ، مَسْرَحِيَّة ( قَاتِلُ أَخِيهِ ) ، مَسْرَحِيَّة ( مَجْنُونُ ليلى ) ، وكُلَّها مِنْ إِخْرَاجِ عبد الله العزاوي .
في سَنَةِ 1929 م مَارَس النَقْدَ المَسْرَحِيّ وكانَ يَنْشُرُ كِتَابَاتَهُ في جَرِيدَةِ البِلاد ويَمْهَرُها بِاسْمِ ( كين ) .
نَشَرَ سليم بطي أَيْضاً بَعْضاً مِنْ كِتَابَاتِهِ في مَجَلَّة ِالأَدِيب اللُبْنَانِيَّة ، ولَقَدْ قُمْتُ (  والكلام لِشذى توما ) بمُرَاجَعةِ أَرْشِيفِ هذِهِ المَجَلَّة بِأَعْدَادِها السَنَوِيَّة المُتَوَفِّرَة على الانترنيت ولِلسَنَواتِ مِنْ 1942 م ــ 1955 م ، ووَجَدْتُ لَهُ فيها نِتَاجين مَنْشُورين وهُما :

1 ــ ( بِنْتُ الطَحَّان )/ قِصَّة قَصِيرَة /  مَنْشُورَة في مَجَلَّة ِالأَدِيب اللُبْنَانِيَّة الشَهْرِيَّة لِصَاحِبِها ألبير الأديب / في العَدَدِ ( 1 ) ، أكتوبر ، 1946 م
رَابِط  قِصَّة ( بِنْتُ الطَحَّان ) :
http://archive.sakhrit.co/newPreview.aspx?PID=1775579&ISSUEID=14561&AID=325780

مِنْ ص 27 ــ ص  30

2 ــ (صادجة ) / قِصَّة قَصِيرَة /  مَنْشُورَة في مَجَلَّة ِالأَدِيب اللُبْنَانِيَّة الشَهْرِيَّة في العَدَدِ رَقْمِ ( 2 ) ، فبراير ، 1946 م .
رَابِط قِصَّة ( صادجة ) :
http://archive.sakhrit.co/newPreview.aspx?PID=1775071&ISSUEID=14554&AID=325583

مِنْ ص 33 ــ ص  36

في مَجَالِ فَنِّ التَأْلِيفِ المَسْرَحِيّ /
بَرَزَ سليم بطي في ثَلاثِيناتِ القَرْنِ العشْرِين ، وكانَ عَمَلَهُ في الفُرَقِ المَسْرَحِيَّة في العِراقِ قَدْ أَثْرَاهُ خِبْرَةً وتَمَرُسَاً وجَعلَهُ على قَدْرٍ وافٍ مِنْ المَعْرِفَةِ بِالبِنَاءِ المَسْرَحِيّ وطَبِيعةِ العَمَلِ المَسْرَحِيّ ،  فتَعدَّدَتِ النصُوصُ المَسْرَحِيَّة الَّتِي أَلَّفَها وقَدَّمَها  لِلفُرَقِ المَسْرَحِيَّة ومِنْها :
1 ــ تَقْرِيعُ الضَمِير / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة بِفَصْلٍ واحِد  / عام 1931 م / وهي أَوَّل مَسْرَحِيَّة كتَبَها / المَسْرَحِيَّة غَيْر مَطْبُوعَة .
2 ــ المَسَاكين / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / عام 1933 م / مَسْرَحِيَّة غَيْر مَطْبُوعَة / قَامَتْ فُرْقَة ( أَنْصَارُ التَمْثِيل ) بِعَرْضِها على المَسْرَح عام 1934 م .
3 ــ  الأَقْدَار / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / مَنْشُورَة عام 1934 م /  أَخْرَجَ توفيق البصري مَسْرَحِيَّة ( الأَقَدَار ) لِمُؤَلِّفِها سليم بطي ، وكانَ أَوَّلُ عَمَلٍ مَسْرَحِيّ يَقُومُ ُ البصري بِإِخْرَاجِهِ لِجَمْهُورِ الطلَبَة وهو في الصَفِّ الخَامِسِ الإِعْدادِي .
أُعِيدَ عَرْضُ مَسْرَحِيَّة ( الأَقْدَار ) عام 1949 م على مَسْرَحِ ثَانَوِيَّةِ العشَّار ( التَرْبِيَة ) في البَصْرَة ، وأَدَّى أَدْوارَها كُلٌّ مِنْ : أحمد الرديني ، سامي توما ، ماركريت نعيم ، سوزان ، زكي الساعدي ، عبد النبي جعفر ، لويس توماس ، قصي البصري .
حالَةُ الحِفْظ  لِمَسْرَحِيَّة ( الأَقْدَار ) في دارِ الكُتُبِ والوَثَائق الوَطَنِيَّة :
ــ الأَقْدَار / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة  / بِاللُغةِ العرَبِيَّة / مَكانُ النَشْرِ والنَاشِر : بَغْداد ـ مَطْبَعةُ النَجاح / عَدَدُ الصَفَحَات : 88 صَفْحَة / رَقْمُ التَسْجِيلِ في دارِ الكُتُبِ والوَثَائق الوَطَنِيَّة ( 453785 ) / رَقْمُ التَصْنِيف ( 812.92 ) / رَقْمُ المُؤَلِّف : ب 69 / عَدَدُ النُسَخِ المَحْفُوظَةِ في دارِ الكُتُبِ والوَثَائق الوَطَنِيَّة : نُسْخَة واحِدَة .

4 ــ خِدْمَةُ الشَرَفِ / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / قَدَّمَتْها فُرْقَة ( أَنْصَارُ التَمْثِيل ) عام 1935 م / كذَلِك قَامَتْ فُرْقَةُ بَابِل لِلتَمْثِيل عام 1940 م بِتَقْدِيم المَسْرَحِيَّة ( تَوَلَّى مُؤَلِّفِها سليم بطي إِخْرَاجها بِنَفْسِهِ ) على مَسْرَحِ ( المَدْرَسَةِ المَرْكزِيَّة ) في بَغْداد ، وأُعِيدَ عَرْضُ مَسْرَحِيَّة (خِدْمَةُ الشَرَفِ ) على صَالَةِ ( سِينَما الحَمْرَاء ) لِمَنْفَعةِ جَمْعِيَّةِ الطيرَانِ العِراقِيَّة .

5 ــ طعْنَةٌ في القَلْب / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / نُشِرَتْ عام 1936 م / قَامَتْ فُرْقَةُ ( أَنْوار الفَنّ ) والَّتِي أَسَّسَها توماس حبيب بِتَقْدِيمِ المَسْرَحِيَّة . 
كذَلِك تَمَّ عَرْضُ المَسْرَحِيَّة على مَسْرَحِ  ( اوتيل الجواهري ) عام 1940 م ، حَيْثُ قَدَّمَتْها فُرْقَةُ بَابِل لِلتَمْثِيل والَّتِي تَأَسَّسَتْ عام 1934 م في بَغْداد لِمُؤَسِّسِها ( محمود شوكت ) .
وقَدْ علَّقَ ( عبد الله رمضان ) على مَسْرَحِيَّة ( طعْنَة في القَلْب ) قَائلاً : [ نود أن نلقي نظرة عجلى على المسرح العراقي ، وغير خافٍ أن تاريخ المسرح في العراق إلى ما بعد سنة العشرين ، وبالرغم من مرور أكثر من خمس عشرة سنة مازال في دور التكوين والسبب في ذلك عدم وجود العناصر الرئيسية بتكوينه ، وهذهِ العناصر هي الروايات التمثيلية المحلية والمخرجين والأدوات التمثيلية ، أما التأليف المسرحي فيكاد يكون معدوماً في العراق اللهم إلا رواية وحيدة لمؤلفها الأستاذ موسى الشاه بندر التي كانت هدية ثمينة للمسرح العراقي ، وأما الممثلون والمخرجون فمع إننا نقر بوجود بعض الهواة ممن يرجى له مستقبل في هذا الفن لا نستطيع أن ندعي بوجود هذا العنصر الفعال كما يرام ، ومع ذلك نستطيع أن نسجل هذه الجهود الجبارة التي بذلها ويبذلها الأديب سليم بطي في سبيل النهضة المسرحية في العراق فلقد خدم هذا الفن الجميل بكل قواه حيث كوّنَ بعض الفرق التمثيلية وكان فيها الرئيس الإداري والمخرج الفني والممثل البارع إنها دعاية صحية طيبة ، ومع ذلك لنا ملاحظة صغيرة على هذه الرواية هي وجود المقدمة التي حاول أن يجعلها كخلاصة لروايته ، ونرى أنه لو كان قد قام بحذف هذه المقدمة والخاتمة أيضاً لما كان يضره شيء ولا جاءت روايته ناقصة بذلك ، بل كانت تجعل الرواية محلية بحتة بعيدة عن الأساطير …. وعلى كل فإن روايته هذهِ يصح أن تكون أول حجر أساس في المسرح العراقي ] .
وهكذَا يُمْكِنُ لِلقَارِئ / ة تَقْدِير الأَثَر الكبِير البَعِيد والوَاضِح الَّذِي تَرَكهُ سليم بطي في مَسِيرَةِ تَطْويرِ المَسْرَحِ العِرَاقيّ في الثَلاثِينَاتِ مِنْ القَرْنِ العشْرِين .
6 ــ رَصَاصةٌ في القَلْبِ / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / قَامَتْ فُرْقَةُ ( أَنْوار الفَنّ ) بِتَقْدِيمِها على المَسْرَحِ .
[ جَمْعِيَّةُ أَنْوار الفَنّ : فُرْقَةٌ مَسْرَحِيَّة تَأَسَّسَتْ في 22 / آب / 1940 م ، وتَأَلَّفَتْ هيْئتَها الإِدارِيَّة مِنْ : ( توماس حبيب رَئيساً ، رؤوف توفيق مُدِيراً لِلإِدارَةِ ، سليم بطي سكرتِيراً وجوزيف عجاج مُحاسِبَاً ، فَضْلاً عَن الأَعْضَاءِ : صلحي مصطفى ، أسماعيل حقي ، لويس توماس ، أسماعيل الأمين ، مجيب حسون ، أسماعيل ابراهيم الشيخلي ) ، وقَامَتْ بِتَمْثِيلِ مَسْرَحِيَّاتٍ عِدَّة كانَ مِنْ أَهَمِها ( مَجْنُونُ ليلى ، عبد الرحمن الناصر ، الهارِبُ البَخِيل ، انْتِقَامُ المَهْرَاجا ، الرُوحُ الشرِيرَة ، رَصَاصةٌ في القَلْبِ ، طعْنَةٌ في القَلْب ) ، لَمْ تَسْتَمِّرْ طوِيلاً إِذْ حُلَّتْ بَعْدَ سنتين مِنْ تَأْسِيسِها ] .
7 ــ ضَحايَا اليَوْم / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / عام 1939 م  .
8 ــ رُسُلُ الإِنْسَانِيَّة / مَسْرَحِيَّة اجْتِمَاعِيَّة / آخِرُ مَسْرَحِيَّة أَلَّفَها سليم بطي كمُسَابقَةٍ لِجَمْعِيَّةِ مُكافَحةِ السِلِّ .

ـــــــ
في الأَرْبَعِينَاتِ مِنْ القَرْنِ العشْرِين ( عام 1949 م ) كتَبَ سليم بطي حِوارَ فِيلم ( ليلى في العِراق ) ، وقِصَّة الفِيلم مِنْ تَأْلِيف محمد سلمان ، أَعَدَّ سِيناريو الفِيلم مُخْرِجُهُ أحمد كامل مرسي ، شَارَكَ في التَمْثِيل : ابراهيم جلال ، عفيفة اسكندر ، محمد سلمان ، جعفر السعدي ، عبدالله العزاوي .
عُرِضَ الفِيلم لأَوَّلِ مَرَّة في سِينَما روكسي في كانُون الأَوَّل عام 1949 م ( سِينَما روكسي تَأَسَّسَتْ سَنَة 1936 م في شَارِع الرَشِيد بِبَغْداد بِإِدارَةِ عبد الجبار سبع ) .
عُرِضَ الفِيلم في مِصْر بِتَارِيخ  :
15 / ديسمبر / 1949 م .
وأُعِيدَ عَرْضَ الفِيلم في سِينَما الرَشِيد في بَغْداد عام 1955 م .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المَصَادِر /

( 1 )
مَوْضُوع / الثَقَافَة السرْيَانِيَّة تَحْتَفِي بـِ ( رفائيل بطي ) في حلَقَتِها الدِرَاسِيَّة الرَابِعة … اليَوْمُ الأَوَّل يَشْهدُ مُنَاقَشَةَ 23 بَحْثاً تَتَناولُ الصَحَافَة والأَدَب والفَنّ .

الكاتِب : إِعْلام المُدِيرِيَة العامَّة .

الرَابِط :
http://www.ishtartv.com/viewarticle,50640.html
قنَاة عشْتَار الفَضَائيّة
في 25 / 10 / 2013

( 2 )
مَوْضُوع / الحلَقَةُ الدِرَاسِيَّة الرَابِعة لِدَوْرِ السرْيَان في الثَقَافَةِ العِراقِيَّة ( دَوْرَة رفائيل بطي ) .
الكاتِب : داؤد أمين
في الأَثْنين 28 / 10 / 2013 م .
مَوْقِعُ الحِزْب الشيُوعِي العِراقِي .

الرَابِط :
http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/6706-2013-10-28-11-39-41

 ( 3 )
مَوْسُوعةُ أَعْلامِ المَوْصِل في القَرْنِ العشْرِين ـ حرْفُ السِين
عمر الطالب

الرَابِط :
http://archive.li/smCh#selection-5941.0-6077.1516

( 4 )
مَوْضُوع / بِدايَاتُ السِينَما في العِراق … كيْفَ شَاهدَ جمْهُورُ بَغْداد أَوَّلَ فِيلم سِينَمائِيّ .
في : 25 / أَيْلُول / 2013 م .
مَوْقِع الكاردينيا .

الرَابِط :
http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/6558-2013-09-25-22-10-17.html

( 5 )

مَوْضُوع / فصُولٌ مِنْ تَارِيخِ المَسْرَحِ العِراقِيّ ( الفَصْلُ التَاسِع عشَر )
( عصْرُ الثَلاثِينَات الذَهبِيّ لِلمَسْرَحِ العِراقِيّ  1930 م ــ 1947 م )
الكاتِب : لطيف حسن
في 10 / 7 / 2006 م .
مَوْقِعُ النَاس .

الرَابِط :
https://www.al-nnas.com/CULTURE/Fnon/teat19.htm

( 6 )
دارُ الكُتُب والوثَائق الوَطنِيَّة .

الرَابِط : 
http://www.iraqnla-iq.com/opac/fullrecr.php?nid=11014&hl=ara

( 7 )
مَوْضُوع / توفيق البصري مَسِيرَة حافِلَة بِالعطاء .
الكاتِب : مجيد عبد الواحد
مَجَلَّةِ الفنُونِ المَسْرَحِيَّة

الرَابِط :
https://theatermage.blogspot.de/2016/10/blog-post_28.html#.WNL0_4J1rcs

( 8 )
مَوْضُوع / المَسْرَحِيَّة العِراقِيَّة : شؤونٌ وشجُون ( 1 )
الكاتِب : تيسير عبد الجبار الآلوسي
ــ أُسْتَاذُ الأَدَبِ المَسْرَحي ــ
في : 1 / 7 / 2007 م
مَوْقِع سُومرِيَات .

الرَابِط :
http://www.somerian-slates.com/mss_old/p511tr1.htm

( 9 )
مَوْضُوع / بَعْضُ المَصَادِر عَن المُؤَلِّف نديم الأطرقجي .
في 10 / نوفمبر / 2009 م .
مَوْقِع مُنْتَديَات أُسْرَة الأطرقجي .

الرَابِط :
http://alatraqchi.yoo7.com/t4-topic

( 10 )
مَوْضُوع / المَسْرَح والسِينَما في بَغْداد 1939 م ــ 1958 م
الكاتِب : عباس فرحان الزاملي
في : الأَحد 24 / 3 / 2013 م .
 مَوْقِع المَدَى لِلإِعْلام والثَقَافَة والفنُون ( ملاحق جَرِيدَة المَدَى اليَوْمِيَّة ) .

الرَابِط :
http://almadasupplements.com/news.php?action=view&id=7082#sthash.9YFu7v2p.dpbs

( 11 )
مَوْضُوع / شَخْصِيَّاتٌ فَنِيَّة . 
الأَحد 16 / 10 / 2011 م
مَوْقِع المَدَى لِلإِعْلام والثَقَافَة والفنُون ( ملاحق جَرِيدَة المَدَى اليَوْمِيَّة ) ــ ذَاكِرَة عِراقِيَّة .

الرَابِط :
http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=3296#sthash.8CSSsqca.dpbs

( 12 )
مَوْضُوع / رفائيل بطي .. أَوَّل وزِير دِعايَة وصَحَافَة في الدَوْلَةِ العِراقِيَّة .
الكاتِب : حميد المطبعي
مَوْقِع : الصحُفِي .
في 13 / أبريل / 2012 م .

الرَابِط :
http://www.sahafi.jo/files/29aecab01f21702b8fda5e2266d0e54ed20ce80b.html

///////////////

أُقَدُّم هُنا لِلمُتَابِعات العزِيزَات والمُتَابعين الأَعِزَّاء القِصَتين القَصِيرَتين ( بِنْتُ الطحَّان ) و ( صادجة ) ، حَيْثُ أَعَدْتُ كِتَابتَها لأَجْلِ أَنْ تَتَمَكَّنُ / يَتَمَكَّنُ المُتَابِعات والمُتَابعين مِنْ قِراءَتِها ، مَعَ جزِيلِ الشُكْرِ لِلجَمِيع .
 كُلّ الشُكْرِ والتَقْدِير لِلأَخ باسم روفائيل الَّذِي قَامَ بِرَفْعِ وتَحْرِيرِ القِصَّتينِ مِنْ الرَابِطينِ المَذْكُورِينِ بِنَاءاً على طلَبِي لأَتَمَكَّنَ مِنْ حِفْظِها عِندِي في الأَرْشِيف واسْتِنْسَاخِها ، وكذَلِكَ عَرْضها لِلقُرَّاءِ على شَكْلِ صُوَرٍ كمَا هي مَوْجُودة في المَوْضُوع أَعْلاهُ ، تَمنِّياتي لَهُ بِالتَوْفيقِ والخَيْرِ .

( 1 )
بِنْتُ الطحَّان
ــ قِصَّة قَصِيرَة ــ
بِقَلَمِ : سليم بطي

مضرجاً بدمائه ، ولم يكن انقاذه إلا بعد أن رمي الحصان بالرصاص ، ولما نقلناه إلى المستشفى اعلمنا الطبيب إن والدي إذا عاش فسيعيش رجلاً مقعداً لا يقوى على السير ، وإن وجهه سيتشوه ، علاوة على إنه فقد بصره أيضاً .
كان وقع هذا النبأ علينا عظيماً ، ومرت الأيام الأولى علينا إثر خروجه من المستشفى كالحلم البغيض وكنت كلما وقع بصري عليه ارتجف ألماً وتتقطع نياط قلبي شفقة .
لم يكن يمكننا البقاء دون عمل ، والطاحونة كانت مورد رزقنا الوحيد ، فلم يكن بد من أن نستقدم رجلاً يقوم مقام والدي ، وفكرت والدتي حرصاً على سير العمل ، باستقدام قريبها فرحان ، وعرضت عليه الأمر بعد استشارة والدي ورضاه ، فجاء مسرعاً …. شرب قدح الشاي ثم أشعل سيكارة أخذ ينفث دخانها في الهواء فيتلاشى حلقات حلقات في الفضاء ، ثم التفت إلى والدتي والابتسامة لا تفارق شفتيه وقال :
ــ أين هو زوجك ؟
فأجابت والدتي دون أن ترفع رأسها ، وقد شغلت نفسها بأقداح الشاي :
ــ إنه في السرداب يراقب العمل ، ولو إنه لا يرى شيئاً ولكنه يطلب ذلك .
والتفتت إليّ وناولتني قدحاً من الشاي قائلة :
ــ خذيه إلى والدك .
نهضتُ واتجهت نحو باب السرداب ، فصرخت والدتي فيّ :
ــ احترسي عندما تعبرين إليه .
نزلت الدرجات ، ولم أكد أصل إلى آخرها حتى شعرت بأقدام فرحان الثقيلة ورائي ، فأسرعت وعبرت إلى والدي الجالس قرب فتحة البئر الكبيرة ، الذي جعل منه مكانه المفضل مذ فقد بصره ورجليه ، هذه البئر عميقة واسعة ، نستعملها لسقي الخيل ونستقي الماء منها أحياناً لغسل الثياب ، فمها في فناء الدار ، ولها فتحة واسعة في السرداب ، ولكن هذهِ الفتحة لم تسوّر بل ظلت على ما هي منها ، وسألت والدي عن السبب في عدم بنائها أو تسويرها على الأقل ، فأجابني بأنه عهد بها كذلك مذ شب ودرج في البيت ولا يدري سبب ذلك ، على أنه لم يسأل جدي عنه .
وضعت قدح الشاي بيد والدي وجعلت انتظر ، ووقف فرحان ينظر إلينا ، وأخذت أراقبه بطرف من عيني ، فارعبتني علامات الاشمئزاز التي ارتسمت على وجهه ، مثل أي إنسان آخر يقع نظره على والدي المسكين .
كنتُ خجلة من والدتي أثناء الغداء ، فقد كانت تتحدث بانبساط إلى فرحان كثيراً ، وعاد تورد خديها لأول مرة بعد عشرة شهور ، ولم افقه في ذلك الوقت أسباب خجلي بخدمتها له على تلك الصورة ، إلا بعد أسبوع من قدومه ، عندما لحظته يحتضنها صباح أحد الأيام في فناء الدار .
استيقظتُ مبكرة فجر ذلك اليوم لأراجع دروسي قبل ذهابي إلى المدرسة استعداداً لامتحان نصف السنة ، وكانت الغرفة مظلمة ، فأخذت أبحث عن ثقاب لأشعل القنديل ، وإذ لم أجد خرجتُ إلى المطبخ لآخذه من والدتي التي خرجت لتجهيز الفطور ، ولما وصلت إلى الباب لمحت والدتي وفرحان عند باب المطبخ يتحدثان بصوتٍ خافت ، وهي تقول له :
ــ لا … لا … يا فرحان
ورأيته يأخذها بين أحضانهِ ويقبلها ، ووصل إليّ جوابه كوخز الإبر ….
ــ ولم لا … إنك لا تقوين أن تعيشي هكذا
فأجابته والدتي :
ــ لا ، لا ، يا فرحان
ولكنه لم يتركها تفلتُ من بين ذراعيه ، فلم تقاومه هذهِ المرة .
وهذا ما آلمني كثيراً ، فرجعتُ أجر رجلي جراً إلى الفراش ، وتمددتُ غير مفكرة بالدرس أو الامتحان … وانحدرت الدموع كالسيل على خدي ، ووضعت طرف اللحاف بين أسناني أغالب بها عبراتي ، حتى لا أجهشُ بالبكاء فيستفيقُ والدي من نومه .
ذهبتُ ذلك اليوم إلى المدرسة ، ولم استطع أن أجيب بحرف واحد عن الأسئلة ، ولم أرجع إلى البيت للغداء ، وتأخرتُ عصر ذلك اليوم إلى المساء ، ولما رجعت أدعيتُ المرض وذهبتُ إلى الفراش .
وكانت الحرارة ترتفع في جسمي ، وتفكيري لا ينقطعُ من ذلك المنظر المخزي ، وبقيتُ انتظرُ والدتي إلى أن جاءت لتنام وكنا ننام سوية في فراش واحد وقد اعتدنا أن نتحدث إذا ما عزّ علينا الكرى ، ولما شعرتُ بها تصنعت النوم ، وشعرتُ بيدها الباردة تجس معصمي وجبيني ، ثم تتمدد على الفراش .
استيقظتُ من نومي فزعة ، ومددتُ يدي لاتحسس والدتي ، فلم أجدها وحدست إنه مضى كثيرٌ من الليل ، عندها تذكرتُ إنها قد ذهبت إليه ، فكان هذا الخاطر كلطمة قوية على وجهي فرحتُ انتحب والدموع تسيل على خدي مدراراً ، ولا أذكرُ كم مضى من الوقت وأنا على هذهِ الحالة ، وكان الوقت يمر ولا أشعرُ بهِ ، وبعد مدة طويلة فُتِحَ الباب وانسلت والدتي في الظلام إلى الغرفة بتحوط ، فجمدتُ مكاني ولم أتحرك ، خشية أن تلحظ أنني مستيقظة ، رجعت إلى الفراش وتمددت ، وبقيت مدة طويلة هادئة لم تأت بحركة حتى خيل إليّ إنها أغفت ، ولكن هذا التخيل زال بصوتٍ ارتجف له فؤادي ، فقد كان هذا الصوت نحيباً صامتاً ، إنها لا شك نادمة على جريمتها .
أفقتُ صباح اليوم الثاني كعادتي ، وخرجتُ لأغسل وجهي ، ولم أكد أفتحُ الباب حتى سمعتُ حواراً فتعرفتُ من الصوت على الأشخاص المتحدثين ، فوقفتُ مكاني ويدي على الباب استرق السمع ، وتمكنتُ أن أرى فرحان ممسكاً بيد والدتي وهي واقفة بباب المطبخ ، ووصلت إلى أذني كلماتها واضحة ، قالت له :
ــ لا أقدر يا فرحان … أقول لك لا أقدر أن اتمالك نفسي ، أنا اتمادى في هذا .
فأجابها ، وكان كلامه واضحاً ، وصوته الأجش بعث في جسمي قشعريرة باردة ، وأخذت والدتي تتوسل إليه أن يخفض من صوته ، ولكنه استرسل غير مبالٍ قائلاً :
ــ إذا كنتِ تريدين أن لا تعرف ابنتكِ فطاوعيني وإلا أخبرتها بنفسي ، إنني مجنون بحبك … وسأخبر البلد كله قبل أن أترككم .
فأجابت والدتي بشدة :
ــ إنك لا تجسر ُ على ذلك ..
ــ لا أجسر ؟ أقول لكِ إنني أهواكِ إلى درجة أقدم معها على كل شيء … وأنتِ لا حول لك ولا قوة على مقاومتي … أقدم على كل شيء .
فأجابت :
ــ أنت مجنون !
فأخذها بين ذراعيه ، فلم تقاوم وقال :
ــ نعم مجنون بغرامكِ !
وقبلها قبلة طويلة ، وكانت مستسلمة إليه ، وقالت :
ــ أمجدٌ أنتَ في إخبار ابنتي ؟
ــ طبعاً لا … إذا كنتِ تبادلينني حبي .
ــ آه … كم كنتُ خائفة أن تستيقظَ تلك الليلة .
لم احتمل أن أسمع أكثر من هذا ، فرحتُ إلى فراشي ولبثتُ فيه ، ولم أخرج .
أخذَ الحزنُ يهد من جسمي ، وظهرت علائمه على وجهي ، وأهملتُ دروسي وواجباتي ، حتى إن مدرساتي لحظن عليّ ذلك وتعجبن له .
وبقيتُ منزوية أعيشُ وحدي بعيدة عن زميلاتي ، حتى أضحين في حيرة من أمري ، وعبثاً حاولن معرفة السبب واكتشافه .
وكان يسكنُ بجوارنا شابٌ ظريف ، مدرس في إحدى المدارس الابتدائية ، يميل إليّ كثيراً ، أكتشفتُ ذلك من نظراته وابتساماتهِ عندما كنا نلتقي في الطريق إلى المدرسة ومنها ، أو عندما كنتُ أستعينُ به أنا وشقيقته ، التي كانت من أعزّ صديقاتي وفي صفٍ واحد ، على بعض الحلول الرياضية ، ورغم أنه كان خجولاً جداً ، فإنه كان يحاول أن يُفهمني بأنه يميل إليّ ، ولكني كنتُ أتجاهلُ كل ذلك ولم أكنْ أفسح له مجالاً يشجعه على المضي في هذا السبيل ، وبمرور الأيام أخذتُ أشعرُ بميلٍ نحوه ، إلى أن أخبرتني شقيقته يوماً بحب شقيقها لي ، وإنه يرغبُ رغبةً صادقة في تزوجي ، وسيبعثُ والدته لتخطبني من والدي ، وبقيت تستدرجني لتعلم ما إذا كنتُ أوافقُ على ذلك ، ولكني سكت ، ولا أدري أخجلي أم سروري هو الذي منعني من الجواب .
أخبرتُ والدي قبل والدتي بالأمر ، لأنني كنتُ احترمه وأحبه جداً ، فابتسم وأخذ يعبثُ بشعر رأسي وأنا جالسة بجانبهِ ، وأجابَ :
ــ ليس لديّ مانع يا بُنيتي إذا رضيت والدتك ! فأنا أعرفُ الشاب شخصياً وهو يليقُ بكِ .
فقبلتُ يده وخرجتُ لأزف النبأ إلى والدتي ، ولما أخبرتها قبلتني في جبيني، وقالت ودموع الفرح تتدفق من مآقيها :
ــ من ذا يكون أكفأ لك منه يا فتاتي !
وسرى الخبر في المحلة سريان النار في الهشيم ، حتى أن المدرسات كن يداعبنني أثناء الدرس ، فتحمرُ وجنتاي خجلاً ، وألومُ شقيقته على ذلك ، فتحتضنني ضاحكة مسرورة .
مرت الأيام وكنتُ أشعرُ بأن فرحان يأمر وينهى في البيت كأنه هو السيد المطلق ، وبلغت به الجسارة أن أخذ يغازلني كلما اعترضتُ طريقه دون خوفٍ أو وجل ، وتمادى في غيه ، حتى أخذ يُسمعني القارص من الكلام أمام والدتي .
وبينما كنتُ جالسة أمام باب الشرفة في أحد الأيام ، خرج فرحان من السرداب وهو ملوث بذرات الطحين ، ولما وجدني وحدي تقدم وكلمني بصوتٍ مرتجف لم أعهدهُ فيه قائلاً :
ــ هل صحيح إن هذا المعلم سيخطبك ؟
فأجبته فوراً :
ــ نعم صحيح … وماذا يهمك أنت من ذلك !
فنظر إليّ لحظة ولم يتفوه بكلمة واحدة ، وأخيراً قال :
ــ اصغي إليّ … إنك لا تتزوجين غيري .. أفهمت ؟
فشعرتُ بقلبي يقف عن خفقانه ، ووضعتُ يدي أتحسسً مكانه … وبعد لحظاتٍ أفقتُ إلى نفسي من هذهِ الصدمة وتمالكتُ رشدي وصرختُ في وجههِ :
ــ يا لك من وقح … إنك كالخنزير في نظري … أتحسبُ أنني أتزوجك حتى لو لم يبق في الدنيا سواك … أتظنني ضعيفة لا أقدر أن أقاومك كوالدتي ؟
فأصفّرَ وجهه ووقف كالعمود لا يبدي حراكاً ، وضاقت عيناه وتقلصت شفتاه ، وقال بصوتٍ ضعيف :
ــ إذن فأنتِ تعلمين سر والدتك وعلاقتها بي .
فأجبتُ بصوتٍ مخنوق وبدون وعي :
ــ نعم أعلمُ كل شيء .
فرجع إليه هدوءه السابق ، فأدهشني هذا الهدوء ، ودبّ الخوف إلى قلبي ، وقال مبتسماً :
ــ حسناً … هذا يجعلُ الأمر أهون الآن .
فازداد خوفي وقلقي ، فأجبتُ :
ــ ماذا تعني ؟
فقال ورنة الفوز في نبرات صوتهِ :
ــ اصغي إليّ … غداً يوم الجمعة .. سأذهبُ كالمعتاد إلى الخمارة واحتسي بضع كؤوس مع بعض الأصدقاء ، وستُحلُ عقدة لساني ، وأروي حكايات كثيرة عنك وعن والدتك … وفي اليوم الثاني ستكون على كل لسان .
فصرختُ في وجهه :
ــ إنك لا تجسر .
وتذكرتُ عبارة والدتي له لما هددها بإفشاء سرها إليّ ، فقال هازئاً :
ــ لا أجسر ؟ إن الناس سيصدقونني ، ولا سيما إن والدتك لا تزال جميلة في شرخ صباها .
كانت كلماته التي قذفها في وجهي جارحة فأخذتُ أفكر ، يجب أن لا يقع ذلك ابداً ، فنهضتُ وتقدمتُ منه ولمستُ ذراعه ، ولكن يدي سقطت باردة جامدة لما شعرتُ بحركتي المخذولة … فضحك عالياً وابتعد عني وجلس على الدكة أمام الايوان ، وقال بنغمة الفائز المنتصر :
ــفكري جيداً … وأعطيني جوابك بعد ثلاثة أيام ، واحذري أن يأتي أحد لخطبتك ، فاللوم لا يقع إلا عليك .
فلم أطق صبراً ، وضاق صدري ، وشعرتُ بأنني اختنق ، ولحسن حظي جاءت والدتي في تلك اللحظة فانقذتني من ورطتي وآلامي ، فشغلتُ نفسي بالقراءة ، ولكني لم أكنْ أرى شيئاً ، وأردت أن أنفجر باكية ، ولكن خشية والدتي ضبطتُ نفسي ، ومن العبث محاولة وصف حالتي ذلك اليوم ، إذ لا أقدرُ أن أصفها بالكلمات فقد كان وجهي يحترق كأن بي حمى ، وعند المساء تظاهرتُ بأن الصداع يأكل رأسي ، وذهبتُ إلى الفراش ، ولكن ادعائي انقلب حقيقة إذ كادت جمجمتي تنفجر من الألم ، وشعرتُ كأن أيدياً من الحديد تقبض على قلبي ، وكنتُ ارتجف … ولما جاءت والدتي لتنام وجدت جسمي يلتهب واطرافي ترتجف ، فذُعِرت فرجوتها أن تهدأ فلم تبال .
كنتُ أفكرُ طول الليل في طريقة أخبر بها شقيقة خطيبي ، لتأخير يوم الخطبة ، فارعبتني هذهِ الأفكار .
ما العمل ؟ ما الحل ؟
كان والدي طوال تلك الليلة جالساً في فراشه ساكناً يدخن ، وقد ملأ الغرفة بدخان غليونه ، وكلما رفعتُ رأسي وجدته على وضعه لم يتغير ، جالساً جامداً يدخن .
وعند الفجر سمعتُ فرحان يسأل والدتي عني :
ــ أحقاً إنها مريضة ؟
فأجابته والدتي :
ــ نعم … وسآخذها إلى الطبيب ، ولا أدري كيف استقبل ضيوفنا غداً ؟
فقال :
ــ لا لزوم للضيوف .
ــ ماذا تعني ؟
ــ أعني إنها لن تتزوجه !
فأجابت والدتي بدهشة :
ــ لا تتزوجه ! ولماذا ؟
ــ لأنها ستتزوجني أنا !
وضعتُ رأسي تحت اللحاف انتحب ، وبعد لحظات شعرتُ باللحاف يُرفع عني ، ففتحتُ عيني الدامعتين ، فوجدتُ والدي يتحسس يبحثُ عن وجهي ، فاستقرت يده على رأسي ، فازددتُ بكاء ، وشعرتُ بقشعريرة تسري في جسمي ، فقد شعرتُ بيد والدي كأنها تتكلم وتقص عليّ الحوادث التي رأيتها وسمعتها كلها ، وشعرتُ بأنه يبكي ، ولو أن دموعه لم تنهمر ، لأنه لا مآقي له ، تمتم قائلاً :
ــ لا تبكي يا بُنيتي … أنا سأتدبرُ كل شيء .
فسألته وأنا اختنق بالعبرات ، مخفية وجهي في صدري :
ــ تتدبر كل شيء ؟ إذن فأنت تعرف كل شيء ؟
فلم يجبني بشيء ، ولكنه احتضنني وربت على رأسي وابتعد عني راجعاً إلى مكانه ، ونادى والدتي أن تأتي وتأخذه إلى السرداب ، فدخلت والدتي وجلست بجانبي ، وتكلمت بصوتٍ منخفض حزين :
ــ أحق ذلك يا بنتي ؟
فسألتها :
ــ ماذا ؟
ــ إنك ستتزوجين فرحان ؟
ــ نعم يا أمي .
ولما نظرتُ إليها بعد جوابي لها ، شعرتُ بأنه سيُغمى عليها ، فقد علا وجهها شحوب الموت وزاغت عيناها وتحركت شفتاها وتمتمت قائلة :
ــ آه يا إلهي .
ولما رجعت إلى رشدها فتحت عينيها ونظرت إليّ نظرات غريبة … ثم نهضت وخرجت من الغرفة مغلقة وراءها الباب بعنف وسمعتها تنزل الدرجات بسرعة ، وجاء فرحان وأخذ والدي إلى السرداب ، ولما نزلتُ في الضحى لم تجسر أن ترفع بصرها وتنظر إليّ ، ولما تقدمت لمساعدتها لم تكلمني .
سمعتُ والدي يُنادي فرحان ، فظننتُ أن فرحان في السرداب ولكن تَكرُرَ النداء أكد لي أنه خارج الدار ، فنهضت إلى النافذة وأطليت منها على السرداب ، وقبل أن أجيبه بأن فرحان متغيب وجدتُ فرحان يعبر إليه ، فقد سمع نداءه ونزل إليه من الباب الخارجي . 
تقدم فرحان من والدي ، فأشار إليه أن يجلس إلى جانبه ، فبقيتُ اتطلع ، ولكني لم أكنْ أسمع ما يدور بينهما من حديث لأنهما كانا يتكلمان همساً ، كما أن صوت الطاحونة لم يدعني أسمعُ شيئاً ، وبعد مدة قصيرة رأيتُ فرحان يرفعُ يده ويلطمُ والدي لطمة شديدة على رأسه ، فأمسك والدي بخناقه ، وانقلب ذلك العاجز المهشم إلى نمر كاسر ، عبثاً حاول فرحان التخلص من يدي والدي الحديديتين ، فصرختُ وهبت والدتي لصراخي ، ولما وقع نظرها على ما يجري في السرداب ركضت مولولة وأنا وراءها ، ولم نكد نصل إلى آخر الدرجات حتى دوت صرخة قوية من فرحان زلزلت أركان السرداب أعقبها صوتُ سقوط شيء في الماء ، وساد سكون عميق ، فقد سقط الاثنان في البئر … وفي اليوم الثاني خرجت من دارنا جنازتان ، وأخبرنا الناس أن فرحان ذهب ضحية والدي عندما أراد انقاذه وهو يحاول الانتحار .
سليم بطي
بغداد

///////

( 2 )
صادجة
ــ قِصَّة قَصِيرَة ــ
 بِقَلَمِ : سليم بطي

شرب القهوة برشفة واحدة وتلمظ ، وأخذ يملأ غليونه من كيس صغير بين يديه والجمع من حوله ينتظر قصته بفارغ الصبر ، فتكلم وهو يمد يده إلى كومة النار أمامه ليأخذ له عوداً يولع به غليونه .
…. الصبر إذا ما حلّ القضاء والقدر ، فقد سيدي كل شيء في تلك الليلة ، ليلة الانتقام الهائلة ، فقد قبيلته ، أملاكه ووطنه الذي بقي يحن إليه إلى أن لفظ نفسه الأخير .
هربنا في تلك الليلة الدموية لننجو بأنفسنا ، وهو يحمل طفلته التي لم تكمل السنة من عمرها وأنا وراءه أحمل ما خف حمله وغلا ثمنه ، كانت سفرة طويلة وهجرة بعيدة انتهت بالتجائنا إلى قبيلة تسكن على شاطيء ” الهور ” في أكواخ البردي ، أعزنا القوم واحترموا سيدي لما عرفوا نسبه ، ولم يبق لسيدي في الدنيا سوى ابنته ( صادجة ) فأصبحت عزاءه الوحيد يفرح لما يراها أمامه تنمو سائرة في طريق الصبا يفتخر بحسنها وفتنتها .
كانت المواسم تأتي وتمر وأنا أحسب عمر ( صادجة ) ، ولما عبرت سن الطفولة أطمأن بال سيدي ولم يعد يفكر بشيء لا بقبيلته ولا بالانتقام من مشرديه ، حتى ولا بأهله وأوطانه ، فقد وجد سعادته بابنته صادجة ، ولكنه رغم هنائه وقناعته لم أكنْ لأرتاح لنمو الفتاة واكتمال انوثتها ، فقد كانت إذا مشت بين فتيات القرية تبدو كغزال بين قطعان الماشية ، وقد أصبح اسمها على كل لسان وفتنتها مضرب الأمثال وتغنى بجمالها شباب القبيلة فكنتُ أخافُ عليها كما يخافُ الإنسان من شرارة لهب تمتد إلى أكواخ من القش ….
شاع أن شيخ إحدى القبائل المجاورة يطمع بالزواج من ( صادجة ) فانخلع فؤادي رغم أنه كان رجلاً شجاعاً وجميلاً ومهوباً ومحبوباً من الجميع لأنه لا يجاري نبل سيدي ونسبه ، وفي إحدى الليالي ورجال القرية يجتمعون في كوخ سيدي سمع أزيز رصاصة في سكون الليل أعقبه صوت ينادي :
ــ من هناك …. ؟ أأصدقاء أنتم ؟
فأجابه صوت من ” الهور ” :
ــ أنا دهام
فصاح واحدٌ من رؤساء القبيلة :
ــ حذار ، إن بنادقنا محشوة ، ما حاجتك ؟
فأجاب دهام :
ــ جئتُ أطلب يد فتاة من والدها .
فصاح آخر :
ــ ومن تكون ؟
فأجاب دهام :
ــ الجوهرة المطمورة في الأوساخ ، زهرة واحدة في أشواككم .
فتهامس رجال القرية بينهم :
ــ جاء يطلب صادجة .
وسرى الخبر سريان النار في الهشيم ، وبقي سيدي في مكانه لا يتحرك كقطعة من الخشب ، وأخيراً التفت إلى رجلٍ بجواره وتناول منه بندقيته وصوبها نحو مصدر الصوت وأطلقها ، فدوى على الاثر صراخ قوي أعقبه سكون عميق ووصل إلينا نسيم الليل الهادئ يحمل حفيف أعشاب البردي أعقبه صوت دهام يدوي كالرعد :
ــ ابن عمي رحمة الله عليك ، سآخذ بثأرك أنا ابن عمك دهام ، أيها الكلاب ، لا أريد فصلاً من النساء ، لأنني لا أريد منكم إلا إمرأة واحدة ، رجالي يطوقونكم وسوف لا نبقي لكم اثراً إذا لم تسلموا عند منتصف الليل سبعين قطعة من الذهب فدية ابن عمي .
فراح القوم يتجادلون ويتحاورون بعض الساعة وصاح أحدهم بعدئذ :
ــ موافقون ، موافقون ….
وقاموا من توهم يجمعون الفدية من كل بيت ، وبعد مدة طويلة صاح أحدهم :
ــ خمسون قطعة لا نملك غيرها .
فجاء صوت دهام كالهدير :
ــ سبعون أو نطلق النار .
فصاح آخر :
ــ تعال وفتشْ .
فأجاب دهام :
ــ حسناً ، ليحملها إليّ أحدكم .
فانساب قاربٌ إليهم ولما رجع صرخ دهام :
ــ ادفنوا ابن عمي دفناً يليق بمقامه إذا ما عثرتم عليه وسأرجع في طلب صادجة .
انبثق الفجر واجتمع القوم يتحدثون عن الليلة المشؤومة والكل يلعن سيدي وصادجة ، وجاء رؤساؤهم يطلبون منا الرحيل قبل أن تحل بهم مصيبة أعظم فأجابهم سيدي غاضباً :
ــ لا أخشى أن أكلم قوماً جبناء مثلكم ، إنني لم أطلب حمايتكم عندما حللتُ دياركم بل سكنتُ بعيداً منكم ، ولكنكم تقربتم مني لتستفيدوا من خبرتي ، وتفاخروا القبائل الأخرى باستيطان شيخ من قريش بين ظهرانيكم ، ولما أصبحتُ بحاجة إلى المعونة أخذتم تتملصون منها ، أنتم كلاب أولاد كلاب ، فأنا لا أحتاج إلى حمايتكم ، الموت ولا فقدان الشرف ، سأبقى في مكاني ولا أتحرك عنه شبراً واحداً ، إذا كان بقائي لا يحلو لكم ارحلوا أنتم من هذهِ الديار فأرض الله واسعة ، فأجاب أكبرهم سناً :
ــ ما هذهِ الإهانة ؟ إذا ما نضجت الفاكهة وجب قطفها ، وإذا ما شبت الفتاة وجب تزويجها ، لماذا تعصي أمر الله وسنة الرسول ، وتجلبُ لنفسك ولنا الدمار ، زوجها من أحد رجالنا ، أليس كلامي هذا مصيباً .
فصرخ سيدي هازئاً :
ــ أُزوِّجُ ابنتي من أحد رجالكم ، ابداً .
فخرج الكل ، وسمعتُ بعضهم يقول :
ــ لتقع المصيبة على رأسه وحده .
ودعاني إليه وقال :
ــ إننا لم ندفع حصتنا من الفدية ولا أريد أن يقولوا عني فقير لا أتمكن من دفع حصتي ، استعرْ قارب جارنا لنذهب ونبيع حصراننا ونعتق ذمتنا .
حملنا الحصران إلى القارب وسرنا ووجهتنا إحدى القرى لبيعها ، وكانت صادجة في المؤخرة تدير دفة القارب وأبوها أمامها صامتاً كأن على رأسه الطير ، إن اللسان ليعجز عن وصف جمال صادجة وهي في وضعها هذا وبقيت تتمتع بذلك الجمال الملائكي ، بذلك القد الذي كان ينثني وهو يحرك المجداف كأنه الغصن لما يميل تحت تأثير النسيم وبالشعر الناعم المسترسل على كتفيها بضفائر ثخينة متدلية من تحت طرحتها ، وبتلك العينين السوداوين اللتين يشع منها النور كأنها سهام فتاكة .
وصلنا إلى قناة ارتفعت أوراق البردي على جانبيها وسمعنا حركة وراء الأوراق فتكلم سيدي آمراً :
ــ ارجع إلى القرية .
فتملكتنا الدهشة أنا وصادجة ، لماذا يخاف إلى هذا الحد ، فتكلمت صادجة وقد توردت وجنتيها :
ــ لا نرجع يا أبي قبل أن تنتهي المهمة التي جئنا من أجلها ، لم هذا الخوف ونحن مسلحون ؟
فلم يأبه والدها بكلامها وصرخ فيّ قائلاً :
ــ ألم آمرك بالرجوع يا ابن الكلاب ، لعنة الله عليك أتجسر أن تعارضني وأنا سيدك .
وأدرتُ القارب بحركة سريعة من مجدافي ، وبقي مجداف صادجة غاطساً في الماء خذولاً ، ولما التقى نظري بنظر سيدي شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي لأنني شهدتُ الذل يعلو جبينه في تلك اللحظة ، وظهر لي أنه قد تقدم في السن دهراً ، فقد تقوس ظهره وغارت عيناه وشاعت الكآبة في وجهه .
وصلنا القرية وتركتنا صادجة وقصدت الكوخ دون أن تكلمنا ، وبقي والدها ينظر إليّ بحزن وهو جالس في مكانه لا يتحرك وأخيراً تكلم قائلاً :
ــ ألم تلاحظ ؟
فأجبتُ مندهشاً :
ــ كلا لم أسمع إلا حركة وراء أوراق البردي
فأجاب بصوت متهدج :
ــ لم أسألك عما سمعت ، ألم تر شيئاً ؟
فأجبتُ وقد زادت دهشتي :
ــ كلا يا سيدي .
فدمدم وهو يترك القارب :
ــ الويل والثبور لي ولابنتي .
فأخذتُ الحصران لأرجعها إلى الكوخ دون أن اتفوه بكلمة ، فالتفت إليّ وافهمني بأننا راجعون غداً عند الفجر لبيعها وسينتهي كل شيء ومشى ، ولما اقتربتُ من الكوخ كان كل شيء هادئاً ، ولم أسمع حركة حتى وراء مخدع صادجة وكان الشيخ جالساً ، فأشعلتُ النار لأجهز له القهوة وأخذتُ أنظرُ إليه على ضوئه فجمد الدم في عروقي ، وشعرتُ بقلبي ينخلع من مكانه ، وجدته يبكي والدموع تنحدر على خديه وتختفي بالتجعدات التي ظهرت في وجهه ، فسمرتُ بصري في وجهه وكتمتُ بعد لحظة صرخة كادت تفلت من حنجرتي :
ــ لقد فقد سيدي بصره .
انقضت الليلة ودنا الفجر ، ورجعنا بالقارب من حيث سرنا في اليوم الفائت ، وبعد سير ساعة أشار إليّ قائلاً :
ــ سرْ يساراً إلى جزيرة ( أم الفروخ ) .
تجهم وجه صادجة ولكنها لم تتكلم إذ فكرت أن والدها يطيل الطريق خشية أن نلتقي بدهام ، كان القارب يسيرُ ببطء ، ولم يكن سيدي يطلبُ الاسراع ، فشعرتُ إن قضية بيع الحصران ما هي إلا لعبة تخفي وراءها أمراً مُخيفاً ، وكانت الحصران وهي في قاع القارب تظهر لي كجثة وحفيف البردي أصوات النائحات .
أعلنتُ وصولنا ( أم الفروخ ) ، وهي جزيرة منعزلة فنزل الشيخ إلى البر يقود صادجة ، وقال لي دون أن يلتفت :
ــ لا تترك مكانك إلى أن أعود إليك .
ومشى هو وابنته يداً بيد وغابا عن نظري وكان الهواء في ذلك اليوم جامداً قد كتم أنفاسه خائفاً من النتيجة ، وبعد مدة طويلة حمل إليّ نسيمٌ خفيف حديثهما وكنتُ أسمعهُ بوضوح فانكشف لي سر مجيئنا إلى هذهِ الجزيرة فأحنيتُ رأسي إلى مشيئة الله .
سألته وفي صوتها رعبٌ شديد :
ــ ما هذهِ الأطوار يا والدي ، ولما هذا الوجوم والإطراق ، لماذا جئت إلى هذهِ الجزيرة المخيفة المملوءة قبوراً .
فأجابها بصوتٍ أجش :
ــ جرمك يجعلك خائفة ، إذا دنست إمرأة شرف أهلها فما هو جزاؤها في عرف الأجداد ؟ أليس هو الموت ؟
فصرخت فزعة باكية :
ــ لا تقلْ ذلك يا والدي .
فأكمل :
ــ وإذا اشتهت إمرأة منا زوجاً ليس من دمها وأقل نبلاً ونسباً من نسبها ألا تُدنس شرف قبيلتها ؟
فأجابت بمرارة :
ــ هذا ما كنتً تلقنني إياه يا والدي .
فقال بصوتٍ مرتجف :
ــ إذن عرفت لماذا جئتُ بكِ إلى هنا .
فصرخت :
ــ لا ، لا ، يا والدي لا تقدر أن تقتلني إذ أنا كل شيء عندك في هذهِ الدنيا ، لا تقدر أن تعيش بدوني ، ألستُ ابنتك ؟ ألستُ من دمك ؟
فلم يحرْ جواباً ، فأكملت :
ــ ألا لعنة الله على النسوة اللواتي سممن أفكارك ، وذهبن بحكمتك ، فكر في حزنك القاتل بعد أن أموت ، ما هي الحالة التي ستصبح بها لما تتحقق من براءتي ؟
فصرخ كالأسد الجريح :
ــ لا يمكنُ أن يؤثر عليّ إنسان ، كيف أكذِّبُ عيني ؟ إلا أذا كنتَ أعمى ، كما أنا الآن .
فصرخت صادجة فزعة :
ــ أنت أعمى الآن ؟ مسكينٌ يا والدي .
فأجاب الشيخُ باكياً :
ــ نعم أعمى الآن ، ولكن قبل أن يذهب آخر بصيص من عيني عرفتُ البرهان القاطع ، لما سمعتُ الأصوات وراء البردي كانت عيناي في عينيك فوجدتُ بها الحقيقة الناصعة ، نور الحب .
فصرخت :
ــ إنه ادعاء فارغ ، إنك كنت دائماً تحبُ نور عيني وصفاءهما ، وهذا البريق كان نور الشمس .
فأجاب الشيخُ بصوتٍ مخنوقٍ بالعبرات :
ــ كنتُ أتمنى أن أكون مخدوعاً ولكنْ كيف ، وقد شهدتُ عيون زوجاتي الكثيرات ، لا يُنجيك الآن إلا الموت .
فأجابتهُ متوسلة :
ــ اعف عني يا والدي ، اعف عني !!
ودوت صرخة قوية مزقت سكون الجزيرة :
ــ إليّ … إليّ … إليّ يا دهام يا حبيبي .
انقلب دمي في تلك اللحظة إلى ماء وجمد في عروقي وشعرتُ بكابوس يهد بدني فهربتُ لا ألوي على شيء ، ورجعتُ إلى القرية .
رجعتُ في اليوم الثاني مع بعض الرجال ، ولم نكد نصل الجزيرة حتى طلع علينا شيخٌ جاحظ العينين عاري الجسم ملطخٌ بالدم والوحل … هو دهام وصرخ بنا :
ــ ارجعوا كلكم … أنا وحدي أدفنُ موتاي .
سليم بطي
بغداد

///////////////

بَعْضُ التَعْقِيب على قِصَّة ( صادجة )
بِقَلَمِ : شذى توما مرقوس
الجُمعة 17 / 2 / 2017 م ـ السبت 18 / 3 / 2017 م .

عَثَرْتُ وكمَا ذَكرْتُ على قِصَّتينِ قَصِيرَتينِ لسليم بطي مَنْشُورَتين في مَجَلَّة ِالأَدِيب اللُبْنَانِيَّة الشَهْرِيَّة ، وهما : بِنْتُ الطحَّان وصادجة ، لا تَعْقِيب لي على قِصَّةِ بِنْتُ الطحَّان فهي وافِيَة ، لكِنَّ لي ما أَكْتُبهُ عَنْ قِصَّتِهِ ( صادجة ) . 
الَّذِي دعاني لِكتَابَة تَعْقيبٍ على هذِهِ القِصَّة هو سِيَاقُ الأَحْدَاث فيها ، فهَلْ إِنَّ القِصَّة فيها مِنْ الغرَابَةِ ما فيها ، أَمْ إِنَّ الزَمَنَ الَّذِي نَعيشُ فيه جَعلَ مِنْ أَحْدَاثِها الغرَابَة عيْنها ؟
تَتَناولُ القِصَّة الأَحْدَاث في مُجْتَمعٍ عشَائرِيّ تَحْكُمهُ الأَعْرافُ والتَقَاليد ، والقِصَّة غارِقَة في الغرَابَة ، فكُلُّ أَمْرٍ غرِيبٍ يَتْبَعهُ الأَغْرَبُ مِنْهُ ، حَتَّى لأَنَّ الفَرْدَ القَارِئ يَتَساءل إِنْ كانَ يَقْرأُ عَنْ تَصَرُفاتِ أَشْخاصٍ أَسْوِياء أَمْ مُخْتَّلين .
القِصَّة تُثِيرُ نُقْطَة حيَوِيَّة وتَقُودنا إِلى نَتَائجها أَلا وهي غِيَابُ الحِوار بَيْنَ الأَطْرَاف ، غِيَابُ الحِوار بَيْنَ الأَب وابْنَتِهِ ، بَيْنَ العاشِق ( دهام ) وبَيْنَ والِد حبِيبَتِهِ ( صادجة )  ، غِيَابُ الحِوار بَيْنَ الأَب وبَقِيَّة أَفْرَاد العشِيرَة ، ( هي نُقْطَة يُعاني مِنْها المُجْتَمع الإِنْسَانِيّ على اخْتِلافَاتِهِ وعلى مَرِّ العصُورِ بِنِسَبٍ مُتَفاوِتَة  ) ، وكُلّ ما يَتَبادلَهُ الجَمِيع مِنْ حِوارٍ ( إِنْ كانَ يُسْمَحُ بِطيِّهِ في قَائمةِ الحِوار ) هو الشَتَائم والمَسَبَّات .
غِيَابُ الحِوار

القِصَّة تُثِيرُ نُقْطَة حيَوِيَّة وتَقُودنا إِلى نَتَائجها أَلا وهي غِيَابُ الحِوار بَيْنَ الأَطْرَاف ، غِيَابُ الحِوار بَيْنَ الأَب وابْنَتِهِ ، بَيْنَ العاشِق ( دهام ) وبَيْنَ والِد حبِيبَتِهِ ( صادجة )  ، غِيَابُ الحِوار بَيْنَ الأَب وبَقِيَّة أَفْرَاد العشِيرَة ، ( هي نُقْطَة يُعاني مِنْها المُجْتَمع الإِنْسَانِيّ على اخْتِلافَاتِهِ وعلى مَرِّ العصُورِ بِنِسَبٍ مُتَفاوِتَة  ) ، وكُلّ ما يَتَبادلَهُ الجَمِيع مِنْ حِوارٍ ( إِنْ كانَ يُسْمَحُ بِطيِّهِ في قَائمةِ الحِوار ) هو الشَتَائم والمَسَبَّات .
غِيَابُ الحِوار يُؤَدِّي إِلى نَتَائج مَأْساوِيَّة ، لأَنَّ بِغِيَابِهِ تَبْقَى المشَاكِلُ قَائمة ، وفي الوَقْتِ ذَاتهِ لا يَتِمُّ التَعْرِيف بِها ومُحاولَة عِلاجِها بِطُرُقٍ سلِيمَة .
كما يُلاحَظُ في القِصَّة الإِعْلان عَنِ الحُبِّ زَلَةً لا تُغْتَفر لا يَكونُ عِلاجَها غَيْر المَوْت قَصَاصاً ، حَتَّى وإِنْ كانَ هذَا الحُبّ غَيْر مُعْلَن وسرِيّ وغَيْر مُبَاحٍ بِهِ ، فمُحاسَبَة الآخَرِين حَتَّى على مَشَاعِرِهِم الخَفيَّة والخَاصَّة بِهم وَحْدَهم كسِرٍّ مِنْ أَسْرارِ نفُوسِهِم  أَمْرٌ مُسَلَّمٌ بِهِ ، وهذَا يَدْعو لِلعجَبِ والغرَابَةِ ، وإِنْ كانَ الحالُ في مُجْتَمعٍ عشَائرِيّ.
ثُمَّ يَأْتي أَمْرُ اعْتِبارِ الجمَالِ والفِتْنَة بَلِيَّة تَرُوحُ صَاحِبَتُهُ ضَحِيَّةً لَهُ رَغْمَ إِنَّ لا ذَنْبَ لَها في كوْنِها جمِيلَة وفَاتِنَة إِذْ حَبَتْها الطبِيعة بِذَلِك  (  فقد كانت إذا مشت بين فتيات القرية تبدو كغزال بين قطعان الماشية ، وقد أصبح اسمها على كل لسان وفتنتها مضرب الأمثال وتغنى بجمالها شباب القبيلة فكنتُ أخافُ عليها كما يخافُ الإنسان من شرارة لهب تمتد إلى أكواخ من القش … )
أَمَّا الطرِيقَة الغرِيبَة الَّتِي يَأْتي بِها العاشِقُ لِطلَبِ يَدِ حبِيبَتِهِ مِنْ والِدِها فهي لا تُثِيرُ العجَب فحسْب وإِنَّما تَدْعُو لِلتَسَاؤلِ إِنْ كانَتْ الأمُور تَجْرِي فِعْلاً هكذَا ( في زَمَنِ القِصَّة ) ، فهو يَأْتي لَيْلاً ويُطْلِقُ الرَصَاص مُعْلِناً عَنْ قدُومِهِ ثُمَّ يُهِينُ القَوْمَ الَّذِي يَقْصُدهُم ( فيَقُول  بِأَنَّهُ جاءَ لِيَطْلُبَ يَدَ الجَوْهرَةِ المَطْمُورَةِ في الأَوْسَاخ ، زَهْرَة واحِدَة في أَشْواكِكم  ) ، ثُمَّ يُواصِلُ شَتْمَهُ لِلقَوْمِ بَعْدَ مَقْتَلِ ابْنِ عَمِّهِ ( أَيُّها الكِلاب ) ويَتَوَعَّدهُم بِالويْل إِنْ لَمْ يَدْفَعوا الفدْيَة ثَمَناَ لِدَمِهِ ، فيَنْصاعون لَهُ ، وبَعْدَ أَنْ يَسْتَلِمَ مِنْهُم الفدْيَة يُطالِبَهُم بِاَنَّ يَدْفنُوا ابْنَ عَمِّهِ بِطرِيقَةٍ تَلِيقُ بِمَقَامِهِ إِنْ عثَروا على جُثَّتِهِ ويُخْبِرهُم بِأَنَّهُ سيَعودُ فيما بَعْد لِطلَبِ يَدِ حبِيبَتِهِ ، والأَغْرَب هو رَدُّ فِعْلِ والِد الفتَاة ( الَّذِي يُصَوَّرُ في القِصَّة كشَيْخٍ حكِيمٍ وقُور ) حَيْثُ يَرُدُّ بِرَصَاصَةٍ على المُتَقَدِّم لِطلَبِ ابْنَتِهِ فيَقْتُلَ شَخْصاً دُوْنَ سَبَب ( ابْن عمّ دهام ) ويَمْضِي أَكْثَر في غَرَابَتِهِ فيُحاسِبُ ابْنَتَهُ على ما قَرأَهُ في عَيْنَيْها ( وفي النِهايَة يَقْتُلَها )  ، ثُمَّ مَوْقِفه مِنْ أَهْلِ القَرْيَة وشَتْمِهِ لَهُم وإِهانَتِهِم بِكلِمَاتٍ جارِحة ( جُبنَاء ، كِلاب أَوْلاد كِلاب )  ، وكُلّ هذَا وهو الشَيْخ الوقُور ذُو الحسَبِ الرَفِيع والنَسَب والدَّمُ الأَصِيل  ووو ……. 
تَأْتي النُقْطَة الأُخْرَى فيما يَتَعلَّقُ بِشَخْصِيَّة راوِي القِصَّة الغَارِقَة في السَلْبِيَّة ، فهو يَشْهَدُ قَتْلَ أَبٍ لابْنَتِهِ فيَنْحنِي لِمَشِيئةِ الأَقْدار ( وهي في الحقِيقَة مَشِيئة سَيِّدِهِ والِد صادجة ) ، ولَيْسَ هذَا فَقَطْ ، بَلْ يَفُرُّ مِنْ المَكانِ كأَيِّ جبَانٍ عائداً إِلى القَرْيَة ، دُوْنَ أَنْ يُحاوِلَ أَمْراً لِمَنْعِ جَرِيمَةٍ تُمَارسُ باسْمِ النَسَب الرَفِيع والشَرَفِ والمَنْزِلَة  ، ثُمَّ  نَراهُ يُولْوِلُ على ما حَدَث .
أَمَّا الجزِيرَة الَّتِي حدَثَتْ فيها الجَرِيمَة ، وكأَنَّها المَكان الَّذِي يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ شَاء أَحَداً فيها ويَدْفُنهُ هُنَاك ثُمَّ يَعُودُ وكأَنَّ أَمْراً لَمْ يَحْدُثْ .
القِصَّة لا تَخْلُو مِنْ أَوْصَافٍ جَمِيلَةٍ مُعبِّرَة  : ( فكنتُ أخافُ عليها كما يخافُ الإنسان من شرارة لهب تمتد إلى أكواخ من القش … ) ، ( وكانت الحصران وهي في قاع القارب تظهر لي كجثة وحفيف البردي أصوات النائحات ) .
لَمْ يَكُنْ المُؤَلِّف مُوَفَّقاً في طرِيقَةِ صِياغتِهِ لِلوَصْف : ( فقد كانت إذا مشت بين فتيات القرية تبدو كغزال بين قطعان الماشية ) فالجُمْلَة غَيْرُ عادِلَة بِحقِّ فَتياتِ القَرْيَة ، وأَيْضاً بِحقِّ المَاشِيَة كحيَواناتٍ جَمِيلَة في حقِيقَتِها تَمَّ  تَصْوِيرها على إِنَّها قَبِيحة ضِمْنَ هذَا الوَصْف  ، أَمَّا الكِلاب ، هذِهِ الحيَوانَات الجَمِيلَة الوَفِيَّة ، فكانَ لَها النَصِيبُ الأَكْبَر مِنْ الظُلْم في هذِهِ القِصَّة .
فِكْرَةُ القِصَّة لَمْ تُنْتِجْ الحبْكةَ القِصَصِيَّة الوافِيَة ، فجاءَ بِنَاءُ الأَحْدَاث في عازَةٍ لِتَرَابُطٍ وإِتْقَانٍ أَوْفَى ، والحِوار لَمْ يَخْدُمْ مُجْريَات القِصَّة بِالشَكْلِ اللازِم .
على خَيْرٍ نَلْتَقِي أَخَواتي / إِخْوتي مِنْ المُتَابِعاتِ والمُتَابِعين ، شُكراً لِصَبْرِكُم وتَواصُلِكُم . 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, الفن الآشوري, ثقافة, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.